الولايات المتحدة خطر على الإنسانية
الطاهر المعز
السياسات والخطط الخارجية:
شَكَّل العدوان العسكري على سوريا (التي يحتل الجيش الأمريكي جزءًا من أراضيها) مؤشِّرًا على السياسة الخارجية الأمريكية، خلال فترة رئاسة "جوزيف بايدن"، من الحزب الديمقراطي، الذي يمتلك الرقم القياسي في عدد الحروب العدوانية الأمريكية، تجسيدًا لعَسْكَرَةِ السياسة الخارجية الأمريكية، وتطبيق "دبلوماسية" القصف الجوي، بالقنابل النووية ضد اليابان عند انتهاء الحرب، سنة 1945، وقصف كوريا وتكريس تقسيمها سنة 1953، ومحاولة غزو كوبا وحصارها، وتكثيف قصف وحرق محاصيل مزارعي فيتنام، منذ فترة "جون كيندي" و"ليندون جونسون"، وكثَّفَ الطيران الحربي الأمريكي قصف العراق المُحاصَر خلال سنوات 1996 – 1998، في فترة حكم "بيل كلينتون" (الحزب الديمقراطي) وغير ذلك من الأعمال العدوانية، إلى غاية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، حيث كان العدوان على ليبيا وعلى سوريا، خلال فترة رئاسة "باراك أوباما"، الحائز (بلا مُبَرِّر) على جائزة نوبل للسّلام. لذا فإن "جو بايدن" يواصل سياسات العدوان والإغتيال عن بُعد، بواسطة الطائرات الآلية، والحصار و"العُقوبات" (بأي حق وبأي منطق تفرض الإمبريالية عقوبات على شعوب وبلدان ودول أخرى؟) وإطلاق التهديدات ضد المُنافسين (روسيا والصّين)، بدعم من الإتحاد الأوروبي...
يعكس حجم ميزانية الحرب عَسْكَرَةَ السياسة الخارجية الأمريكية، حيث تُقدّر الميزانية العسكرية السّنوية الأمريكية المُعْلَنَة بنحو 740 مليار دولارا، بالإضافة إلى أكثر من 250 مليار دولارا أخرى غير مُعْلَنَة، أي ما مجموعه نحو تريليون دولارا، وينتشر الجيش الأمريكي، خارج حدود الولايات المتحدة، في القارات الخمس، في البحار وفي الفضاء، وفي ما لا يقل عن ثمانمائة قاعدة عسكرية أمريكية ثابتة، ويُشرف الجيش الأمريكي على قواعد حلف شمال الأطلسي، الذي تَوَسَّع، بدَل أن يَقَعَ حلُّهُ، بعد انهيار الإتحاد السوفييتي، ليشمل أوروبا الشرقية، إلى حُدُود روسيا، وليشن الحروب العدوانية على شعوب العالم، من أفغانستان إلى مالي، ويتمتّع الكيان الصهيوني بمنزلة خاصة مُبَجَّلَة ضمن المنظومة العسكرية الأمريكية والأطلسية، ويحصل على منحة عسكرية سنوية قدرها 3,8 مليارات دولارا، بالإضافة إلى مبلغ مماثل من المنح والتبرعات لدعم سياسة الإحتلال واستيطان فلسطين.
من جهة أخرى، ارتفعت قيمة مبيعات شركات تصنيع الأسلحة الأمريكية (أهمها "لوكهيد مارتن" و "راثيون تكنولوجيز" ) من حوالي 115 مليار دولارا، سنة 2019، إلى 175 مليار دولارا تَمّ الإعلان عنها سنة 2020.
لا يتمُّ تصميم ميزانية الحرب الأمريكية من أجل الدّفاع عن حدودها (أين تبدأ وأين تنتهي حدودها؟)، فلم تتعرّض الولايات المتحدة لأي هجوم عسكري، ولا لأي عدوان، من أي دولة، خلال تاريخها القصير، بل صُمِّمَت الميزانية من أجل تعزيز الهيمنة على العالم، باسم "الأمن القومي الأمريكي"، وهي ميزانية تدعم العدوان المستمر على البلدان والشعوب، وآخرها (عند تحرير هذه الفقرات) عدوان شنه الطيران الحربي الأمريكي على مناطق شرق سوريا (قريبا من معبر "البوكمال" على الحدود مع العراق)، فَجْرَ يوم الجمعة 26 شباط/فبراير 2021، تُسمِّيه بروبَغَنْدا الجيش الأمريكي "ضَرَبات"، ويُرَدّدُ الإعلام العربي والعالمي نفس الكذبة، وأعلنت مصادر طبّيّة عن استشهاد ما لا يقل عن 22 شخصًا، بعد يوم واحد من عُدوان جوي صهيوني على مناطق أخرى من سوريا، وتزامن هذا العدوان المزدوج مع تهريب أمريكي واسع النّطاق للنفط والقمح (من "الحسكة")، من شمال شرقي سوريا نحو العراق، عبر طريق حدودية، غير نظامية، مُخَصّصَة لاستخدام جيش الإحتلال الأمريكي وحلفائه من المنظمات الإرهابية.
يتم تنفيذ هذا العدوان وغيره، على سوريا، بتواطؤ من حكومة العراق، وبتنسيق مع الإحتلال الصهيوني، بحسب وكالة "رويترز"، ويُؤكّد هذا العدوان استراتيجية ومخططات الإمبريالية الأمريكية في الوطن العربي، المعتمدة بشكل شبه حَصْرِي على القوة العسكرية، من خلال السيطرة عسكريا على الحدود السورية العراقية، وعلى حقول النفط السورية، شرق البلاد، حيث أنشأ جيش الإحتلال الأمريكي عددًا من القواعد الأميركية في حقل "العمر" وحقل "كونيكو"، وبالقرب من المنفذ الحدودي "البوكمال"، وفي دير الزور شرقي سوريا، بالإضافة إلى أشغال بناء قاعدة كبيرة على الحدود بين سوريا والعراق وتركيا (منطقة "عين ديوار").
تزامنت هذه العملية العسكرية العدوانية ضد شعب ودولة سوريا مع بداية مناورات عسكرية أطلسية، انطلاقا من القاعدة الأمريكية والأطلسية "سيغونيلا" بالمياه الإيطالية (بقيادة الولايات المتحدة حَتْمًا ) من 22 شباط/فبراير إلى 05 آذار/مارس 2021، استُخدمت فيها السفن والغواصات النووية وحاملات الطائرات، بمشاركة جيوش إيطاليا وفرنسا وألمانيا واليونان وإسبانيا وبلجيكا وتركيا (وراء الولايات المتحدة)، وتلي هذه المناورات، مناورات أخرى في الخليج العربي، أما هدف المناورات، فهو "مُطاردة غواصات روسية، تُهدّد أمن أوروبا، في البحر الأبيض المتوسّط"، بحسب وكالة "آكي" (إيطاليا 02 آذار/مارس 2021)، وينفذ جش الجو والبحرية الأمريكية، خلال نفس المدة مناورات في المحيط الأطلسي، بمشاركة حاملة الطائرات "أيزنهاور"، لدعم الحُلفاء، بالتوازي مع مناورات بحرية وجوية بمشاركة "النّرويج"، بهدف "إثبات سرعة وقدرة الولايات المتحدة على دعم الحلفاء، من خلال تنفيذ عمليات على الحدود الرّوسية"، وتتم المناورات العسكرية الثلاث المتزامنة تحت عنوان "الدفاع عن أوروبا ضد العدوان الروسي"، وبذلك تمدّد حلف شمال الأطلسي بعد انهيار الإتحاد السوفييتي، إلى حدود روسيا، وأصبح يُحاصرها، ويُهدّد أمنها، كما يُهدّد أمن الصين، على حدودها أيضًا، وعلّل الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ستولتنبرغ) يوم 26 شباط/فبراير 2021، هذه المناورات بقوله: "إن التهديدات السابقة (لانهيار الإتحاد السوفييتي) لا تزال قائمة، بسبب الإجراءات العدوانية لروسيا"، ليستنتج ضرورة "تعزيز الارتباط بين الولايات المتحدة وأوروبا"، فيما أكده المجلس الأوروبي، خلال نفس اليوم "الالتزام بالتعاون الوثيق مع حلف شمال الأطلسي، في مجالات الأمن والدّفاع، ومع إدارة جو بايدن الجديدة"، أي جعل أوروبا بمجملها في خدمة استراتيجية الهيمنة الأمريكية...
الوفاق الدّاخلي الأمريكي بشأن السياسة الخارجية المُسلّحة:
يُشكّل الوفاق الدّاخلي بين مختلف التيارات أحد أهم نقاط قُوّة النظام الإمبريالي الأمريكي، فالإختلاف لا يتجاوز بعض الجوانب الشّكلية، ولا يحتدّ سوى عند ارتفاع الخسائر البشرية داخل صفوف الجيش، إذْ تَتّفِقُ مجمل التيارات السياسية ومختلف المراكز "البحثية" ووسائل الإعلام المُهَيْمِنَة الأمريكية على سياسة القُوّة التي تنتهجها الحكومات والقيادات السياسية والعسكرية للولايات المتحدة، وتتفق على إنشاء قواعد عسكرية على بُعْد آلاف الكيلومترات من حدود الولايات المتحدة ومُستعمَراتها، بذريعة حماية الأمن القومي، أي مصالح الشركات الرأسمالية الإحتكارية ومصالح مُجَمّع صناعة الأسلحة، ومصالح الشركات الكبرى التي تُنافِسُها الشركات الصينية، في مجالات الصناعة (بما في ذلك صناعة الأسلحة) والتجارة والتكنولوجيا والخَدمات...
اعتبر قادة الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري والناطقون باسم مختلف مراكز البحث أن احتلال العراق وسوريا، وغيرها جائز ومشروع، بل "خطوة إيجابية"، بحسب باحثة في معهد "بروكينغز"، إذْ وجَبَ رَدْعُ كافة الأعداء الحقيقيين والإفتراضيين، وإطلاق الحروب "الوقائية"، أي الهجومية، بدل الحروب الدّفاعية، "لتذكير الخُصُوم بعدم الإقتراب من المصالح الأمريكية"، بحسب أحد أعضاء لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، وما "المصالح الأمريكية" سوى تعبير فضفاض يُجيز ويُبَرِّرُ الهيمنة، باستخدام كافة الوسائل، من الدعايات الكاذبة إلى الإغتيالات (فوق أراضي الغَيْر) والقوة العسكرية ضد كافة بُلدان وشعوب العالم، وضد المراكز الحضارية التاريخية العراق وسوريا واليمن، والإستحواذ بالقُوّة على المواقع الإستراتيجية، وعلى ثروات الشّعوب، كالنفط والحُبُوب والمعادن...
أدّى العدوان الأمريكي، خلال 15 سنة، منذ بداية العقد الحادي والعشرين وحتى سنة 2015، على أفغانستان والصومال والعراق وليبيا وسوريا واليمن، إلى نتائج مُدّمِّرة لحياة وصحّة الشعوب، ومن بينها اعتماد حوالي ستّين مليون مواطن من هذه البلدان على المساعدات الإنسانية، وتتوقع الأمم المتحدة (الشؤون الإنسانية)، بحسب تقرير نشرته في بداية كانون الأول/ديسمبر 2020، أن يلتحق بهم ما لا يقل عن خمسة ملايين آخرين سنة 2021، فيما حُرِم ملايين الأطفال من المَسْكن، ومن الغذاء ومن الرعاية الصّحّية والتعليم، وتمكّنت الإمبريالية الأمريكية، ودول حلف شمال الأطلسي والكيان الصهيوني من تدمير الوطن العربي بفعل تواطؤ الأنظمة العربية، وخاصة دويلات الخليج التي أنفقت سنة 2020 قرابة 113 مليار دولارًا على شراء أسلحة (معظمها أمريكية) تُستخدم لقتال العرب و"المُسلمين"، في ظل التحالف المُعْلَن مع الكيان الصهيوني ضد الشعوب العربية والمسلمة.
تسبّبت الحُروب العدوانية الأمريكية بذريعة "مكافحة الإرهاب"، خلال خمسة عشر سنة من القرن الواحد والعشرين، في خسائر مادّية مباشرة بلغت نحو خمسة تريليونات دولارا، وفي خسائر إجمالية تقارب ثلاثين تريليون دولارا، وفْقَ تقديرات الأمم المتحدة...
انعكاسات السياسات العدوانية على السياسات الدّاخلية للولايات المتحدة:
إذا انطلقنا من مبدأ تَحَكُّم رأس المال في أجهزة الدّولة، التي تَشُنّ الحروب دفاعًا عن مصالح رأس المال الإحتكاري، بهدف تأمين الموادّ الأولية والعمالة الرخيصة، والأسواق لترويج الإنتاج، فإن السياسات الدّاخلية للدّولة في الدول الرأسمالية الإمبريالية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تعكس مصالح هذه الشركات الرأسمالية الإحتكارية، التي تحتاج إلى الإستقرار و"السّلم الإجتماعي"، ويمكن تحقيق الإستقرار عبر التّشريعات ومنظومة القوانين، والدّعاية الإعلامية (حشو الدّماغ) وبرامج التعليم، وغيرها من أساليب الهيمنة "النّاعمة"، إلى جانب القُوّة "الخشنة"، من خلال المُراقبة الدّاخلية، والقمع الذي تنفّذه قوات الأمن المُسلّحة، التي تُنسّق عمليات وأساليب القمع مع نواب البرلمان وجهاز القضاء وإدارة السّجون والعديد من أجهزة مراقبة الفُقراء والكادحين والنقابيين والمُعارِضين لمنظومة رأس المال...
رغم وصف الولايات المتحدة بأكبر ديمقراطية في العالم، تبرهن بعض المؤشرات على السياسة القمعية وعلى الإقصاء المُبَرْمَج لعشرات ملايين المواطنين من الفضاء العام، بواسطة السّجون المُكتظة، ومن النظام الإنتخابي، رغم محدودية تأثير عملية الإقتراع في منظومة رأس المال، وعلى الإستغلال الفاحش لعُمّال الشركات الإحتكارية مقابل أُجْرَة يومية تقل عن خمسين دولارا ( 7,25 دولارا في السّاعة) ولعمال الزراعة وللمهاجرين والمهاجرات، ناهيك عن الإستغلال الفاحش لعاملي بُلدان "الأطراف"، أو "المُحيط"، ونورد بعضًا من هذه المؤشرات، على سبيل الذّكر، لا الحَصْر، وسبق أن أشرتُ عددًا من المرات، وفي مقالات عديدة، إلى سياسات الإستغلال والإضطهاد والقَمْع داخل الولايات المتحدة، حيث تُصنّف الدّولَةُ الفُقراءَ وكل مُعارض كعدُوّ داخلي، وجبت مُحاربته.
إهمال الفقراء:
نادرًا ما تتعرض السياسة التوسّعية للإمبريالية الأمريكية للنّقد، داخل الولايات المتحدة، حيث يُعاني الفُقراء من انخفاض الرواتب ومن نقص الموارد لتسديد قيمة إيجار المسكن وثمن مواد غذائية صحّيّة وسليمة، كما كان الفُقراء أول المتضرّرين من الكوارث الطبيعية وضُعف وسائل (وثقافة) المقاومة والوقاية من العواصف والأعاصير التي تتعرض لها الولايات المتحدة، خاصة في السواحل الشرقية، والجنوبية ( وكان بعضها أراضي تابعة للمكسيك واستحوذت عليها الولايات المتحدة في منتصف القرن التاسع عشر)، ولا يزال فقراء خليج المكسيك وولايات فلوريدا ولويزيانا ونيو أورليانز وتكساس يعانون من آثار إعصارات سنة 2005، حيث قتلت المياه والرياح أكثر من 2500 شخص، وقُدّرت الخسائر المادّية (معظمها لمنازل وممتلكات الفقراء) بنحو ثمانين مليار دولارا، بسبب ضُعف منظومة الإنقاذ والإغاثة، بعكس كوبا، حيث نادرًا ما يموت مواطنون بسبب الكوارث الطبيعية، بفضل التوعية المستمرة للمواطنين الذين يُشاركون في عملية الوقاية والإغاثة، رغم قِلّة الموارد. تتكرّر مثل هذه الحوادث، لأن الإعصارات والعواصف موسمية، دَوْرِيّة، في مناطق معروفة من العالم، خاصّة على خط الإستواء، وبين المحيط الأطلسي والهادئ، كما يتأثر الفُقراء، أكثرَ من غيرهم، بموجات البرد الشّديد، في بعض مناطق الولايات المتحدة، خلافًا لروسيا التي تتهيأ لموسم البرد الطويل جدّا، وتسبّبت موجة البرد، خلال الأسبوع الأخير من شهر شباط/فبراير 2021، في انقطاع التيار الكهربائي والمياه في بيوت نصف سُكّان ولاية تكساس التي توقّف إنتاج النفط بها، وارتفعت أسعاره في الأسواق العالمية، بنسبة فاقت 4%، بحسب وكالة "رويترز" ووكالة "بلومبرغ" (22 شباط/فبراير 2021) في حين يموت الفُقراء وفاقدو المأوى من البرد، بسبب اهتراء البنية التّحتية وبسبب عدم الإكتراث بالفُقراء، في "تكساس" (كما في غيرها)، إحدى أغنى الولايات الأمريكية، وأكبر منتج للنفط والغاز الأمريكيَّيْن، وحصل ذلك بالتوازي مع نشر بيانات رسمية تفيد بوفاة نصف مليون شخص في الولايات المتحدة، جراء وباء "كوفيد 19"، خلال أقل من إحدى عشر شهرًا، وأدّى غياب خطط الإغاثة والإنقاذ إلى وفاة نحو سبعين مواطن، خلال أسبوع واحد، جراء البرد وغياب وسائل التدفئة، وقد تتجاوز الخسائر المادية 230 مليار دولارا.
أوردنا هَذَيْنِ المِثَالَيْنِ (بين 2005 و 2021) كعيّنة من الفوارق، ومن مُعاناة الفُقراء، داخل الولايات المتحدة نفسها، فهم لا يحصلون على حصة من نتائج النهب والإستغلال الأمريكيّيْن لثروات العالم، ولا يحصلون على فوائدَ اقتصاديّة مباشرة من الحروب العدوانية التي تُطلقها دولتهم للهيمنة على مصادر الثروات وعلى المناطق الإستراتيجية في العالم، وهو ما يُيَسِّرُ مَبْدَئِيًّا حَتْمِيّة تحالف مُتَضَرِّرِي العالم من سياسات الهيمنة الإمبريالية الأمريكية، في الدّاخل وفي الخارج، لكن المسألة ليست بهذه البساطة، خصوصًا في غياب إطار تنسيق عالمي بين العامِلِين والشعوب الواقعة تحت الإضطهاد، حيثما كانوا، لمُقارَعَة اتحاد الأثرياء في العالم الذين يمتلكون الجُيُوش ووسائل الإعلام والخبرة والمال وما إلى ذلك.
الفقر في أمريكا:
ابتكر جيش الإحتلال الفرنسي بالجزائر مفهوم "العدو الدّاخلي"، باعتبار أن "الجزائر أرض فرنسية، بسُكّان أعداء"، ووَضع خطّةً عسكرية دَمَوِيّة لمحاربة "العدُوّ الدّاخلي" (جبهة التحرير الوطني)، واجتثاث المقاومة وعَزْلِها عن مُحيطها الدّاعم لنشاطها، وصَدّرت فرنسا الإستعمارية هذه النظريات والمخطّطات إلى دكتاتوريات أمريكا الجنوبية والكيان الصهيوني، كما تتبنّاها منظومة الأمن الدّاخلي الأمريكية، مع بعض التّحويرات، لعزل المُعارضين وأي شخص تعتبره الأجهزة الأمنية يُشكل "تهديدًا لاستقرار الوضع وللأمن الدّاخلي"، وتتعاون أجهزة الأمن مع القضاء ومع الشركات الخاصة التي تُشرف على إدارة وتسْيِير السّجون، للزج بالفُقراء، والسّود منهم بشكل خاص، و"المُتَمَرِّدِين" ومُعارضي الوفاق الطّبقي (أي العدو الداخلي) في السجن لسنوات طويلة، مع حرمانهم من بعض الحُقُوق الأساسية...
نَقَلَ موقع "أمريكان برُوغْرِسْ" عن دراسة، يوم 21 تشرين الأول/اكتوبر 2020، أظْهَرت أن 40% من أطفال الولايات المتحدة يعيشون في أُسَرٍ تعترضها صُعوبات لتوفير الحاجات الأساسية والضرورية للأُسرة، وأظْهرت دراسة نشرها مركز الإحصاء الأمريكي (مؤسسة رسمية)، يوم الإثنين 25 كانون الثاني/يناير 2021، أن نهاية عام 2020 شهدت أكبر ارتفاع في معدل الفقر في الولايات المتحدة منذ أكثر من خمسة عُقُود (منذ ستينيات القرن العشرين)، ونُشرتْ دراسات أخرى عن واقع الفَقْر والفُقراء، تختلف تفاصيلها أحيانًا، لكنها تُؤَكّدُ في مجملها ارتفاع عدد الفُقراء، في دولة تُهيمن على العالم، وتنفق مبالغ طائلة لتشويه الأنظمة والحكومات التي تُعارض بعض توجّهات السياسات الخارجية الأمريكية، بدل الإهتمام بفُقرائها، من الأطفال والنّساء والعاطلين عن العمل والمواطنين السّود، والعديد من الفئات المُهَمَّشَة...
تُؤكّد الدراسات والبُحوث المنشورة أن عدد الفُقراء يتراوح بين 56 مليون و38 مليون، وأن المواطنين السّود أكثر عُرضةً للفقر بثلاثة أضعاف من ذوي الأصول الأوروبية البيضاء، وتمثل نسبة النساء نحو 56% من إجمالي عدد الفقراء، فيما لا يحصل سوى 16 مليون شخص على مساعدات رسمية، وتتكفل المنظمات الإنسانية والخَيْرِية بمساعدة الآخرين، وقدّرت إحدى الدّراسات عدد الأُسَر التي تُعاني من صُعوبات في مجابهة مصارف الغذاء والسّكن والرعاية الصّحّية بأكثر من خمسين مليون أُسْرَة، قبل انتشار وباء "كوفيد 19" الذي زاد من انتشار انعدام "الأمن الإقتصادي"، ومن إضافة ثمانية ملايين إلى صف الفُقراء، بنهاية سنة 2020، ليصبح حوالي 15% من الأمريكيِّين في عداد الفُقراء، في بلد لا يستطيع فُقراؤه وحتى بعض الفئات المتوسطة تحمل الأعباء المالية للرعاية الصّحّية والنّفقات الطّبّيّة الطارئة.
أما عن الأطفال فقدّرت مؤسسة الإحصاء الرسمية عددهم بنهاية سنة 2020، بنحو 11 مليون طفل فقير (وهو رقم أدْنى من الواقع)، أي أطفال لا يستطيعون الحصول على ما يكفي من الغذاء، بسبب ارتفاع التكلفة، وبسبب انخفاض دخل الأُسرة، والرواتب المنخفضة للعاملين بدوام كامل أو جُزئي، وبعقود هَشّة، وفقدان الوظائف، ويعيش أكثر من 40% من أطفال الولايات المتحدة في أُسَرٍ تعاني صعوبات في تغطية النّفقات الأساسية، ما يُصنّف الولايات المتحدة وبريطانيا في مقدّمة البلدان التي ترتفع بها معدّلات فقر الأطفال، ضمن بلدان "منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية"، التي تضم 37 دولة غنية، بسبب ارتفاع تكاليف الإنفاق التي تفوق 200 ألف دولارا، على الطفل الواحد، حتى سن الرّشد، وبسبب الفوارق الطبقية التي ما فَتِئَتْ تتوسّع، ما يُوسّع الفجوة في مجالات النّمو الجسدي والذّهني للأطفال، وكذلك في مجال التّعليم، ونشرت وزارة الزراعة الأمريكية تقريرًا، سنة 2018، يُعزي أكثر من 93% من ارتفاع معدّل فقر الأطفال في الأرياف الأمريكية، بين سَنَتَيْ 2003 و 2014، إلى الفوارق في دَخْل الأُسَر، وتظهر هذه الفوارق في المُدُن كما في الأرياف، حيث تحصل 20% من أُسَر الأثرياء على نحو 50% من الثرة، بينما لا يحصل 20% من الأسر الأمريكية سوى على 3% من الثروة، أما نسبة العشرين بالمائة الأشدّ فقرًا ( يمثل السّود نسبة 40% من هذه الأُسَر) فلديهم "ثروة سلبية"، بسبب تراكُم الدّيُون التي لا يستطيعون تسديدها.
لا يشمل الفَقْرُ العاطلين عن العمل فقط، بل حوالي 15 مليون عامل وعاملة، من أرباب الأُسَر التي لديها أطفال، يحصلون على رواتب منخفضة، ووظائف غير مُستقرة، لا فُرصَ بها للتّرقيات، خاصة في مجالات الرعاية (رعاية الأطفال والمَرْضى والمُسِنِّين...) والخَدَمات والفنادق والمطاعم، إضافة إلى ما لا يقل عن أربعة ملايين يعملون بعقود ثابتة، لكن رواتبهم بقيت راكدة، منذ ما لا يقل عن عشر سنوات، رغم ارتفاع إنتاجيتهم، ويُشكّل السود والنساء أغلبية هؤلاء العاملين الفُقراء، بسبب المَيْز العُنْصُري والجِنْسِي...
القمع الدّاخلي:
ساد النّهج "النيوليبرالي"، خلال فترة حكم رونالد ريغان (1911 – 2004) الذي كان رئيسًا من 1981 إلى 1989، وتزامن مع إضعاف الفئات الوسطى، ومع توسيع الفَجْوَة الطبقية، وزيادة اللامُساواة، ومع التراجع الأمريكي عن "التّوازن الدّولي" الذي نَشَأ بنهاية الحرب العالمية الثانية، بين قُطْب تقوده الولايات المتحدة وآخر يقودها الإتحاد السوفييتي، فيما حاول قُطْبٌ ثالث سمى نفسه "مجموعة عدم الإنحياز" (وما أفرزته من مجموعات ومُسَمّيات أخرى) البحث عن مكان بين القُطْبَيْن، وكثّفت الولايات المتحدة وأوروبا واليابان وغيرها الهجوم السياسي والإعلامي والمخابراتي على الإتحاد السوفييتي، الذي نَخَرَتْهُ أزمات داخلية، وحرب خارجية في إفغانستان، إلى أن انهار في بداية العقد الأخير للقرن العشرين، ما أفسح المَجَال للقُطب الإمبريالي للتوسّع وللهيمنة على العالم، ولذا فإن "دونالد ترامب" لم يأتِ من خارج المنظومة السياسية الأمريكية، بل من صُلْبِها، ويمثل التّيّار الذي يريد إعادة النّظر في قواعد التّجارة "الحُرّة" واحتكار النُّفوذ في العالم، دون تقاسمه لا مع الحُلفاء ولا مع المنافسين والخُصُوم، وانعكست هذه السياسات على المُستوَيَيْن الخارجي، كما الدّاخلي، ولم تَعُد "قيم الديمقراطية" أو "احترام حقوق الإنسان" هي الذرائع الوحيدة لشنّ الولايات المتحدة حملة على العديد من الحكومات في أمريكا الجنوبية أو في العراق وسوريا، بل أصبحت تُثير مسائل مثل "تهديد الأمن القومي" الأمريكي ومصالح الشركات الأمريكية وغير ذلك، مع اختلاف طفيف في شكل الخطاب بين الحِزْبَيْن المُهَيْمِنَيْن على الحياة السياسية الأمريكية، وبقيت الثوابت والقواسم المُشتَرَكَة بينهما قاعدة يرتكز عليها النظام السياسي داخل الولايات المتحدة الأمريكية، أو ما يُسمِّيه بعض المُثَقّفين العُضْوِيِّين للرأسمالية الأمريكية "الإجماع الليبرالي"، رغم بعض الظّواهر الأُصُولِيّة والمُحافظة، ويحصل هذا "الإجماع" ضد عَدُوٍّ خارجي حقيقي أو مُخْتَلَق، كما ضدّ عدو داخلي، وجَبَ إقْصاؤه (من الفضاء العام ووضعه في السّجون) أو هزيمته بالقُوّة، لأنه يُهدّد الإستقرار أو "الأمن القومي" من الدّاخل، ويُهَدّد بالتالي مشاريع الهيمنة الخارجية، لأن الإضطرابات الدّاخلية، أو اختلال توازن القوى في الدّاخل، قَدْ يُعَرْقِلُ جُهُودَ مجابهة الضغوط والمنافسة الخارجية، وقد يُعِيقُ عملية التّركيز على نهب موارد الدّول الأخرى، والتّوسع الخارجي...
السجون انعكاس للسياسات القَمْعِية:
ألغَتْ 21 ولاية (من ضمن خمسين ولاية) حُكم الإعدام، ومع ذلك أصدَر جهاز القضاء الأمريكي 45 حكمًا بالإعدام سنة 2018 و 35 سنة 2019، وتم إعدام 25 مُعتقَلاً سنة 2018 و 22 سنة 2019، دون إثارة زوبعة إعلامية من قِبَل منظمات حقوق الإنسان ومناهضة التعذيب، أو المُطالبة بإلغاء "عقوبة" الإعدام، في بلد اعتاد قَادَتُهُ تَشْويه الخُصُوم والمنافسين من قادة الدّول الأخرى، بذريعة الدّفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان...
لا يعترف النظام السياسي الأمريكي بثقافة الوقاية، ولا يعمل على نشر مبادئ احترام حياة البشر، عبر التّربية الدّيمقراطية للأجيال، بل يعمل على نشر ثقافة السّلاح والعُنف والرّدع وتحميل الفُقراء مسؤولية وضْعِهم وفَقْرِهِم، وتُعزّز مناهج التّعليم، ووسائل الإعلام المهينة ثقافة العُنف والعقاب والقتل، في الخارج كما في الدّاخل، ففي الخارج تُبَرَّرُ جميع الحُروب العدوانية ب"ثقافة الكوبوي" وفي الدّاخل يُبرّرُ ارتفاع أحكام وتنفيذ الإعدام وارتفاع عدد السُّجناء، بنفس الثقافة التي تدّعي ضرورة "تطهير المجتمع"، عبر عَزْل "الأشرار"، وقَتْلِ بعضِهم، ليكونوا "عبرة"، والواقع أن لا عبرة بالسّجن ولا بالقتْل القانوني المتمثل بالحُكم بالإعدام، بل تستفيد شركات خاصّة من العمل الإجباري للمساجين، الذين ارتفع عدد من صَدَرت ضدّهم أحكام نافذة، من أقل من 300 ألف، سنة 1972، إلى أكثر من 2,5 مليون سنة 2018، ومعظمهم سُجنوا بتهمة ارتكاب جرائم طفيفة غير مصحوبة بالعُنف، ونشر "مركز برينان للعدالة" تقرير، سنة 2016، استنتج أن حوالي 40% من السّجناء لا يُسَبّبُون أي خطر على الأمن العام ولا على سلامة المواطنين وممتلكاتهم، ما يجعل منهم سُجناء بدون سبب مُقْنِع، كما يوجد الآلاف من السجناء الشباب، السود والبيض الذين لم يرتكبوا جرائم عنيفة، ولا يُشكّلون تهديدًا لحياة الناس، ولكنهم يقضون عقوبة السجن مدى الحياة دون إمكانية الإفراج المشروط، ما يجعل من الولايات المتحدة، التي يُشكل سُكّانها نسبة تقل عن 5% من سُكّان العالم، تَعُدّ نسبة 25% من العدد الإجمالي لسجناء العالم، أو حوالي 700 سجين عن كل مائة ألف مواطن، وعلى أعلى مُعدّل في العالم، بسبب اعتماد منظومة الأمن والقضاء على القَمْع السّافر ضدّ الفُقراء الذين يتحوّلون، داخل السُّجُون (التي وقعت خصخصتها ) إلى عُمّال بدون أجْر، أو بأجر هزيل جدّا، لم يتطور منذ قرابة خمسة عُقُود، لصالح الشركات التي تُدير هذه السّجون، وتُسيطر أيضًا على وسائل الإعلام المحلية.
يُشكل المواطنون السّود نحو 13% من إجمالي سكان البلاد ونحو 40% من إجمالي عدد السجناء، بسبب السياسات العنصرية والطبقية التي تستهدفهم، بحسب الرابطة الوطنية لتقدّم الملونين ( NAACP ) ، التي أوردت أن الأمريكيين السود والبيض يستهلكون المخدرات بنفس النِّسَب (مقارنة بعدد السكان)، لكن تهمة استهلاك وترويج المخدرات تُعتبر مثالاً واضحًا على الميز العنصري، لأن معدل سجن الأمريكيين السود بتهم تتعلق بالمخدرات، يُعادل ستة أضْعاف المواطنين البيض، ويفوق معدل سجن الرجال السود خمس مرات معدّل سجن الرجال البيض، ولذا فإن قرابة 70% من المواليد الذُّكُور السُّود مُعرّضين للسجن في إحدى مراحل حياتهم.
ذَكرنا أن ارتفاع عدد السُّجناء ذو فائدة كبيرة للشركات الخاصّة التي تُشرف على إدارة السجون، وأوردت بعض التقارير نموذج شركة "كوريسفيك" ( Corecivic ) التي تُشرف على إدارة السّجون بتسعة عشر ولاية أمريكية، بالإضافة إلى مقاطعة "كولومبيا"، وتُشغّل العاملين السّجناء، في ولاية "مينيسوتا"، على سبيل المثال، بمعدّل 12 دولارا في الشهر (بعد الخَصْم)، وفرضت عليهم العمل بدون وقاية خلال انتشار وباء "كورونا ".
تُؤَكِّدُ منظمة ( Left Business Observer ) أن جُذُور شُرُوط العمل بالسّجون مُستَمَدَّة من إنهاء العمل بالعُبُودية قانونًا، سنة 1865، مع بقائها في الواقع، حيث يسمح القانون بفرض العمل القَسْرِي على المُجْرِمِين وعلى من يُقضّون محكومية بالسّجن، واستغلت الشركات الرأسمالية هذه الفُرصة، لتضخيم أرباحها، وعلى سبيل المثال، تُشرف إدارة سجون ولاية نيويورك على 52 ورشة عمل داخل السجون، تُنتج سلعًا ومنتجات صناعية تحمل العلامة التجارية "كوركرفت"، برواتب تتراوح بين 16 و 30 سنتًا في الساعة، ولا يجب أن يتجاوز أجر العامل المُتخَصِّص والماهر 1,5 دولارا في اليوم، وتنتج هذه الورشات صفائح ترقيم السيارات، وملابس السجناء، والبدلة الرسمية لموظفي السجون، وأثاث المؤسسات الحكومية في ولاية نيويورك، وخلال جائحة "كوفيد 19"، بدأت تنتج الكمامات والمعقمات المُعدّة للبيع في ولاية نيويورك، كما في الولايات الأخرى، كما يصنع عُمّال السّجون الأمريكية المُخَصْخَصَة بعض قطع غيار أسلحة الجيش، ونسبة 100% من الخوذات العسكرية، ومن أحزمة الذخيرة والسترات الواقية من الرصاص، والشارات، والقمصان والسراويل والخيام والحقائب وأدوات الطبخ والطعام، كما تنتج السجون 93% من جميع الدهانات والفراشي، و 92% من مواقد المطبخ، و36% من الأجهزة المنزلية، و30 % من السماعات و مكبرات الصوت، و 21% من الأثاث المكتبي، وغير ذلك من السّلع التي تُمكّن الولايات المتحدة من منافسة الصين والبلدان الفقيرة، ومن بيع العديد من السلع بأسعار "مُنافِسَة"، فيما ترتفع أرباح الشركات إلى الحد الأقصى، وحاولت منظمات مُدافعة عن حقوق السّجناء ملاحقة شركة ( Corecivic ) بتهمة عدم احترام حقوق العمال في السجون، وإدامة ثقافة العبودية وحرمان الطبقة العاملة داخل السّجون من أبسط الحقوق، وفي حال رفض السّجين العمل الذي لا يختاره (والخيارات محدودة جدًّا)، يتم نقله إلى السجن الانفرادي”، ما يضطر السجين للعمل، دون اكتساب أية مهارات.
وَرَدَ في تقرير نشرته منظمة “مبادرة سياسة السجون” سنة 2018، إن نسب البطالة في صفوف العمال الذين أنهوا محكوميتهم وخرجوا من السجون، مرتفعة بالمقارنة مع فئات المجتمع الأخرى، وتصل إلى 27%، رغم العمل الإجباري في السّجن، دليلاً على عدم اكتساب أي مهارات في ورشات ومصانع السّجُون التي تُعدّ مصدرا للإنتاج وللربح المرتفع، للشركات الخاصة، كما للحكومات المحلية، والحكومة الإتحادية الأمريكية التي تسرق جهد عُمال السجون، وتشتري إنتاج المساجين بأقل من قيمته الحقيقية، من كراسي ومعدّات المدارس العمومية وملابس ومعدّات الجيش، بحسب منظمة "الجمعية الإصلاحية...
وردت المعلومات عن السجون والسجناء في تقرير منظمة “مشروع العدالة”، منتصف شهر تموز/يوليو 2020
الطاهر المعز
السياسات والخطط الخارجية:
شَكَّل العدوان العسكري على سوريا (التي يحتل الجيش الأمريكي جزءًا من أراضيها) مؤشِّرًا على السياسة الخارجية الأمريكية، خلال فترة رئاسة "جوزيف بايدن"، من الحزب الديمقراطي، الذي يمتلك الرقم القياسي في عدد الحروب العدوانية الأمريكية، تجسيدًا لعَسْكَرَةِ السياسة الخارجية الأمريكية، وتطبيق "دبلوماسية" القصف الجوي، بالقنابل النووية ضد اليابان عند انتهاء الحرب، سنة 1945، وقصف كوريا وتكريس تقسيمها سنة 1953، ومحاولة غزو كوبا وحصارها، وتكثيف قصف وحرق محاصيل مزارعي فيتنام، منذ فترة "جون كيندي" و"ليندون جونسون"، وكثَّفَ الطيران الحربي الأمريكي قصف العراق المُحاصَر خلال سنوات 1996 – 1998، في فترة حكم "بيل كلينتون" (الحزب الديمقراطي) وغير ذلك من الأعمال العدوانية، إلى غاية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، حيث كان العدوان على ليبيا وعلى سوريا، خلال فترة رئاسة "باراك أوباما"، الحائز (بلا مُبَرِّر) على جائزة نوبل للسّلام. لذا فإن "جو بايدن" يواصل سياسات العدوان والإغتيال عن بُعد، بواسطة الطائرات الآلية، والحصار و"العُقوبات" (بأي حق وبأي منطق تفرض الإمبريالية عقوبات على شعوب وبلدان ودول أخرى؟) وإطلاق التهديدات ضد المُنافسين (روسيا والصّين)، بدعم من الإتحاد الأوروبي...
يعكس حجم ميزانية الحرب عَسْكَرَةَ السياسة الخارجية الأمريكية، حيث تُقدّر الميزانية العسكرية السّنوية الأمريكية المُعْلَنَة بنحو 740 مليار دولارا، بالإضافة إلى أكثر من 250 مليار دولارا أخرى غير مُعْلَنَة، أي ما مجموعه نحو تريليون دولارا، وينتشر الجيش الأمريكي، خارج حدود الولايات المتحدة، في القارات الخمس، في البحار وفي الفضاء، وفي ما لا يقل عن ثمانمائة قاعدة عسكرية أمريكية ثابتة، ويُشرف الجيش الأمريكي على قواعد حلف شمال الأطلسي، الذي تَوَسَّع، بدَل أن يَقَعَ حلُّهُ، بعد انهيار الإتحاد السوفييتي، ليشمل أوروبا الشرقية، إلى حُدُود روسيا، وليشن الحروب العدوانية على شعوب العالم، من أفغانستان إلى مالي، ويتمتّع الكيان الصهيوني بمنزلة خاصة مُبَجَّلَة ضمن المنظومة العسكرية الأمريكية والأطلسية، ويحصل على منحة عسكرية سنوية قدرها 3,8 مليارات دولارا، بالإضافة إلى مبلغ مماثل من المنح والتبرعات لدعم سياسة الإحتلال واستيطان فلسطين.
من جهة أخرى، ارتفعت قيمة مبيعات شركات تصنيع الأسلحة الأمريكية (أهمها "لوكهيد مارتن" و "راثيون تكنولوجيز" ) من حوالي 115 مليار دولارا، سنة 2019، إلى 175 مليار دولارا تَمّ الإعلان عنها سنة 2020.
لا يتمُّ تصميم ميزانية الحرب الأمريكية من أجل الدّفاع عن حدودها (أين تبدأ وأين تنتهي حدودها؟)، فلم تتعرّض الولايات المتحدة لأي هجوم عسكري، ولا لأي عدوان، من أي دولة، خلال تاريخها القصير، بل صُمِّمَت الميزانية من أجل تعزيز الهيمنة على العالم، باسم "الأمن القومي الأمريكي"، وهي ميزانية تدعم العدوان المستمر على البلدان والشعوب، وآخرها (عند تحرير هذه الفقرات) عدوان شنه الطيران الحربي الأمريكي على مناطق شرق سوريا (قريبا من معبر "البوكمال" على الحدود مع العراق)، فَجْرَ يوم الجمعة 26 شباط/فبراير 2021، تُسمِّيه بروبَغَنْدا الجيش الأمريكي "ضَرَبات"، ويُرَدّدُ الإعلام العربي والعالمي نفس الكذبة، وأعلنت مصادر طبّيّة عن استشهاد ما لا يقل عن 22 شخصًا، بعد يوم واحد من عُدوان جوي صهيوني على مناطق أخرى من سوريا، وتزامن هذا العدوان المزدوج مع تهريب أمريكي واسع النّطاق للنفط والقمح (من "الحسكة")، من شمال شرقي سوريا نحو العراق، عبر طريق حدودية، غير نظامية، مُخَصّصَة لاستخدام جيش الإحتلال الأمريكي وحلفائه من المنظمات الإرهابية.
يتم تنفيذ هذا العدوان وغيره، على سوريا، بتواطؤ من حكومة العراق، وبتنسيق مع الإحتلال الصهيوني، بحسب وكالة "رويترز"، ويُؤكّد هذا العدوان استراتيجية ومخططات الإمبريالية الأمريكية في الوطن العربي، المعتمدة بشكل شبه حَصْرِي على القوة العسكرية، من خلال السيطرة عسكريا على الحدود السورية العراقية، وعلى حقول النفط السورية، شرق البلاد، حيث أنشأ جيش الإحتلال الأمريكي عددًا من القواعد الأميركية في حقل "العمر" وحقل "كونيكو"، وبالقرب من المنفذ الحدودي "البوكمال"، وفي دير الزور شرقي سوريا، بالإضافة إلى أشغال بناء قاعدة كبيرة على الحدود بين سوريا والعراق وتركيا (منطقة "عين ديوار").
تزامنت هذه العملية العسكرية العدوانية ضد شعب ودولة سوريا مع بداية مناورات عسكرية أطلسية، انطلاقا من القاعدة الأمريكية والأطلسية "سيغونيلا" بالمياه الإيطالية (بقيادة الولايات المتحدة حَتْمًا ) من 22 شباط/فبراير إلى 05 آذار/مارس 2021، استُخدمت فيها السفن والغواصات النووية وحاملات الطائرات، بمشاركة جيوش إيطاليا وفرنسا وألمانيا واليونان وإسبانيا وبلجيكا وتركيا (وراء الولايات المتحدة)، وتلي هذه المناورات، مناورات أخرى في الخليج العربي، أما هدف المناورات، فهو "مُطاردة غواصات روسية، تُهدّد أمن أوروبا، في البحر الأبيض المتوسّط"، بحسب وكالة "آكي" (إيطاليا 02 آذار/مارس 2021)، وينفذ جش الجو والبحرية الأمريكية، خلال نفس المدة مناورات في المحيط الأطلسي، بمشاركة حاملة الطائرات "أيزنهاور"، لدعم الحُلفاء، بالتوازي مع مناورات بحرية وجوية بمشاركة "النّرويج"، بهدف "إثبات سرعة وقدرة الولايات المتحدة على دعم الحلفاء، من خلال تنفيذ عمليات على الحدود الرّوسية"، وتتم المناورات العسكرية الثلاث المتزامنة تحت عنوان "الدفاع عن أوروبا ضد العدوان الروسي"، وبذلك تمدّد حلف شمال الأطلسي بعد انهيار الإتحاد السوفييتي، إلى حدود روسيا، وأصبح يُحاصرها، ويُهدّد أمنها، كما يُهدّد أمن الصين، على حدودها أيضًا، وعلّل الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ستولتنبرغ) يوم 26 شباط/فبراير 2021، هذه المناورات بقوله: "إن التهديدات السابقة (لانهيار الإتحاد السوفييتي) لا تزال قائمة، بسبب الإجراءات العدوانية لروسيا"، ليستنتج ضرورة "تعزيز الارتباط بين الولايات المتحدة وأوروبا"، فيما أكده المجلس الأوروبي، خلال نفس اليوم "الالتزام بالتعاون الوثيق مع حلف شمال الأطلسي، في مجالات الأمن والدّفاع، ومع إدارة جو بايدن الجديدة"، أي جعل أوروبا بمجملها في خدمة استراتيجية الهيمنة الأمريكية...
الوفاق الدّاخلي الأمريكي بشأن السياسة الخارجية المُسلّحة:
يُشكّل الوفاق الدّاخلي بين مختلف التيارات أحد أهم نقاط قُوّة النظام الإمبريالي الأمريكي، فالإختلاف لا يتجاوز بعض الجوانب الشّكلية، ولا يحتدّ سوى عند ارتفاع الخسائر البشرية داخل صفوف الجيش، إذْ تَتّفِقُ مجمل التيارات السياسية ومختلف المراكز "البحثية" ووسائل الإعلام المُهَيْمِنَة الأمريكية على سياسة القُوّة التي تنتهجها الحكومات والقيادات السياسية والعسكرية للولايات المتحدة، وتتفق على إنشاء قواعد عسكرية على بُعْد آلاف الكيلومترات من حدود الولايات المتحدة ومُستعمَراتها، بذريعة حماية الأمن القومي، أي مصالح الشركات الرأسمالية الإحتكارية ومصالح مُجَمّع صناعة الأسلحة، ومصالح الشركات الكبرى التي تُنافِسُها الشركات الصينية، في مجالات الصناعة (بما في ذلك صناعة الأسلحة) والتجارة والتكنولوجيا والخَدمات...
اعتبر قادة الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري والناطقون باسم مختلف مراكز البحث أن احتلال العراق وسوريا، وغيرها جائز ومشروع، بل "خطوة إيجابية"، بحسب باحثة في معهد "بروكينغز"، إذْ وجَبَ رَدْعُ كافة الأعداء الحقيقيين والإفتراضيين، وإطلاق الحروب "الوقائية"، أي الهجومية، بدل الحروب الدّفاعية، "لتذكير الخُصُوم بعدم الإقتراب من المصالح الأمريكية"، بحسب أحد أعضاء لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، وما "المصالح الأمريكية" سوى تعبير فضفاض يُجيز ويُبَرِّرُ الهيمنة، باستخدام كافة الوسائل، من الدعايات الكاذبة إلى الإغتيالات (فوق أراضي الغَيْر) والقوة العسكرية ضد كافة بُلدان وشعوب العالم، وضد المراكز الحضارية التاريخية العراق وسوريا واليمن، والإستحواذ بالقُوّة على المواقع الإستراتيجية، وعلى ثروات الشّعوب، كالنفط والحُبُوب والمعادن...
أدّى العدوان الأمريكي، خلال 15 سنة، منذ بداية العقد الحادي والعشرين وحتى سنة 2015، على أفغانستان والصومال والعراق وليبيا وسوريا واليمن، إلى نتائج مُدّمِّرة لحياة وصحّة الشعوب، ومن بينها اعتماد حوالي ستّين مليون مواطن من هذه البلدان على المساعدات الإنسانية، وتتوقع الأمم المتحدة (الشؤون الإنسانية)، بحسب تقرير نشرته في بداية كانون الأول/ديسمبر 2020، أن يلتحق بهم ما لا يقل عن خمسة ملايين آخرين سنة 2021، فيما حُرِم ملايين الأطفال من المَسْكن، ومن الغذاء ومن الرعاية الصّحّية والتعليم، وتمكّنت الإمبريالية الأمريكية، ودول حلف شمال الأطلسي والكيان الصهيوني من تدمير الوطن العربي بفعل تواطؤ الأنظمة العربية، وخاصة دويلات الخليج التي أنفقت سنة 2020 قرابة 113 مليار دولارًا على شراء أسلحة (معظمها أمريكية) تُستخدم لقتال العرب و"المُسلمين"، في ظل التحالف المُعْلَن مع الكيان الصهيوني ضد الشعوب العربية والمسلمة.
تسبّبت الحُروب العدوانية الأمريكية بذريعة "مكافحة الإرهاب"، خلال خمسة عشر سنة من القرن الواحد والعشرين، في خسائر مادّية مباشرة بلغت نحو خمسة تريليونات دولارا، وفي خسائر إجمالية تقارب ثلاثين تريليون دولارا، وفْقَ تقديرات الأمم المتحدة...
انعكاسات السياسات العدوانية على السياسات الدّاخلية للولايات المتحدة:
إذا انطلقنا من مبدأ تَحَكُّم رأس المال في أجهزة الدّولة، التي تَشُنّ الحروب دفاعًا عن مصالح رأس المال الإحتكاري، بهدف تأمين الموادّ الأولية والعمالة الرخيصة، والأسواق لترويج الإنتاج، فإن السياسات الدّاخلية للدّولة في الدول الرأسمالية الإمبريالية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تعكس مصالح هذه الشركات الرأسمالية الإحتكارية، التي تحتاج إلى الإستقرار و"السّلم الإجتماعي"، ويمكن تحقيق الإستقرار عبر التّشريعات ومنظومة القوانين، والدّعاية الإعلامية (حشو الدّماغ) وبرامج التعليم، وغيرها من أساليب الهيمنة "النّاعمة"، إلى جانب القُوّة "الخشنة"، من خلال المُراقبة الدّاخلية، والقمع الذي تنفّذه قوات الأمن المُسلّحة، التي تُنسّق عمليات وأساليب القمع مع نواب البرلمان وجهاز القضاء وإدارة السّجون والعديد من أجهزة مراقبة الفُقراء والكادحين والنقابيين والمُعارِضين لمنظومة رأس المال...
رغم وصف الولايات المتحدة بأكبر ديمقراطية في العالم، تبرهن بعض المؤشرات على السياسة القمعية وعلى الإقصاء المُبَرْمَج لعشرات ملايين المواطنين من الفضاء العام، بواسطة السّجون المُكتظة، ومن النظام الإنتخابي، رغم محدودية تأثير عملية الإقتراع في منظومة رأس المال، وعلى الإستغلال الفاحش لعُمّال الشركات الإحتكارية مقابل أُجْرَة يومية تقل عن خمسين دولارا ( 7,25 دولارا في السّاعة) ولعمال الزراعة وللمهاجرين والمهاجرات، ناهيك عن الإستغلال الفاحش لعاملي بُلدان "الأطراف"، أو "المُحيط"، ونورد بعضًا من هذه المؤشرات، على سبيل الذّكر، لا الحَصْر، وسبق أن أشرتُ عددًا من المرات، وفي مقالات عديدة، إلى سياسات الإستغلال والإضطهاد والقَمْع داخل الولايات المتحدة، حيث تُصنّف الدّولَةُ الفُقراءَ وكل مُعارض كعدُوّ داخلي، وجبت مُحاربته.
إهمال الفقراء:
نادرًا ما تتعرض السياسة التوسّعية للإمبريالية الأمريكية للنّقد، داخل الولايات المتحدة، حيث يُعاني الفُقراء من انخفاض الرواتب ومن نقص الموارد لتسديد قيمة إيجار المسكن وثمن مواد غذائية صحّيّة وسليمة، كما كان الفُقراء أول المتضرّرين من الكوارث الطبيعية وضُعف وسائل (وثقافة) المقاومة والوقاية من العواصف والأعاصير التي تتعرض لها الولايات المتحدة، خاصة في السواحل الشرقية، والجنوبية ( وكان بعضها أراضي تابعة للمكسيك واستحوذت عليها الولايات المتحدة في منتصف القرن التاسع عشر)، ولا يزال فقراء خليج المكسيك وولايات فلوريدا ولويزيانا ونيو أورليانز وتكساس يعانون من آثار إعصارات سنة 2005، حيث قتلت المياه والرياح أكثر من 2500 شخص، وقُدّرت الخسائر المادّية (معظمها لمنازل وممتلكات الفقراء) بنحو ثمانين مليار دولارا، بسبب ضُعف منظومة الإنقاذ والإغاثة، بعكس كوبا، حيث نادرًا ما يموت مواطنون بسبب الكوارث الطبيعية، بفضل التوعية المستمرة للمواطنين الذين يُشاركون في عملية الوقاية والإغاثة، رغم قِلّة الموارد. تتكرّر مثل هذه الحوادث، لأن الإعصارات والعواصف موسمية، دَوْرِيّة، في مناطق معروفة من العالم، خاصّة على خط الإستواء، وبين المحيط الأطلسي والهادئ، كما يتأثر الفُقراء، أكثرَ من غيرهم، بموجات البرد الشّديد، في بعض مناطق الولايات المتحدة، خلافًا لروسيا التي تتهيأ لموسم البرد الطويل جدّا، وتسبّبت موجة البرد، خلال الأسبوع الأخير من شهر شباط/فبراير 2021، في انقطاع التيار الكهربائي والمياه في بيوت نصف سُكّان ولاية تكساس التي توقّف إنتاج النفط بها، وارتفعت أسعاره في الأسواق العالمية، بنسبة فاقت 4%، بحسب وكالة "رويترز" ووكالة "بلومبرغ" (22 شباط/فبراير 2021) في حين يموت الفُقراء وفاقدو المأوى من البرد، بسبب اهتراء البنية التّحتية وبسبب عدم الإكتراث بالفُقراء، في "تكساس" (كما في غيرها)، إحدى أغنى الولايات الأمريكية، وأكبر منتج للنفط والغاز الأمريكيَّيْن، وحصل ذلك بالتوازي مع نشر بيانات رسمية تفيد بوفاة نصف مليون شخص في الولايات المتحدة، جراء وباء "كوفيد 19"، خلال أقل من إحدى عشر شهرًا، وأدّى غياب خطط الإغاثة والإنقاذ إلى وفاة نحو سبعين مواطن، خلال أسبوع واحد، جراء البرد وغياب وسائل التدفئة، وقد تتجاوز الخسائر المادية 230 مليار دولارا.
أوردنا هَذَيْنِ المِثَالَيْنِ (بين 2005 و 2021) كعيّنة من الفوارق، ومن مُعاناة الفُقراء، داخل الولايات المتحدة نفسها، فهم لا يحصلون على حصة من نتائج النهب والإستغلال الأمريكيّيْن لثروات العالم، ولا يحصلون على فوائدَ اقتصاديّة مباشرة من الحروب العدوانية التي تُطلقها دولتهم للهيمنة على مصادر الثروات وعلى المناطق الإستراتيجية في العالم، وهو ما يُيَسِّرُ مَبْدَئِيًّا حَتْمِيّة تحالف مُتَضَرِّرِي العالم من سياسات الهيمنة الإمبريالية الأمريكية، في الدّاخل وفي الخارج، لكن المسألة ليست بهذه البساطة، خصوصًا في غياب إطار تنسيق عالمي بين العامِلِين والشعوب الواقعة تحت الإضطهاد، حيثما كانوا، لمُقارَعَة اتحاد الأثرياء في العالم الذين يمتلكون الجُيُوش ووسائل الإعلام والخبرة والمال وما إلى ذلك.
الفقر في أمريكا:
ابتكر جيش الإحتلال الفرنسي بالجزائر مفهوم "العدو الدّاخلي"، باعتبار أن "الجزائر أرض فرنسية، بسُكّان أعداء"، ووَضع خطّةً عسكرية دَمَوِيّة لمحاربة "العدُوّ الدّاخلي" (جبهة التحرير الوطني)، واجتثاث المقاومة وعَزْلِها عن مُحيطها الدّاعم لنشاطها، وصَدّرت فرنسا الإستعمارية هذه النظريات والمخطّطات إلى دكتاتوريات أمريكا الجنوبية والكيان الصهيوني، كما تتبنّاها منظومة الأمن الدّاخلي الأمريكية، مع بعض التّحويرات، لعزل المُعارضين وأي شخص تعتبره الأجهزة الأمنية يُشكل "تهديدًا لاستقرار الوضع وللأمن الدّاخلي"، وتتعاون أجهزة الأمن مع القضاء ومع الشركات الخاصة التي تُشرف على إدارة وتسْيِير السّجون، للزج بالفُقراء، والسّود منهم بشكل خاص، و"المُتَمَرِّدِين" ومُعارضي الوفاق الطّبقي (أي العدو الداخلي) في السجن لسنوات طويلة، مع حرمانهم من بعض الحُقُوق الأساسية...
نَقَلَ موقع "أمريكان برُوغْرِسْ" عن دراسة، يوم 21 تشرين الأول/اكتوبر 2020، أظْهَرت أن 40% من أطفال الولايات المتحدة يعيشون في أُسَرٍ تعترضها صُعوبات لتوفير الحاجات الأساسية والضرورية للأُسرة، وأظْهرت دراسة نشرها مركز الإحصاء الأمريكي (مؤسسة رسمية)، يوم الإثنين 25 كانون الثاني/يناير 2021، أن نهاية عام 2020 شهدت أكبر ارتفاع في معدل الفقر في الولايات المتحدة منذ أكثر من خمسة عُقُود (منذ ستينيات القرن العشرين)، ونُشرتْ دراسات أخرى عن واقع الفَقْر والفُقراء، تختلف تفاصيلها أحيانًا، لكنها تُؤَكّدُ في مجملها ارتفاع عدد الفُقراء، في دولة تُهيمن على العالم، وتنفق مبالغ طائلة لتشويه الأنظمة والحكومات التي تُعارض بعض توجّهات السياسات الخارجية الأمريكية، بدل الإهتمام بفُقرائها، من الأطفال والنّساء والعاطلين عن العمل والمواطنين السّود، والعديد من الفئات المُهَمَّشَة...
تُؤكّد الدراسات والبُحوث المنشورة أن عدد الفُقراء يتراوح بين 56 مليون و38 مليون، وأن المواطنين السّود أكثر عُرضةً للفقر بثلاثة أضعاف من ذوي الأصول الأوروبية البيضاء، وتمثل نسبة النساء نحو 56% من إجمالي عدد الفقراء، فيما لا يحصل سوى 16 مليون شخص على مساعدات رسمية، وتتكفل المنظمات الإنسانية والخَيْرِية بمساعدة الآخرين، وقدّرت إحدى الدّراسات عدد الأُسَر التي تُعاني من صُعوبات في مجابهة مصارف الغذاء والسّكن والرعاية الصّحّية بأكثر من خمسين مليون أُسْرَة، قبل انتشار وباء "كوفيد 19" الذي زاد من انتشار انعدام "الأمن الإقتصادي"، ومن إضافة ثمانية ملايين إلى صف الفُقراء، بنهاية سنة 2020، ليصبح حوالي 15% من الأمريكيِّين في عداد الفُقراء، في بلد لا يستطيع فُقراؤه وحتى بعض الفئات المتوسطة تحمل الأعباء المالية للرعاية الصّحّية والنّفقات الطّبّيّة الطارئة.
أما عن الأطفال فقدّرت مؤسسة الإحصاء الرسمية عددهم بنهاية سنة 2020، بنحو 11 مليون طفل فقير (وهو رقم أدْنى من الواقع)، أي أطفال لا يستطيعون الحصول على ما يكفي من الغذاء، بسبب ارتفاع التكلفة، وبسبب انخفاض دخل الأُسرة، والرواتب المنخفضة للعاملين بدوام كامل أو جُزئي، وبعقود هَشّة، وفقدان الوظائف، ويعيش أكثر من 40% من أطفال الولايات المتحدة في أُسَرٍ تعاني صعوبات في تغطية النّفقات الأساسية، ما يُصنّف الولايات المتحدة وبريطانيا في مقدّمة البلدان التي ترتفع بها معدّلات فقر الأطفال، ضمن بلدان "منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية"، التي تضم 37 دولة غنية، بسبب ارتفاع تكاليف الإنفاق التي تفوق 200 ألف دولارا، على الطفل الواحد، حتى سن الرّشد، وبسبب الفوارق الطبقية التي ما فَتِئَتْ تتوسّع، ما يُوسّع الفجوة في مجالات النّمو الجسدي والذّهني للأطفال، وكذلك في مجال التّعليم، ونشرت وزارة الزراعة الأمريكية تقريرًا، سنة 2018، يُعزي أكثر من 93% من ارتفاع معدّل فقر الأطفال في الأرياف الأمريكية، بين سَنَتَيْ 2003 و 2014، إلى الفوارق في دَخْل الأُسَر، وتظهر هذه الفوارق في المُدُن كما في الأرياف، حيث تحصل 20% من أُسَر الأثرياء على نحو 50% من الثرة، بينما لا يحصل 20% من الأسر الأمريكية سوى على 3% من الثروة، أما نسبة العشرين بالمائة الأشدّ فقرًا ( يمثل السّود نسبة 40% من هذه الأُسَر) فلديهم "ثروة سلبية"، بسبب تراكُم الدّيُون التي لا يستطيعون تسديدها.
لا يشمل الفَقْرُ العاطلين عن العمل فقط، بل حوالي 15 مليون عامل وعاملة، من أرباب الأُسَر التي لديها أطفال، يحصلون على رواتب منخفضة، ووظائف غير مُستقرة، لا فُرصَ بها للتّرقيات، خاصة في مجالات الرعاية (رعاية الأطفال والمَرْضى والمُسِنِّين...) والخَدَمات والفنادق والمطاعم، إضافة إلى ما لا يقل عن أربعة ملايين يعملون بعقود ثابتة، لكن رواتبهم بقيت راكدة، منذ ما لا يقل عن عشر سنوات، رغم ارتفاع إنتاجيتهم، ويُشكّل السود والنساء أغلبية هؤلاء العاملين الفُقراء، بسبب المَيْز العُنْصُري والجِنْسِي...
القمع الدّاخلي:
ساد النّهج "النيوليبرالي"، خلال فترة حكم رونالد ريغان (1911 – 2004) الذي كان رئيسًا من 1981 إلى 1989، وتزامن مع إضعاف الفئات الوسطى، ومع توسيع الفَجْوَة الطبقية، وزيادة اللامُساواة، ومع التراجع الأمريكي عن "التّوازن الدّولي" الذي نَشَأ بنهاية الحرب العالمية الثانية، بين قُطْب تقوده الولايات المتحدة وآخر يقودها الإتحاد السوفييتي، فيما حاول قُطْبٌ ثالث سمى نفسه "مجموعة عدم الإنحياز" (وما أفرزته من مجموعات ومُسَمّيات أخرى) البحث عن مكان بين القُطْبَيْن، وكثّفت الولايات المتحدة وأوروبا واليابان وغيرها الهجوم السياسي والإعلامي والمخابراتي على الإتحاد السوفييتي، الذي نَخَرَتْهُ أزمات داخلية، وحرب خارجية في إفغانستان، إلى أن انهار في بداية العقد الأخير للقرن العشرين، ما أفسح المَجَال للقُطب الإمبريالي للتوسّع وللهيمنة على العالم، ولذا فإن "دونالد ترامب" لم يأتِ من خارج المنظومة السياسية الأمريكية، بل من صُلْبِها، ويمثل التّيّار الذي يريد إعادة النّظر في قواعد التّجارة "الحُرّة" واحتكار النُّفوذ في العالم، دون تقاسمه لا مع الحُلفاء ولا مع المنافسين والخُصُوم، وانعكست هذه السياسات على المُستوَيَيْن الخارجي، كما الدّاخلي، ولم تَعُد "قيم الديمقراطية" أو "احترام حقوق الإنسان" هي الذرائع الوحيدة لشنّ الولايات المتحدة حملة على العديد من الحكومات في أمريكا الجنوبية أو في العراق وسوريا، بل أصبحت تُثير مسائل مثل "تهديد الأمن القومي" الأمريكي ومصالح الشركات الأمريكية وغير ذلك، مع اختلاف طفيف في شكل الخطاب بين الحِزْبَيْن المُهَيْمِنَيْن على الحياة السياسية الأمريكية، وبقيت الثوابت والقواسم المُشتَرَكَة بينهما قاعدة يرتكز عليها النظام السياسي داخل الولايات المتحدة الأمريكية، أو ما يُسمِّيه بعض المُثَقّفين العُضْوِيِّين للرأسمالية الأمريكية "الإجماع الليبرالي"، رغم بعض الظّواهر الأُصُولِيّة والمُحافظة، ويحصل هذا "الإجماع" ضد عَدُوٍّ خارجي حقيقي أو مُخْتَلَق، كما ضدّ عدو داخلي، وجَبَ إقْصاؤه (من الفضاء العام ووضعه في السّجون) أو هزيمته بالقُوّة، لأنه يُهدّد الإستقرار أو "الأمن القومي" من الدّاخل، ويُهَدّد بالتالي مشاريع الهيمنة الخارجية، لأن الإضطرابات الدّاخلية، أو اختلال توازن القوى في الدّاخل، قَدْ يُعَرْقِلُ جُهُودَ مجابهة الضغوط والمنافسة الخارجية، وقد يُعِيقُ عملية التّركيز على نهب موارد الدّول الأخرى، والتّوسع الخارجي...
السجون انعكاس للسياسات القَمْعِية:
ألغَتْ 21 ولاية (من ضمن خمسين ولاية) حُكم الإعدام، ومع ذلك أصدَر جهاز القضاء الأمريكي 45 حكمًا بالإعدام سنة 2018 و 35 سنة 2019، وتم إعدام 25 مُعتقَلاً سنة 2018 و 22 سنة 2019، دون إثارة زوبعة إعلامية من قِبَل منظمات حقوق الإنسان ومناهضة التعذيب، أو المُطالبة بإلغاء "عقوبة" الإعدام، في بلد اعتاد قَادَتُهُ تَشْويه الخُصُوم والمنافسين من قادة الدّول الأخرى، بذريعة الدّفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان...
لا يعترف النظام السياسي الأمريكي بثقافة الوقاية، ولا يعمل على نشر مبادئ احترام حياة البشر، عبر التّربية الدّيمقراطية للأجيال، بل يعمل على نشر ثقافة السّلاح والعُنف والرّدع وتحميل الفُقراء مسؤولية وضْعِهم وفَقْرِهِم، وتُعزّز مناهج التّعليم، ووسائل الإعلام المهينة ثقافة العُنف والعقاب والقتل، في الخارج كما في الدّاخل، ففي الخارج تُبَرَّرُ جميع الحُروب العدوانية ب"ثقافة الكوبوي" وفي الدّاخل يُبرّرُ ارتفاع أحكام وتنفيذ الإعدام وارتفاع عدد السُّجناء، بنفس الثقافة التي تدّعي ضرورة "تطهير المجتمع"، عبر عَزْل "الأشرار"، وقَتْلِ بعضِهم، ليكونوا "عبرة"، والواقع أن لا عبرة بالسّجن ولا بالقتْل القانوني المتمثل بالحُكم بالإعدام، بل تستفيد شركات خاصّة من العمل الإجباري للمساجين، الذين ارتفع عدد من صَدَرت ضدّهم أحكام نافذة، من أقل من 300 ألف، سنة 1972، إلى أكثر من 2,5 مليون سنة 2018، ومعظمهم سُجنوا بتهمة ارتكاب جرائم طفيفة غير مصحوبة بالعُنف، ونشر "مركز برينان للعدالة" تقرير، سنة 2016، استنتج أن حوالي 40% من السّجناء لا يُسَبّبُون أي خطر على الأمن العام ولا على سلامة المواطنين وممتلكاتهم، ما يجعل منهم سُجناء بدون سبب مُقْنِع، كما يوجد الآلاف من السجناء الشباب، السود والبيض الذين لم يرتكبوا جرائم عنيفة، ولا يُشكّلون تهديدًا لحياة الناس، ولكنهم يقضون عقوبة السجن مدى الحياة دون إمكانية الإفراج المشروط، ما يجعل من الولايات المتحدة، التي يُشكل سُكّانها نسبة تقل عن 5% من سُكّان العالم، تَعُدّ نسبة 25% من العدد الإجمالي لسجناء العالم، أو حوالي 700 سجين عن كل مائة ألف مواطن، وعلى أعلى مُعدّل في العالم، بسبب اعتماد منظومة الأمن والقضاء على القَمْع السّافر ضدّ الفُقراء الذين يتحوّلون، داخل السُّجُون (التي وقعت خصخصتها ) إلى عُمّال بدون أجْر، أو بأجر هزيل جدّا، لم يتطور منذ قرابة خمسة عُقُود، لصالح الشركات التي تُدير هذه السّجون، وتُسيطر أيضًا على وسائل الإعلام المحلية.
يُشكل المواطنون السّود نحو 13% من إجمالي سكان البلاد ونحو 40% من إجمالي عدد السجناء، بسبب السياسات العنصرية والطبقية التي تستهدفهم، بحسب الرابطة الوطنية لتقدّم الملونين ( NAACP ) ، التي أوردت أن الأمريكيين السود والبيض يستهلكون المخدرات بنفس النِّسَب (مقارنة بعدد السكان)، لكن تهمة استهلاك وترويج المخدرات تُعتبر مثالاً واضحًا على الميز العنصري، لأن معدل سجن الأمريكيين السود بتهم تتعلق بالمخدرات، يُعادل ستة أضْعاف المواطنين البيض، ويفوق معدل سجن الرجال السود خمس مرات معدّل سجن الرجال البيض، ولذا فإن قرابة 70% من المواليد الذُّكُور السُّود مُعرّضين للسجن في إحدى مراحل حياتهم.
ذَكرنا أن ارتفاع عدد السُّجناء ذو فائدة كبيرة للشركات الخاصّة التي تُشرف على إدارة السجون، وأوردت بعض التقارير نموذج شركة "كوريسفيك" ( Corecivic ) التي تُشرف على إدارة السّجون بتسعة عشر ولاية أمريكية، بالإضافة إلى مقاطعة "كولومبيا"، وتُشغّل العاملين السّجناء، في ولاية "مينيسوتا"، على سبيل المثال، بمعدّل 12 دولارا في الشهر (بعد الخَصْم)، وفرضت عليهم العمل بدون وقاية خلال انتشار وباء "كورونا ".
تُؤَكِّدُ منظمة ( Left Business Observer ) أن جُذُور شُرُوط العمل بالسّجون مُستَمَدَّة من إنهاء العمل بالعُبُودية قانونًا، سنة 1865، مع بقائها في الواقع، حيث يسمح القانون بفرض العمل القَسْرِي على المُجْرِمِين وعلى من يُقضّون محكومية بالسّجن، واستغلت الشركات الرأسمالية هذه الفُرصة، لتضخيم أرباحها، وعلى سبيل المثال، تُشرف إدارة سجون ولاية نيويورك على 52 ورشة عمل داخل السجون، تُنتج سلعًا ومنتجات صناعية تحمل العلامة التجارية "كوركرفت"، برواتب تتراوح بين 16 و 30 سنتًا في الساعة، ولا يجب أن يتجاوز أجر العامل المُتخَصِّص والماهر 1,5 دولارا في اليوم، وتنتج هذه الورشات صفائح ترقيم السيارات، وملابس السجناء، والبدلة الرسمية لموظفي السجون، وأثاث المؤسسات الحكومية في ولاية نيويورك، وخلال جائحة "كوفيد 19"، بدأت تنتج الكمامات والمعقمات المُعدّة للبيع في ولاية نيويورك، كما في الولايات الأخرى، كما يصنع عُمّال السّجون الأمريكية المُخَصْخَصَة بعض قطع غيار أسلحة الجيش، ونسبة 100% من الخوذات العسكرية، ومن أحزمة الذخيرة والسترات الواقية من الرصاص، والشارات، والقمصان والسراويل والخيام والحقائب وأدوات الطبخ والطعام، كما تنتج السجون 93% من جميع الدهانات والفراشي، و 92% من مواقد المطبخ، و36% من الأجهزة المنزلية، و30 % من السماعات و مكبرات الصوت، و 21% من الأثاث المكتبي، وغير ذلك من السّلع التي تُمكّن الولايات المتحدة من منافسة الصين والبلدان الفقيرة، ومن بيع العديد من السلع بأسعار "مُنافِسَة"، فيما ترتفع أرباح الشركات إلى الحد الأقصى، وحاولت منظمات مُدافعة عن حقوق السّجناء ملاحقة شركة ( Corecivic ) بتهمة عدم احترام حقوق العمال في السجون، وإدامة ثقافة العبودية وحرمان الطبقة العاملة داخل السّجون من أبسط الحقوق، وفي حال رفض السّجين العمل الذي لا يختاره (والخيارات محدودة جدًّا)، يتم نقله إلى السجن الانفرادي”، ما يضطر السجين للعمل، دون اكتساب أية مهارات.
وَرَدَ في تقرير نشرته منظمة “مبادرة سياسة السجون” سنة 2018، إن نسب البطالة في صفوف العمال الذين أنهوا محكوميتهم وخرجوا من السجون، مرتفعة بالمقارنة مع فئات المجتمع الأخرى، وتصل إلى 27%، رغم العمل الإجباري في السّجن، دليلاً على عدم اكتساب أي مهارات في ورشات ومصانع السّجُون التي تُعدّ مصدرا للإنتاج وللربح المرتفع، للشركات الخاصة، كما للحكومات المحلية، والحكومة الإتحادية الأمريكية التي تسرق جهد عُمال السجون، وتشتري إنتاج المساجين بأقل من قيمته الحقيقية، من كراسي ومعدّات المدارس العمومية وملابس ومعدّات الجيش، بحسب منظمة "الجمعية الإصلاحية...
وردت المعلومات عن السجون والسجناء في تقرير منظمة “مشروع العدالة”، منتصف شهر تموز/يوليو 2020