الاستبداد في مواجهة انقلاب «كورونا»
د. أحمد موفق زيدان
العرب القطرية
الاربعاء 22/4/2020
لا شيء أخطر على الأنظمة الاستبدادية الشمولية الديكتاتورية كالمعلومة، يظن الاستبداد أن النجاح والاستمرار في السلطة مقرون فقط بكبت المعلومة وإماتتها، ومنع نشرها، هكذا اكتشف النظام الشمولي في تركمانستان علاج وباء «كورونا» الذي يفتك بالعالم كله، لا يفرّق بين عالم مستبد وغيره، لا فقير فيه ولا غني، ربما حال الفقير أفضل من غيره، كونه ليس لديه ما يخسره مقارنة بالغني أو الدول الغنية.
فنظام الأسد ليس لديه سوى بضع عشرات من الحالات الكورونية التي عولج منها أكثر مما أعلنه النظام نفسه، فكان بذلك مثاراً للسخرية والهزل، وتجلت المهزلة أكثر بطريقة تعقيم المدارس والمؤسسات الحكومية، بينما المعلومات الواردة من المدن السورية تتحدث عن كارثة حقيقية، بسبب الفيروس من الخارج إلى السوريين، في ظل عجز النظام عن إغلاق الحدود أو المطارات، فتلك خاضعة لسيادة الاحتلال تماماً كحال مناطقه الخاضعة لسيطرته، أما الصين فلا نعرف حتى اليوم كيف ظهر الفيروس فيها، فطاف أقاصي العالم شرقه وغربه، شماله وجنوبه، حتى نثق بقضائها عليه اليوم، فضلاً عن عثورها على العلاج، وهي التي أرغمت الطبيب الذي حذّر من «كوفيد - 19» على أن يموت فيه بعد أسابيع.
سيظل العالم مديناً للصين بتوضيح موقفها من تفشي المرض دون أن تثق حتى بما أبلغها إياه أطباؤها، فضلاً عن أن تبلغ العالم عن حقيقة التفشي والانتشار المسبق، كي يستعد العالم لهذه الجائحة الخطيرة، ويظل المريض الأول مجهولاً للعالم كله، وتصرّ الصين على عدم الكشف عنه، إذ إنه سيحلّ إشكالاً طبياً مهماً في كيف بدأ تفشي المرض، وسببه الحقيقي، أما روسيا فقد قاومت ومانعت لأسابيع، لتبدأ اليوم ترفع بورصة الإصابات فيها إلى الآلاف، بعد أن كانت ترفض وجودها، لتتحدث بعد أسابيع عن إصابات على اليد الواحدة، في حين كانت صور سيارات الإسعاف تقف في طابور طويل أمام المشافي.
رئيس تركمانستان غربان غولي بردي محمدوف صاحب البلد المغلق تماماً عن العالم، ولا نسمع أخباره ، تماماً كحال ديكتاتور كوريا الشمالية الذي نسمع أخبار بلده فقط من خلال ركوبه على خيله مع شقيقته، لكن ركوب الخيل هذا لعله يريح ويستريح!
محمدوف أعلن منذ اليوم الأول للكارثة، أنه لا حالة واحدة كورونية في تركمانستان، وأعلن أن علاجه يكمن في كبت المعلومة وحظر تداولها، وأوعز الرئيس إلى البوليس السري باعتقال كل من يتلفظ باسم «كورونا»، أما الحالات التي توفيت بسببه، فقد طلب من الأطباء عزوها إلى غير «كورونا»، ووصل الأمر إلى أن تسحب الحكومة من الأطباء جوالاتهم خلال فترة دوامهم بالمشافي، كي لا يصوّروا مشاهد مرضى «كورونا».
تدرك الأنظمة الشمولية الديكتاتورية أهمية احتكارها المعلومة، فانتشارها سيضعف شرعيتها الوحيدة واليتيمة المتبقية لها، وكسر الاحتكار يعني التشكيك بكل ما قالته وتقوله وستقوله، وبعدها فلا بدّ للشعوب أن تبحث عن مصدر معلومات آخر، سيكون بالتأكيد على حساب المصدر الحكومي الذي غدا كاذباً أو مشكوكاً فيه الأقل، يتبعه حكماً تشكّل رأي عام يكفر بكل ما سمعه ولقنه من قبل.
لا شيء أجمل من العلاقة الكريستالية بين الشعوب والحكومات، بأن تعيش الثانية في بيوت زجاجية، لا تتلفع بأكاذيب وأوهام، ولكن أنّى للمستبد المقطوع من شجرة الشعوب أن يجرؤ على ذلك، وهو يعلم علم اليقين أنه راحل بمجرد التفكير ببيوت من هذه، فالبيوت الفولاذية هي التي تليق به ويليق بها.
د. أحمد موفق زيدان
العرب القطرية
الاربعاء 22/4/2020
لا شيء أخطر على الأنظمة الاستبدادية الشمولية الديكتاتورية كالمعلومة، يظن الاستبداد أن النجاح والاستمرار في السلطة مقرون فقط بكبت المعلومة وإماتتها، ومنع نشرها، هكذا اكتشف النظام الشمولي في تركمانستان علاج وباء «كورونا» الذي يفتك بالعالم كله، لا يفرّق بين عالم مستبد وغيره، لا فقير فيه ولا غني، ربما حال الفقير أفضل من غيره، كونه ليس لديه ما يخسره مقارنة بالغني أو الدول الغنية.
فنظام الأسد ليس لديه سوى بضع عشرات من الحالات الكورونية التي عولج منها أكثر مما أعلنه النظام نفسه، فكان بذلك مثاراً للسخرية والهزل، وتجلت المهزلة أكثر بطريقة تعقيم المدارس والمؤسسات الحكومية، بينما المعلومات الواردة من المدن السورية تتحدث عن كارثة حقيقية، بسبب الفيروس من الخارج إلى السوريين، في ظل عجز النظام عن إغلاق الحدود أو المطارات، فتلك خاضعة لسيادة الاحتلال تماماً كحال مناطقه الخاضعة لسيطرته، أما الصين فلا نعرف حتى اليوم كيف ظهر الفيروس فيها، فطاف أقاصي العالم شرقه وغربه، شماله وجنوبه، حتى نثق بقضائها عليه اليوم، فضلاً عن عثورها على العلاج، وهي التي أرغمت الطبيب الذي حذّر من «كوفيد - 19» على أن يموت فيه بعد أسابيع.
سيظل العالم مديناً للصين بتوضيح موقفها من تفشي المرض دون أن تثق حتى بما أبلغها إياه أطباؤها، فضلاً عن أن تبلغ العالم عن حقيقة التفشي والانتشار المسبق، كي يستعد العالم لهذه الجائحة الخطيرة، ويظل المريض الأول مجهولاً للعالم كله، وتصرّ الصين على عدم الكشف عنه، إذ إنه سيحلّ إشكالاً طبياً مهماً في كيف بدأ تفشي المرض، وسببه الحقيقي، أما روسيا فقد قاومت ومانعت لأسابيع، لتبدأ اليوم ترفع بورصة الإصابات فيها إلى الآلاف، بعد أن كانت ترفض وجودها، لتتحدث بعد أسابيع عن إصابات على اليد الواحدة، في حين كانت صور سيارات الإسعاف تقف في طابور طويل أمام المشافي.
رئيس تركمانستان غربان غولي بردي محمدوف صاحب البلد المغلق تماماً عن العالم، ولا نسمع أخباره ، تماماً كحال ديكتاتور كوريا الشمالية الذي نسمع أخبار بلده فقط من خلال ركوبه على خيله مع شقيقته، لكن ركوب الخيل هذا لعله يريح ويستريح!
محمدوف أعلن منذ اليوم الأول للكارثة، أنه لا حالة واحدة كورونية في تركمانستان، وأعلن أن علاجه يكمن في كبت المعلومة وحظر تداولها، وأوعز الرئيس إلى البوليس السري باعتقال كل من يتلفظ باسم «كورونا»، أما الحالات التي توفيت بسببه، فقد طلب من الأطباء عزوها إلى غير «كورونا»، ووصل الأمر إلى أن تسحب الحكومة من الأطباء جوالاتهم خلال فترة دوامهم بالمشافي، كي لا يصوّروا مشاهد مرضى «كورونا».
تدرك الأنظمة الشمولية الديكتاتورية أهمية احتكارها المعلومة، فانتشارها سيضعف شرعيتها الوحيدة واليتيمة المتبقية لها، وكسر الاحتكار يعني التشكيك بكل ما قالته وتقوله وستقوله، وبعدها فلا بدّ للشعوب أن تبحث عن مصدر معلومات آخر، سيكون بالتأكيد على حساب المصدر الحكومي الذي غدا كاذباً أو مشكوكاً فيه الأقل، يتبعه حكماً تشكّل رأي عام يكفر بكل ما سمعه ولقنه من قبل.
لا شيء أجمل من العلاقة الكريستالية بين الشعوب والحكومات، بأن تعيش الثانية في بيوت زجاجية، لا تتلفع بأكاذيب وأوهام، ولكن أنّى للمستبد المقطوع من شجرة الشعوب أن يجرؤ على ذلك، وهو يعلم علم اليقين أنه راحل بمجرد التفكير ببيوت من هذه، فالبيوت الفولاذية هي التي تليق به ويليق بها.