بسم الله الرحمن الرحيم
رمضان والحمل الثقيل
الخبر:
أعلنت موريتانيا والصومال ومالي وساحل العاج ودول أفريقية أخرى عن ثبوت هلال شوال مساء الجمعة وأعلنت أن السبت هو أول أيام عيد الفطر، بينما أعلنت باقي الدول القائمة في البلاد الإسلامية أن السبت هو المتمم لشهر رمضان وأن الأحد 5/24 هو أول أيام العيد.
التعليق:
وهكذا انقضى شهر رمضان المبارك بأيامه ولياليه، وما به من أجر وثواب، وصيام وقيام، وما حمل من بشارات. انقضى ومساجد المسلمين في شتى أنحاء الأرض مغلقة، لا تقام فيها جمع ولا جماعات ولا تراويح، ولا ندوات، ولا مواعظ ولا دروس. انقضت أيام رمضان ولم تتوقف عن النزيف دماء إخواننا في سوريا واليمن وليبيا وأراكان وتركستان الشرقية...
وها هو العيد يحل على المسلمين، ولم تجف بعد دموع الثكالى، ونظرات الحزن في عيون اليتامى، وعضة الجوع في بطون المساكين. ولم يلتئم شمل المسلمين في يوم عيد واحد ولو على شبكات التواصل.
وبالرغم من استخدام غالبية العلماء والمشايخ والحركات وعامة الناس لحديث واحد عن رسول الله r «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» فلم يتسع هذا الحديث ليوحد يوم صوم المسلمين أو يوم عيدهم. فمع تشتت المسلمين في دويلات وكيانات منفصلة، أصبح من المتعذر حتى التأكد من شهادة الشهود، وأمام أي هيئة قضائية تؤدى الشهادة. فما تكاد تنقشع ظلمة حتى تغشاها ظلمة أخرى فينام المسلمون وهم قلقون أغدا عيد أم مكمل لرمضان؟!
فأين هي معضلتنا؟ أهي في إغلاق المساجد؟ أم هي الاختلاف في تحديد يوم العيد ويوم البدء في الصيام؟ أم هي في استفحال الفقر، وتغول الجوع؟ أم هي في سفك دماء الملايين من إخوتنا في شتى أنحاء العالم؟ أم هي في الاعتداء على الحرائر من نسائنا؟ أم هي في يُتم الملايين من أطفالنا وتشردهم في بلاد الغرب والشرق سواء؟ أم هي في تالياً وتالياً وتالياً إلى ما لا نهاية من أصناف ضنك العيش؟
الحقيقة البالغة والتي لا يماري فيها إلا كاره لها، هي أن المسلمين اليوم قد أصبحوا يعيشون دون راع يرعى شؤونهم ويهتم بأمرهم ويوردهم موارد الخير والسعادة، بل وأسوأ من ذلك أن من تلبس بلباس الراعي ليس إلا عدوا للمسلمين لا يرقب فيهم إلا ولا ذمة. وصدق فينا قول الشاعر:
لا يلام الذئب في عدوانه إن يك الراعي عدو الغنم
وتأكد فينا الحال الذي وصفه سيد الخلق محمد عليه الصلاة والسلام «وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ».
فبدلا من أن يكون للمسلمين راع يرعى شؤونهم ويوفر لهم أسباب العيش الكريم، والأمن والاستقرار، أصبح للمسلمين أكثر من 55 ذئبا ينهشون لحومهم ويقدمونها قرابين لضباع غابة المستعمرين. وليس فيهم ولا منهم رجل رشيد!
فكيف يمكن أن يتوحد عيد المسلمين ويوم صومهم وعليهم أكثر من 50 ذئبا لا يرقبون فيهم إلا ولا ذمة؟ بل كيف يتوقف نزيف دماء المسلمين إذا كان هؤلاء هم ذاتهم من يوغل في الدماء ويسفكها ويأتي بمن يسفكها لهم من روسيا وأمريكا وغيرها؟!
الحقيقة البالغة المرة هي أن الأمة الإسلامية فرطت في أعز حق من حقوقها وأهم واجب من واجباتها، وعزفت عن المطالبة به والعمل للقيام بواجبها، واكتفت بفتح وبناء مساجد لها، وما لبث حكامها أن أغلقوها وحرموها عليها ليذيقوها الهوان والذل. ترك المسلمون وتخلوا عن أهم خاصية من خصائص عقيدتهم والتي تجعل الربوبية المطلقة بما فيها من حكم وأوامر وتعليمات لله وحده دون خلقه. اكتفت الأمة بمظهر واحد من مظاهر غريزة التدين المتعلق بالركوع والسجود والتلاوة والعلاقة بين العبد والله بما فيها من شعور جميل ولذيذ.
أما رعاية الشؤون والحكم، والقضاء، وإدارة الأمور المالية والسياسية وما يتبعها فقد تركها المسلمون لبغاة لهم قلوب الشياطين، وحراب السفاحين. ترك المسلمون وتخلوا عن أهم مظهر من مظاهر العبودية فلم يعد يهزهم الأقل شأنا منها. والله تعالى يقول: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهاً وَاحِداً لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾. وذلك حين قبل الناس أن يحل لهم سادتهم وكبراؤهم الحرام ويحرموا عليهم الحلال.
فلما وسد أمر المسلمين إلى سفهائهم، فحكموهم بغير شريعة الله ومنهاجه، وأدخلوا عليهم ظلام وطغيان رأسمالية جائرة، وفجار المستعمرين، حينها لم يبق لهم لا رمضان موحداً، ولا عيدا واحدا، ولا دما مصونا، ولا عرضا محفوظا، ولا مالا أو ثروة أمينة، ولا رفعة بين الأمم، ولا حتى مسجدا مفتوحا.
وبعد، لقد صدحت حناجر قرابة ملياري مسلم بالدعاء لله في ليالي رمضان، وكلها تعلن التوبة لله عز وجل وترجو رحمته وتوبته، ولكن الحقيقة المرة التي يتغاضى عنها المسلمون أنهم يتوبون عن صغائر الأمور ويصرون على كبائرها!
فكيف نتوب عن الربا المستفحل في بلاد المسلمين؟ والخمر المصنع والمنتشر في الحانات في أمهات مدن المسلمين؟ وكيف نتوب عن التشريع الذي يسن بقوانين بريطانيا وألمانيا وفرنسا؟ وكيف نتوب عن تسليم قضايانا وأهمها الأقصى وفلسطين لأمريكا ويهود؟ وكيف نتوب عن التفريط بنفط الأمة وغازها وجعلها أداة استعمارية بيد أمريكا؟
من الذي تاب عن ذلك، فأوقف كل هذه المفاسد والمظالم؟ من الذي أخذ على يد حكام الجبر الظالمين وقذف بهم إلى حيث يستحقون؟ من الذي أوقف البنوك عن المراباة في أموال المسلمين؟ من الذي أوقف تجارة الخمر التي تذهب بعقول المسلمين؟ من الذي أوقف دور الفجور وحاناتها؟ من الذي أوقف التبرج والاختلاط المحرم؟ من الذي رد أموال المسلمين لبيت مال واحد ينفق على فقيرهم، ويطعم مساكينهم، ويرعى أيتامهم؟
لم يحصل من ذلك شيء، ولن يحصل حتى يعيد المسلمون أمرهم وحكمهم ويستردوا سلطانهم المغتصب، ويوسدوا أمرهم إلى خليفة يبايعونه على الحكم بكتاب الله وسنة نبيه r. وصدق رسول الله: «فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. محمد جيلاني