عقيدة التوحيد تفتضي فهم الاحدية - ج3 -
بسم الله الرحمن الرحيم
كيف نتعامل مع الايات التي ظاهرها يوهم التجسيم؟
معلوم ان الله تعالى خاطبنا وانزل كتابه الكريم بلسان عربي مبين ، واللسان العربي ليس مجرد نطق بألفأظ العرب ، بل هو وسيلة بيان وابانة، اي استعمل اساليب العرب في بيان وايصال مقصوده اليهم والى من سواهم بلسانهم، فاكد هذا المعنى بلفظ مبين. لان العرب لها اساليب في البيان والبلاغة لايصال المعنى المقصود الى ذهن السامع او المخاطب بافصح و اوجز عبارة. والفاظ القران الكريم العربية تفهم وتدرك بلسان العرب وقت التنزيل وبلغة قريش افصح العرب وابينهم لسانا .
ومن اهم اساليب العرب واوسعها واكثرها شيوعا في الكلام المجاز، وهو ان يتجوز باللفظ فيخرجه عن ظاهر ما وضع له ليفيد معنى اخر مقربا للمنى في اذهان السامعين وليعطي صورة بلاغية في الخطاب تشوق المخاطب للاستماع وتعينه على فهم المقصود من خلال سياق النظم اللغوي .
ولناخذ مثلا قوله تعالى : (( وَيَبقَى وَجهُ رَبِّكَ ذُو الجَلَالِ وَالإِكرَامِ )) (الرحمن:27). فاستعمال كلمة الوجه هنا كما هي في قوله سبحانه وتعالى: (( كُلُّ شَيءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجهَهُ )) (القصص:88) وكما هي في قوله تعالى : (( إِنَّمَا نُطعِمُكُم لِوَجهِ اللَّهِ )) (الانسان:9) ، فاطلق الوجه واراد الذات ، وكما يقول علماء اللغة والبلاغة اطلق الجزء واراد الكل. علما بان الله تعالى لايجزأ ولا يجسم وانما استعمل اساليبهم في كلامهم ليقرب لهم الفهم ، وهذا الاستعمال موجود في لسان العرب واستعمالهم يومذاك ولا زال مستعملا عند القبائل والعشائر لليوم، وذلك أنهم يعبّرون عن رعاية حق الكبير سواء كان شيخ عشيرة او قبيلة أو أمير بلد او ملك وصاحب سلطة وجاه، يعبّرون عنه بأنهم يراعون وجهه، ويعبّرون عن انفسهم بانهم مقيمون امامه في وجهه، اي في حمايته ورعايته، فلا يستطيع احد ان يؤذيهم ويخفر ذمة صاحب الوجه .
وايضا يقولون في قضائهم وعتد اختلافهم في الحقوق يا فلان حقك مكفول بوجه فلان، فتنتهي الخصومة ويترتب على صاحب الوحه او الزعيم الذي كفل الحق تحصيله واداءه ولو من ماله الخاص. وفي هذا ورد الحديث حيث يقول عليه السلام : الزعيم غارم. اي ان الكفيل يغرم ما تكفل به من حقوق للاخرين.
فالله سبحانه وتعالى يعبّر لنا عن التقرّب اليه بان العمل يكون خالصا لله سبحانه وتعالى بانه يقول : (( إِنَّمَا نُطعِمُكُم لِوَجهِ اللَّهِ )) (الانسان:9).
فالوجه هنا عبارة عن الذات الالهية والتوجه اليه سبحانه وتعالى توجها كاملا والتقرب اليه وحده سبحانه بلا شريك ولا دخل لغيره .
وحينما يقول سبحانه: ( وَيَبقَى وَجهُ رَبِّكَ ) (الرحمن:27) أي يبقى ربك لان كل معبود اتخذه الناس من دونه سيفنى ، والمعبود الذي يبقى الله سبحانه وتعالى لقوله تعالى ( كُلُّ شَيءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجهَهُ ) (القصص:88) وهذا هو المقصود بالوجه، أي إلاّ الله سبحانه وتعالى ، وهذا التعبير يعني تقريب المعقول اللا محسوس عن طريق التشبيه بالمحسوس على سنة العرب في الكلام المسمى عند علماؤ اللغة بالمجاز، وهذا اصل جار في كثير من الايات الكريمة التي ظاهر لفظها يوهم التجسيم الذي هو ممنوع في حق الله تعالى ، لقول الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} الشورى/11، وقول الله عز وجل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. اللَّهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} الإخلاص/1-4.
و عليه فان كل ما ورد في كتاب الله تعالى أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم من الألفاظ التي قد توهم ظواهرها اللغوية تشبيه الله تعالى بخلقه، لا يجوز حملها على ظاهرها اللغوي ومعناها الحقيقي، كلفظ العين واليد والوجه والاستواء وغيرها من الألفاظ التي وضعت في اللغة العربية للدلالة على الأعضاء والجوارح وتستلزم مشابهة الخلق، وإنما لم يجز حملها على ما يظهر من حقيقتها اللغوية لأن ذلك يوهم تشبيه الله بخلقه، قال ابن الجوزي الحنبليّ منكراً على المشبهة والمجسمة في كتابه [دفع شبه التشبيه ص19]: "وقد أخذوا بالظواهر في الأسماء والصفات، فسمّوها بالصفات تسمية مبتدعة لا دليل لهم في ذلك من النقل ولا من العقل، ولم يلتفتوا إلى النصوص الصارفة عن الظواهر إلى المعاني الواجبة لله تعالى، ولا إلى إلغاء ما توجبه الظواهر من سمات الحدث" .
وهنا نلمس دقة الفهم ان ما افاد ظاهره الجوارح ليس من مباحث الصفات ولا يجب ان يدخل في هذا المبحث ، لان الاصل فيه المجاز لايصال معنى يخدمه اللفظ في السياق و لايقصد به اثبات الجارحة .
وقال الإمام النووي الشافعيّ في [شرح صحيح مسلم ج5/ ص24]: "هذا الحديث من أحاديث الصفات، وفيها مذهبان: تقدم ذكرهما مرات في كتاب الإيمان، أحدهما: الإيمان به من غير خوض في معناه، مع اعتقاد أن الله تعالى ليس كمثله شيء وتنزيهه عن سمات المخلوقات، والثاني: تأويله بما يليق به" . وهذه هي مدرسة اسلافنا من العلماء واهل العلم الذين يعتد بعلمهم والذين فقهوا معنى التوحيد وحقيقته ففهموا الوحدانية انها تعني الها واحد لا ثاني له، وفهموا الاحدية انها تفرد ذاته تعالى في الوجود بلا كيف ولا تشبيه ولا تمثيل ولا قدرة لعقل مخلوق على استيعاب الذات العلية فسبحان من ( [size=40]لَّا تُدْرِكُهُ ٱلْأَبْصَٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلْأَبْصَٰرَ ۖ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ(الانعام103). [/size]
ونسال الله تعالى الهداية والتوفيق للصواب واتباع احسن القول
والسلام عليكم ورحمة الله و بركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم
كيف نتعامل مع الايات التي ظاهرها يوهم التجسيم؟
معلوم ان الله تعالى خاطبنا وانزل كتابه الكريم بلسان عربي مبين ، واللسان العربي ليس مجرد نطق بألفأظ العرب ، بل هو وسيلة بيان وابانة، اي استعمل اساليب العرب في بيان وايصال مقصوده اليهم والى من سواهم بلسانهم، فاكد هذا المعنى بلفظ مبين. لان العرب لها اساليب في البيان والبلاغة لايصال المعنى المقصود الى ذهن السامع او المخاطب بافصح و اوجز عبارة. والفاظ القران الكريم العربية تفهم وتدرك بلسان العرب وقت التنزيل وبلغة قريش افصح العرب وابينهم لسانا .
ومن اهم اساليب العرب واوسعها واكثرها شيوعا في الكلام المجاز، وهو ان يتجوز باللفظ فيخرجه عن ظاهر ما وضع له ليفيد معنى اخر مقربا للمنى في اذهان السامعين وليعطي صورة بلاغية في الخطاب تشوق المخاطب للاستماع وتعينه على فهم المقصود من خلال سياق النظم اللغوي .
ولناخذ مثلا قوله تعالى : (( وَيَبقَى وَجهُ رَبِّكَ ذُو الجَلَالِ وَالإِكرَامِ )) (الرحمن:27). فاستعمال كلمة الوجه هنا كما هي في قوله سبحانه وتعالى: (( كُلُّ شَيءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجهَهُ )) (القصص:88) وكما هي في قوله تعالى : (( إِنَّمَا نُطعِمُكُم لِوَجهِ اللَّهِ )) (الانسان:9) ، فاطلق الوجه واراد الذات ، وكما يقول علماء اللغة والبلاغة اطلق الجزء واراد الكل. علما بان الله تعالى لايجزأ ولا يجسم وانما استعمل اساليبهم في كلامهم ليقرب لهم الفهم ، وهذا الاستعمال موجود في لسان العرب واستعمالهم يومذاك ولا زال مستعملا عند القبائل والعشائر لليوم، وذلك أنهم يعبّرون عن رعاية حق الكبير سواء كان شيخ عشيرة او قبيلة أو أمير بلد او ملك وصاحب سلطة وجاه، يعبّرون عنه بأنهم يراعون وجهه، ويعبّرون عن انفسهم بانهم مقيمون امامه في وجهه، اي في حمايته ورعايته، فلا يستطيع احد ان يؤذيهم ويخفر ذمة صاحب الوجه .
وايضا يقولون في قضائهم وعتد اختلافهم في الحقوق يا فلان حقك مكفول بوجه فلان، فتنتهي الخصومة ويترتب على صاحب الوحه او الزعيم الذي كفل الحق تحصيله واداءه ولو من ماله الخاص. وفي هذا ورد الحديث حيث يقول عليه السلام : الزعيم غارم. اي ان الكفيل يغرم ما تكفل به من حقوق للاخرين.
فالله سبحانه وتعالى يعبّر لنا عن التقرّب اليه بان العمل يكون خالصا لله سبحانه وتعالى بانه يقول : (( إِنَّمَا نُطعِمُكُم لِوَجهِ اللَّهِ )) (الانسان:9).
فالوجه هنا عبارة عن الذات الالهية والتوجه اليه سبحانه وتعالى توجها كاملا والتقرب اليه وحده سبحانه بلا شريك ولا دخل لغيره .
وحينما يقول سبحانه: ( وَيَبقَى وَجهُ رَبِّكَ ) (الرحمن:27) أي يبقى ربك لان كل معبود اتخذه الناس من دونه سيفنى ، والمعبود الذي يبقى الله سبحانه وتعالى لقوله تعالى ( كُلُّ شَيءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجهَهُ ) (القصص:88) وهذا هو المقصود بالوجه، أي إلاّ الله سبحانه وتعالى ، وهذا التعبير يعني تقريب المعقول اللا محسوس عن طريق التشبيه بالمحسوس على سنة العرب في الكلام المسمى عند علماؤ اللغة بالمجاز، وهذا اصل جار في كثير من الايات الكريمة التي ظاهر لفظها يوهم التجسيم الذي هو ممنوع في حق الله تعالى ، لقول الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} الشورى/11، وقول الله عز وجل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. اللَّهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} الإخلاص/1-4.
و عليه فان كل ما ورد في كتاب الله تعالى أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم من الألفاظ التي قد توهم ظواهرها اللغوية تشبيه الله تعالى بخلقه، لا يجوز حملها على ظاهرها اللغوي ومعناها الحقيقي، كلفظ العين واليد والوجه والاستواء وغيرها من الألفاظ التي وضعت في اللغة العربية للدلالة على الأعضاء والجوارح وتستلزم مشابهة الخلق، وإنما لم يجز حملها على ما يظهر من حقيقتها اللغوية لأن ذلك يوهم تشبيه الله بخلقه، قال ابن الجوزي الحنبليّ منكراً على المشبهة والمجسمة في كتابه [دفع شبه التشبيه ص19]: "وقد أخذوا بالظواهر في الأسماء والصفات، فسمّوها بالصفات تسمية مبتدعة لا دليل لهم في ذلك من النقل ولا من العقل، ولم يلتفتوا إلى النصوص الصارفة عن الظواهر إلى المعاني الواجبة لله تعالى، ولا إلى إلغاء ما توجبه الظواهر من سمات الحدث" .
وهنا نلمس دقة الفهم ان ما افاد ظاهره الجوارح ليس من مباحث الصفات ولا يجب ان يدخل في هذا المبحث ، لان الاصل فيه المجاز لايصال معنى يخدمه اللفظ في السياق و لايقصد به اثبات الجارحة .
وقال الإمام النووي الشافعيّ في [شرح صحيح مسلم ج5/ ص24]: "هذا الحديث من أحاديث الصفات، وفيها مذهبان: تقدم ذكرهما مرات في كتاب الإيمان، أحدهما: الإيمان به من غير خوض في معناه، مع اعتقاد أن الله تعالى ليس كمثله شيء وتنزيهه عن سمات المخلوقات، والثاني: تأويله بما يليق به" . وهذه هي مدرسة اسلافنا من العلماء واهل العلم الذين يعتد بعلمهم والذين فقهوا معنى التوحيد وحقيقته ففهموا الوحدانية انها تعني الها واحد لا ثاني له، وفهموا الاحدية انها تفرد ذاته تعالى في الوجود بلا كيف ولا تشبيه ولا تمثيل ولا قدرة لعقل مخلوق على استيعاب الذات العلية فسبحان من ( [size=40]لَّا تُدْرِكُهُ ٱلْأَبْصَٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلْأَبْصَٰرَ ۖ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ(الانعام103). [/size]
ونسال الله تعالى الهداية والتوفيق للصواب واتباع احسن القول
والسلام عليكم ورحمة الله و بركاته.