من المدرك عند اهل العلم : ان ما من متكلم بكلام الا وله عُرف..فان لفظه عند الاطلاق يُحمل على عرفه وعرف اهل فنه وصناعته. وهذا يمنع اساءة الفهم واللاتباس في المخاطبات بين الناس .
فالكلام هو وسيلة التخاطب بين العقلاء، وهو رموز صوتية او اشارية متعارف عليها لتنقل الصور الذهنية بين العقول المتخاطبة ، فواقع الكلمات انها هي صورة ذهنية حولتها الالسنة الى اقوال وحروف ومقاطع صوتية عند ارسالها، ليعيدها الذهن الى صور عند استقبالها وتلقيها .
فاذا قال احدهم اربط الكلب ، فنفهم انه يريد ربط الحيوان المعروف بهذا الاسم اجلكم الله، وان قال فلان كلب، فانك تفهم انه يحقره ويسبه ويذمه، واذا قال معلم البناء لعامله هات الكلب، او ضع الكلب مكانه ، فانه يقصد حجرا يوضع بين حجارة القوس ليمسكببعضها وتكلب ببعضها البعض، ويسمى هذا الحجر عند اهل صناعة البناء كلبا .
ومفاد هذه القاعدة الجليلة ان اهل الصنائع واهل العلوم والفنون المختلفة لكل منهم مصطلحاته الخاصة به وبفنه الذي يعالجه، ولذلك اذا اطلقوا لفظ مصطلحهم فلا يحمل في فهمه وتفسيره على معناه اللغوي، بل على معناه الاصطلاحي عندهم .. واليكم المثال على ذلك..فمثلا كلمة السبب فهو عنداهل اللغة والمعاجم :- ما يُؤَدِّي إلى حدوث أَمر أَو إلى نتيجة ، او هو ما يكون باعثًا على حُدوث أَمْر وما يدفع إلى فِعْل شَيْء. او هو ما يتوصل به المرء إلى مقصود ما, قال الله جل وعلا: مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ [الحج:15].
والسبب عند اهل العروض وهو الفن الذي به يوزن الشعر : حرفَانِ ، مُتحَرِّكٌ فَسَاكِنٌ ، أو مُتَحَرِّكَانِ ، فَالأَوَّلُ يُسَمَّى السَّبَبَ الخَفِيفَ وَالثَّانِي يُسَمَّى السَّبَبَ الثَّقِيلَ.
وفي اصطلاح الفقهاء :- هو الامارة والعلامة الدالة على وجود الحكم.. كرؤية هلال رمضان امارة دالة على وجوب صيام الشهر، وكزوال الشمس عن كبد السماء امارة دالة على ايجاب صلاة الظهر ...
وعند الاصوليين :- هو ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم..كوقوع الجريمة سبب في ايقاع العقوبة، فان لم تقع الجريمة وتحدث فلا وقوع للعقوبة.. فمجرد التفكير في الجريمة او توارد الخواطر بها لا يوقع عقابا ..
وعند علماء العقيدة والتوحيد :- هو ما ادى الى النتيجة حتما ولا يتخلف.. كانتهاء الاجل سبب للموت ...
وكذلك متل لفظ كلمة - السنة - ففي الاطلاق اللغوي تعني الطريق والجادة ، وفي مصطلح الفقهاء ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه ، وفي مصطلح الاصوليين ما طلب الشارع الحكيم فعله طلبا غير جازم ، وفي مصطلح المحدثين ما اثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعل او قول او تقرير او صفة خِلقية او خُلقية.
والفقيه والاصولي يهمه من جوانب تعريف المحدثين القول والفعل والتقرير لانه المنتج للاحكام ...
وعليه فان الكلام عند فهمه وتفسيره لا بد وان يُفهم على مراد المُتكلم وقصده من مصطلحاته، وهذا امر ضروري للناس وطلاب العلم واهل الفقه والمتفقهين. ولذلك من الضروري ايضا معرفة مناسبة النص و معرفة الظروف التي قيل فيها ليتحدد ويتضح لنا السياق الذي جاءت فيه اللفظة، لان كثير من الالفاظ قد تتحد في اللغظ وتتعدد معانيها، وقد يتجوز بها المتحدث وينقلها لتفيد معنى اخر بسبب الاشتراك ، او قد تتباين في معانيها فتطلق على الاضداد كقولهم فلان سليم، والسليم هو المعافى، واطلقوها على لديغ الافعى تيمنا له بالسلامة وتفاؤلا بالشفاء ....
نسال الله تعالى ان يفقهنا ويزدنا واياكم علما ونساله تعالى العفو والعافية والسلامة من كل شر ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عدل سابقا من قبل محمد بن يوسف الزيادي في 2022-10-14, 3:34 pm عدل 2 مرات