Hitskin.com
اليوم في 3:04 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي
[size=33]بين المرأة والرجل[/size]
كنت قد أخذت على نفسي عهدا ألا أكتب شيئا للنشر العام عن المرأة منذ زمن، لأن هذا الموضوع قد أمسى -على غفلة منا- موضوع شقاق وخلاف، وقد كثر فيه المهاترون والمتكلمون من غير علم، ولأنني أيضا رجل لم يختبر كيف تشعر النساء ولا كيف يفكرن.
ولكن قبل أيام وفي صبيحة النهار، أخبرني العمود الرئيسي على منصة فيسبوك أن اليوم هو يوم المرأة العالمي، وقرأنا من الكلام ما يسر وما يضر؛ فأخذت قرارا بالعدول هذه المرة عن الحدود التي وضعتها لنفسي بنفسي، وأن أكتب شيئا في المرأة، أستوحيه من صفحات التاريخ وما دلتنا عليه، أسعى فيه لتبيين ما بينته لي السير واتفق عندي مع العقل السليم والفطرة القويمة، ولعله يقع على آذان مصغية وقلوب صافية وعقول منفتحة، تأخذ ما وجدت فيه من الصواب وتنبذ وراء ظهرها ما وجدت فيه من الخطأ.
إن الرجل في هذا العالم مثله كمثل آدم ساعة خلقه في السماء، يولد على غير هدى من نفسه ولا من مقامه ولا من محيطه. اليوم وأنا رجل على مشارف الثلاثين، أعلم صحة هذا الكلام جيدا. لقد اعتدنا أن نرى الرجال يقومون على ما قام عليه المجتمع، فيتطبعون بالسائد فيه من العادات وينشؤون عليها. فإن كانت المجتمعات مجتمعات صلاح فرجل يميل إلى الصلاح، وإن كانت مجتمعات قد شرعت أعرافا فاسدة، فرجل قد طبع على الفساد، إلا في النوادر من الأحوال أن ينشأ الصالحون في مجتمع أسه الفساد.
يعرف كل مطلع على أصل حكاية الوجود أن آدم قد سبق زوجه حواء في الخلق، ومن ثم جعل الله له حواء تداوي وحدته وحاجته الفطرية إلى الشريكة، ولما استوفيت الأسباب أنزل الله كليهما إلى الدنيا، وآدم حينئذ نبي ذو شرف، ورجل يملك بوصلة واضحة، أُنزل إلى الأرض ليعمرها وبنوه من بعده، وليس المخلوق الوحيد الذي كان عليه في أوقات أسبق. وفي النظر للآراء التي تلقي التهم على أمنا حواء المباركة، وتنسب إليها ما لم يقله الرب ولم يأت به نبي، من التقام "التفاحة المحرمة" التي أودت إلى طردها وزوجها النبي من الجنة؛ نجد أن حواء كانت هدفا للثرثارين والمتقولين منذ أمد بعيد، كلام يجتره كل فاشل ليزيل عن نفسه الشعور بالخزي، وما زالت ترسبات هذا الفكر في التعامل مع المرأة بائنة دالة على حقيقة ما عانته من التضييق والتحقير في أماكن وأزمان غير قليلة.
بعد أن ذكرنا الظلم البواح الذي تعرضت له المرأة منذ أزمان بعيدة، آن لنا أن ننظر قليلا في واقعنا الشرقي. لقد أتتنا مواكب الاستعمار محملة بالأسلحة والدمار، وكانت أفتك تلك الأسلحة أسلحتهم الأيديولوجية، تلك الأسلحة التي أشربونا وأطعمونا إياها بالغصب والإجبار، بنوعيهما السريع الدموي -كما فرنسا- والبطيء الفعال -كما بريطانيا- لينشأ في رحاب بلداننا أناس يعتنقون ما اختير لهم من القوانين الغربية، يروجون لها ويدعمونها كما لو أنها حق مثل فلق الصبح. ومن هذه الأفكار وأشهرها الفكر النسوي، الذي طغى على المشهد الثقافي العربي في السنين الماضية، داعيا -كما يزعم- إلى تحرير المرأة من سطوة الرجل العربي.
أخذ هذا التيار الفكري مكانة مركزية في النقاشات الإعلامية، والمجالس الثقافية، ووُصف داعموه زورا وظلما بالانفتاح والسعي نحو ما سموه "تمكين المرأة"، وهذا نجاح منقطع النظير في اختيار العناوين البراقة الجاذبة إلى النفق المظلم الذي انبعثت منه هذه الأفكار، أفكار تغذي النرجسية في النساء وتألبهن على آبائهم وأزواجهم وذكور المجتمع قاطبة، في خطوات نرى آثارها اليوم في ازدياد حالات الطلاق وعزوف الشابات عن الزواج، والأخطر من كل هذا هو ترجل النساء ودفعهن للاستقلال عن الذكور، وهذا هو الخراب بعينه ليس على النطاق المجتمعي الفضفاض فحسب، ولكن أيضا على النطاق الفردي لكل أنثى.
ثم لا نلبث أن نجد الحزب الآخر، وهو الأطول عمرا بين الحزبين والأشد بطشا، وهو حزب الفكر الذكوري الذي يشمل المتدين المتشدد والعلماني المتعصب، أي أنه يجمع بين النقيضين من الرجال. ومثل هذا الفكر سبب كبير في ارتفاع أعداد النسوة المنتسبات للفكر النسوي؛ إذ لا يجد أكثرهن ملجأ آمنا من ظلم الذكوريين إلا بالارتماء في أحضان النسويين، كمن تستجير من الرمضاء بالنار.
والذكوريون في غالبهم أصحاب قسوة ونرجسية وجهل، يرون في المرأة غير الذي خلقت لأجله، وهم -تاريخيا- من أوائل من سعوا في إحياء الفكر العربي الجاهلي، أو قل جزئية التعامل مع المرأة فيه. فالمرأة في تلكم الأزمان لم تكن في عيون المجتمع أكثر من متاع للسرير وجارية تهتم بشؤون مخادع الرجال، تلد لهم الأطفال وتصلح لهم الطعام وتكنس لهم البيوت، ثم تمنع من أي حرية في مال أو ممتلكات، بل قتلها بعضهم في طفولتها خشية العار والفقر. والذكوريون هم أحفاد هؤلاء القتلة المستبدين، وإن تباينت أساليب هيمنتهم على المرأة؛ فإن بذور ذاك الفكر مكنوزة فيهم، ولن تلبث أن تسقى حتى يخرج المارد الجاهلي من الإبريق، ويسعى إلى تنصيب نفسه شبه إله فوقها، وهم بذلك يمنعونها الشعور بالأمان حتى تصبح عاجزة عن أن تكون سكنا لهم.
ونجم عن الانتساب الغفير لكلا الفكرين الكثير من الشقاق والفرقة، وازداد الشرق "البائس" مشكلات فوق مشكلاته، كل طرف يقف على طرف حبل منتهاه الظلم، إما مجبرا وإما منصاعا لشيطانه، وإما -كما نرى كذلك- سعيا لنيل الشهرة باستغلاله لنفوذ أحد الفكرين واتساع رقعة انتشاره.
عندما نطرح مثل هذه القضايا الاجتماعية الملحة، فإن من واجب الكاتب -إن استطاع- أن يطرح معها ما وصل إليه من الأجوبة، إما من بطون الكتب أو مما خبره وصلح عليه حاله؛ لئلا يتوه القارئ عن الجادة، فليست المشكلات في حد ذاتها أمرا عصيا دائما، ولكن لأي الأشياء تطرح، إن لم يكن لكي نستدل جميعا على الصراط القويم لحلها؟! والحل في وضوحه لا يخفى لا على ذوي الألباب بالفطرة، ولا على أولي الاطلاع بالمعرفة. والحق أن الذكر مخلوق مثله مثل الأنثى، يفضلها في مواضع وتفضله في مواضع هي الأخرى. وكلاهما مخلوق فانٍ له أهدافه وطموحه، وحقوقه ومسؤولياته. فإن أردت الذهاب إلى الحرب عاينت الرجال، وبحثت فيهم عن صاحب البأس والإقدام، لأنه وسيلتك في الوصول إلى مبتغاك بنجاح، ولا تبحث عن أنثى تلبي لك تلك الحاجة.
ولكنك إذا أردت البحث عن الطمأنينة العاطفية، لا تذهب لتبحث في مجتمع الرجال؛ فأكثرهم – إن لم يكن جميعهم- يفتقرون إلى المهارات الأساسية في هذا المضمار، وعلى عكسهم تملك الأنثى تلك المهارات بفطرتها لأنها أنثى، وليس هذا يعني أن الرجال جميعا قساة القلوب، ولا أن النساء جمعاوات يتسمن بالجبن؛ ولكنه توظيف كل جنس في الأمر الذي هو عليه أقدر، وهنا تكمن الحكمة. وقوامة الرجل على المرأة تكاد تصلح لأن تكون تعذيبا له، لا تنصيبا؛ فهو المجبر على إطعامها وإيوائها وكسائها وتلبية طلباتها المادية والمعنوية، وهو أيضا مأمور بالصبر على زلاتها وغفر نزواتها ومعاشرتها بالمعروف، وهذه صفات القيادي الأمثل في أي منصب وميدان، ولا مناصب تفوق مناصب الزوج والزوجة أهمية وجلالا، ولكن الجهل وأهواء النفوس سولت للكثيرين استغلال هذه المفردة، ثم قلب معناها؛ لكي تتماشى مع رغباتهم وراحتهم، وهذا الظلم لقيط ذاك الكسل، وهذا الكسل أبوه وأصله، فأي خير يرجى من مثل هؤلاء الممسوخين من الذكور الذين صاروا وبالا على أهل هذا الشرق النازف؟
وأما بالتطرق إلى أصل هذه الأفكار، فإن واحدهما ابن الجاهلية الذي نسفه الإسلام، ثم بنى نموذجا فكريا يرفع المرأة مكانتها العزيزة الملائمة. وأما ثانيهما فهو إنتاج فكر غربي ليبرالي مشتهر بنزعته الفردانية، فهو الآخر شيطاني مضل. وقد جنح أصحاب هذه الأفكار لتحوير المعاني إلى غير المعنى؛ حتى صار الرجل لا يفكر في المرأة إلا تفكيره بمن يطفئ له نار شهوته، ونسي أكثرهم أن المرأة التي صلح باطنها لا تقل عن أن تكون الكهف الذي يأوي إليه الرجل عند الشدائد، فانظر في فكرك قليلا وابحث: لو لم تكن هناك خديجة؟ فكما كانت حواء في البداية لآدم وهاجر بعدها لإبراهيم وابنة الشيخ الصالح في مدين لموسى؛ كانت كذلك خديجة لمحمد.
والشاهد من كل ما قلته أعلاه: أن الرجال، عند الشدائد التي تنخلع فيها القلوب، لا يثبتون إلا إذا حضرت إلى جانبهم نسوتهم ليسكنوا إليهن، فهل رجال هذا العصر خير من هؤلاء الرجال؟
محمد خليل شباط
كنت قد أخذت على نفسي عهدا ألا أكتب شيئا للنشر العام عن المرأة منذ زمن، لأن هذا الموضوع قد أمسى -على غفلة منا- موضوع شقاق وخلاف، وقد كثر فيه المهاترون والمتكلمون من غير علم، ولأنني أيضا رجل لم يختبر كيف تشعر النساء ولا كيف يفكرن.
ولكن قبل أيام وفي صبيحة النهار، أخبرني العمود الرئيسي على منصة فيسبوك أن اليوم هو يوم المرأة العالمي، وقرأنا من الكلام ما يسر وما يضر؛ فأخذت قرارا بالعدول هذه المرة عن الحدود التي وضعتها لنفسي بنفسي، وأن أكتب شيئا في المرأة، أستوحيه من صفحات التاريخ وما دلتنا عليه، أسعى فيه لتبيين ما بينته لي السير واتفق عندي مع العقل السليم والفطرة القويمة، ولعله يقع على آذان مصغية وقلوب صافية وعقول منفتحة، تأخذ ما وجدت فيه من الصواب وتنبذ وراء ظهرها ما وجدت فيه من الخطأ.
إن الرجل في هذا العالم مثله كمثل آدم ساعة خلقه في السماء، يولد على غير هدى من نفسه ولا من مقامه ولا من محيطه. اليوم وأنا رجل على مشارف الثلاثين، أعلم صحة هذا الكلام جيدا. لقد اعتدنا أن نرى الرجال يقومون على ما قام عليه المجتمع، فيتطبعون بالسائد فيه من العادات وينشؤون عليها. فإن كانت المجتمعات مجتمعات صلاح فرجل يميل إلى الصلاح، وإن كانت مجتمعات قد شرعت أعرافا فاسدة، فرجل قد طبع على الفساد، إلا في النوادر من الأحوال أن ينشأ الصالحون في مجتمع أسه الفساد.
يعرف كل مطلع على أصل حكاية الوجود أن آدم قد سبق زوجه حواء في الخلق، ومن ثم جعل الله له حواء تداوي وحدته وحاجته الفطرية إلى الشريكة، ولما استوفيت الأسباب أنزل الله كليهما إلى الدنيا، وآدم حينئذ نبي ذو شرف، ورجل يملك بوصلة واضحة، أُنزل إلى الأرض ليعمرها وبنوه من بعده، وليس المخلوق الوحيد الذي كان عليه في أوقات أسبق. وفي النظر للآراء التي تلقي التهم على أمنا حواء المباركة، وتنسب إليها ما لم يقله الرب ولم يأت به نبي، من التقام "التفاحة المحرمة" التي أودت إلى طردها وزوجها النبي من الجنة؛ نجد أن حواء كانت هدفا للثرثارين والمتقولين منذ أمد بعيد، كلام يجتره كل فاشل ليزيل عن نفسه الشعور بالخزي، وما زالت ترسبات هذا الفكر في التعامل مع المرأة بائنة دالة على حقيقة ما عانته من التضييق والتحقير في أماكن وأزمان غير قليلة.
بعد أن ذكرنا الظلم البواح الذي تعرضت له المرأة منذ أزمان بعيدة، آن لنا أن ننظر قليلا في واقعنا الشرقي. لقد أتتنا مواكب الاستعمار محملة بالأسلحة والدمار، وكانت أفتك تلك الأسلحة أسلحتهم الأيديولوجية، تلك الأسلحة التي أشربونا وأطعمونا إياها بالغصب والإجبار، بنوعيهما السريع الدموي -كما فرنسا- والبطيء الفعال -كما بريطانيا- لينشأ في رحاب بلداننا أناس يعتنقون ما اختير لهم من القوانين الغربية، يروجون لها ويدعمونها كما لو أنها حق مثل فلق الصبح. ومن هذه الأفكار وأشهرها الفكر النسوي، الذي طغى على المشهد الثقافي العربي في السنين الماضية، داعيا -كما يزعم- إلى تحرير المرأة من سطوة الرجل العربي.
أخذ هذا التيار الفكري مكانة مركزية في النقاشات الإعلامية، والمجالس الثقافية، ووُصف داعموه زورا وظلما بالانفتاح والسعي نحو ما سموه "تمكين المرأة"، وهذا نجاح منقطع النظير في اختيار العناوين البراقة الجاذبة إلى النفق المظلم الذي انبعثت منه هذه الأفكار، أفكار تغذي النرجسية في النساء وتألبهن على آبائهم وأزواجهم وذكور المجتمع قاطبة، في خطوات نرى آثارها اليوم في ازدياد حالات الطلاق وعزوف الشابات عن الزواج، والأخطر من كل هذا هو ترجل النساء ودفعهن للاستقلال عن الذكور، وهذا هو الخراب بعينه ليس على النطاق المجتمعي الفضفاض فحسب، ولكن أيضا على النطاق الفردي لكل أنثى.
ثم لا نلبث أن نجد الحزب الآخر، وهو الأطول عمرا بين الحزبين والأشد بطشا، وهو حزب الفكر الذكوري الذي يشمل المتدين المتشدد والعلماني المتعصب، أي أنه يجمع بين النقيضين من الرجال. ومثل هذا الفكر سبب كبير في ارتفاع أعداد النسوة المنتسبات للفكر النسوي؛ إذ لا يجد أكثرهن ملجأ آمنا من ظلم الذكوريين إلا بالارتماء في أحضان النسويين، كمن تستجير من الرمضاء بالنار.
والذكوريون في غالبهم أصحاب قسوة ونرجسية وجهل، يرون في المرأة غير الذي خلقت لأجله، وهم -تاريخيا- من أوائل من سعوا في إحياء الفكر العربي الجاهلي، أو قل جزئية التعامل مع المرأة فيه. فالمرأة في تلكم الأزمان لم تكن في عيون المجتمع أكثر من متاع للسرير وجارية تهتم بشؤون مخادع الرجال، تلد لهم الأطفال وتصلح لهم الطعام وتكنس لهم البيوت، ثم تمنع من أي حرية في مال أو ممتلكات، بل قتلها بعضهم في طفولتها خشية العار والفقر. والذكوريون هم أحفاد هؤلاء القتلة المستبدين، وإن تباينت أساليب هيمنتهم على المرأة؛ فإن بذور ذاك الفكر مكنوزة فيهم، ولن تلبث أن تسقى حتى يخرج المارد الجاهلي من الإبريق، ويسعى إلى تنصيب نفسه شبه إله فوقها، وهم بذلك يمنعونها الشعور بالأمان حتى تصبح عاجزة عن أن تكون سكنا لهم.
ونجم عن الانتساب الغفير لكلا الفكرين الكثير من الشقاق والفرقة، وازداد الشرق "البائس" مشكلات فوق مشكلاته، كل طرف يقف على طرف حبل منتهاه الظلم، إما مجبرا وإما منصاعا لشيطانه، وإما -كما نرى كذلك- سعيا لنيل الشهرة باستغلاله لنفوذ أحد الفكرين واتساع رقعة انتشاره.
عندما نطرح مثل هذه القضايا الاجتماعية الملحة، فإن من واجب الكاتب -إن استطاع- أن يطرح معها ما وصل إليه من الأجوبة، إما من بطون الكتب أو مما خبره وصلح عليه حاله؛ لئلا يتوه القارئ عن الجادة، فليست المشكلات في حد ذاتها أمرا عصيا دائما، ولكن لأي الأشياء تطرح، إن لم يكن لكي نستدل جميعا على الصراط القويم لحلها؟! والحل في وضوحه لا يخفى لا على ذوي الألباب بالفطرة، ولا على أولي الاطلاع بالمعرفة. والحق أن الذكر مخلوق مثله مثل الأنثى، يفضلها في مواضع وتفضله في مواضع هي الأخرى. وكلاهما مخلوق فانٍ له أهدافه وطموحه، وحقوقه ومسؤولياته. فإن أردت الذهاب إلى الحرب عاينت الرجال، وبحثت فيهم عن صاحب البأس والإقدام، لأنه وسيلتك في الوصول إلى مبتغاك بنجاح، ولا تبحث عن أنثى تلبي لك تلك الحاجة.
ولكنك إذا أردت البحث عن الطمأنينة العاطفية، لا تذهب لتبحث في مجتمع الرجال؛ فأكثرهم – إن لم يكن جميعهم- يفتقرون إلى المهارات الأساسية في هذا المضمار، وعلى عكسهم تملك الأنثى تلك المهارات بفطرتها لأنها أنثى، وليس هذا يعني أن الرجال جميعا قساة القلوب، ولا أن النساء جمعاوات يتسمن بالجبن؛ ولكنه توظيف كل جنس في الأمر الذي هو عليه أقدر، وهنا تكمن الحكمة. وقوامة الرجل على المرأة تكاد تصلح لأن تكون تعذيبا له، لا تنصيبا؛ فهو المجبر على إطعامها وإيوائها وكسائها وتلبية طلباتها المادية والمعنوية، وهو أيضا مأمور بالصبر على زلاتها وغفر نزواتها ومعاشرتها بالمعروف، وهذه صفات القيادي الأمثل في أي منصب وميدان، ولا مناصب تفوق مناصب الزوج والزوجة أهمية وجلالا، ولكن الجهل وأهواء النفوس سولت للكثيرين استغلال هذه المفردة، ثم قلب معناها؛ لكي تتماشى مع رغباتهم وراحتهم، وهذا الظلم لقيط ذاك الكسل، وهذا الكسل أبوه وأصله، فأي خير يرجى من مثل هؤلاء الممسوخين من الذكور الذين صاروا وبالا على أهل هذا الشرق النازف؟
وأما بالتطرق إلى أصل هذه الأفكار، فإن واحدهما ابن الجاهلية الذي نسفه الإسلام، ثم بنى نموذجا فكريا يرفع المرأة مكانتها العزيزة الملائمة. وأما ثانيهما فهو إنتاج فكر غربي ليبرالي مشتهر بنزعته الفردانية، فهو الآخر شيطاني مضل. وقد جنح أصحاب هذه الأفكار لتحوير المعاني إلى غير المعنى؛ حتى صار الرجل لا يفكر في المرأة إلا تفكيره بمن يطفئ له نار شهوته، ونسي أكثرهم أن المرأة التي صلح باطنها لا تقل عن أن تكون الكهف الذي يأوي إليه الرجل عند الشدائد، فانظر في فكرك قليلا وابحث: لو لم تكن هناك خديجة؟ فكما كانت حواء في البداية لآدم وهاجر بعدها لإبراهيم وابنة الشيخ الصالح في مدين لموسى؛ كانت كذلك خديجة لمحمد.
والشاهد من كل ما قلته أعلاه: أن الرجال، عند الشدائد التي تنخلع فيها القلوب، لا يثبتون إلا إذا حضرت إلى جانبهم نسوتهم ليسكنوا إليهن، فهل رجال هذا العصر خير من هؤلاء الرجال؟
