------ بسم الله الرحمن الرحيم ----- 19- الحلقة التاسعة عشرة من سلسلة اثر العبادات التربوي على النفس والسلوك == الصلاة - 2 - الحكمة من افتراض الصلوات الخمس في اوقاتها الخمس :- افترض الله تعالى على عباده المؤمنين الصلاة في خمسة اوقات محددة من اليوم والليلة، وجعلها سبحانه من شعائر الاسلام واركانه، فقال تعالى :- {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)البقرة} وقال تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ ۚ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۚ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} سورة النساء؛ الآية: 103. وجاء تخصيص اوقاتها في قوله تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18)} من سورة الروم. والأوقات التي وقتها النبي ﷺ ودل عليها القرآن خمسة، حيث يقول الله -جل وعلافي سورة الاسراء :- ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ[الإسراء:78] دلوكها: زوالها، فيه الظهر والعصر، (إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ [الإسراء:78] فيه المغرب والعشاء ، (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنََ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78] فيه صلاة الفجر. والحكمة من افتراض الصلوات الخمس في اوقاتها هي ابقاء الانسان على صلة وتواصل دائم مع ربه وخالقه عز وجل ، فاذا ما اخذه النوم بلذته واخلد اغلى الراحة والسكون ، جاءه النداء لصلاة الفجر ليوقظه لطاعة الله ربه ، فيبتديء نهاره بذكره سبحانه وبعبادته والتقرب اليه وطلب مرضاته .. فينطلق غاديا للحياة نشطا مستبشرا ملتزما امر ربه مجتنبا لنهيه طامعا في نوال مرضاته مجتنبا لمعاصيه ومظنة سخطه ..فاذا ما الهته مشاغل الدنيا بزينتها وزخرفها ومطامعها ومكاسبها، جاء في ذروة اوقات الاعمال والانشغال اذان الظهر يناديه للعودة للصلة بربه، مذكرا له ان ينتبه الى حقيقته، الا وهي هويّته الحقيقة، في هذا الوجود، وهي أنَّه عبدٌ مملوك لله تعالى، ثمَّ أن يظلَّ متذكّراً لها، بحيث كلما أنسته مشاغل الدنيا وعلاقاته بالآخرين هذه الحقيقة، جاءت الصلاة فذكَّرته من جديد بأنَّه عبد مملوكٌ لله عزَّ وجلَّ. فاذا ما كان وقت العصر وقت الرواح والانسغال بتحضير واحضار متطلبات العيش والحياة للاهل والولد ، فقد يذهل الانسان وينسى والنسيان من طبعه، فياتيه نداء العصر ليجدد بناء الصلة ويذكر ربه وعلاقته به، فيتجنب اكل الحرام ويتجنب جلبه واطعامه لمن يعول ، خشية ان لا ياتي يوم القيامة يحمل اوزار فوق اوزاره ... ثم يأتيه وقت الغروب وهو وقت الانتقال من معاش النهار الى الليل ليسكن ويرتاح ، ولهذا الوقت هواجسه وهمومه النفسية والبدنية والغريزية ، فياتيه اذان المغرب مذكرا له بحق ربه عليه بان يبدأ ليلته بذكر ربه وطاعته ، وبناء الصلة به ، فيكون على صلة بربه في عمل نهاره وشغل ليله ، فاذا ما هم بالنوم اتاه اذان العشاء ليجعل اخر عهده بالحياة في يومه وليلته طاعة الله تعالى ،فتكون بذلك الصلاة غذاءً مستمراً لعقيدة الإيمان بالله تعالى في قلبه. فإنَّ ملهيات الدنيا ووساوس الشيطان من شأنها أن تنسي الإنسان هذه العقيدة وتجعله يغفل عن مفاهيمها واحكامها المنبثقة منها، وإن كانت مغروسة في قلبه، ولكن المسلم إذا ثابر على الصلاة، كانت غذاءً لإيمانه، ولم تعد الدنيا وملهياتها قادرة على إضعاف الإيمان في قلبه أو إماتته. وبذلك يحقق وصية الله تعالى للمؤمنين حيث قال :- ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102)ال عمران) . وبمثل هذا الفهم للصلوات تكون الصلوات كفارات لما بينهن ، روى مسلم عن عثمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ” مَنْ أتمَّ الوُضوء كما أمره الله تعالى فالصلواتُ المكتوباتُ كفَّاراتٌ لما بينهُنَّ “. ثم ان الله تعالى افترض على المؤمنين صلاة الجمعة من كل اسبوع تؤدى في المسجد جماعة يجتمع اليها السلمون ، متحابون متآلفون متعاونون على البر والتقوى ، ولذلك افترضها الله تعالى جماعةً؛ بحيث لا تصح مِن المكلَّف وحدَه مُنفرِدًا؛ فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الجمعة: 9-10]. وهاتان الآيتان تدلان على وجوب شهودها وحضورها على كلِّ مَنْ لزمه فرضُها ، قال الإمام السبكي رحمه الله في "فتاويه" : [والمقصود بالجمعة: اجتماعُ المؤمنين كلِّهم، وموعظتُهم، وأكملُ وجوه ذلك: أن يكون في مكانٍ واحدٍ؛ لتجتمع كلمتهم، وتحصل الألفة بينهم] اهـ. اللهم يسر امرنا وتولنا في شأننا كلهن وفقهنا في ديننا ، واجمع امتنا على امام واحد يحكم بكتابك وسنة نبيك تظهر به الدين وتقمع به الكافرين والحمد لله رب العالمين وسلام على المرسلين. والى لقاء جديد استودعكم الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... |
عدل سابقا من قبل محمد بن يوسف الزيادي في 2024-03-25, 11:27 am عدل 1 مرات