24- الحلقة الرابعة والعشرون من سلسلة اثر العبادات التربوي على النفس والسلوك
--7- الصلاة = الفاتحة 1-
قراءة في معاني الفاتحة .
في الحلقة الماضية تحدثنا في معاني البسملة ونبدأ بها متبركين وبالله مستعينين ثم نقول:- ان القران انزل لنتدبر اياته واحكامه ونتبارك بتطبيقها في حياتنا، قال الله تعالى:- (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)ص) فنبدأ بتدبر الفاتحة التي قرائتها ركن من اركان الصلاة :-
( الحمد لله رب العالمين ):-
الحمد :- يعني لغة المدح والثناء والشكر على الفعال المجيدة والخصال الحميدة، و ( ال) افادت هنا الاستغراق، وهذا يعني ان الحمد انواع واصناف :- فمنه حمد الخالق لنفسه كونه مستحق للحمد بذاته وبما يجب له من صفاته الكاملة القائمة بذاته جل وعلا .
ومنه حمد الخالق للمخلوق كقوله في حق نبينا سلام الله وصلاته عليه (وانك لعلى خلق عظيم(4)القلم ) قال ابن كثير:- ( وإنك لعلى خلق عظيم ) قال العوفي ، عن ابن عباس : أي : وإنك لعلى دين عظيم ، وهو الإسلام . وكذلك قال مجاهد ، وأبو مالك ، والسدي ، والربيع بن أنس ، والضحاك ، وابن زيد . وقال عطية : لعلى أدب عظيم .
ومنه كذلك قوله في ايوب عليه السلام :- (... إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) ص) وقوله (وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ ۚ نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) ص) فكلاهما حمد ومدح وكلاهما -اي مدح الخالق لذاته المستوجبة للحمد، ومدح الخالق للمخلوق- كلاهما منه وله تعالى. فهو اعلم سبحانه بما وبمن يحمد ويمدح جل جلاله.
ومنه حمد المخلوق للخالق كقولنا الحمد لله، وكوصفنا له تعالى بحميد الصفات التي ارشدنا لها . وهذا ينبغي فيه اخلاص النية، لانه عبادة يتقرب الانسان بها اليه سبحانه .
ومنه حمد المخلوق للمخلوق، وهذا يجب ان يكون لله فقط ومن اجل مرضاته ، ولا يكون لله الا اذا مدحته بما يرضي الله من الفعل والعمل ، او خصلة يرضاها الله ويحبها ويتقبلها، ومن مقتضى رضى الله تعالى ان يقع منك المدح والحمد والثناء لكل ما يرضي الله تعالى، وان يقع منك الذم لكل ما يغضب الله ولا يرضى عنه من فكر او سلوك او سجية . فمن حمد فكراً ضالاً او صاحبه او حمد فعلاً منكرا، فقد وقع فيما يغضب الله، وذلك لانه لم يحمد لله تعالى، بل حمد في سخطه وليس في مرضاته . فلينتبه من يحمد ويمتدح افكار الضلال والعصيان ويزينها للناس ان يقع في غضب الله وسخطه ، فان الرجل ليتلفظ بالكلمة لا يلقي لها بالاً فيخر بها في جهنم سبعين خريفاً لا يصل الى قعرها، فويل لمن يمتدحون رايات الجاهلية, قومية عصبية نتنة ,او وطنية وثنية بغيضة ما انزل الله بها من سلطان, وما رضيها رابطة بين عباده، بل رضي لهم ان يكونوا عباد الله اخوانا تربطهم العقيدة برابطة الايمان واخوة الاسلام، فاخاك في العقيدة هو اخوك و لو لم يتصل بك بنسب، وأخوك في النسب ان لم يكن على دينك عدوك المبين، وتثار منه لاخيك في العقيدة والدين، ولا تثأر له وهو مقيم على كفره...
قال تعالى:- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)التوبة)..
فالرابطة عقائدية، لا دموية نسبية، ولا مصلحية مادية، ولا مسكنية اي وطنية ساقطة ، ولا جنسية قومية عنصرية هابطة بغيضة ، بل هي رابطة سامية عقائدية، وتسموا بهم لتربطهم بخالقهم ليكونوا عباد الله اخوانا متحابين فيه، يحب احدهم لاخيه ما يحبه لنفسه، كالبنيان المرصوص جسدا واحدا اذا اشتكى منه عضو تداعى اليه سائر الاعضاء بالسهر والحمى .
الحمد لله، اي اصرف هذا الحمد لمستحقه الواجب في حقه، كما امر تعبدا مني وطاعة وقربة.
والله الخالق المدبر لامر الخلق بما قضى، وبما قدر فهدى، فيحمد على تقديره وقضائة وهدايته، و (رب العالمين ) الرب الذي ربى ونما ورعى واعتنى ، والتربية بدنية جسدية وخَلقية تكوينية ، وخُلقية مسلكية .
وقد شملت تربية الله لنا كل ذالك، فقدر في اجهزة اجسادنا ما يساعدها على النمو والاستمرار في البقاء وتمثيل الغذاء، للاستفادة منه،فمثلا تأخذ اعضاء جهازك الهضمي الفسفور وتغذي به الدماغ ليعمل، وتأخذ الحديد لتغذي به هيموقلوبين الدم ليتقوى على وظائفه ،وتأخذ من السمك والبقدونس اليود لتغذية الغدة الدرقية، وهكذا تادية اعضاء الجسد والجسد نفسه لوظائفه والانشطة اللازمة لبقاءه حيا ، و اوحى لنا بمنهج يستقيم به الفكر ويُبتنى به العقل الراسخ الرصين،ثاقب النظر مستنير التفكير، و يستقيم به السلوك، وترتقي سبل وطرق المعيشة ، فله الحمد والمنة، وشملت تربيته كل اصناف المخلوقات بما وضع لها من انظمة وقوانين جعلها سننا ونواميس تسير وجودها .
وارى في هذا المساء بهذا القدر كفاية خشية الاطالة وعلى الشوق والمحبة اترككم في رعاية الله على امل ان يتجدد اللقاء بكم في حلقة جديدة فلا تنسونا من صالح الدعاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عدل سابقا من قبل محمد بن يوسف الزيادي في 2024-03-29, 12:24 am عدل 1 مرات