31- الحلقة الواحدة والثلاثون من سلسلة اثر العبادات التربوي على النفس والسلوك
---الزكاة والبذل والانفاق -1- :
الزكاة (الجمع: زَكَوَات) و في اللغة بمعنى: النماء والزيادة والبركة والمدح والثناء والصلاح وصفوة الشيء، والطهارة حسية أو معنوية، و بمعنى: زكاة المال .
وقد استعمل القران الكريم هذه المعاني في اياته الكريمة فالزكاة بمعنى: المدح، قال الله تعالى: ﴿فلا تزكوا أنفسكم﴾. وبمعنى: الطهارة، سواء كانت طهارة حسية، أو طهارة معنوية، كما في قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ٩﴾ [الشمس:9]، أي: طهرها من الأدناس.
والزكاة شرعًا عُرفت بانها: قدر محدد من المال يتم إخراجه في وقت معين لطائفة محددة من المسلمين، كما أن الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام الخمسة الواجبة و التي لا يكتمل إسلام المرء دون الاعتراف بها وتأديتها . وهي عبادة عظيمة شأنها شأن الصلاة التي قرن الله تعالى ادائهما معا في كثير من مواضع القران الكريم ... فعندما يدفع المسلم الزكاة يجب أن يدفعها بنية صادقة متعبدا بها لله تعالى، ليقبل الله منه زكاته ويبارك له في رزقه. فإن لم تكن الزكاة بنية صادقة عن رضى ومحبة وتسليم وتنفيذ لامر الله تعالى، لا يقبلها الله تعالى على أنها زكاة نابعة من قلبٍ مؤمن. فهي من مظاهر اتمام الطاعة لله والاستسلام لامره والتسليم بتريعه، قال الله تعالى – ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [البينة: 5]. وكان ذلك بداية تشريع الزكاة في مكة المكرمة ،
الا انه لم تحدد لا انصبتها ،ولا انواع المال الواجبة فيه، ولا المقدار الواجب اخراجه ، وانما ارتبط معناها بعموم معنى الزكاة لغة دون ان يحدد لها مفهوم اصطلاحي، فترك الامر لقدرة الباذل والمتصدق والمتزكي بماله حسب قدرته ومروءته وكرم نفسه ومدى ايمانه .. فلذلك جاء في الحديث الشريف (والصدقة برهان ) !! . و هذا يعني أن الله جعل الزكاة والصدقات- للفقراء - جزءًا لا يتجزأ من الإسلام منذ البداية. واقرأ ان شئت سورة المزمل المكية التي هي من اوائل النزول القراني، و انظر قوله تعالى :- (۞ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ ۚ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ۚ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَىٰ ۙ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ ۙ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ۚ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (20)-المزمل). وقال سبحانه في الذاريات :- ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) ولم يحدد هنا هذا الحق .
اما في المدينة المنورة حيث اصبح للاسلام كيان سياسي ودولة وسلطة تنفذ احكام الاسلام وترعى تطبيقها ، فقد اناط الاسلام جبايتها بالدولة وحدد اصناف المال الواجبة فيه ومقادير الواجب والنصاب الموجب لها ...
فأصبح حق السائل والمحروم معلوما مقدرا مفروضا :_ ( ۞ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ (24) لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) ومع انها مكية الا انها اشارت وهيأت النفوس ليكون هناك حق معلوم ...
وبين الاسلام في المرحلة المدنية ان الزكاة تجب في أنواع مخصوصة من الأموال وهي: الزروع وزكاة الأنعام في كل من الإبل والبقر والغنم (الضأن والماعز) . وزكاة العروض و النقد وهو: الذهب والفضة والقيمة للنقود المتداولة تحدد بموجبها كونها انفس المعادن واساس قيمة النقد ، والزكات في النقدين واجبة سواء كان مضروبا أو غير مضروب كالسبائك وغيرها، إلا الحلي المباح المستعمل للزينة منهما، بخلاف المكنوز او المدخر ... قال الله تعالى في القران المدني :- ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 71]. وانظر قوله تعالى :- ( كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا ) [الأنعام:141] .
وقد اصبح للمسلمين بيت مال يرعى شؤونهم برعاية واشراف الدولة اخذا وبذلا، واصبح الأصل أن تعطى الزكاة لمستحقيها على سبيل التملك بما يفي بحاجاتهم وبما يغنيهم عن السؤال، كما قال تعالى :- (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلفُقَراءِ وَالمَساكينِ وَالعامِلينَ عَلَيها وَالمُؤَلَّفَةِ قُلوبُهُم وَفِي الرِّقابِ وَالغارِمينَ وَفي سَبيلِ اللَّهِ وَابنِ السَّبيلِۖ فَريضَةً مِنَ اللَّهِۗ وَاللَّهُ عَليمٌ حَكيمٌ) [التوبة: 60].و نلاحظ من الاية الكريمة ان الزكاة التي هي جزء من الصدقات تعطى للفقرا المحتاجين الذي لا يملكون شيئًا، وللمساكين الذين لا يملكون كفايتهم، وللسعاة الذين يجمعونها، وللذين تُؤلِّفون قلوبهم بها ممن يُرْجَى إسلامه أو قوة إيمانه أو نفعه للمسلمين، أو تدفعون بها شرَّ أحد عن المسلمين، وتعطى في عتق الرقاب، وتعطى للغارمين لإصلاح ذات البين، ولمن أثقلَتْهم الديون في غير فساد ولا تبذير فأعسروا، وللخارجين المقاتلين في سبيل الله، فتجهزهم بالعدة والسلاح والذخائر اللازمة للقتال ،وتؤمن لهم الغذاء وما يلزمهم من ضمادات وجبائر ودواء ... وللمسافر الذي انقطعت به السبيل وعدم النفقة ، فيعطى منها ما يُبلغه اهله وبلده، هذه القسمة فريضة فرضها الله تعالى وقدَّرها. والله عليم بمصالح عباده، حكيم في تدبيره وشرعه ....
و وفقًا للمذهب الحنفي، يجب دفع الزكاة على كل مسلم بالغ عاقل ويملك مقدارًا من الثروة (الأصول الصافية) تتجاوز حدّ النصاب. في حين يرى المذهب الشافعي والمالكي والحنبلي أن الزكاة واجبة أيضًا على الأطفال وعلى المجانين، إذا بلغت ثروتهم حدَ النصاب.لان ايجاب الزكاة متعلق بالمال لا بالشخص .. بعكس زكاة الفطر التي يجب اخراجها قبل صلاة عيد الفطر حيث ان ايجابها متعلق بالانفس لا بالاموال ، حتى لو وُلدت النفس قبيل صلاة العيد ...
وقد اصبح هناك مفهوم شرعي للزكاة في العهد المدني، حيث ان الزكاة - العبادة المالية الخاصة- التي فرضها و أوجبها الإسلام في أشياء معينة وهي : الذهب والفضة والزروع والثمار وعروض التجارة وبهيمة الأنعام وهي الأبل والبقر والغنم . وأما الصدقة : فبقيت على عمومها فلا تجب في شيء معين بل بما تجود به نفس الإنسان من بذل وعطاء واكرام وانفاق من غير تحديد .
ونسال الله تعالى ان يزكي نفوسنا واياكم وان يطهرنا من الارجاس الحسية وامعنوية والنفسية والسلوكية والفكرية.. وان يكتب لامتنا العز والنصر والسؤدد ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
عدل سابقا من قبل محمد بن يوسف الزيادي في 2024-04-03, 3:54 am عدل 1 مرات