بسم الله الرحمن الرحيم
وقفة مع حديث من لا ينطق عن الهوى ﷺ :-
عن ابي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لَا تَحَاسَدُوا، ولَا تَنَاجَشُوا، ولَا تَبَاغَضُوا، ولَا تَدَابَرُوا، ولَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، ولَا يَخْذُلُهُ، ولَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا -ويُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ- بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، ومَالُهُ، وعِرْضُهُ". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
الوقوف على معاني الحديث:-
الحديث الشريف يوجه الامة الى امور ينهاهم عنها فهي من سيء الاخلاق ومنافية لمكارمها التي بعث صلى الله عليه وسلم ليتممها ..
1- لَا تَحَاسَدُوا، ينهى عليه السلام عن التحاسد ، واستعمل صيغة التفاعل لانه غالبا يكون بين اطرافه متبادل ، وهو ان يتمنى زوال النعمة او الفضل او الشرف والمكانة والرتبة عن الاخر، ويكره حصوله على تلك النعم، وسواء ارادها ان تكون له ام لا ، والمجتمع المتحاسد مجتمع مفكك لا تماسك فيه متفرق ضعيف يسهل الاستحواذ على سلطانه ومقوماته وخيراته، وهو خلق مناف لأخلاق اهل الايمان لحديث أنس رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه"[ أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، و اخرجه مسلم، في كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير] .
2- ولَا تَنَاجَشُوا، معنى التناجش: قال الإمام الشافعي رحمه الله: "النَّجْشُ: أن يحضُرَ الرجلُ السلعةَ تباع، فيُعطي بها الشيء[السعر] وهو لا يريدُ شراءها ليقتدي به السُّوَّامُ، فيُعطون بها أكثر ممَّا كانوا يُعطُون لو لم يسمعوا سومه"؛ (فتح الباري). وقد عرفه الفقهاء: بانه الزيادة في ثمن السلعة ممن لا يريد شراءها اما خدمة للبائع لمحبته له اوصلته به او مقابل مال يجعل له على ذلك، واما حسدا وبغضا في المشتري للايقاع والاضرار به، وهو حرام لما فيه من تغرير المشتري وخديعتة، أو أن يمدح المبيع بما ليس فيه ليروجه.
وهذا ايضا من عوامل التباغض والتفكيك لروابط الاخوة بين ابناء المجتمع ..
3-ولَا تَبَاغَضُوا، والتباغض هو مبادلة الكراهية بين ابناء المجتمع سواءً كان ذلك بين الافراد او الجماعات كما يحصل بين الجيران وبين اهل الحي وبين العشائر والقبائل والاحزاب والجماعات !! وهذا سبب من اسباب تدمير الامة وتشتيت شملها وفرقتها ..
4-ولَا تَدَابَرُوا، اي تتقاطعوا، و في اللغة تدابر القومُ : تعادَوْا وتقاطَعُوا وفي الحديث الشريف :"َلاَ تَقَاطَعُوا وَلاَ تَدَابَرُوا ". ،والتدابر مناف للصلة الواجبة بين المؤمنين بسبب الرحم الاخوي الايماني، فلا تفعلوا الأشياء التي تُوجب ذلك وتولده، فالبغضاء والإيذاء والضَّرر والظلم كل هذا يُوجب التَّدابر والبغضاء. وهو ايضا من عوامل هدم المجتمعات وتفكيك اواصرها ...
5-ولَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وخص هنا البيع بالذكر لانه من المعملات اليومية الحيوية بين ابناء المجتمع ، قال النووي رحمه الله: " أما البيع على بيع أخيه فمثاله أن يقول لمن اشترى شيئا في مدة الخيار: افسخ هذا البيع وأنا أبيعك مثله بأرخص من ثمنه ، أو أجود منه بثمنه ونحو ذلك. وهذا حرام. ويحرم أيضا الشراء على شراء أخيه، وهو أن يقول للبائع في مدة الخيار: افسخ هذا البيع ، وأنا أشتريه منك بأكثر من هذا الثمن ونحو هذا".
وكون البيوع لا غنى لابناء الامة عنها في تعاملاتهم اليومية فخصها هنا بالذكر كما اسلفنا ومثله الاجارة وتخبيب العبد او الاجير على صاحبه ومثله ايضا ان يخطب على خطبة اخيه فكل ذلك ومدامثاله محرم لما يسببه من بغض وقطيعة بين الناس ،روى الامام مسلم ن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ، فَلَا يَحِلُّ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَبْتَاعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلَا يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَذَرَ).
6- وكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، توجيه نبوي كريم الى انه هكذا يجب ان يكون مجتمع الايمان والاسلام ..
7- الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، وهنا يقرر حقيقة ايمانية يجب ان تولدها عقيدة الايمان و هي اخوة آصرة الاسلام التي تعلوا على كل الروابط والعلاقات والصلات ، بما في ذلك رابطة الدم والعشيرة والقبيلة والنسب .. فهي الاخوة التي لا تعلوها اخوة ولا ترقى لقوتها علاقة او صلة .. فلذلك قال:-
8-لَا يَظْلِمُهُ، اي لا يهضمه حقه بنفسه او يتسبب في ذلك، كما ولا يتسبب في ايذاءه ..
9- ولَا يَخْذُلُهُ، والخُذلانُ والخِذلانُ هو ترك النصرة والتخلف عنها لمن يستحقها ويطلبها ، وهو مناف لخلق النجدة واغاثة الملهوف الذي تفاخرت به العرب في جاهليتها قبل اسلامها ومكنه الاسلام في نفوسهم يوم جعله طلبا جازما على الامة جماعة وافرادا ، فقال سبحانه في سورة النساء:- {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَٰنِ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهْلُهَا وَٱجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَٱجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا}(النساء 76).. أي أن القتال يكون في سبيل الله لنشر دعوته وحفظ دينه ،ويكون في سبيل خلاص وتخليص المستضعفين من الظلم والبطش الذي يتعرضون له من اعداء البشرية والانسانية، كما هو حاصل لاهل غزة وبيت المقدس الان ، وفي ذلك استثارة للهمم الإنسانية حتى يقف المقاتل في سبيل رفع العذاب عن المستضعفين من عذابات الظلم وطواغيت الارض ...
ومن اراد ان يعرف صورة الخذلان على اصوله وبأحقر وأبشع صوره فلينظر اليوم لوضع الامة ووضع اهل بيت المقدس وغزة العزة اعزهم الله بنصره ونصرته ..
قال الامام المناوي رحمه الله : (خِذْلَان المؤمن حرامٌ شديد التَّحريم دنيويًّا كان مثل: أن يَقْدِر على دفع عدوٍّ يريد البطش به، فلا يدفعه، أو أخرويًّا: كأن يَقْدِر على نُصْحِه مِن غيِّه -بنحو وعظٍ-، فيترك)فمن المصائب الكبرى ان تُبتلى الامة بالخذلان وعدم التناصر ..
10-ولَا يَحْقِرُهُ، وذلك لان الله كرم بني ادم على العالمين وخير العالمين المؤمنين المسلمين، وقد جاء النهي عن ذلك صريحا في قوله تعالى :-
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ(الحجرات:11).
أمَّا السخرية، فهي في معنى الاستهزاء والاحتقار؛ يقول الإمام القرطبي المالكي في "تفسيره" : [ينبغي أن لا يجترئ أحدٌ على الاستهزاء بمَن يقتحمه بعينِهِ إذا رآه رثَّ الحال، أو ذا عاهةٍ في بدن، أو غير لبقٍ في محادثته، فلعله أخلص ضميرًا أو أنقى قلبًا ممَّن هو على ضدّ صفته؛ فيظلم نفسه بتحقير مَن وقَّره الله، والاستهزاء بمَن عظمه الله، .... وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: البلاء موكل بالقول، لو سخرت من كلب لخشيت أن أحول كلبًا.. قال: «إنَّ الله لا ينظرُ إلى صُورِكُم وأمْوَالِكُم، ولكن ينظُرُ إلى قُلُوبِكُم وأَعْمَالِكُم»] اهـ. فلا يصح للمسلمين ولا يحل ان يحقر بعضهم بعضا لاي سبب،فرب اشعث اغبر مدفوع بالابواب لا يُؤبه له لو اقسم على الله تعالى لأبره ..
التَّقْوَى هَاهُنَا -ويُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ- ويُشير بذلك صلى الله عليه وسلم الى ان التفاضل لا يكون الا بالتقوى وهي مقياس التفضل عند الله تعالى، لقوله تعالى : (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير (الحجرات 13).ولان التقوى امر لا يعلمه الناس وهو خفي فوجب عدم احتقار المسلم لاخيه المسلم لانه ربما يكون عند الله اكرم منك ..
11- بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، وهنا يبين لنا انه ليس احد أشر من امريء يحقر من يجب ان يكون اخاه في الاسلام ..
12-كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، ومَالُهُ، وعِرْضُهُ . فلا يحل دمه الا حدا او عقوبة بحكم قاضٍ عدلٍ و ينفذ على يد صاحب سلطان الامة وبامره ..
ولا يحل اكل ماله او اخذه او نهبه وسلبه او سرقته ، فلا يحل مال المسلم للمسلم الا عطاءً عن طيب خاطر كالهبة والهدية والصدقات والكرم والاكرام، او بتجارة وبيع عن تراضٍ بينهم ..
وحرم عرض المسلم لانه إذا حُفظ العرض تمَّ الشرف ، وإذا ثُلِم العرض ضاع الشرف ، فلايُتصوَّر وجود الشرف مع فقدان العرض . والعرض هو: موضع المدح والذمِّ من الإنسان سواء فى نفسه أوسلفه. كما قال ابن الاثير ..
جعلنا الله واياكم ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه وارزقنا اللهم بنصرك ونصرتك ولا تخذلنا يا رب العالمين ويا ناصر المستضعفين ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وقفة مع حديث من لا ينطق عن الهوى ﷺ :-
عن ابي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لَا تَحَاسَدُوا، ولَا تَنَاجَشُوا، ولَا تَبَاغَضُوا، ولَا تَدَابَرُوا، ولَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، ولَا يَخْذُلُهُ، ولَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا -ويُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ- بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، ومَالُهُ، وعِرْضُهُ". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
الوقوف على معاني الحديث:-
الحديث الشريف يوجه الامة الى امور ينهاهم عنها فهي من سيء الاخلاق ومنافية لمكارمها التي بعث صلى الله عليه وسلم ليتممها ..
1- لَا تَحَاسَدُوا، ينهى عليه السلام عن التحاسد ، واستعمل صيغة التفاعل لانه غالبا يكون بين اطرافه متبادل ، وهو ان يتمنى زوال النعمة او الفضل او الشرف والمكانة والرتبة عن الاخر، ويكره حصوله على تلك النعم، وسواء ارادها ان تكون له ام لا ، والمجتمع المتحاسد مجتمع مفكك لا تماسك فيه متفرق ضعيف يسهل الاستحواذ على سلطانه ومقوماته وخيراته، وهو خلق مناف لأخلاق اهل الايمان لحديث أنس رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه"[ أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، و اخرجه مسلم، في كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير] .
2- ولَا تَنَاجَشُوا، معنى التناجش: قال الإمام الشافعي رحمه الله: "النَّجْشُ: أن يحضُرَ الرجلُ السلعةَ تباع، فيُعطي بها الشيء[السعر] وهو لا يريدُ شراءها ليقتدي به السُّوَّامُ، فيُعطون بها أكثر ممَّا كانوا يُعطُون لو لم يسمعوا سومه"؛ (فتح الباري). وقد عرفه الفقهاء: بانه الزيادة في ثمن السلعة ممن لا يريد شراءها اما خدمة للبائع لمحبته له اوصلته به او مقابل مال يجعل له على ذلك، واما حسدا وبغضا في المشتري للايقاع والاضرار به، وهو حرام لما فيه من تغرير المشتري وخديعتة، أو أن يمدح المبيع بما ليس فيه ليروجه.
وهذا ايضا من عوامل التباغض والتفكيك لروابط الاخوة بين ابناء المجتمع ..
3-ولَا تَبَاغَضُوا، والتباغض هو مبادلة الكراهية بين ابناء المجتمع سواءً كان ذلك بين الافراد او الجماعات كما يحصل بين الجيران وبين اهل الحي وبين العشائر والقبائل والاحزاب والجماعات !! وهذا سبب من اسباب تدمير الامة وتشتيت شملها وفرقتها ..
4-ولَا تَدَابَرُوا، اي تتقاطعوا، و في اللغة تدابر القومُ : تعادَوْا وتقاطَعُوا وفي الحديث الشريف :"َلاَ تَقَاطَعُوا وَلاَ تَدَابَرُوا ". ،والتدابر مناف للصلة الواجبة بين المؤمنين بسبب الرحم الاخوي الايماني، فلا تفعلوا الأشياء التي تُوجب ذلك وتولده، فالبغضاء والإيذاء والضَّرر والظلم كل هذا يُوجب التَّدابر والبغضاء. وهو ايضا من عوامل هدم المجتمعات وتفكيك اواصرها ...
5-ولَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وخص هنا البيع بالذكر لانه من المعملات اليومية الحيوية بين ابناء المجتمع ، قال النووي رحمه الله: " أما البيع على بيع أخيه فمثاله أن يقول لمن اشترى شيئا في مدة الخيار: افسخ هذا البيع وأنا أبيعك مثله بأرخص من ثمنه ، أو أجود منه بثمنه ونحو ذلك. وهذا حرام. ويحرم أيضا الشراء على شراء أخيه، وهو أن يقول للبائع في مدة الخيار: افسخ هذا البيع ، وأنا أشتريه منك بأكثر من هذا الثمن ونحو هذا".
وكون البيوع لا غنى لابناء الامة عنها في تعاملاتهم اليومية فخصها هنا بالذكر كما اسلفنا ومثله الاجارة وتخبيب العبد او الاجير على صاحبه ومثله ايضا ان يخطب على خطبة اخيه فكل ذلك ومدامثاله محرم لما يسببه من بغض وقطيعة بين الناس ،روى الامام مسلم ن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ، فَلَا يَحِلُّ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَبْتَاعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلَا يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَذَرَ).
6- وكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، توجيه نبوي كريم الى انه هكذا يجب ان يكون مجتمع الايمان والاسلام ..
7- الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، وهنا يقرر حقيقة ايمانية يجب ان تولدها عقيدة الايمان و هي اخوة آصرة الاسلام التي تعلوا على كل الروابط والعلاقات والصلات ، بما في ذلك رابطة الدم والعشيرة والقبيلة والنسب .. فهي الاخوة التي لا تعلوها اخوة ولا ترقى لقوتها علاقة او صلة .. فلذلك قال:-
8-لَا يَظْلِمُهُ، اي لا يهضمه حقه بنفسه او يتسبب في ذلك، كما ولا يتسبب في ايذاءه ..
9- ولَا يَخْذُلُهُ، والخُذلانُ والخِذلانُ هو ترك النصرة والتخلف عنها لمن يستحقها ويطلبها ، وهو مناف لخلق النجدة واغاثة الملهوف الذي تفاخرت به العرب في جاهليتها قبل اسلامها ومكنه الاسلام في نفوسهم يوم جعله طلبا جازما على الامة جماعة وافرادا ، فقال سبحانه في سورة النساء:- {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَٰنِ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهْلُهَا وَٱجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَٱجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا}(النساء 76).. أي أن القتال يكون في سبيل الله لنشر دعوته وحفظ دينه ،ويكون في سبيل خلاص وتخليص المستضعفين من الظلم والبطش الذي يتعرضون له من اعداء البشرية والانسانية، كما هو حاصل لاهل غزة وبيت المقدس الان ، وفي ذلك استثارة للهمم الإنسانية حتى يقف المقاتل في سبيل رفع العذاب عن المستضعفين من عذابات الظلم وطواغيت الارض ...
ومن اراد ان يعرف صورة الخذلان على اصوله وبأحقر وأبشع صوره فلينظر اليوم لوضع الامة ووضع اهل بيت المقدس وغزة العزة اعزهم الله بنصره ونصرته ..
قال الامام المناوي رحمه الله : (خِذْلَان المؤمن حرامٌ شديد التَّحريم دنيويًّا كان مثل: أن يَقْدِر على دفع عدوٍّ يريد البطش به، فلا يدفعه، أو أخرويًّا: كأن يَقْدِر على نُصْحِه مِن غيِّه -بنحو وعظٍ-، فيترك)فمن المصائب الكبرى ان تُبتلى الامة بالخذلان وعدم التناصر ..
10-ولَا يَحْقِرُهُ، وذلك لان الله كرم بني ادم على العالمين وخير العالمين المؤمنين المسلمين، وقد جاء النهي عن ذلك صريحا في قوله تعالى :-
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ(الحجرات:11).
أمَّا السخرية، فهي في معنى الاستهزاء والاحتقار؛ يقول الإمام القرطبي المالكي في "تفسيره" : [ينبغي أن لا يجترئ أحدٌ على الاستهزاء بمَن يقتحمه بعينِهِ إذا رآه رثَّ الحال، أو ذا عاهةٍ في بدن، أو غير لبقٍ في محادثته، فلعله أخلص ضميرًا أو أنقى قلبًا ممَّن هو على ضدّ صفته؛ فيظلم نفسه بتحقير مَن وقَّره الله، والاستهزاء بمَن عظمه الله، .... وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: البلاء موكل بالقول، لو سخرت من كلب لخشيت أن أحول كلبًا.. قال: «إنَّ الله لا ينظرُ إلى صُورِكُم وأمْوَالِكُم، ولكن ينظُرُ إلى قُلُوبِكُم وأَعْمَالِكُم»] اهـ. فلا يصح للمسلمين ولا يحل ان يحقر بعضهم بعضا لاي سبب،فرب اشعث اغبر مدفوع بالابواب لا يُؤبه له لو اقسم على الله تعالى لأبره ..
التَّقْوَى هَاهُنَا -ويُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ- ويُشير بذلك صلى الله عليه وسلم الى ان التفاضل لا يكون الا بالتقوى وهي مقياس التفضل عند الله تعالى، لقوله تعالى : (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير (الحجرات 13).ولان التقوى امر لا يعلمه الناس وهو خفي فوجب عدم احتقار المسلم لاخيه المسلم لانه ربما يكون عند الله اكرم منك ..
11- بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، وهنا يبين لنا انه ليس احد أشر من امريء يحقر من يجب ان يكون اخاه في الاسلام ..
12-كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، ومَالُهُ، وعِرْضُهُ . فلا يحل دمه الا حدا او عقوبة بحكم قاضٍ عدلٍ و ينفذ على يد صاحب سلطان الامة وبامره ..
ولا يحل اكل ماله او اخذه او نهبه وسلبه او سرقته ، فلا يحل مال المسلم للمسلم الا عطاءً عن طيب خاطر كالهبة والهدية والصدقات والكرم والاكرام، او بتجارة وبيع عن تراضٍ بينهم ..
وحرم عرض المسلم لانه إذا حُفظ العرض تمَّ الشرف ، وإذا ثُلِم العرض ضاع الشرف ، فلايُتصوَّر وجود الشرف مع فقدان العرض . والعرض هو: موضع المدح والذمِّ من الإنسان سواء فى نفسه أوسلفه. كما قال ابن الاثير ..
جعلنا الله واياكم ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه وارزقنا اللهم بنصرك ونصرتك ولا تخذلنا يا رب العالمين ويا ناصر المستضعفين ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته