{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حديث الجمعة بارك الله جمعكم وجمعتكم
تأملات في رحاب سورة الجمعة !!
ان الجمعة خطبة وصلاة من الامور الجامعة المهمة لابناء المسلمين فلذلك انزل الله تعالى سورة باسم الجمعة، وقد بدأها الله تعالى بذكر تسبيح الكون ومافيه وتنزيهه لله تعالى وتعظيمه وتقديسه سبحانه فقال: يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡمَلِكِ ٱلۡقُدُّوسِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ (1) .
ثم ذكر منته ونعمته على العرب قوم النبي -صلى الله عليه و اله وسلم- المعاصرين له فقال :- (هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلۡأُمِّيِّـۧنَ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ (2) حيث كان العرب امة على فطرتها وسليقتها ،ولم تكن اهل فلسفة وعلوم مكتوبة ولا مسطورة في اسفار مقروءة، فكانوا يعتمدون الحفظ والتخزين في الذاكرة لما يعلمونه ولما يتعلمونه ، فلذلك كانوا اجدر الامم بان يلتفوا حول نبيهم الذي بعث بخاتم الرسالات منهم، وفي نسبته لهم تشريف لهم !! مهمته:- 1- ان يتلوا عليهم ايات الكتاب حيث انهم لم يكونوا من قبل اهل كتاب ، 2- ويُزكيهم : اي يعلمهم ما تطهر به نفوسهم وقلوبهم وابدانهم من قرف الشرك والكفر و ما تسمو به افكارهم و ترتقي به عقولهم ونفسياتهم ..3-ويعلمهم الكتاب وما فيه من شرائع واحكام ، ويعلمهم الحكمة ، اي سنن و طرائق فن قيادة الامم و الشعوب الى الله مستنيرين بوحي الله تعالى وهديه ، مبينا لهم انهم كانوا من قبل في ضلال مُبين،حيث كانوا لا يكترثون للعالم من حولهم ، وينشغلون فقط بمتاع ومُتع الدنيا ،وعلاقاتهم مع الامم والشعوب المجاورة لجزيرتهم كانت فقط بما يحقق لهم مصالح بيعهم وشرائهم ويؤمن طرق قوافل تجارتهم ، و بالتالي لا يأبه بهم العالم،،،
ثم بين ان هناك اقواما اخرين سيلحقون بهم من الامم والشعوب الاخرى وكذلك الاجيال المتعاقبة والتالية: (وَءَاخَرِينَ مِنۡهُمۡ لَمَّا يَلۡحَقُواْ بِهِمۡۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ (3) وقد فتح الله تعالى على نبيه صلوات ربي عليه واله وسلامه جزيرة العرب وتوحدت كاملة تحت حكمه قبل ان يلتحق بالرفيق الاعلى حيث اوصى من بعده ان لا يجتمع في الجزيرة دينان، لتبقى الجزيرة موئلا للاسلام واهله يأرز اليها الايمان كلما تضايق في الارض اهله كما تأرز الحية الى جحرها !!
(ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ (4)
وهذا الفضل من الله يهبه لمن يشاء من خلقه بحكمته ، فيصطفي لرسالاته من يشاء من الامم ، وقد اصطفى امة العرب هنا لتكون بالاسلام البوتقة التي تنصهر فيها كل القوميات والامم من مختلف الالوان والالسن، لتشكل امة الاسلام العظيم العظيمة ،التي ترث الرسالة الخاتمة المنقذة بالرحمة للبشرية والناس كافة...
ثم يذكر هنا من كان لهم دور مؤثر في التاريخ ومسيرة النبوات والوحي، و عجزوا عن حمل ما حُملوا من رسالة ونور للعالمين، وبحملها فضلهم الله على العالمين، وبالعجز والقعود عن ادائها ردهم اسفل سافلين فقال سبحانه:-
(مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ ثُمَّ لَمۡ يَحۡمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلۡحِمَارِ يَحۡمِلُ أَسۡفَارَۢاۚ بِئۡسَ مَثَلُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ (5) وبذلك ضرب لهم مثلا وتشبيها مقذعا فشبههم بالحمار الذي يحمل على ظهره كتبا عظيمة النفع الا انه لا يستفيد منها بشيء الا الارهاق والتعب لانه لا يهتدي بما فيها .. وهكذا كانوا مع كتاب اسفارهم لا يقيمونها في حياتهم ولا يدعون الناس للخير الذي كان فيها ومن ضمنه الايمان والبشارة بنبوة محمد صلوات ربي وسلامه عليه واله...
( قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ هَادُوٓاْ إِن زَعَمۡتُمۡ أَنَّكُمۡ أَوۡلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلۡمَوۡتَ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ (6) ثم يامره ان يقول لهم رادا على زعمهم الكاذب وادعائهم الباطل بانهم ابناء الله واوليائه واحبابه من دون الناس ، فان كنتم كذلك يا من تهود واتخذ اليهودية ملة له فتمنوا الموت ان كنتم صادقين !! فالموت اقرب الطرق للقاء الله عز وجل محبوب المؤمنين ، فتلاقوا من تحبون وتوالون .. ولكنه يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدو وهو الخبير الحكيم يعلم ما بُنيت عليه نفوسهم قال:-
( وَلَا يَتَمَنَّوۡنَهُۥٓ أَبَدَۢا بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّٰلِمِينَ (7) فهم قتلة الانبياء ومستحلي ومخترعي الربا وهم ابخل الخلق في الانفاق في سبيل الله ، وهم اهل التحريف والتزييف للحق والحقائق وتغيير الكلم عن مواضعه ولي النصوص والالفاظ عن معانيها وظلمهم للناس في المعايير والاعتبارات والموازين والمكاييل العينية والمعنوية ... فكرهوا لقاء الله تعالى وكره الله لقائهم !! ثم يامر نبيه ان يخبرهم ويقرر حقيقة ايمانية وواقعية ملموسة بالحس والمشاهدة لكل ذي عقل متدبر متعظ :-
( قُلۡ إِنَّ ٱلۡمَوۡتَ ٱلَّذِي تَفِرُّونَ مِنۡهُ فَإِنَّهُۥ مُلَٰقِيكُمۡۖ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ (()..
قال أبو السعود: كان اليهود يقولون:
﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ الله وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ [المائدة: ١٨] ويدَّعون أن الدار الآخرة لهم عند الله، خالصة، ويقولون ﴿لَن يَدْخُلَ الجنة إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً﴾ [البقرة: ١١] فأمر الله رسوله أن يقول لهم إِظهاراً لكذبهم: إِن زعمتم ذلك فتمنوا الموت، لتنقلوا من د اء البلاء إِلى دار الكرامة، فإنَّ من أيقن بأنه من أهل الجنة، أحبَّ أن يتخلص إِليها من هذه الدار التي هي مقرُّ الأكدار، قال تعالى فاضحاً لهم، ومبيناً كذبهم ﴿وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْديهِمْ﴾ أي ولا يتمنون الموت بحالٍ من الأحوال، بسبب ما أسلفوه من الكفر والمعاصي وتكذيب محمد عليه السلام وفي الحديث «والذي نفسي بيده، لو تمنوا الموتَ ما بقي على ظهرها يهودي إِلا مات» اه...
ثم ينتقل الحديث الى مخاطبة المؤمنين المسلمين بعد كشفه لزيف وكذب يهود فيقول خاتما لسورة الجمعة :
يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡاْ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلۡبَيۡعَۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ (10) وَإِذَا رَأَوۡاْ تِجَٰرَةً أَوۡ لَهۡوًا ٱنفَضُّوٓاْ إِلَيۡهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِمٗاۚ قُلۡ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ مِّنَ ٱللَّهۡوِ وَمِنَ ٱلتِّجَٰرَةِۚ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلرَّٰزِقِينَ (11) يقول الشيخ الصابوني رحمه الله في صفوة التفاسير :- [﴿ياأيها الذين آمنوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الجمعة﴾ أي يا معشر المؤمنين المصدّقين بالله ورسوله، إِذا سمعتم المؤذن ينادي لصلاة الجمعة ويؤذن لها ﴿فاسعوا إلى ذِكْرِ الله وَذَرُواْ البيع﴾ أي فامضوا إِلى سماع خطبة الجمعة وأداء الصلاة، واتركوا البيع والشراء، اتركوا التجارة الخاسرة واسعوا إِلى التجارة الرابحة قال في التسهيل: والسعيُ في الآية بمعنى المشي لا بمعنى الجري لحديث «إِذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة». وقال الحسن: واللهِ ما هو بالسعي على الأقدام، ولقد نهُوا أن يأتوا الصلاة إِلا عليهم السكينة والوقار، ولكنه سعيٌ بالقلوب، والنية، والخشوع ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ أي ذلك السعي إِلى مرضا الله، وتركُ البيع والشراء، خيرٌ لكم وأنفع من تجارة الدنيا، فإِن نفع الآخرة أجلٌّ وأبقى ﴿إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أي إن كنتم من أهل العلم القويم، والفهم السليم ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاة﴾ أي فإِذا أديتم الصلاة وفرغتم منها ﴿فانتشروا فِي الأرض﴾ أي فتفرقوا في الأرض وانبثوا فيها للتجارة وقضاء مصالحكم ﴿وابتغوا مِن فَضْلِ الله﴾ أي واطلبوا من فضل الله وإِنعامه، فإن الرزق بيده جلَّ وعلا هو المنعم المتفضل، الذي يُضيع عمل العامل، ولا يخيّب أمل السائل ﴿واذكروا الله كَثِيراً﴾ أي واذكروا ربكم ذكراً كثيراً، باللسان والجنان، لا وقت الصلاة فحسب ﴿لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ أي كي تفوزوا بخير الدارين قال سعيد بن جبير: ذكرُ الله طاعته، فمن أطاع اللهَ فقد ذكره، ومن لم يطعه فليس بذاكرٍ ولو كان كثير التسبيح.
. ثم أخبر تعالى أنَّ فريقاً من الناس يؤثرون الدنيا الفانية على الآخرة الباقية، ويفضلون العاجل على الآجل فقال ﴿وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفضوا إِلَيْهَا﴾ هذا عتابٌ لبعض الصحابة الذين انصرفوا عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وتركوه قائماً يخطب يوم الجمعة، والمعنى: إِذا سمعوا بتجارة رابحة، أو صفقةٍ قادمة، أو شيء من لهو الدنيا وزينتها، تفرقوا عنك يا محمد وانصرفوا إِليها، وأعاد الضمير إِلى التجارة دون اللهو ﴿انفضوا إِلَيْهَا﴾ لأنها الأهم المقصود ﴿وَتَرَكُوكَ قَآئِماً﴾ أي وتركوا الرسول قائماً على المنبر يخطب قال المفسرون: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قائماً على المنبر يخطب يوم الجمعة، فأقبلت عيرٌ من الشام بطعام قدم بها «دحية الكلبي» وكان أصاب أهل المدنية جوعٌ وغلاء سعر وكانت عادتهم أن تدخل العير المدينة بالطبل والصياح سروراً بها، فلما دخلت العير كذلك انفضَّ أهل المسجد إِليها، وتركوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قائماً على المنبر، ولم يبق معه إِلا اثني عشر رجلاً قال جابر بن عبد الله: أنا أحدهم فنزلت الآية قال ابن كثير: وينبغي أن يعلم أن هذه القصة كانت لمَّا كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يقدم الصلاة يوم الجمعة على الخطبة كما هو الحال في العيدين، كما روى ذلك أبو داود ﴿قُلْ مَا عِندَ الله خَيْرٌ مِّنَ اللهو وَمِنَ التجارة﴾ أي قل لهم يا محمد: إنَّ ما عند الله من الثواب والنعيم، خير مما أصبتموه من اللهو والتجارة ﴿والله خَيْرُ الرازقين﴾ أي خير من رزق وأعطى، فاطلبوا منه الرزق، وبه استعينوا لنيل فضله وإِنعامه.)اه]
وتقبل الله منا ومنكم وبارك جمعكم وجمعتكم وبارككم ربي وحفظكم ونصر المجاهدين والمرابطين من ابناء امتنا على اعدائها المترصين والمستكلبين - اللهم امين امين فانك نعم المولى والنصير - والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حديث الجمعة بارك الله جمعكم وجمعتكم
تأملات في رحاب سورة الجمعة !!
ان الجمعة خطبة وصلاة من الامور الجامعة المهمة لابناء المسلمين فلذلك انزل الله تعالى سورة باسم الجمعة، وقد بدأها الله تعالى بذكر تسبيح الكون ومافيه وتنزيهه لله تعالى وتعظيمه وتقديسه سبحانه فقال: يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡمَلِكِ ٱلۡقُدُّوسِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ (1) .
ثم ذكر منته ونعمته على العرب قوم النبي -صلى الله عليه و اله وسلم- المعاصرين له فقال :- (هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلۡأُمِّيِّـۧنَ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ (2) حيث كان العرب امة على فطرتها وسليقتها ،ولم تكن اهل فلسفة وعلوم مكتوبة ولا مسطورة في اسفار مقروءة، فكانوا يعتمدون الحفظ والتخزين في الذاكرة لما يعلمونه ولما يتعلمونه ، فلذلك كانوا اجدر الامم بان يلتفوا حول نبيهم الذي بعث بخاتم الرسالات منهم، وفي نسبته لهم تشريف لهم !! مهمته:- 1- ان يتلوا عليهم ايات الكتاب حيث انهم لم يكونوا من قبل اهل كتاب ، 2- ويُزكيهم : اي يعلمهم ما تطهر به نفوسهم وقلوبهم وابدانهم من قرف الشرك والكفر و ما تسمو به افكارهم و ترتقي به عقولهم ونفسياتهم ..3-ويعلمهم الكتاب وما فيه من شرائع واحكام ، ويعلمهم الحكمة ، اي سنن و طرائق فن قيادة الامم و الشعوب الى الله مستنيرين بوحي الله تعالى وهديه ، مبينا لهم انهم كانوا من قبل في ضلال مُبين،حيث كانوا لا يكترثون للعالم من حولهم ، وينشغلون فقط بمتاع ومُتع الدنيا ،وعلاقاتهم مع الامم والشعوب المجاورة لجزيرتهم كانت فقط بما يحقق لهم مصالح بيعهم وشرائهم ويؤمن طرق قوافل تجارتهم ، و بالتالي لا يأبه بهم العالم،،،
ثم بين ان هناك اقواما اخرين سيلحقون بهم من الامم والشعوب الاخرى وكذلك الاجيال المتعاقبة والتالية: (وَءَاخَرِينَ مِنۡهُمۡ لَمَّا يَلۡحَقُواْ بِهِمۡۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ (3) وقد فتح الله تعالى على نبيه صلوات ربي عليه واله وسلامه جزيرة العرب وتوحدت كاملة تحت حكمه قبل ان يلتحق بالرفيق الاعلى حيث اوصى من بعده ان لا يجتمع في الجزيرة دينان، لتبقى الجزيرة موئلا للاسلام واهله يأرز اليها الايمان كلما تضايق في الارض اهله كما تأرز الحية الى جحرها !!
(ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ (4)
وهذا الفضل من الله يهبه لمن يشاء من خلقه بحكمته ، فيصطفي لرسالاته من يشاء من الامم ، وقد اصطفى امة العرب هنا لتكون بالاسلام البوتقة التي تنصهر فيها كل القوميات والامم من مختلف الالوان والالسن، لتشكل امة الاسلام العظيم العظيمة ،التي ترث الرسالة الخاتمة المنقذة بالرحمة للبشرية والناس كافة...
ثم يذكر هنا من كان لهم دور مؤثر في التاريخ ومسيرة النبوات والوحي، و عجزوا عن حمل ما حُملوا من رسالة ونور للعالمين، وبحملها فضلهم الله على العالمين، وبالعجز والقعود عن ادائها ردهم اسفل سافلين فقال سبحانه:-
(مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ ثُمَّ لَمۡ يَحۡمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلۡحِمَارِ يَحۡمِلُ أَسۡفَارَۢاۚ بِئۡسَ مَثَلُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ (5) وبذلك ضرب لهم مثلا وتشبيها مقذعا فشبههم بالحمار الذي يحمل على ظهره كتبا عظيمة النفع الا انه لا يستفيد منها بشيء الا الارهاق والتعب لانه لا يهتدي بما فيها .. وهكذا كانوا مع كتاب اسفارهم لا يقيمونها في حياتهم ولا يدعون الناس للخير الذي كان فيها ومن ضمنه الايمان والبشارة بنبوة محمد صلوات ربي وسلامه عليه واله...
( قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ هَادُوٓاْ إِن زَعَمۡتُمۡ أَنَّكُمۡ أَوۡلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلۡمَوۡتَ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ (6) ثم يامره ان يقول لهم رادا على زعمهم الكاذب وادعائهم الباطل بانهم ابناء الله واوليائه واحبابه من دون الناس ، فان كنتم كذلك يا من تهود واتخذ اليهودية ملة له فتمنوا الموت ان كنتم صادقين !! فالموت اقرب الطرق للقاء الله عز وجل محبوب المؤمنين ، فتلاقوا من تحبون وتوالون .. ولكنه يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدو وهو الخبير الحكيم يعلم ما بُنيت عليه نفوسهم قال:-
( وَلَا يَتَمَنَّوۡنَهُۥٓ أَبَدَۢا بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّٰلِمِينَ (7) فهم قتلة الانبياء ومستحلي ومخترعي الربا وهم ابخل الخلق في الانفاق في سبيل الله ، وهم اهل التحريف والتزييف للحق والحقائق وتغيير الكلم عن مواضعه ولي النصوص والالفاظ عن معانيها وظلمهم للناس في المعايير والاعتبارات والموازين والمكاييل العينية والمعنوية ... فكرهوا لقاء الله تعالى وكره الله لقائهم !! ثم يامر نبيه ان يخبرهم ويقرر حقيقة ايمانية وواقعية ملموسة بالحس والمشاهدة لكل ذي عقل متدبر متعظ :-
( قُلۡ إِنَّ ٱلۡمَوۡتَ ٱلَّذِي تَفِرُّونَ مِنۡهُ فَإِنَّهُۥ مُلَٰقِيكُمۡۖ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ (()..
قال أبو السعود: كان اليهود يقولون:
﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ الله وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ [المائدة: ١٨] ويدَّعون أن الدار الآخرة لهم عند الله، خالصة، ويقولون ﴿لَن يَدْخُلَ الجنة إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً﴾ [البقرة: ١١] فأمر الله رسوله أن يقول لهم إِظهاراً لكذبهم: إِن زعمتم ذلك فتمنوا الموت، لتنقلوا من د اء البلاء إِلى دار الكرامة، فإنَّ من أيقن بأنه من أهل الجنة، أحبَّ أن يتخلص إِليها من هذه الدار التي هي مقرُّ الأكدار، قال تعالى فاضحاً لهم، ومبيناً كذبهم ﴿وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْديهِمْ﴾ أي ولا يتمنون الموت بحالٍ من الأحوال، بسبب ما أسلفوه من الكفر والمعاصي وتكذيب محمد عليه السلام وفي الحديث «والذي نفسي بيده، لو تمنوا الموتَ ما بقي على ظهرها يهودي إِلا مات» اه...
ثم ينتقل الحديث الى مخاطبة المؤمنين المسلمين بعد كشفه لزيف وكذب يهود فيقول خاتما لسورة الجمعة :
يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡاْ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلۡبَيۡعَۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ (10) وَإِذَا رَأَوۡاْ تِجَٰرَةً أَوۡ لَهۡوًا ٱنفَضُّوٓاْ إِلَيۡهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِمٗاۚ قُلۡ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ مِّنَ ٱللَّهۡوِ وَمِنَ ٱلتِّجَٰرَةِۚ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلرَّٰزِقِينَ (11) يقول الشيخ الصابوني رحمه الله في صفوة التفاسير :- [﴿ياأيها الذين آمنوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الجمعة﴾ أي يا معشر المؤمنين المصدّقين بالله ورسوله، إِذا سمعتم المؤذن ينادي لصلاة الجمعة ويؤذن لها ﴿فاسعوا إلى ذِكْرِ الله وَذَرُواْ البيع﴾ أي فامضوا إِلى سماع خطبة الجمعة وأداء الصلاة، واتركوا البيع والشراء، اتركوا التجارة الخاسرة واسعوا إِلى التجارة الرابحة قال في التسهيل: والسعيُ في الآية بمعنى المشي لا بمعنى الجري لحديث «إِذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة». وقال الحسن: واللهِ ما هو بالسعي على الأقدام، ولقد نهُوا أن يأتوا الصلاة إِلا عليهم السكينة والوقار، ولكنه سعيٌ بالقلوب، والنية، والخشوع ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ أي ذلك السعي إِلى مرضا الله، وتركُ البيع والشراء، خيرٌ لكم وأنفع من تجارة الدنيا، فإِن نفع الآخرة أجلٌّ وأبقى ﴿إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أي إن كنتم من أهل العلم القويم، والفهم السليم ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاة﴾ أي فإِذا أديتم الصلاة وفرغتم منها ﴿فانتشروا فِي الأرض﴾ أي فتفرقوا في الأرض وانبثوا فيها للتجارة وقضاء مصالحكم ﴿وابتغوا مِن فَضْلِ الله﴾ أي واطلبوا من فضل الله وإِنعامه، فإن الرزق بيده جلَّ وعلا هو المنعم المتفضل، الذي يُضيع عمل العامل، ولا يخيّب أمل السائل ﴿واذكروا الله كَثِيراً﴾ أي واذكروا ربكم ذكراً كثيراً، باللسان والجنان، لا وقت الصلاة فحسب ﴿لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ أي كي تفوزوا بخير الدارين قال سعيد بن جبير: ذكرُ الله طاعته، فمن أطاع اللهَ فقد ذكره، ومن لم يطعه فليس بذاكرٍ ولو كان كثير التسبيح.
. ثم أخبر تعالى أنَّ فريقاً من الناس يؤثرون الدنيا الفانية على الآخرة الباقية، ويفضلون العاجل على الآجل فقال ﴿وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفضوا إِلَيْهَا﴾ هذا عتابٌ لبعض الصحابة الذين انصرفوا عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وتركوه قائماً يخطب يوم الجمعة، والمعنى: إِذا سمعوا بتجارة رابحة، أو صفقةٍ قادمة، أو شيء من لهو الدنيا وزينتها، تفرقوا عنك يا محمد وانصرفوا إِليها، وأعاد الضمير إِلى التجارة دون اللهو ﴿انفضوا إِلَيْهَا﴾ لأنها الأهم المقصود ﴿وَتَرَكُوكَ قَآئِماً﴾ أي وتركوا الرسول قائماً على المنبر يخطب قال المفسرون: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قائماً على المنبر يخطب يوم الجمعة، فأقبلت عيرٌ من الشام بطعام قدم بها «دحية الكلبي» وكان أصاب أهل المدنية جوعٌ وغلاء سعر وكانت عادتهم أن تدخل العير المدينة بالطبل والصياح سروراً بها، فلما دخلت العير كذلك انفضَّ أهل المسجد إِليها، وتركوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قائماً على المنبر، ولم يبق معه إِلا اثني عشر رجلاً قال جابر بن عبد الله: أنا أحدهم فنزلت الآية قال ابن كثير: وينبغي أن يعلم أن هذه القصة كانت لمَّا كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يقدم الصلاة يوم الجمعة على الخطبة كما هو الحال في العيدين، كما روى ذلك أبو داود ﴿قُلْ مَا عِندَ الله خَيْرٌ مِّنَ اللهو وَمِنَ التجارة﴾ أي قل لهم يا محمد: إنَّ ما عند الله من الثواب والنعيم، خير مما أصبتموه من اللهو والتجارة ﴿والله خَيْرُ الرازقين﴾ أي خير من رزق وأعطى، فاطلبوا منه الرزق، وبه استعينوا لنيل فضله وإِنعامه.)اه]
وتقبل الله منا ومنكم وبارك جمعكم وجمعتكم وبارككم ربي وحفظكم ونصر المجاهدين والمرابطين من ابناء امتنا على اعدائها المترصين والمستكلبين - اللهم امين امين فانك نعم المولى والنصير - والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...