بسم الله الرحمن الرحيم
49- من دروس القران التوعوية :
الشأن العام في القران الكريم والسنة المطهرة
الشأن في لغتنا يعني كل أمر ذو بال ، والعام ضده الخاص وهو ما يعم وينتشر وجوده او وجود الهتمام به ..
و الشأن العام يعني القضايا ذات الاهتامم المشتركبين بني ابناء المجتمع او الامة جميعا أو عمومهم أو غالبيتهم ، فالشأن العام هو ما يتجاوز شواغل الفرد واهتامماته الشخصيية والخاصة الى الاهتمام بشواغل المجتمع والامة
وقضاياها العامة في كافة المجالات ومناحي الحياة وظروفها ... وكلما ازداد الانسان وعيا ايمانيا عقائديا كلما ازداد اهتماما بقضايا مجتمعه وامته بل ويتجاوز ذلك ليهتم بالشأن العالمي ...
ويتأكد لنا هذا الفهم اذا ادركنا ان الله تعالى ارسل رسوله بالرسالة التي ورثنا اداءها من بعده؛ صلى الله عليه واله وسلم الى الناس كافة؛ وهذ العموم يؤكد الاهتمام بعموم شؤن البشرية ؛ والاهتمام بشؤن العالمين الذي قد يتجاوز عالم الانس الى العوالم المدركة في التعامل معها ؛ ونكون اهل رحمة بالعالمين اذا تيقنا ان نبينا سلام الله عليه واله انما أرسله الله تعالى رحمة للعالمين:- { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)سبأ}..{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ(107) الانبياء} .
ثم ان المتتبع لأيات القران الكريم يجد ان تكاليف الاسلام اصناف
فمنها متعلق بعين الشخص ، فردي محض كالتسبيح والذكر والتفكر والصيام والصدقات والانفاق؛ ومنها ما هو عيني فردي لكن شرع الله تعالى ان يؤدى في جماعة؛ كالصلاة والحج ؛ ومنها مكلف به الفرد وتتابع تنفيذه وتباشره الدولة؛ كزكاة الاموال والركاز؛ والخراج والاعشار ...
ومنها ما هو مهمة جماعية منوطة بالجماعة والمجتمع والامة بما يشمله التعاون على المعروف والامر به والتعاون على النهي عن المنكر والمحاسبة على تجاوزات او تقصيرات اصحاب النفوذ والسلطان والدولة على ما انيط بهم من مسؤوليات؛ وما اوكل لهم من مهام ..
ومنها ما انيط بالدولة وتحاسب على تقصيرها فيه ؛ كاقامة الحدود والحض والاستعداد والاعداد للجهاد وقتال الاعداء والكفار طلبا او دفاعا ... وادارة ورعاية الثروة العامة وتنميتها؛ وتمكين الناس من الاسترزاق والوصول الى ارزاقهم المبثوثة في الارض ....
ثم ان عدم التناصح وعدم انكار المنكر والامر بالمعروف يؤدي الى كوارث منها : 1- اشاعة المنكر والفواحش في المجتمع والامة واستمراء وجودها؛حيث انه مضر بهوية الامة وتميزها بانها امة ربانية التوجه؛ويقتل الحس والاحساس بالمسؤولية عن صيانة طهارة المجتمع والامة ؛ قال الله تعالى:- { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19)النور}..
2- الطرد من رحمة الله تعالى واللعن :- {لُعِنَ الَّذينَ كَفَرُوا مِنْ بَني إِسْرائيلَ عَلى لسان دَاودَ وعيسى بن مَرْيَمَ ذلكَ بِما عَصَوْا وكَانُوا يَعْتَدونَ.كَانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنْكَر فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلونَ}(المائدة: 78- 79.).
وقد روى الترمذي عَنْ حُذيفةَ رضي الله عنه، عن النَّبيِّ ﷺ قَالَ: "والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بالْمَعْرُوفِ، ولَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّه أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلا يُسْتَجابُ لَكُمْ " . وعن ابن مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللَّه ﷺ: "إِنَّ أَوَّلَ مَا دخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّه كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ: يَا هَذَا، اتَّقِ اللَّه وَدَعْ مَا تَصْنَعُ، فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ لَكَ، ثُم يَلْقَاهُ مِن الْغَدِ وَهُو عَلَى حالِهِ، فَلا يَمْنَعُه ذلِك أَنْ يكُونَ أَكِيلَهُ وشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، ثُمَّ قَالَ: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ إِلَى قوله: فَاسِقُونَ [المائدة:78- 81]. ثُمَّ قَالَ: كَلَّا، وَاللَّه لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، ولتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ، ولَتَأْطرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا، ولَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّه بقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ ليَلْعَنكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ "رواه أَبُو داود والترمذي وَقالَ: حديثٌ حسنٌ. وهَذ ه رواية أَبي داود.
واما رواية الترمذي: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: "لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فَلَمْ يَنْتَهُوا، فَجَالَسُوهُمْ في مَجَالِسِهمْ، وَوَاكَلُوهُمْ، وَشَارَبُوهُمْ، فَضَربَ اللهُ قُلُوبَ بَعضِهِمْ بِبَعْضٍ, وَلَعَنَهُمْ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَكَانُوا يَعتَدُونَ، فَجَلَسَ رَسُولُ الله ﷺ وكان مُتَّكِئًا فَقَالَ: لا والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى تَأطرُوهُمْ عَلَى الحَقِّ أطرًا".
و عن أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيق رضي الله عنه قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ تقرؤون هَذِهِ الآيةَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105]، وإِني سَمِعت رَسُول اللَّه ﷺ يَقُولُ: إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّه بِعِقَابٍ مِنْهُ رواه أَبُو داود والترمذي والنسائي..
ومن مظاهر الاهتمام بالشأن العام في القران الكريم النصرة لمستحقيها وطالبيها :- {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا ۚ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) الانفال}.. فنصرة المستضعف والوقوف مع الحق شرف لا يمنحه الله لمنافق ذليل او كافر مَهِين..
ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وتبليغ امر الله ودعوته ورسالته في الحياة تتطلب جهدا جماعيا يجتمع الناس عليه بالتأييد والمناصرة؛ فلذلك جاء الامر بذلك في القران الكريم حيث قال الله تعالى: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا، ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا، واتبع هواه، وكان أمره فرطا وقل الحق من ربكم، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}(الكهف: 28-29).
وقال سبحانه:- (وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير ، فما وهنوا لما أصاباهم في سبيل الله، وما ضعفوا وما استكانوا، والله يحب الصابرين. وما كان قولهم إلا أن قالوا: ربنا اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدمنا، وانصرنا على القوم الكافرين) (آل عمران: 146-147). وقد امرنا الله عز وجل ان نشكل هذه الجماعة التي تأخذ على عاتقها امر الامر والنهي فقال :-
{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)ال عمران} .. وقد بين لنا الله تعالى ان هذه الفئة من الامة يجب ان يكون غذائهم وزادهم الفقه في دين الله ليتمكنوا من انذار غيرهم؛ وفي ذلك دعوة ضمنية لان اولى من يتولى هذا الامر هم اشراف الناس الذين تمكنهم مكانتهم من الانذار؛ ولا يملك الانذار الا من كان اهلا لتبليغه !! فقال سبحانه :- {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)التوبة}.. فلذلك حذر النبي عليه السلام من تولي الرويبضة امر العامة والنطق في الشأن العام !! قال صلى الله عليه وسلم: "سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه في أمر العامة" رواه ابن ماجه وأحمد، وله رواية بلفظ: "السفيه يتكلم في أمر العامة".
ومن مظاهر الاهتمام بشؤون المسلمين التي نبهت عليها السنة النبوية هو الشعور بهم، وعيش قضاياهم، ولو لم يقدر للمسلم أن يكون معهم، ففي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزاة، فقال: «إن أقواما بالمدينة خلفنا، ما سلكنا شعبا ولا واديا إلا وهم معنا فيه، حبسهم العذر». وقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:- (مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم و تعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّىّّ)رواه مسلم.
ان تعطيل مهمة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وحرفها عن مسارها الحق الذي يضمن استمرارية الاستقامة بالحياة على منهج الله تعالى ،وقصرها على بعض المظاهر التي لا علاقة لها برعاية وسياسة وتدبير الشأن العام قديمة قدم الاستبداد السياسي والسلطوي المشرعن من قبل الكهنوت ؛ الذي قتل وشوه روح الاحساس الجماعي والمجتمعي في الامة وبالتالي ضرب سيادة روح الاخوة بين المؤمنين؛وضرب روح الشعور بالمسؤولية تجاه المسلمين وبقية العالمين .. و فرغوا مهمة الامة العظيمة-الامر بالمعروف والنهي عن المنكر- من مضمونها ؛ وقصروها على الامر بالمسواك وتقصير الثوب واطالة اللحية و وطمس معالم القبور!!
واعتبروا ان الاهتمام بالشأن العام متعلق بهذه الامور وما شاكلها؛ {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)ال عمران}..
روى الحاكم النيسابوري في مستدركه والطبراني في المعجم الأوسط عن حذيفة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال:- " من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم". ومعناه وجوب تعاون المسلم وشعوره واهتمامه بشؤن اخوانه المسلمين في الارض ومناصرتهم ومؤازرتهم والوقوف الى جانبهم ومعاونتهم ومساعدتهم ومساندتهم على نوائب الدهر .. ونختم بقوله تعالى :- {قوله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2].
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
49- من دروس القران التوعوية :
الشأن العام في القران الكريم والسنة المطهرة
الشأن في لغتنا يعني كل أمر ذو بال ، والعام ضده الخاص وهو ما يعم وينتشر وجوده او وجود الهتمام به ..
و الشأن العام يعني القضايا ذات الاهتامم المشتركبين بني ابناء المجتمع او الامة جميعا أو عمومهم أو غالبيتهم ، فالشأن العام هو ما يتجاوز شواغل الفرد واهتامماته الشخصيية والخاصة الى الاهتمام بشواغل المجتمع والامة
وقضاياها العامة في كافة المجالات ومناحي الحياة وظروفها ... وكلما ازداد الانسان وعيا ايمانيا عقائديا كلما ازداد اهتماما بقضايا مجتمعه وامته بل ويتجاوز ذلك ليهتم بالشأن العالمي ...
ويتأكد لنا هذا الفهم اذا ادركنا ان الله تعالى ارسل رسوله بالرسالة التي ورثنا اداءها من بعده؛ صلى الله عليه واله وسلم الى الناس كافة؛ وهذ العموم يؤكد الاهتمام بعموم شؤن البشرية ؛ والاهتمام بشؤن العالمين الذي قد يتجاوز عالم الانس الى العوالم المدركة في التعامل معها ؛ ونكون اهل رحمة بالعالمين اذا تيقنا ان نبينا سلام الله عليه واله انما أرسله الله تعالى رحمة للعالمين:- { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)سبأ}..{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ(107) الانبياء} .
ثم ان المتتبع لأيات القران الكريم يجد ان تكاليف الاسلام اصناف
فمنها متعلق بعين الشخص ، فردي محض كالتسبيح والذكر والتفكر والصيام والصدقات والانفاق؛ ومنها ما هو عيني فردي لكن شرع الله تعالى ان يؤدى في جماعة؛ كالصلاة والحج ؛ ومنها مكلف به الفرد وتتابع تنفيذه وتباشره الدولة؛ كزكاة الاموال والركاز؛ والخراج والاعشار ...
ومنها ما هو مهمة جماعية منوطة بالجماعة والمجتمع والامة بما يشمله التعاون على المعروف والامر به والتعاون على النهي عن المنكر والمحاسبة على تجاوزات او تقصيرات اصحاب النفوذ والسلطان والدولة على ما انيط بهم من مسؤوليات؛ وما اوكل لهم من مهام ..
ومنها ما انيط بالدولة وتحاسب على تقصيرها فيه ؛ كاقامة الحدود والحض والاستعداد والاعداد للجهاد وقتال الاعداء والكفار طلبا او دفاعا ... وادارة ورعاية الثروة العامة وتنميتها؛ وتمكين الناس من الاسترزاق والوصول الى ارزاقهم المبثوثة في الارض ....
ثم ان عدم التناصح وعدم انكار المنكر والامر بالمعروف يؤدي الى كوارث منها : 1- اشاعة المنكر والفواحش في المجتمع والامة واستمراء وجودها؛حيث انه مضر بهوية الامة وتميزها بانها امة ربانية التوجه؛ويقتل الحس والاحساس بالمسؤولية عن صيانة طهارة المجتمع والامة ؛ قال الله تعالى:- { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19)النور}..
2- الطرد من رحمة الله تعالى واللعن :- {لُعِنَ الَّذينَ كَفَرُوا مِنْ بَني إِسْرائيلَ عَلى لسان دَاودَ وعيسى بن مَرْيَمَ ذلكَ بِما عَصَوْا وكَانُوا يَعْتَدونَ.كَانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنْكَر فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلونَ}(المائدة: 78- 79.).
وقد روى الترمذي عَنْ حُذيفةَ رضي الله عنه، عن النَّبيِّ ﷺ قَالَ: "والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بالْمَعْرُوفِ، ولَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّه أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلا يُسْتَجابُ لَكُمْ " . وعن ابن مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللَّه ﷺ: "إِنَّ أَوَّلَ مَا دخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّه كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ: يَا هَذَا، اتَّقِ اللَّه وَدَعْ مَا تَصْنَعُ، فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ لَكَ، ثُم يَلْقَاهُ مِن الْغَدِ وَهُو عَلَى حالِهِ، فَلا يَمْنَعُه ذلِك أَنْ يكُونَ أَكِيلَهُ وشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، ثُمَّ قَالَ: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ إِلَى قوله: فَاسِقُونَ [المائدة:78- 81]. ثُمَّ قَالَ: كَلَّا، وَاللَّه لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، ولتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ، ولَتَأْطرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا، ولَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّه بقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ ليَلْعَنكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ "رواه أَبُو داود والترمذي وَقالَ: حديثٌ حسنٌ. وهَذ ه رواية أَبي داود.
واما رواية الترمذي: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: "لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فَلَمْ يَنْتَهُوا، فَجَالَسُوهُمْ في مَجَالِسِهمْ، وَوَاكَلُوهُمْ، وَشَارَبُوهُمْ، فَضَربَ اللهُ قُلُوبَ بَعضِهِمْ بِبَعْضٍ, وَلَعَنَهُمْ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَكَانُوا يَعتَدُونَ، فَجَلَسَ رَسُولُ الله ﷺ وكان مُتَّكِئًا فَقَالَ: لا والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى تَأطرُوهُمْ عَلَى الحَقِّ أطرًا".
و عن أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيق رضي الله عنه قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ تقرؤون هَذِهِ الآيةَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105]، وإِني سَمِعت رَسُول اللَّه ﷺ يَقُولُ: إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّه بِعِقَابٍ مِنْهُ رواه أَبُو داود والترمذي والنسائي..
ومن مظاهر الاهتمام بالشأن العام في القران الكريم النصرة لمستحقيها وطالبيها :- {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا ۚ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) الانفال}.. فنصرة المستضعف والوقوف مع الحق شرف لا يمنحه الله لمنافق ذليل او كافر مَهِين..
ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وتبليغ امر الله ودعوته ورسالته في الحياة تتطلب جهدا جماعيا يجتمع الناس عليه بالتأييد والمناصرة؛ فلذلك جاء الامر بذلك في القران الكريم حيث قال الله تعالى: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا، ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا، واتبع هواه، وكان أمره فرطا وقل الحق من ربكم، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}(الكهف: 28-29).
وقال سبحانه:- (وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير ، فما وهنوا لما أصاباهم في سبيل الله، وما ضعفوا وما استكانوا، والله يحب الصابرين. وما كان قولهم إلا أن قالوا: ربنا اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدمنا، وانصرنا على القوم الكافرين) (آل عمران: 146-147). وقد امرنا الله عز وجل ان نشكل هذه الجماعة التي تأخذ على عاتقها امر الامر والنهي فقال :-
{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)ال عمران} .. وقد بين لنا الله تعالى ان هذه الفئة من الامة يجب ان يكون غذائهم وزادهم الفقه في دين الله ليتمكنوا من انذار غيرهم؛ وفي ذلك دعوة ضمنية لان اولى من يتولى هذا الامر هم اشراف الناس الذين تمكنهم مكانتهم من الانذار؛ ولا يملك الانذار الا من كان اهلا لتبليغه !! فقال سبحانه :- {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)التوبة}.. فلذلك حذر النبي عليه السلام من تولي الرويبضة امر العامة والنطق في الشأن العام !! قال صلى الله عليه وسلم: "سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه في أمر العامة" رواه ابن ماجه وأحمد، وله رواية بلفظ: "السفيه يتكلم في أمر العامة".
ومن مظاهر الاهتمام بشؤون المسلمين التي نبهت عليها السنة النبوية هو الشعور بهم، وعيش قضاياهم، ولو لم يقدر للمسلم أن يكون معهم، ففي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزاة، فقال: «إن أقواما بالمدينة خلفنا، ما سلكنا شعبا ولا واديا إلا وهم معنا فيه، حبسهم العذر». وقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:- (مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم و تعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّىّّ)رواه مسلم.
ان تعطيل مهمة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وحرفها عن مسارها الحق الذي يضمن استمرارية الاستقامة بالحياة على منهج الله تعالى ،وقصرها على بعض المظاهر التي لا علاقة لها برعاية وسياسة وتدبير الشأن العام قديمة قدم الاستبداد السياسي والسلطوي المشرعن من قبل الكهنوت ؛ الذي قتل وشوه روح الاحساس الجماعي والمجتمعي في الامة وبالتالي ضرب سيادة روح الاخوة بين المؤمنين؛وضرب روح الشعور بالمسؤولية تجاه المسلمين وبقية العالمين .. و فرغوا مهمة الامة العظيمة-الامر بالمعروف والنهي عن المنكر- من مضمونها ؛ وقصروها على الامر بالمسواك وتقصير الثوب واطالة اللحية و وطمس معالم القبور!!
واعتبروا ان الاهتمام بالشأن العام متعلق بهذه الامور وما شاكلها؛ {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)ال عمران}..
روى الحاكم النيسابوري في مستدركه والطبراني في المعجم الأوسط عن حذيفة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال:- " من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم". ومعناه وجوب تعاون المسلم وشعوره واهتمامه بشؤن اخوانه المسلمين في الارض ومناصرتهم ومؤازرتهم والوقوف الى جانبهم ومعاونتهم ومساعدتهم ومساندتهم على نوائب الدهر .. ونختم بقوله تعالى :- {قوله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2].
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته