52- من دروس القران التوعوية :
ب- القسم الثاني من صناعة الرأي ...
في الحلقة السابقة بينا ان القران الكريم اسند النظر للامور من خلال منظار العقيدة ومن ثم احكامها الشرعية المنبثقة منها ..
والمكون الثاني للرأي العام الدعوة لنشر ما يكون الرأي بين الناس ليصبح رأيا عاما يتجذر في الامة ويسود ليصبح مفاهيم عامة توجه السلوك وتثير المشاعر وتنبه الاحاسيس ؛ وتدفع مجموع الناس لاتخاذ موقف او القيام باجراء تجاه قضية معينة ذات شأن..
وهنا يأتي دور الدعاة باستعمال كافة الاساليب المباحة و الوسائل المتاحة ؛؛
كالحوار بالاتصال المباشر؛ او الشعر؛ او الخطابة ؛ او وسائل الاتصال والاعلام المرئي او المسموع او المقروء ... لبيان ما يدعون اليه ولكشف حقائق زيف المعادين والمنافقين ؛؛؛
ومثل اليوم تماما استغل المعادون لدعوة الله كل الوسائل المتاحة لهم للصد عن دين الله؛ وقد كان هذا الامر زمن النبوة والصدع بالدعوة يتم عن طريق الخطب واثارة الشائعات ضد النبي ودعوته وابلغ ما كان له الاثر هو الشعر الذي وظفوه للوقوف في وجه الدعوة وكان عند العرب مسموعا له اثره على نفوسهم وعقولهم ويحترمونه لدرجة تقارب القداسة ...
ولما كان الشعراء مشركون كفرة واستغلهم المشركون لايذاء الدعوة وعرقلة مسيرتها؛ضرب الله هذه الوسيلة الاعلامية الكاذبة ؛فانزل فيهم سورة سميت باسم الشعراء حيث يقول فيها سبحانه وتعالى:- {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَىٰ مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَىٰ كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223) وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا ۗ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ (227)الشعراء} فالشعراء كانوا بمنزلة الكتاب والصحفيين والجهات الاعلامية اليوم.. فلذلك استثنى منهم القلة التي امنت وعملت صالحا باستغلال وسيلة الشعر الاعلامية للمنافحة عن الدعوة وصاحبها .. إن انفصال رجال الإعلام عن قيم الإسلام وفاهيمه وأخلاقه بسيرته وسلوكه؛ جريمة كبرى تجعل من اللص (محافظاً على بيت المال)، وتصنع من (المجرم) مسؤولاً عن حفظ الأمن.!! ومن الروةيبضة متحدثا باسم العامة في الشأن العام ...
ف بعد ضرب وسيلة المشركين الاعلامية الاقوى في ذلك الزمن؛ والتي تكون من الصوت صورة ذهنية تكاد تكون مرئية بعبقرية توظيف الكلمة ، لجأوا للاشاعات و لاتهام النبي وهو يتلوا عليهم القران بانه شاعر و مجنون ؛ فرد الله على اشاعتهم بقوله :- { إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ (36) بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37) إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ (38) وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (39)الصافات}...
واستمر القران الكريم في كشف مخططات الكفار وحتى خفاياهم و فضح اسرارهم الشخصية؛ والرد على دعاواهم الكاذبة الواهية؛ وكان من اكثرها تأثيرا وايلاما وتعمل على اجتناب الناس عنه وعن سماعه ادعائهم انه مجنون؛
{ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5) بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ (6) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (7) فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (-8-) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ (13) أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14) إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15) سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16)ن}...وقد نزلت في بعض زعامات قريش الذين وقفوا بقوة يصدون عن دين الله تعالى باموالهم وانفسهم - الوليد بن المغيرة- ...
وكان اول صدام للقران مع زعامات قريش قوله تعالىفي سورة المسد: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَىٰ نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ (5)المسد}...
واستمر القران الدني كذلك في مواجهة المنافقين وكشفهم وكشف اكاذيب دعايتهم في المدينة ومجتمعها المؤمن الناشيء ...فأول موقف منهم هو أنه لما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالجهاد صار هؤلاء المنافقون يثبطون المسلمين، فكان الواحد منهم يجتمع بالعدد من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم -وهو منافق، ولا يُعلم بأنه منافق؛ لأنه يتظاهر بالإسلام- فيقول لهم: كيف يخرج بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحر الشديد؟
فكشفهم الله تعالى وبكتهم فقال سبحانه:- : {وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} [التوبة:٨١] ..ومن ذلك ايضا أن بعض المنافقين قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! إئذن لي ولا تفتني! ومن هؤلاء الجد بن قيس؛ الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (يا جد! هل لك في جلاد بني الأصفر؟) فقال الجد بن قيس: يا رسول الله! إنك تعلم أنني مغرم بالنساء، وإنني أخاف إن رأيت نساء بني الأصفر ألا أصبر عنهن فأفتن عن ديني. فأذن لي يا رسول الله.!! وهذا الرجل هو الذي قال لولده -وكان له ولد صحابي فاضل اسمه عبد الله-: ما لي وللخروج في الريح والحر الشديد والعسرة إلى بني الأصفر، فأنا أخالفهم في منزلي فأغزوهم، وإني لعالم بالدوائر! أي: ينتظر الدوائر برسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال له ولده صاحب العقيدة الصلبة: لا والله! ولكنه النفاق، والله لينزلن بك قرآناً.
فضربه أبوه ضربة على وجهه بنعله، فانصرف عنه ابنه ولم يكلمه.
فأنزل الله تعالى فيه: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة:٤٩] أي أنه قال: إنه يخاف من فتنة النساء وهو كاذب، فسقط في فتنة النفاق، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ومن اساليبهم الخسيسة التي ما زال ورثة مدرستهم يتبعونها لليوم لمزهم وسخريتهم من الملتزمين باحكام الدين واصحاب القربات لله تعالى ؛ فما سجله القران الكريم من اساليبهم أيضاً لمزهم للمتطوعين من المؤمنين في الصدقات، فيسخرون من المكثر ويستهزؤن بالمقل ،فلما جاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه بأربعة آلاف دينار قال المنافقون: ما جاء بها إلا رياءً. ولما جاء صحابي آخر لا يملك إلا صاعين من تمر، فأبقى صاعاً لأولاده طعاماً وأتى بالصاع الثاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما وضعه بين يديه قال المنافقون: إن الله ورسوله غنيان عن صاعك هذا، فأنزل الله عز وجل: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} [التوبة:٧٩].
واليوم ومع كل اسف والامة تتعرض لاشرس واقسى تقييد وتكبيل ومنع للنصرة فتجد الاعلام المنافق والاعلاميين المنافقين قد ملأوا الساحات والمساحات يثبطون العزائم ويخذلون النفوس التواقة للنخوة؛ ويسخرون ويستهزؤن ويترقبون الدوائر بمن نهضوا للدفاع عن كرامة الامة المهدورة؛
ويثيرون الشائعات ويشككون حتى في النوايا وكأنهم ممن اطلع على الغيب وشق الصدور فنظر ما فيها!! ويمنعون العون والمساعدة من الاهل عن اخوتهم الاهل حتى بالامداد بالطعام والشراب!!
وهذا يذكرني بموقف من مواقف الرسول مع المنافقين حيث أنه حصل بينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يتهيأ ويتجهز لغزوة تبوك علم أن ناساً من المنافقين يجتمعون في بيت سويلم اليهودي يثبطون الناس عن غزوة تبوك، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم طلحة بن عبيد الله مع نفر وأمره أن يحرق عليهم بيت سويلم هذا ففعل، فاقتحم المنافقون جدران البيت وفروا.وذلك ليشرد بهم وبمن خلفهم !!!
والى لقاء اخر من هذه السلسلة استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
عدل سابقا من قبل محمد بن يوسف الزيادي في 2024-10-17, 3:36 am عدل 1 مرات