دينا سليم –
عزم الرحيل ، ناشد الحظ لعل في الترحال حسن البال.
رحل حيث لا يعرف أحدا، ابتعد عن الوجوه المألوفة حتى صار في حضن وطن آخر.
الأماكن كثيرة والنزوح الى أحدها يتطلب فقط استئزار الشجاعة وفصل القرار.
لم يتردد في خوض معارك الحياة ولم يعرف المماطلة، تقمص الصبر بجميع أشكاله، حتى أنه قرر النسج والتكور داخله فأصبح كالعنكبوت، يمضي حياته منطويا على نفسه داخل خيوطهِ.
عمّر وطالت حياته وهو يتخذ الصبر حصنا منيعا له.
داوى جراحهُ، لملم آلامهُ وجمع قواهُ كي يطيء بقدميه أرض الشجاعة، استطرق طرقا وعرة، اخترق نتوءاتها الخطرة حتى انتهت به الخطوات حيث أخذته الريح، الى مكان ما... ربما حملت له في طياتها الجديد.
لم تكن رحلتهُ سهلة، رياح عاصفة أغرقت مركبهُ مع أنهُ لم يسلك عكسها ، أحكم اغلاق بابها ، أوصد نوافذها ولازمَ مقصورته يترقب بتؤودة النهاية حتى أعياهُ التعب، أرهقتهُ الأمواج وأصابته ُ بالغثيان. رقد هروبا داخل فراشهِ الخشن حاول الاستغراق في النوم، تنمل جسده وتسمّرت أنفاسه فعلقت مترنحة داخل تلك القوقعة المتأرجحة.
تفاجئه العاصفة فيتلبد خوفا، تسوقه الى الرمال الصفراء ، يجد نفسه على أرض غريبة. تتراكم الغشاوة في عينيهِ، هدير البحر يخترق أذنيه وشمس غاربة تسرق منهُ النهار، يمكث حيث هو فيباغتهُ الليل يرمي هالة البدر أمامهُ فتكسو الأمواج الهادئة.
لم يدرك كم هي اللحظات وربما الساعات التي أمضاها لبزوغ نهار جديد ينبلج من بين السحب الساهره، نارهُ باهتة استطاعت نفض سراب الليل الطويل الموحش عن الكون وعنهُ حتى واتتهُ أقدام غليظة، تروح وتجيء متلبسة على جسر عتيق متراصة أخشابهُ جاءت تلتقط الحظ بصنانيرها، توقظهُ وتدعوه للترقب فيتابعها حيث المياه الزرقاء المُسنة الواهنة، فاقدة حماسها، تربت على الشاطىء بخفة وحنان، مرددة نفس الهدير والصّنانير تخترق المياه تحاول اصطياد ما قُسمَ .
يعتري البحر الصخب المفاجىء، أمواجه تعلو فيصبح في حالة مخاض، يقرقعه وليده. يُفزع الكائنات داخله، تتعثر مساراتها وتتخبط في الغوغاء ، يتيه الجسر الخشبي داخل الأمواج العالية فيصبح في أعماق البحر والأقدام الغليظة تهرول نحو الشاطىء تحاول ايجاد ملاذا، إلا اثنين...
يتمرد البحر موجانا وهيجانا ، المد يدافع عن ممتلكاته والجّزر يهدىء من روعه فيتلاحمان حتى يصبحان في حالة إغماء.
نفضا الاثنان المياه عن ملابسهما واتخذا حافة الجسر، شاب في مقتبل العمر ومُسن أكلت منه الشيخوخة عقودا، يقتحمانه بصنارتيهما ينجزان ما بدآهُ والبحر يتربص لهما مستنكرا حاقدا.
الشاب ينهل منهُ دون توقف، سمكة تلو الأخرى حتى تراكمت الحظوظ داخل دلوهِ، يقفزن وينطنطن عابسات، ينشدن الحرية وما يلبثن أن يَعدن الى أسفله بأجساد هامدة جاهزة لأفخر الوجبات وعندما يصمت الضجيج يمنحه البحر المزيد حتى امتلأت دلاءهُ بالأسماك والابتسامة تبارح وجههُ .
من نفس المكان ينتظر المُسن ، ينظر محتدا داخل الأعماق، يلمح الأسماك المنسابة وهي تتهرب من الطُعم وتبتعد من صنارته فتنحاز الى الشاب .
المسن يأبى الاستسلام والشاب يغرف المزيد. كأن الأسماك تفضل الامتناع داخل الصخور في الأعماق أو تنحدر داخل هوة سحيقة أو فعلا انجزر البحر وانسحب.
أعجب منك يا أيها المسن ! من أنتَ ومن تكون!؟ ما هذه الابتسامة العريضة التي لا تفارقكَ أبدا... ترى افتقار دلوكَ ولا تتخلى عنها، تخترق وجهكَ الصَبوح... كم بكَ من التسامح وحب الآخرين، أراكَ كالشمس المُضيئة تبعث بسعادتكَ الى ذلكَ الشاب عاقد الجبين صاحب الحظ الوفير.
أسألكَ منذ متى وأنتَ متقمص ذلكَ...الصبر...هل قسوة الحياة السبب في ذلكَ؟ أهو الدهر الكفيل باحتفاظكَ به!؟ ألا يتبدد الأمل منكَ أبدا؟ كيف يغمركَ هذا التفاؤل ؟ قل لي منذ متى وأنتَ ... قليل الحظ...؟
عزم الرحيل ، ناشد الحظ لعل في الترحال حسن البال.
رحل حيث لا يعرف أحدا، ابتعد عن الوجوه المألوفة حتى صار في حضن وطن آخر.
الأماكن كثيرة والنزوح الى أحدها يتطلب فقط استئزار الشجاعة وفصل القرار.
لم يتردد في خوض معارك الحياة ولم يعرف المماطلة، تقمص الصبر بجميع أشكاله، حتى أنه قرر النسج والتكور داخله فأصبح كالعنكبوت، يمضي حياته منطويا على نفسه داخل خيوطهِ.
عمّر وطالت حياته وهو يتخذ الصبر حصنا منيعا له.
داوى جراحهُ، لملم آلامهُ وجمع قواهُ كي يطيء بقدميه أرض الشجاعة، استطرق طرقا وعرة، اخترق نتوءاتها الخطرة حتى انتهت به الخطوات حيث أخذته الريح، الى مكان ما... ربما حملت له في طياتها الجديد.
لم تكن رحلتهُ سهلة، رياح عاصفة أغرقت مركبهُ مع أنهُ لم يسلك عكسها ، أحكم اغلاق بابها ، أوصد نوافذها ولازمَ مقصورته يترقب بتؤودة النهاية حتى أعياهُ التعب، أرهقتهُ الأمواج وأصابته ُ بالغثيان. رقد هروبا داخل فراشهِ الخشن حاول الاستغراق في النوم، تنمل جسده وتسمّرت أنفاسه فعلقت مترنحة داخل تلك القوقعة المتأرجحة.
تفاجئه العاصفة فيتلبد خوفا، تسوقه الى الرمال الصفراء ، يجد نفسه على أرض غريبة. تتراكم الغشاوة في عينيهِ، هدير البحر يخترق أذنيه وشمس غاربة تسرق منهُ النهار، يمكث حيث هو فيباغتهُ الليل يرمي هالة البدر أمامهُ فتكسو الأمواج الهادئة.
لم يدرك كم هي اللحظات وربما الساعات التي أمضاها لبزوغ نهار جديد ينبلج من بين السحب الساهره، نارهُ باهتة استطاعت نفض سراب الليل الطويل الموحش عن الكون وعنهُ حتى واتتهُ أقدام غليظة، تروح وتجيء متلبسة على جسر عتيق متراصة أخشابهُ جاءت تلتقط الحظ بصنانيرها، توقظهُ وتدعوه للترقب فيتابعها حيث المياه الزرقاء المُسنة الواهنة، فاقدة حماسها، تربت على الشاطىء بخفة وحنان، مرددة نفس الهدير والصّنانير تخترق المياه تحاول اصطياد ما قُسمَ .
يعتري البحر الصخب المفاجىء، أمواجه تعلو فيصبح في حالة مخاض، يقرقعه وليده. يُفزع الكائنات داخله، تتعثر مساراتها وتتخبط في الغوغاء ، يتيه الجسر الخشبي داخل الأمواج العالية فيصبح في أعماق البحر والأقدام الغليظة تهرول نحو الشاطىء تحاول ايجاد ملاذا، إلا اثنين...
يتمرد البحر موجانا وهيجانا ، المد يدافع عن ممتلكاته والجّزر يهدىء من روعه فيتلاحمان حتى يصبحان في حالة إغماء.
نفضا الاثنان المياه عن ملابسهما واتخذا حافة الجسر، شاب في مقتبل العمر ومُسن أكلت منه الشيخوخة عقودا، يقتحمانه بصنارتيهما ينجزان ما بدآهُ والبحر يتربص لهما مستنكرا حاقدا.
الشاب ينهل منهُ دون توقف، سمكة تلو الأخرى حتى تراكمت الحظوظ داخل دلوهِ، يقفزن وينطنطن عابسات، ينشدن الحرية وما يلبثن أن يَعدن الى أسفله بأجساد هامدة جاهزة لأفخر الوجبات وعندما يصمت الضجيج يمنحه البحر المزيد حتى امتلأت دلاءهُ بالأسماك والابتسامة تبارح وجههُ .
من نفس المكان ينتظر المُسن ، ينظر محتدا داخل الأعماق، يلمح الأسماك المنسابة وهي تتهرب من الطُعم وتبتعد من صنارته فتنحاز الى الشاب .
المسن يأبى الاستسلام والشاب يغرف المزيد. كأن الأسماك تفضل الامتناع داخل الصخور في الأعماق أو تنحدر داخل هوة سحيقة أو فعلا انجزر البحر وانسحب.
أعجب منك يا أيها المسن ! من أنتَ ومن تكون!؟ ما هذه الابتسامة العريضة التي لا تفارقكَ أبدا... ترى افتقار دلوكَ ولا تتخلى عنها، تخترق وجهكَ الصَبوح... كم بكَ من التسامح وحب الآخرين، أراكَ كالشمس المُضيئة تبعث بسعادتكَ الى ذلكَ الشاب عاقد الجبين صاحب الحظ الوفير.
أسألكَ منذ متى وأنتَ متقمص ذلكَ...الصبر...هل قسوة الحياة السبب في ذلكَ؟ أهو الدهر الكفيل باحتفاظكَ به!؟ ألا يتبدد الأمل منكَ أبدا؟ كيف يغمركَ هذا التفاؤل ؟ قل لي منذ متى وأنتَ ... قليل الحظ...؟