لك الأشواق قد باحت بحبي!!
ريم سعيد آل عاطف
لك تاقت الأرواح المُتعبة. وبك استبشرت القلوب المؤمنة.
خمسة عشر قرناً والأفئدة الموحّدة بك تحتفي. وفي أحضان رحماتك ونفحاتك ترتمي.
ترمقك النظرات وتتلهف لك الأمنيات. ففي رحابك تَحطّ الآمال المُعلّقة رحالها، والأنفس القلقة آلامها. فيحققان المطالب، ويرتعان في نعيم الأمن والطمأنينة والصفاء.
بُشْرى العوالِمِ أنتَ يا رمضان * هَتَفَتْ بِكَ الأرجاءُ والأكوانُ
يا مُشعلاً قَبَسَ الحقيقة بعد أن * أعيت عن استقصائها الأذهانُ
لكَ في السماءِ كواكِبٌ وضَّاءَةٌ * ولكَ النفوسُ المُؤْمِناتُ مَكانُ
رمضان، يا بهجة المسلمين.. وغنيمة المخلصين.
رمضان، يا هدية الرحمن للمشتاقين للفضل. وفُرص النجاة للغافلين المقصرين.
كيف لا تعظم به فرحتنا وله لهفتنا، وقد جاد الكريم فيه بالعطايا والخيرات، وحُشدت فيه البشائر والمحفزات؟!
ففيه تُفتح أبواب الجنة فنأنس وتتأجج رغبتنا للظفر بها، وفيه تُغلق أبواب جهنم فنتأمل عفواً وغفراناً. وفيه تُقيد الشياطين فتهدأ جوانحنا وتكتسي بنور الطُهر.
لا يَدخلُ الريَّانَ إلا صائما ** أكرم ببابِ الصَّومِ في الأبوابِ
ووقاهم المَولى بحرِّ نَهارِهم ** ريح السَّمومِ وشرَّ كلِّ عذابِ
موسمٌ للعتق من النار. لنا فيه دعوةٌ لا تُردّ. وليلةٌ يعدل خيرها وأجرها أجر عبادة ثلاث وثمانين سنة وثلاثة أشهر. ووعدٌ بتكفير السيئات ومضاعفة الحسنات ورفع الدرجات. يقول صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".
رمضان ساحة الصبر والنصر وتجديد التوبة وإحياء الإيمان. وواحة الخير وتهذيب الأخلاق ومراجعة النفس.
يقول ابن الجوزيّ رحمه الله: "مثل الشهور الاثني عشر كمثل أولاد يعقوب، فكما أن يوسف أحبّ أولاد يعقوب إليه. كذلك رمضان أحبّ الشهور إلى الله. وكما يغفر الله لهم بدعوة واحد منهم وهو يوسف، كذلك يغفر الله ذنوب أحد عشر شهراً ببركة رمضان".
أيامٌ معدودات يُقدّر لها الموفّق قدرها فيغتنمها ويحصد ثمراتها. ويضيّعها المخذول فلا ينال منها إلا الحسرات.
عن الحسن رضي الله عنه قال: "إن الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه. يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته. فسبق قومٌ ففازوا وتخلّف آخرون فخابوا".
ألا يستحق هذا الضيف الحبيب استقباله بما يليق به. قلوبٌ سليمة تخفّفت من الحقد والضغائن وهوى النفس. وإرادة ماضية قوية تعتزم الإصلاح والتغيير وتصدق الأوبة والاستقامة.
وإن استعد أهل الفساد الإعلامي لرمضان ببرامج الانحطاط والإلهاء. ومسلسلات الإثم والإسفاف. واستعدّ أهل التجارة والمال بتجهيز الأسواق والمقاهي. فبماذا استعددنا نحن المحتاجين إلى الله المفتقرين لرضوانه؟ وما الذي سيراه منا؟ مجاهدةً وامتثالا وإقبالا أم ضعفا وإعراضا؟!.
أخلص نيتك. احتسب كل طاعة. تأدب بآداب الصيام. تجنب كثرة الخلطة. تأمل نعم الله عليك وأد حقها. احفظ لسانك وسمعك وبصرك. بادر للطاعات ولا تحرم نفسك الخيرات فأحسن الصيام والقيام، وصل رحمك، وفطّر صائما، وأكثر التصدق، واقض حاجة مسلم. تجنب مصاحبة اللاهين الغرقى. تدبّر القرآن بقدر حرصك على تلاوته. الزم الذكر وألحّ بالدعاء.
بلّغكم الله خيرات الشهر. ورفع عن أمتنا الذل والقهر. وأكرمنا عاجلا بالنصر.