السوريون بين بركة رمضان و لعنة النظام
الشباب السوري لـ جريدة "الضمير " التونسية : ساعة النصر اقتربت
نحتار في رمضان ماذا نأكل على الإفطار ، ونعتقد أن لا شيء سوف يسد الجوع والعطش بعد طول صيام ، ثم نجتمع عند الغروب في حضن العائلة ودفء المنزل وأمام الأعين ما لذ وطاب من الأطعمة.
صورة قد تبدوا جد اعتيادية ونكررها كل عام في هذا الشهر الكريم ، بيد أن ما تراه عاديا ـ أصبح ضربا من المستحيل عند آخرين ، آخرون يشتهون مجرد سماع صوت آذان المغرب دون أن يصاحبه أزيز رصاص ، أو أن يحللوا صيامهم بتذوق حساء ساخن بدلا من رؤية بركة دماء تسيل ، وسط برود مشاعر العالم وتحجر قلب نظام ، غلب نيرون في بطشه فأبى إلا أن يحكم حتى ولو حرق البلد بالشعب بالأرض، غير أن الفارق كبير بين من يقاتل من أجل حرية يستنشق عليلها وبين من يقاتل لكرسي سلطة يعتليه ، فالأول يقف بجانبه خالقه يمده بقوة من عنده ، أما الآخر فيزين له الشيطان عمله و يساعده عليه من له مصلحة في بقائه .
هذه هي ملحمة الثورة السورية بإيجاز مقتضب، و ها هو رمضان آخر يدخل عليها ، وقد زفت عشرين ألف شهيد إلا قليلا في عام وبضع اشهر على اندلاعها.
" الضمير " حاورت الشباب السوري في إيطاليا ، لتعيش معهم تجربة رمضان البركة حين يمر على الأهل في الغربة و ذويهم في بلدهم الأم تحت نيران الظلم.
رمضان آخر ..شعور مأساوي
تقول أسماء دشان ، صحفية " الشعور بأننا نستقبل رمضان ثانية وهذا الوضع المأساوي لم ينتهي شعور حزين جدا ". مضيفة " اذكر في العام الماضي تناقلت صفحات التواصل الاجتماعي صورة لشباب شكل بالشموع المشتعلة جملة أهلا رمضان ..ارحل بشار ، وكنا نأمل ذلك رغم أنه لم يكن قد مضى على الثورة سوى أربعة أشهر ، أما اليوم فالثورة تدخل شهرها السادس عشر، ولدينا أكثر من تسعة عشر ألف شهيد ، وها هو رمضان آخر وبشار لم يرحل ، وقد دمر سوريا وحصد أرواح النساء و الأطفال والشباب ".
وبسؤالها عن ما إذا كانت تتوقع أن تنقضي كل هذه المدة على الثورة تجيب " كثيرا ما سألت نفسي هذا السؤال، بداية حين اندلعت الثورات العربية لم يكن يخطر في بالي أنها سوف تصل سوريا، رغم تأملي ذلك ، لكن عندما ثار الشعب لم يخطر في بالي أن نصل إلى هذا العدد من الشهداء ، لم أتوقع أن يقوم أحد ما بقتل هذا العدد من شعبه " . مستدركة "يبقى رمضان شهر رحمة ومغفرة من رب العالمين، وإن كانت مشيئة الله أن يمر رمضان ثان على الثورة السورية فلا يجب أن نرى ذلك من زاوية سلبية، فالله عز وجل يمنحنا فرصة أكبر لتطهير نوايا الشعب والتأليف بين قلوبنا ".
وحول قراءتها الخاصة للهجوم الأخير على قيادات مفصلية في هيكلة النظام تقول دشان " هذا الهجوم لا يعني لي الكثير ، ما يهمني هو عدد القتلى الذين يسقطون يوميا ،وقتل وزير هنا أو شخصية نافذة هناك لا تعني لي شيئا بقدر ما يعنيني النساء و الأطفال اللذين يدفعون حياتهم وبشكل يومي ثمنا لبقاء نظام مجرم".
النوايا الأممية غير جادة
أما بلال بريغش ، تاجر ، يعتقد أنه يجب أن نتضرع بالدعاء في هذه الأيام الفضيلة " رمضان شهر البركة ، ونحن نصومه للعام الثاني على التوالي و إخواننا في سوريا يتعرضون لما ينده له الجبين ، نرجو من الله أن يفرج على الشعب السوري ويعجل بالنصر".
وبسؤاله عن توقعاته لمجريات الأحداث مستقبلا يقول " شخصيا أنا متفائل خيرا، و أتوقع نهاية قريبة جدا للنظام خلال الأشهر البسيطة القادمة "
وحول قراءته للتعاطي الأممي مع الثورة ، يقول " بالنسبة لي ، الصورة واضحة ، القوى العالمية متفقة على إبقاء النظام ، ولديهم مصلحة في ذلك ، وربما كان لديهم امل أن ينجح النظام في القضاء على الثورة ، ليس فقط روسيا والصين بل حتى أمريكا و الدول الأخرى ". موضحا " من جانب تستغل روسيا والصين حق الفيتو ، لكن في الجانب الآخر تلتزم أمريكا و باقي الدول الصمت ، في الوقت الذي يمكن لها أن تتحرك خارج مجلس الأمن مثلما حدث في كوسوفو وليبيا ". مضيفا " التصريحات منذ اندلاع الثورة وحتى الساعة لم تتخطى حد مطالبة النظام بالتوقف و إدانته ، وتبقى هذه لغة دبلوماسية متأخرة جدا عما يقع في الشارع السوري من مجازر بحق الشعب المدني ، مما يعزي القناعة لدي أنهم يريدون بقاء النظام وهم متفقون في ذلك وكل له مصلحته ".
وينهي بريغش كلامه " حتى البلاد العربية و الإسلامية ، التي من المفترض أن تكون أكثر غيرة على دماء العرب والمسلمين التي تراق في سوريا ، نجدها لم تتخذ موقفا مغاير أو متقدما قياسا بالموقف الدولي ، لكن يبقى أولا وأخيرا النصر من عند الله و بالدماء الزكية للثوار "
النظام باع الجولان ويدعي المقاومة
بدورها تقول تشير مواطنتهم آية الحمصي، طالبة جامعية، أنها توقعت أن لا يكون سهلا إسقاط النظام لكنها لم تتوقع أن يكون بهذا السوء " عند بداية الثورة ، توقعت صعوبة الأمر ، لكن لم يدر في خلدي أنها سوف تستمر كل هذه الفترة ، شاهدنا كيف سقط ابن علي ومبارك في أسابيع ، حتى القذافي لم يقاوم الهزيمة أكثر من اشهر معدودة ، فلماذا تظل سوريا تدفع الثمن كل هذا الوقت ".
وتنوه الحمصي إلى أن العودة للوراء لم تعد ممكنة ، ولا بد أن ينهزم بشار في نهاية المطاف " زمن الخوف انتهى ، كانوا يحكمون الشعب بالحديد والنار ، وكانت جرائمهم خفية عن العالم ، أما اليوم ومع التقدم التكنولوجي بات معلوما للجميع حقيقة النظام ، وبعد مضي عام ونصف تقريبا على الثورة لم يعد يخاف أحد من هذه الزمرة والجميع بات عزم الأمر أن لا يحكمه هذا النظام ، والقلة التي مازالت تدعم هذا النظام فهي الطبقة المنتفعة من النظام ، ومنهم من استمرأ العبودية ولا يستطيع الحياة بعد كل هذا الاستعباد كإنسان حر ".
مضيفة " كذلك لا يزال ورغم هذه المجازر من يقف إلى جانب الأسد من منطلق المقاومة و القضايا المفصلية كفلسطين، لكن الحقيقة أن هذا النظام يستغل هذه الأوراق وهو أبعد ما يكون عنها ، بل العكس هو نظام يبيع أي شيء مقابل بقائه في السلطة ويكفي مثال الجولان ، التي باعها للكيان ولم يجرؤ يوما على المطالبة بها مقابل أن يظل في السلطة ، تاركا جزء من الأراضي السورية محتلة طوال عقود دون أن يحرك ساكنا ، وفي نفس الصدد ، فإنه من ضمن الأسباب التي تدفع المجتمع الدولي إلى عدم تقديم المساعدة الفعلية للثورة لأنه يخشى بعد سقوط الأسد أن يطالب الشعب بالجولان ، وقد عاش الاحتلال " الإسرائيلي" في راحة من هذا الأمر طوال حكم النظام".
المصدر: جريدة الضمير التونسية