الضفة الغربية على خطى القدس في التهويد
الكاتب والصحفي علاء الريماوي
في الحديث عن العبث الصهيوني في الارض الفلسطينية ، تذكر مدينة القدس التي تعيش حركة تهويد لم يسبق لها مثيل في الأعوام العشر الماضية ، ليتوج العام الماضي الأسوأ من جهة العبث والمصادرة والتغير في طبيعة المدينة .
المتابعة الإعلامية وإن بدت خجولة في رصد السلوك الصهيوني في القدس إلا إننا نقر بوجود تغطية ولو بالحد الأدنى ، مما يعني انعكاسا بالضرورة على السلوك السياسي المتابع لهذا العبث في المدينة .
تشبيه الحال مع الضفة الغربية نجد فيه اختلاف اهتمام ومتابعه ، النشاط الاستيطاني يبلغ العام الحالي ذروته ، المتابعة الإعلامية لهذا النشاط باهتة وضعيفة مما يجعل هذا الواقع مؤشرا واضحا على الأداء السياسي والوطني في مكافحة العبث الاستعماري في الضفة الغربية .
في متابعتنا للواقع على الأرض وجد أن إسرائيل ربحت معركة الضفة الغربية منذ زمن بعيد ، لكنها أرست قواعد النجاح حين وقعت مع الطرف الفلسطيني إتفاق أوسلو الذي قسم أراضي الضفة على النحو الآتي
1. مناطق A: وهي المناطق التي تخضع للسيطرة الفلسطينية الكاملة (أمنيًا وإداريًا) وتبلغ مساحتها 1,005 أي ما نسبته 18% من مساحة الضفة الغربية الإجمالية.
2. مناطق B: وهي المناطق التي تقع فيها المسؤولية عن النظام العام على عاتق السلطة الفلسطينية، وتبقى لإسرائيل السلطة الكاملة على الأمور الأمنية، وتبلغ مساحتها 1,035، أي ما نسبته 18.3% من مساحة الضفة الغربية الإجمالية.
3. مناطق C: وهي المناطق التي تقع تحت السيطرة الكاملة للحكومة الإسرائيلية، وتشكل 61% من المساحة الكلية للضفة الغربية.هذا التقسيم يعني أن السلطة القائمة في الضفة لا تملك التصرف سياسيا الا في 18% خاصةلا إذا عرفنا أن مناطق ب بعد انتفاضة الأقصى سحب كثير من صلاحيات السلطة القائمة لصالح الاحتلال .
الواقع هذا سمح للكيان الصهيوني إعادة انتشار في الضفة الغربية من خلال ترتيب النسق الجغرافي لمستعمراته من خلال خارطة قسمت الضفة الغربية الى مجموعة كانتونات معزولة سهلت له بناء شبكة طرق إالتفافية ربحت فيها إسرائيل ضم منطقة الأغوار الفلسطينية ، مع إنهاء لمسألة حدود القدس الكبرى ، وترسيخ ما يعرف بالخط الأخضر الذي كفل من خلاله إتصالا مع كبرى المستعمرات في الضفة الغربية ، ليكتمل مشهد التهويد من خلال ما يعرف بمضاعفة حجم التكتلات الإستعمارية في جنوب الضفة الغربية من العام 2000 .
حديثنا هذا تصدقه التقارير الرسمية الصهيونية و التي كشفت أن عدد المستوطنين في الضفة الغربية أكثر من 350 ألف .
المعطيات الرقمية هذه لا تتضمن الإستيطان في أحياء شمالي القدس وشرقيها، مثل بسغات زئيف، النبي يعقوب، رمات اشكول، راموت، ارمون هنتسيف، غيلو وما شابه، والتي يبلغ عدد المستعميرن فيها نحو 300 الف نسمة.
حديث الأرقام هذا يعيد التأكيد على تحذير أطلاقناه غبر قناة القدس الفضائية قبل أكثر من عامين قلنا فيه أن المؤسسة الصهيونية تسعى الى ترسيخ تواجد مليوني في الضفة والقدس ، مما يجعلنا أمام مشهد الاقلية في السيطرة على جغرافيا المنطقة والذي معناه إستحالة بناء ما يعرف بدولة على حدود العام 1967 .
هذا الزخم الاستعماري رافقه إنهاء ملف السيطرة على الموارد الطبيعية في الضفة وخاصة المياه المتمثل في الاحواض الغربي والشرقي والشمالي الشرقي ، حيث كفل السلوك الصهيوني سيطرة على 88 % من مياهنا المتجددة التي تنشئ داخل حدودنا بكميات تصل الى 800 مليون م3 ، يضاف الى ذلك مصادرة نصيبنا في مياه نهر الأردن والبالغة في الحد الادنى أكثر من (250 مليون م3).
حرب السيطرة لم تتوقف عند هذا الحد ليتحول شعار المعركة هذه الأيام من مجرد الإدارة والسيطرة إلى الاستحواذ التام على الأحواض المائية الفلسطينية في الشمال والجنوب بعض ضمان السيطرة المطلقة على الأحواض وجعلها خلف جدار الفصل العنصري .
الدارس لتضاريس الجدار ومساراته يجد مساره يتلوى في الأرض الفلسطينية حسب أمكنة مصادر المياه والطموح في شكل الدولة المستحيلة في الضفة .
حرب إسرائيل لم تتوقف عند المياه الجوفية بل تعدتها وبحسب تقرير منظمة العفو الدولية إلى سرقة 80% من مياه الجداول الجبلية، بحيث تعتبر هذه المياه من أهم المصادر المغذية للخزانات الجوفية التي تعيش حالة عجز غير مسبوق هذا العام برغم كميات المطر المعقولة نسبيا . في تقريب الصورة للقارئ نضع هذه الخارطة الرقمية حتى يكتمل مشهد العبث في الوعي " الحوض الغربي وهو الأكبر يمتد بالقرب من عنبتا، سلفيت، رام الله، القدس، بيت لحم وغرب الخليل ويعطي 500 مليون متر مكعب سنويا.
الحوض الشمالي من بورين بالقرب نابلس إلى جنين ويتجمع فيه حوالي 140 مليون متر مكعب سنويا، الحوض الشرقي ويتكون من مجموعة أحواض تشمل أحواض الفارعه والعوجا وديوك والقلط وتنتج حوالي 200 مليون متر مكعب سنويا.
هذه الأرقام التقريبية التي تشكل مشهد الثروة المائية في الضفة المتحكم الحصري فيها إسرائيل ، ودور السلطة في المشهد الموزع المقيد في الخدمة .
هذا الواقع غير معزول عن أكثر من 450 مستعمرة ومعسكر منثورة في الضفة الغربية تصنع كلها مستحيل العيش في ارض الضفة الغربية سواء كان ذلك على صعيد الحياة الحيوية أو في البعد الاقتصادي ، والاجتماعي وهذا ما أكده تلميحا تقرير البنك الدولي الذي ارتد عن تقرير العام الماضي الذي وصف الضفة واحة النمو في عالم الانهيار الاقتصادي .
في فتحنا اليوم لهذا الملف هو استكمال لمقال الأمس عن القدس ، والذي أردناه جرسا يدق وعي الشرفاء ، بأننا مع مشهد الصلف الصهيوني الى زوال مالم نغير فلسفتنا ، وتحركنا ، ومنهجنا في حياة السياسة الذي لهث وراء سراب المؤسسة التالفة وترك قارب وجودها يغرق .
في حديث الغرق يعجب البعض لقب عطوفته ، سماحته ، نيافته ، سيادته ، لكن الاهم غير ذلك سواء المعارض ،أ والموالي ، غزه أوالضفه ، داخل أوخارج الالتفات بوعي وطني إلى حجم المأساة التي يعيشها الوطن .
في خلاصة حديث اليوم في زاوية الأوراق الإسرائيلية : ما نحتاجه اليوم صنف قيادة فاعل وقادر لا باحث عن قوت يوم وراتب آخر الشهر وإلا سيكون نعي وجودنا اقرب من حبل الوريد .