مروة برهان
داعية إلى الإسلام و كاتبة/ الإسكندرية
لا إيمان لِمَنْ لم يرضَ حُكم الرسول
قالَ تعالى { و ما أرسلنا من رسولٍ إلا ليطاع بإذنِ اللهِ و لو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوكَ فاستغفروا اللهَ و استغفرَ لهم الرسول لوجدوا اللهَ تواباً رحيماً * فلا و رِّبكَ لا يؤمنون حتى يُحَكِّمُونكَ فيما شجرَ بينهم ثم لا يجدوا فى أَنْفُسِهِم حرجاً مما قضيتَ و يُسَلِّموا تسليماً }
{ و ما أرسلنا من رسولٍ إلا ليُطاع بإذنِ الله } أى فُرِضَتْ طاعته على من أرسله إليهم .. و فى الآيةِ دليل على عصمةِ الأنبياءِ عن المعاصى و الذنوبِ لأنها دلَّتْ على وجوبِ طاعتهِم مطلقاً , فلو أتَوا بمصيبةٍ لوجبَ علينا الإقتداء بهم فى تلك المعصية . فتصيرُ تلك المعصيةُ واجبة علينا . و كونها معصية يوجبُ كونها محرمة علينا .
كما تُرشِدُ الآيةُ الكريمةُ العصاة و المذنبين إذا وقعَ منهم الخطأ و العصيان أن يأتوا إلى الرسولِ صلى اللهُ عليه و سلم و يسألوه أن يستغفِرَ لهم فإنهم إذا فعلوا ذلك تابُ اللهُ عليهم و رحمهم و غفرَ لهم و لذا قالَ سبحانه { لوجدوا اللهَ تواباً رحيماً } و قوله تعالى { و استغفرَ لهمُ الرسول } فيه إجلال للرسولِ صلواتُ اللهِ عليه و سلامه أكثر مما لو قالَ " و استغفرتَ لهم " .
لقائل أن يقول : أليس لو استغفروا اللهَ و تابوا لكانت توبتهم مقبولة . فما الفائدة فى ضَمِّ استغفارِ الرسولِ إلى استغفارِهِم ؟
أن ذلكَ التحاكمُ إلى الطاغوتِ كان مخالفةٌ لِحُكْمِ اللهِ و كان أيضاً إساءة إلى الرسولِ عليه الصلاةِ و السلام . و مَن كان ذنبه كذلك وجبَ عليه الإعتذار عن ذلك الذنبُ لغيرِه , فلهذا المعنى وجبَ عليهم أن يطلبوا من الرسولِ عليه السلامِ أن يستغفِرَ لهم .
و قوله تعالى { فلا و ربِّكَ لا يؤمنون حتى يُحَكِّمُوكَ فيما شجرَ بينهم } هذا القولُ الكريمُ يدلُّ على مقدارِ منزلةِ الرسولِ عند ربِّهِ إذ يُقْسِمُ تعالى بنفسِهِ أنه لا يؤمن أحد حتى يُحَكِّمَ الرسول صلى اللهُ عليه و سلم فى جميعِ الأمورِ لأن حُكْمَهُ هو الحقُّ الذى يجبُ الإنقياد إليه ظاهراً و باطناً و لا ينبغى الخروج عليه و لا يترتب عليه أى حرج فى الحُكمِ به و صدقَ اللهُ إذ يقول { ثم لا يجدوا فى أنفُسِهِم حرجاً مما قضَيْتَ و يُسَلِّموا تسليماً } أى من غيرِ منازعة كما وردَ فى السُنةِ المطهرة " و الذى نفسى بيدِهِ لا يؤمن أحدكم حتى يكونَ هواه تَبَعاً لِما جئتَ به " .
إعلم أن قولَهُ تعالى { فلا و ربِّكَ لا يؤمنون } قسمٌ من اللهِ تعالى على أنهم لا يصيرون موصوفين بصفةِ الإيمانِ إلا عند حصولِ شرائط ثلاثة هى : -
الأول : قوله جل ذكره { حتى يُحَكِّمُونكَ فيما شجرَ بينهم } هذا يدلُّ على أن من لم يرضَ بحُكمِ الرسولِ لا يكون مؤمناً .
الثانى : قوله تعالى { ثم لا يجدوا فى أنفُسِهِم حرجاً مما قضَيْت } أى لا تضيق صدورهم من أقضيتِك .
ينبغى أن يُعلمَ بأن الراضى بحُكمِ الرسولِ صلى اللهُ عليه و سلم قد يكونُ راضياً به فى الظاهرِ دون القلبِ فبيَّنَ فى هذه الآية أنه لابد من حصول الرضا فى القلبِ بمعنى أن يحصلَ الجزم و اليقين فيه بأن الذى يحكُمُ به الرسول هو الحقُّ و الصدقُ و العدل .
الثالث : قوله تعالى { و يُسَلِّموا تسليماً } أى لابد من التسليمِ بهذا الحُكم كما حدثَ التصديق به فى القلبِ و لذا قالَ جل شأنه { ثم لا يجدوا فى أنفُسِهِم حرجاً مما قضَيتَ و يُسلِّموا تسليماً } .
مروة برهان
داعية إلى الله & كاتبة