في الذكرى الأولى لاغتيال العلاّمة محمد سعيد رمضان البوطي
معمر حبار
econo.pers@gmail.com
تمرّ هذه الأيام، الذكرى الأولى لاغتيال العلاّمة محمد سعيد رمضان البوطي، رحمة الله عليه. ولعلّ من تمام الأدب وكماله، أن يستحضر التلميذ الأيام التي جمعته مع صفحات وخطب ومقالات وحوارات شيخه، ويسترجع الابن لحظات قضاها مع والديه، ويحيي الصغير المحطات التي جعلته يكبر مع الكبير.
يُعرفُ المجتمع من خلال تعامله مع العلماء الذين قرأ عنهم وعايشهم. إن رفعهم المنزلة التي يستحقون، ولو خالفهم فيما سلكوه، فتلك من علامات القوة والبقاء. وإن واجههم بحرق كتبهم، ومنعهم من الظهور، وتسليط الألسنة عليهم بالسوء، ثم اغتالهم غدرا، فتلك الحالقة التي تحلق الدين والدنيا.
ليست من صلاحيات هذه الورقة، الخوض في من قتل العالم محمد سعيد رمضان البوطي. فستكشفه الأيام ولو طالت. وغير مستعد لينضم لهؤلاء ضد أولئك، أو يقف مع ذاك ضد هذا. فموت عالم أجل وأعظم من أن يكون عرضة للاتهامات.
المؤكد والذي لاريب فيه، أن قاتل البوطي لايعرف للعلماء قدرا، ولا للحبر منزلة، ولا للعلم والفقه مكانة. ويكفيه من الإثم والجرم، أنه لايعرف قدر الذي سفك دمه. ثم إن قاتله، لم يحترم شيبته، حين أجهز عليه، وهو في 84 من عمره.
تعلّم الجميع من وفاته، أن الكلمة أقوى من الحديد والنار، وأن البياض يزعج، والطهر يقلق. وحين لايستطيع الحاقد الحاسد المبغض، محو الأسطر، وتبديل الكلمة، وشراء صاحبها، وإخضاعه للتهديد، يلجئ لأحط وسيلة تعبّر عن حقيقته، ألا وهي سفك دمه، وإنهاء أيامه، ولو كان الشيخ العابد الزاهد، ضيفا على الرحمن ويتلو كتاب ربه وبين خلقه وعباده.
إن الشيخ البوطي، ساهم بشكل واضح في إنشاء مدرسة سورية مستقلة عن الأقطاب الإسلامية التي اشتهرت إعلاميا، وأنجبت عبر العقود علماء وفقهاء وكتب، أمسوا مدارس لأوطانهم، وأمثلة حية في التسامح الديني، وسعة الصدر مع المخالفين، وكف الأذى عن مايسيء. فتربى المجتمع على الصفاء والنقاء إلى أن داهمهم ليل التكفير، ولعبة قطع الأعناق، وإرث آكلة الأكباد.
إن الاستقلالية في التفكير التي تميّز بها البوطي، ومدرسته التي أنشأها وتعب في تكوينها، أزعجت كثيرا، الذين لايرضون للآخر أن يستقل عنهم في فهم النصوص، وشرحه للأحكام، وفقهه للسيرة، ومعرفته للواقع.
إن حب المرء لمحمد سعيد رمضان البوطي، وتأثره بما جاء في كتبه ودروسه، التي قرأها ، مذ كان طفلا في العاشرة من عمره، لاتجعله يوافقه في كل ماذهب إليه، وإن عدم الموافقه في بعض النقاط السياسية، تعتبر من تمام احترام الشيخ وتقديره.
حين يعود المرء لـ 30 سنة خلت، يجد أنه كتب أسطرا، لم يُكتب لها النشر لحد الآن، تتضمن انتقاده الشديد للعلامة محمد سعيد رمضان البوطي، رحمة الله عليه في مواقف سياسية اتّخذها بشأن الشورى. وكتب صاحب الأسطر يومها بالحرف الواحد..
"وأحيانا يكون الموقف السياسي في ثوبه الفكري يصعب معرفته إلا بعد القراءة المتأنية، و الفهم الجيد و المتعدد للسياسة. و كمثال على ذلك ما يذكره البوطي في كتابه "فقه السيرة" بأن الشورى ليست ملزمة، وكأن الحكام في الدول المتخلفة يتعصبون للشورى ويموتون دونها، ليأتي بعدها البوطي و يقول لهم لا ترهقوا أنفسكم فإن الشورى ليست ملزمة ..".
إن تعمّد استخراج مافي الصدر وتحت السطر، لعلامة على الأدب والاحترام. وتبيّن بوضوح أن العالم مهما كان يطاع ولا يعبد، وتبقى منزلته في الصدر مصونة مهابة.