جاءني منذ أيام فتيان آمنوا بالله .. وجوههم مستبشرة .. ولكن مآقيهم تملؤها الدموع .. وصدورهم تغلي كالمرجل غضباً .. وهماً .. وحزناً .. وعيونهم تخنقها العبرات .. ورؤوسهم قد لاح فيها الشيب .. وهم لا يزالون في ريعان الشباب !!!
قالوا : يا عماه أسمعت ماذا حصل في يبرود ؟؟؟
قلت : وقد خرجت من صدري زفرة حرى .. كادت تحرق حبال صوتي .. وقد تحشرجت الكلمات .. وكادت الدموع تطفر من عيوني ، لولا أني تمالكت نفسي .. كي لايظهر ضعفي أمام ، هؤلاء الفتية الطيبين!!
نعم سمعت .. وقرأت أن بعض الكتائب خالفت الأوامر المتفق عليها مع كتائب أخرى .. وتركت بعض المواقع الهامة .. وانسحبت بجنودها ومعداتها .. وجاءت القوات المعادية التابعة للأسد ولحزب اللات .. وسيطرت عليها .. وبعد ذلك كان ما كان ، من سقوط يبرود في أيدي الإحتلال الأسدي والشيعي !!!
وهذا يذكرنا بما حدث في غزوة أحد حينما ترك الرماة الجبل ، وخالفوا أوامر قائدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونزلوا إلى ساحة القتال .. بعد انتصار المسلمين الكاسح على المشركين .. لإقتناص الغنائم .. فاستغل المشركون ذلك ، وصعدوا إلى الجبل .. وأوقعوا بالمسلمين هزيمة ساحقة ، كان من نتيجتها .. استشهاد حمزة بن عبد المطلب ، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وكسر بعض أسنانه الأمامية العلوية ، نتيجة سقوطه في حفرة .. وشُج رأسه !!!
وكان العتاب الرباني مزلزلاً .. شديداً للمسلمين :
وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُۥٓ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِۦ ۖ حَتَّىٰٓ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَـٰزَعْتُمْ فِى ٱلْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّنۢ بَعْدِ مَآ أَرَىٰكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلْءَاخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴿١٥٢﴾ ۞ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُۥنَ عَلَىٰٓ أَحَدٍۢ وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِىٓ أُخْرَىٰكُمْ فَأَثَـٰبَكُمْ غَمًّۢا بِغَمٍّۢ لِّكَيْلَا تَحْزَنُوا۟ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَآ أَصَـٰبَكُمْ ۗ وَٱللَّهُ خَبِيرٌۢ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴿١٥٣﴾ آل عمران
قالوا لي : ماذا لو كان المجاهدون والمقاتلون في يبرود ، على قلب رجل واحد ، متكاتفين ، متعاونين ، مخلصين ، صادقين .. هل ستسقط يبرود ؟؟؟!!!
قلت لهم : وماذا لو صمد الرماة في غزوة أحد على الجبل .. والتزموا بأوامر قائدهم .. أما كان هذا أدى إلى هزيمة ساحقة .. ماحقة للمشركين .. ولما أدى إلى إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وجرح وجهه .. وكسر أسنانه ؟؟؟!!!
ولكن الله تعالى يريد التمحيص .. والفرز .. والإختبار .. والإمتحان ليظهر الصادق من الكاذب .. والصالح من الطالح ..
كما قال تعالى :
وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَيَمْحَقَ ٱلْكَـٰفِرِينَ آل عمران 141
وَلِيَبْتَلِىَ ٱللَّهُ مَا فِى صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِى قُلُوبِكُمْ ۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ آل عمران 154
هذه هي الحياة الدنيا التي أرادها الله .. لتكون معملاً للإختبار .. والإمتحان !!!
وقلت لهم : ماذا لو لم تتراكض الدنيا كلها ، لمساعدة النظام الأسدي .. وخاصة إيران وأتباعها ، وأذنابها من الحلف الشيعي .. وروسيا وسواها ... ألا سقط من الأيام الأولى للثورة ؟؟؟!!!
ولكن كيف سيظهر إن كان هؤلاء المجاهدون صادقين أم كاذبين ؟؟؟!!!
وكيف سيذهب أناس إلى الجنة .. وأناس إلى السعير .. إذا تحقق الإنتصار قي وقت قصير ؟؟؟!!!
وقالوا : كيف لو أن الشعب السوري كله ، بجميع فئاته ، وطوائفه ، وطبقاته ، شاركوا في الثورة بشكل فعال .. وجاد من الأيام الأولى ؟؟؟!!!
أليس هذا يعمل على سقوط النظام بشكل سريع جداَ ؟؟؟!!!
وقالوا : كيف لو أن بعض الدول التي تزعم أنها صديقة للثورة السورية .. أمدت الثوار بأسلحة نوعية .. ذات كفاءة على الأقل جيدة ؟؟؟!!!
أليس هذا كان يقلل من عدد القتلى من المدنيين .. ويقلل الخراب والدمار ، الذي أصاب كل سورية .. وعمل على تسريع إنهيار النظام .. وانتصار الثورة ؟؟؟!!!
قلت لهم : ولكن كيف سيتعلم الثوار صنع أسلحة جديدة .. وكيف سيفكرون .. ويعملون على إغتنام الأسلحة من النظام .. لتقليل عددها لديه .. إذا جاءتهم الأسلحة بلا جهد .. ولا تعب ؟؟؟!!!
وكيف سيهىء الله تعالى .. وينشىء جيلاً قوياً .. مقداماً .. شجاعاً يتحمل الصعاب ببسالة .. ويجابه الأعداء بقوة الإعصار المزمجر .. المدمر .. لو أن كل شيء جاءه ، بدون تعب .. ولا نصب ؟؟؟!!!
وقلت لهم : وماذا لو أن جيل الصحابة ، أنزل الله عليهم النصر ، وهم في بيوتهم .. أو ببذل جهد بسيط .. ولم يتعرضوا إلى الأذى والضرر .. والجوع والحر والبرد .. والحصار والخوف .. ولم يكابدوا الجراح والقتل ..هل كانوا استطاعوا أن يفتحوا الدنيا .. وينشروا الإسلام بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟؟؟!!!
إني ألمح – يا أولادي الطيبين – أن حكمة ربانية .. غاية في السمو والعلو .. تعمل على تحضير جيل شديد البنيان .. صعب المراس .. قوي الشكيمة .. ليعمل على إعادة نشر الإسلام من جديد في ربوع بلاد الشام .. والعراق .. وفارس .. ومصر .. والجزيرة العربية .. والمغرب العربي !!!
هذا ليس وهم .. ولا خيال .. ولا حلم .. ولا أمنية !!!
بل هو الحقيقة .. كل الحقيقة !!!
إن الله تعالى ُيعد لهذه الأمة المسلمة .. جيلاً عظيما .. ربانياً .. ليعيد أمجادها المفقودة ، منذ أكثر من قرن !!!
وقد يطول هذا الإعداد .. والتحضير .. وقد لا نشهده في جيلنا ، الذي أوشك على الزوال .. ولكن بالتأكيد .. وبإذن الله تعالى سيشهده جيلكم .. الذي فجر هذه الثورة العظيمة !!!
الأحد 20 جمادى الآخرة 1435
20 نيسان 2014
د/ موفق مصطفى السباعي