متى كانت الدول العربية عدواً لإسرائيل؟!
الأحد, 20 أبريل, 2014, 12:39
أطلس للدراسات
أقوال الساسة الاسرائيليين عن انتقال علاقة الدول العربية مع اسرائيل من مرحلة العداء الى مرحلة الشراكة؛ لم تفاجئ فلسطينياً ولم تذع سراً، فالفلسطينيين يعرفون أكثر من غيرهم حقيقة الموقف العربي الرسمي من إسرائيل، رغم القناع السميك الذي اجتهدوا في الماضي للاختباء خلفة، ويبدو أنهم لم يعودوا بحاجة له اليوم، وهو ما يشجع نتنياهو لحثهم على نزع قناعهم واخراج علاقتهم للعلن.
لا حاجة بالتأكيد لقارئنا الكريم لاستعراض المواقف العربية من القضية الفلسطينية أو التذكير بها، سواء على مستوى الهرولة والتطبيع أو التضييق وإذلال الفلسطينيين أو الضغوط السياسية والحصار والتقاعس عن واجباتهم تجاه القدس والصمت المتواطئ على تهويدها والتخلي عن الفلسطينيين وتركهم يواجهون مصيرهم منفردين، بل والضغط عليهم وتشجيعهم على التعاطي الايجابي مع مبادرات تتنكر لأبسط حقوقهم.
إن ما قاله نتنياهو عن أقوال العرب في الغرف المغلقة أنهم لا ينظرون الى اسرائيل كعدو، وما قاله ليبرمان عن زياراته لدول عربية عديدة وتوقعه بإقامة علاقات رسمية خلال الخمس سنوات القادمة، وما قالته ليفني عن زياراتها للدول العربية إحدى عشرة مرة خلال خمسين يوماً وعن استجابتهم لحصار السلطة وعدم تحويل أموال الدعم المخصصة للقدس؛ هذه الأقوال الهامة جاءت على لسان قادة اسرائيل بوتيرة متقاربة (خلال شهر) وفي سياق وتوقيت معين، تستهدف تحقيق هدفين؛ الأول عبارة عن كلام حق يراد به باطل، وهي رسالة موجهة للشعب الفلسطيني وقيادته للتهديد والتيئيس والإحباط أن لا تراهنوا على العرب، فالعرب سيتخلون عنكم.
أما الهدف الثاني فهو مجموعة من الرسائل للعرب وللداخل الاسرائيلي وللرأي العام الدولي، فإسرائيل تريد أن تحرج العرب للضغط عليهم لإخراج علاقتهم للعلن أو على الأقل حث هذه المسيرة، وللداخل الاسرائيلي بث رسالة طمأنة ودعاية لحكومة اليمين التي استطاعت رغم تشددها السياسي أن تحدث اختراقات كبيرة على الساحة العربية، وللرأي العام الدولي لا تصدقوا التصريحات الرسمية للعرب، والقضية الفلسطينية ليست المشكلة الرئيسية للشرق الأوسط وللعرب، والعرب وإسرائيل على نفس جهة المتراس في مقابل الخطر الإيراني والجهادي الأكبر الذي يهدد كل شعوب المنطقة.
ولكن متى كانت الدول العربية حقاً عدواً لإسرائيل؟ ولا نشمل هنا العداء الشعبي والصراع القومي والثقافي والديني والأخلاقي للشعوب العربية وتوقها لتحرير فلسطين، من نهرها لبحرها، بل نتحدث عن النظم المستبدة التي حكمت ولا زالت تحكم العرب وتحرف كفاحهم وتفسد ثقافتهم وتقتل روحهم وتنشر العدمية والارهاب وثقافة التغريب والقطرية وتعزز نزعة الاستهلاك وتشوه تاريخهم وتقضي على خياراتهم، تلك النظم جميعها، سواء الجمهورية منها أو الاميرية أو الملكية، لم تكن يوماً في حالة صراع فعلي وحقيقي مع إسرائيل، ربما باستثناء جمهورية عبد الناصر.
كانت حرب أكتوبر 73 آخر حروب العرب مع إسرائيل التي انتهت إلى حرب تحريكية أفضت لتوقيع أول اتفاقية سلام مع إسرائيل، وأنهت معها خيار الحرب عملياً مع احتفاظ الدكتاتوريات بهذا الخيار كضريبة كلامية، وأحيانا للمناورة السياسية، وفي أغلبه كوسيلة لقهر شعوبها وتعزيز استبدادها.
وجاء الربيع العربي ومخرجاته، وقبله الحرب على العراق، ليقضي على البقيه الباقية من خطاب العداء، ويبقي الجيش الاسرائيلي بلا جبهات كلاسيكية وجيوش تقليدية يتدرب لمواجهتها ويعظم قدراته النوعية والعددية للتفوق عليها، وهذا ما فرض عليهم إجراء تغييرات عميقة وثورية على بنى الجيش وتشكيلاته الداخلية والخارجية وعلى طبيعة مهماته وأساليب قتاله، يقول عن ذلك أحد جنرالات الأركان سابقاً: "إن الجيش الإسرائيلي قام في السنوات الثلاث الأخيرة بأكبر وأوسع ثورة تغيير في تاريخه، حيث أصبح كل جنرال في هيئة الأركان لا يقوم بما كان يقوم به قبل ثلاث سنوات"، ويكمل: "الجيوش التي كانت تشكل تهديداً تفككت أو أصبحت غير ذات صلة ومستنزفة ومشغولة في حروبها الداخلية، أما الجبهة الشرقية التي كانت الأكثر تهديداً التي شملت الفرق العراقية والسورية فلم تعد موجودة، الربيع العربي غير وجه الشرق الأوسط".
لا زالت اسرائيل تكرر القراءة الخاطئة للحركة الصهيونية التي رافقت نشأتها، سواء بحكم طبيعتها القائمة على القوة والتآمر والعنصرية والاستعلاء والاحلال والتحالف مع القوى الاستعمارية سابقاً، والامبريالية حالياً، فبحكم طبيعتها تلك لم تر الشعب الفلسطيني ولا الشعوب العربية ولم تحسب لها أي حساب، وقامت حساباتها على أرقام القوة الصرفة، عدد الفرق العسكرية وأسراب الطائرات ونوعية التسليح وقدرات التدريب، وتجاهلت إرادة الشعوب وتمسكها بحقوقها وأهدافها وحريتها وقدرتها على التضحية وعظمة روحها التي لا تعرف الاستسلام رغم كل الهزائم العسكرية ولا تؤثر في إرادتها كثافة النيران واختلال موازين القوى.
كان كفاح الشعب الفلسطيني قبل ربيع العرب بكثير عندما كانت الرجعيات العربية تخنق وتحاصر كل صوت عربي حر، وخاض الفلسطينيون أكبر ملاحم البطولة والمقاومة قبل زمن الفضائيات عندما قاتلوا وحدهم مع أحرار العرب، وقاموا بانتفاضتهم الأولى ولم يراهنوا على زعامات العرب، وتمرد عرفات على سيد البيت الأبيض دون أن يلتفت لـ "نصائح" حكام العرب، كنا قبل الربيع وسنظل بعده، وكانت إسرائيل تواجه تحديات الإرادة الحرة للعرب والفلسطينيين، وليس جحافل المدرعات العربية قبل الربيع وستزداد هذه التحديات قوة بعد الربيع، فالربيع غيب دولاً وجيوشاً كرتونية لم تكن ذات صلة بحقيقة الصراع مع إسرائيل.