.لقد سبق لي أن توجهت للسيد وزير التعليم العالي التونسي برسالة مفتوحة عبر عدد من وسائل الإعلام التونسية والعربية المقروءة وتناقلتها بعض وسائل الإعلام السمعية والبصرية أطالب فيها أن يفتح تحقيقا إداريا ضد من عطل مناقشتي لأطروحة دكتوراه مودعة منذ 2010 للنقاش بالمعهد العالي للفنون الجميلة بتونس . كما كانت لي مقالات وحوارات لنفس الغرض وصلت إلى حد مطالبتي رئاستي الحكومة والجمهورية التدخل وفرض تطبيق القانون لفض هذا الإشكال الذي أوصلته مكرها إلى القضاء الإداري .وتزامنا مع وصول الوزير الجديد للتعليم العالي للحكم ورغبة مني في إظهار حسن النية وربحا للوقت حاولت مع الخصوم “وزير التعليم العالي – رئيس جامعة تونس – مدير المعهد العالي للفنون الجميلة بتونس – رئيس لجنة الدكتورا ه– وأستاذان مقرران للأطروحة-”
التصالح إلاّ أنهم أصروا على هذا التقاضي رغبة منهم في مزيد تعطيل ملفي تشفيا مني وعقابا لي عن شجاعتي في المطالبة بحقوقي العلمية والمهنية .وهذا الاصرار يخفي أيضا عقلية تأديبية تتجاوز شخصي المعنوي والعلمي إلى غيري من زملائي لقمع كل محاولات الاحتجاج الممكنة لنفس الغرض.
ولكن بالرغم من تحركاتي النقابية والإعلامية والإدارية فلا أحد من المسؤولين في هذه الدولة رد على احتجاجاتي فكأني أخاطب نفسي أو كأـني أروي المظالم لتسلية الاخرين أو كأن لا ثورة قامت في البلد ولا كرامة ولا حرية ولا حقوق نرتجيها نحن” اليتامى ” بلا “بارونات” بلا “مافيا”.
هكذا نحن الذين نؤمن بقيمة الحق بالفكرة بالمبادئ قدرنا الصراع والمعاناة انتظارا لحركة التاريخ التي نراها قادرة على تعرية المستور وكشف ما ظنه البعض خافيا على كل عين لا تطاله الأيدي ولا تنال منه الإرادات .لقد توهم أصحاب الحل والعقد في المعهد العالي للفنون الجميلة بتونس أن بإمكانهم التصرف بلا رقابة في هذا المعهد العمومي فأطلقوا سلطاتهم المعرفية لتصفية الخصوم ووظفوا الإدارة للاستقواء بها على الباحثين الشرفاء و أغلقوا أبواب الحوار مع الطلبة ومع الأساتذة المخالفين لهم و المعارضين لسياستهم في التسيير . لقد اتخذوا من رتبهم العلمية مجال استهزاء بزملائهم الباحثين وقد بلغت وقاحة أحدهم حد التعجب من نجاح أحد الباحثين في مناظرة الانتداب الوطنية متناسيا أنه جامعي مثله وأنه انتدب بلجنة وطنية وأنه مترسم .
فماذا ينتظر “الزملاء” الكرام من هذه العقلية التي تراكمت و تكرست داخل هذه المؤسسة غير رد فعل عنيف تجاه سياسة اعتبرها الكثير من أبنائها فضاء لتكريس المحسوبية والعرقية و الجهوية ومجازاة لذوي القربى ونشرا لقيم
الاستبداد المغيب للاختلاف بكل أبعاده ؟
وكما تبينه الصور المرافقة للمقال فإن الأمر تطور اليوم داخل هذا المعهد العالي إلى حد إقدام بعضهم بعمل إجرامي وظفت فيه مادة الزفت لتشويه طال اللوحات الرخامية الحاملة لإسم “الحبيب الشبيل ” وإسم” صفية فرحات” وكذلك وصل الأمر إلى التعدي عن التمثال الرمزي الذي يعود وجوده إلى زمن الاستعمار لحظة تأسيس المعهد و المنتصب قلب الساحة شاهدا على عمق وعظمة الفن في الذات والتاريخ.
هذا الفعل على ما فيه من عنف وإجرام وجهل فإنه يخفي تراكمات بحاجة للبحث والنقد والمراجعة من جهتي المؤسسة وسلطة الاشراف . هو عنف له وقائع تمثلت في غياب واضح لإدارة حريصة على منطق الانسجام والحوار والديمقراطية والشفافية بين مختلف مكونات وشرائح المؤسسة من جهة وفي غياب للدولة وأجهزتها الرقابية لهذه المؤسسة العمومية من جهة ثانية ..
إننا نلح على وزير التعليم العالي أن يفتح باب وزارته للمتظلمين من الجامعيين ويتحمل مسؤوليته القانونية والأخلاقية والتاريخية في ذلك .
كما نؤكد على ضرورة فتح تحقيق من النيابة العمومية لتحديد الجناة والاذن ببحث معمق لكشف أسباب هذا الفعل .
ولعلنا أيضا ندعو الشرفاء من أساتذة هذا المعهد العالي إلى ضرورة الدخول في حوار داخلي للمصارحة ولكشف المستور والمعلوم في نفس الوقت لتصحيح المسار.
إن التحقيق القضائي سيضع يده على الجناة وسيصل لبيان أسباب هذا الفعل.
ولكن الأهم هو أن نفهم لم وصل هؤلاء ” الخوارج ” لهذا الرد الفوضوي ؟
لم وصل بهم الحقد على نظم التعليم وأطر التدريس والتسيير بهذه المؤسسة لهذا
الحجم من الرد؟
لعلهم كفّروا الفن والفنانين وقاوموا أسس التجسيد ؟ أم لعلهم ثاروا على واقع يتجاوز المؤسسة و يفترض تدخل كل الأطراف لإعادة تأسيسه وصولا لجامعة ديمقراطية متصالحة المكونات يغيب فيها الفساد.؟
هؤلاء كانوا “خوارج” مثلي ولكن بخلاف …
ما ننشده أبدا هو أن تظل الجامعة مفتوحة في وجه مريدي المعرفة عصية على العنف و الاستبداد والفساد …جامعة مناضلة وفق الوسائل الحقوقية والسلمية …
نشر في Non classé, ثقافة وفنون, ثورات عربية, حقوق الإنسان
--
الناصر خشيني نابل تونس
Email Naceur.khechini@gmail.com
Site http://naceur56.maktoobblog.com/