مشروعية قيام الأحزاب في الإسلام ومشروعية العمل الحزبي:
أولا: قوله سبحانه وتعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
فقد أوجب الله عز وجلّ في هذه الآية على المسلمين إيجاد جماعة على الأقلّ يكون عملها الدعوة إلى الخير أي إلى الإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وللأمة في اللغة معان كثيرة منها الجماعة، والأصل فيها كما أفادته معاجم اللغة هو القصد، من قولهم:
أمّه يؤمّه أمّا إذا قصده. فالجماعة سميت أمة لاجتماعها على مقصد واحد. والمقصد الذي يجمع في هذه الآية هو الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأنّه العمل الذي حدّد للجماعة الواجب إيجادها.
• قال الشيخ محمد عبده: "ولا يفهم معنى هذا حق الفهم إلا بفهم معنى لفظ الأمة وليس معناه الجماعة كما قيل وإلا لما اختير هذا اللفظ، والصواب أن الأمة أخص من الجماعة. فهي الجماعة المؤلفة من أفراد لهم رابطة تضمهم، ووحدة يكونون بها كالأعضاء في بنية الشخص،
والمراد بكون المؤمنين كافة مخاطبين بتكوين هذه الأمة لهذا العمل هو أن يكون لكل فرد منهم إرادة وعمل في إيجادها وإسعادها ومراقبة سيرها بحسب الاستطاعة حتى إذا رأوا منها خطأ أو انحرافاً أرجعوها إلى الصواب".
• وقال الراغب الأصفهاني: "{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} أي جماعة يتخيرون العلم والعمل الصالح يكونون أسوة لغيرهم".
• وقال الشيخ الطاهر بن عاشور: "والآية أوجبت أن تقوم طائفة من المسلمين بالأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر...".
• وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان في قوله سبحانه وتعالى: {ولتكن منكم أمة} يقول: ليكن منكم قوم. يعني واحدا، أو اثنين، أو ثلاثة نفر فما فوق، ذلك أمة
يقول: إماما يقتدى به. يدعون إلى الخير قال: إلى الخير، قال: إلى الإسلام، ويأمرون بالمعروف بطاعة ربهم، وينهون عن المنكر عن معصية ربهم.
• وقال ابن كثير: "والمقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من هذه الأمة متصدية لهذا الشأن، وإن كان ذلك واجبا على كل فرد من الأمة بحسبه...".
• وقال ابن الجوزي: "ويجوز أن يكون أمر منهم فرقة لأن الدعاة ينبغي أن يكونوا علماء بما يدعون إليه...".
• وقال الثعالبي: "وقوله تعالى {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير} أمر الله سبحانه الأمة بأن يكون منها علماء يفعلون هذه الأفعال على وجوهها ويحفظون قوانينها ويكون سائر الأمة متبعين لأولئك إذ هذه الأفعال لا تكون إلا بعلم واسع وقد علم الله سبحانه أن الكل لا يكونون علما ء ف"من" هنا للتبعيض وهو تأويل الطبري وغيره...".
والحاصل فإن هذه الآية أوجبت وجود جماعة من المسلمين، وجعلت لها من أعمالها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ثانيا: قال ابن إسحاق: تحامل الوليدُ بن عُتبة على الحسين بن عليّ في مال له لسلطان الوليد: فإنه كان أميراً على المدينة فقال له الحسين: أحلِفُ بالله لتُنصفَنِّي من حقي أو لآخذنّ بسيفي ثم لأقومنّ في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلّم ثم لأدعونّ بحِلف الفضول. قال عبد الله بن الزبير: وأنا أحلف بالله لئن دعاني لآخذنّ بسيفي ثم لأقومنّ معه حتى ينتصف من حقه أو نموت جميعاً؛ وبلغت المِسْوَر بن مَخْرَمة فقال مثل ذلك؛ وبلغت عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التَّيْميّ فقال مثل ذلك؛ فلما بلغ ذلك الوليد أنصفه.
فهذا منكر حاكم رآى الصحابة أن العمل الذي يضمن منع الظلم عن الرعية يتم بتأسيس حزب يقوم بالتغيير على الحاكم حتى يحمله على تغيير المنكر أو يهلكون دون ذلك.
ثالثا: ورد في سنن البيهقي الكبرى:
أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاقَ و أبو بكر بن الحسن قالا ثنا أبو العباس أنا محمد أنا ابنُ وَهْبٍ أخبرني مَالِكُ بنُ أَنَسٍ عن زيد بنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ بنَ الخطابِ رضي الله عنه لمَّا افْتَتَحَ الشأْمَ قامَ إليهِ بلالٌ فقالَ: لَتَقْسِمَنَّهَا أَوَ لَنَتَضَارَبَنَّ عَلَيْهَا بالسيف، فقالَ عُمَرُ رضي الله عنه: لولا أَنِّي أَتْرُكُ يعني الناسَ بَبَّاناً لا شىءَ لَهُمْ، ما فَتَحْتُ قريةً إلاَّ قَسَمْتُهَا سُهماناً كَمَا قَسَمَ رسولُ الله خَيْبَرَ، ولكن اتْرُكُهَا لِمَنْ بَعْدَهُمْ جريةً يَقْسِمُونَهَا.
ورواه نافعٌ مولى ابنِ عُمَرَ قالَ: أصابَ الناسُ فتحاً بالشأْمِ فيهم بلالٌ، قالَ: وأظُنُّهُ ذَكَرَ معاذَ بنَ جبلٍ، فَكَتَبُوا إلى عُمَرَ بنَ الخطابِ رضي الله عنه في قِسْمَتِهِ كَمَا صَنَعَ رسولُ الله بِخَيْبَرَ، فأَبَى وَأَبَوْا، فَدَعَا عَلَيْهِمْ فقالَ: اللهمَّ اكْفِنِي بلالاً وأصحابَ بلالٍ.
وجاء في المغني على مختصر الخرقي لابن قدامة:
فروى أبو عبيد في الأموال أن عمر رضي الله عنه قدم الجابية فأراد قسمة الأرض بين المسلمين فقال لهمعاذ : والله إذاً ليكوننّ ما تكره إنك إن قسمتها اليوم صار الريع العظيم في أيدي القوم، ثم يبيدون فيصير ذلك إلى الرجل الواحد والمرأة، ثم يأتي بعدهم قوم أخر يسدون من الإسلام مسداً وهم لا يجدون شيئاً فانظر أمراً يسع أولهم وآخرهم، فصار عمر إلى قول معاذ، وروي أيضاً قال: قال الماجشون : قال بلال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في القرى التي افتتحوها عنوة: اقسمها بيننا وخذ خمسها، فقال عمر لا هذا عين المال ولكني أحبسه فيئاً يجري عليهم وعلى المسلمين، فقال بلال وأصحابه لعمر اقسمها بيننا، فقال عمر : اللهم اكفني بلالاً وذويه، قال فما حال الحول ومنهم عين تطرف.
وروي بإسناده عن سفيان بن وهب الخولاني قال: لما افتتح عمرو بن العاص مصر قام ابن الزبير فقال: يا عمرو بن العاص اقسمها، فقال عمرو: لا أقسمها فقال ابن الزبير: لتقسمنها كما قسم رسول الله خيبر، فقال عمرو: لا أقسمها حتى أكتب إلى أمير المؤمنين فكتب إلى عمر فكتب إليه عمر: أن دعها حتى يعروا منها حبل الحبلة. قال القاضي : ولم ينقل عن النبي ولا عن أحد من الصحابة أنه قسم أرضاً عنوة إلاَّ خيبر. انتهى
إذن: فعندما رآى بعض الصحابة من عمر رضي الله عنه ما ظنوه مخالفة للحكم الشرعي، أي عملا بغير ما رأوا رسول الله يعمل، حاسبوا سيدنا عمر رضي الله عنه، وكان يتزعمهم في هذه العملية سيدنا بلال رضي الله عنه،
رابعا: هشام بن حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزي بن قصي بن كلاب القرشي الأسدي وأمه زينب بنت العوام أخت الزبير بن العوام ويقال: أمه مليكة بنت مالك بن سعد من بني الحارث بن فهر ويقال: من بني فراس بن غنم له ولأبيه صحبة وكانا من مسلمة الفتح. روى عن: النبي صلى الله عليه وسلم.
روى عنه: جبير بن نفير وعروة بن الزبير وقتادة السلمي النصري والد عبد الرحمن بن قتادة. ذكره محمد بن سعد في الكبير في الطبقة الرابعة فيمن أسلم يوم فتح مكة قال وكان رجلاً صليباً مهيباً وذكره في الصغير في الطبقة الخامسة فيمن أسلم بعد فتح مكة.
وقال الزهري: كان يأمر بالمعروف في رجال معه وكان عمر بن الخطاب إذا بلغه الشيء يقول: أما ما عشت أنا وهشام بن حكيم فلا يكون هذا.
وقال عبد الله بن وهب عن مالك كان هشام بن حكيم كالسائح ما يتخذ أهلاً ولا ولداً وكان عمر بن الخطاب إذا سمع بشيء من الباطل يراد أن يفعل أو ذكر له يقول: "لا يفعل هذا ما بقيت أنا وهشام بن حكيم قال مالك: ودخل هشام بن حكيم على العامل بالشام في الشيء يريد الوالي أن يعمل به قال: فيتواعده ويقول له: لأكتبن إلى أمير المؤمنين بهذا فيقوم إليه العامل فيتشبث به قال: وسمعت مالكاً يقول في هشام بن حكيم والذين كانوا معه بالشام يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر قال: وكانوا يمشون في الأرض بالإصلاح والنصيحة يحتسبون.
وقال ابن البرقي: أمه بنت عامر بن ضبيعة من بني محارب بن فهر وكان بالشام يأمر بالمعروف ولد ثمانية عمر وعبد الملك وأمة الملك وسعيد وخالد والمغيرة وفليح وزينب له حديثان، وقال مصعب بن عبد الله الزبيري: كان له فضل مات قبل أبيه.
وقال الزبير بن بكار: صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان له فضل وكان ممن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ومات قبل أبيه.
وقال أبو نعيم الحافظ الأصبهاني: استشهد بأجنادين من أرض الشام. روى له مسلم وأبو داود والنسائي حديثاً واحداً وقد وقع لنا بعلو عنه.