الفرق بين تبني الحزب وتبني الخليفة:
أما مسألة التبني فإن تبني الحزب فيه يختلف عن تبني الخليفة،
فتبني الخليفة هو أمر وهو قرار، فعلى جميع المسلمين أن ينفذوا ما تبنى الخليفة سواء أوافق رأيهم أو خالفه
لأن طاعة الإمام فرض ولأن ما تبناه نافذ ظاهراً وباطناً،
فهو قرار ينفذ وإن خالف رأي المنفذ،
فتبني الخليفة للرأي ليس تبنياً للمسلمين،
ولا يطلب من المسلمين أن يتبنوه، بل هو أمر للمسلمين وقرار منه فيجب عليهم أن ينفذوه وإن خالف رأيهم، ولكن لا يتبنونه بل يتبنون الرأي الذي يريدون.
أما تبني الحزب فهو تبنٍّ لكل عضو من أعضائه،
فهو ليس قراراً من الحزب يطلب من شبابه أن ينفذوه ولو خالف رأيهم،
بل هو تبني للحزب فهو تبني لكل شاب من شبابه، فالمسألة فيه ليست قراراً يتخذ ولا أمراً يطلب تنفيذه بل هو رأي للحزب كله.
والحزب هو مجموع الشباب ومجموع الأجهزة،
وتعريف الحزب هو أنه تكتل يقوم على مبدأ آمن أفراده به يراد إيجاده في المجتمع،
فالتكتل هو تجمع أشخاص على فكرة،
فما يتبنى لهذا التكتل يتبنى لكل شخص من هؤلاء الأشخاص الذين تكتلوا على الفكرة
فلا يرد فيه موضوع ولو خالف رأيي
بل لا ترد فيه مسألة الموافقة والمخالفة مطلقاً،
لأن الرأي الذي جرى تبنيه للتكتل هو رأي لكل فرد موجود في التكتل،
ولذلك فإنه حين يجري تبنيه يبين وينشر بوصفه رأياً للتكتل كله أي بوصفه رأياً لكل شخص موجود في التكتل،
ولكل شخص من أفراد التكتل أن يناقش فيه وفي صحته وقوة دليله وانطباقه على الواقع وأن يواصل المناقشة باعتباره رأيه لأن رأي الحزب هو رأيه.
فإذا أدرك وجه التبني وقوة الدليل كان رأيه،
وكذلك إذا لم يدرك وجه التبني وقوة الدليل كان رأيه أيضا،
وعليه ترك رأيه واتخاذ هذا الرأي رأياً له،
وترك المجتهد رأيه وأخذ رأي غيره مسألة بديهية عند المسلمين بل عند أجلاء الصحابة،
فعمر قد ترك رأيه لرأي علي، وأبو بكر ترك رأيه لرأي علي، وعثمان ترك رأيه لرأي عمر وهكذا كثير.
فليترك رأيه وليجعل رأي الحزب رأيه، فإنه بعد تبنيه صار رأي الحزب فصار رأيه بديهياً وطبيعياً ولا كلام.
وهذا هو الفرق بين تبني الحزب للأفكار وبين اتخاذ قراراته،
فالأفكار حين تبناها الحزب صارت رأياً لكل عضو في الحزب بشكل بديهي وطبيعي،
أما القرارات فهي ليس متبناة بل هي أوامر للتنفيذ فهي لا تتبنى وإنما تنفذ ولو خالفت رأي المنفذ لأنه لم يجر فيها تبني وإنما صدر الأمر بها.
وكذلك هذا هو الفرق بين تبني الخليفة وتبني الحزب،
فتبني الخليفة لا يلزم المسلمين بأن يتبنوا ما تبناه وإنما يلزمهم بتنفيذ ما تبناه باعتباره أمراً من أوامره التي أصدرها،
بخلاف ما تبناه الحزب
فإنه لا يرد فيه موضوع التنفيذ وعدم التنفيذ فهو مفهوم من المفاهيم قد يمر العمر كله ولا ينفذه أحد ولكنه متبنى.
فكل فكر يتبناه الحزب يكون فكراً متبنى من كل عضو من أعضائه.
ولهذا كان من الخطأ الفاحش بل من الجهل أن يقول حزبي هذا رأي الحزب أقوله أما رأيي أنا فليس كذلك،
فإنه لا يوجد لحزبي رأي غير رأي الحزب،
لأنه هو الحزب
باعتبار الحزب كُلّاً فكرياً شعورياً،
وهو جزء من الحزب،
باعتبار الحزب تكتل أفراد على فكرة،
فالرأي رأيه ورأي كل حزبي.
وحتى لو أن الحزبي مجتهد مطلق و تبنى الحزب رأياً خلاف رأي هذا المجتهد المطلق فإن عليه أن يترك رأيه فوراً
لأنه بمجرد تبني الحزب رأياً صار هذا الرأي الذي تبناه الحزب هو رأيه لا الرأي الذي استنبطه،
وإذا لم يترك رأيه فعليه أن يترك الحزب فوراً لأنه خرج عن جزئية الحزب ولو بمفهوم واحد إذ خرج عن معنى التبني من حيث هو.
فلا يوجد للحزبي رأي وللحزب رأي آخر، بل رأي الحزب هو رأي الحزبي ولا رأي له غيره ولا بوجه من الوجوه.
فالشاب حين دخل الحزب اطلع على عقيدته وعرف بعض ثقافته وبعض أفكاره المتبناة فرضي بها وسلم بها والتزمها سواء أكان ذلك عن قناعة تفصيلية أم عن قناعة إجمالية في الحزب ككل،
فبعد دخوله في الحزب تبنى طبيعياً وآلياً كل ما تبنى الحزب من آراء قبل دخوله سواء عرفها أو لم يعرفها، وتبنى كل رأي سيتبناه الحزب في المستقبل.
فالمسألة إذن ليست القناعة بكل رأي ولا القناعة بآراء معينة، بل القناعة بالكل بكل ما يحدث فيه من تفصيلات،
فلا يصح أن تبحث على الصعيد الفردي بالقناعة بالرأي كما هي حال الفرد في الرأي الذي يريد أن يتبناه هو بل تبحث على صعيد كتلة تتبنى،
فيدخل فيها بالكل قابلاً وملتزماً بكل التفصيلات السابقة واللاحقة.
فالقضية ليست قضية تقليد ولا قضية اتباع ولا قضية اجتهاد حتى يبحث فيها أخذ الرأي وتبنيه على صعيد القناعة وعدم القناعة، أو على صعيد قوة الدليل وضعف الدليل،
بل القضية كتلة يدخل فيها بشرط أن يتبنى ما تتبناه فإن قبل الشرط التزم، وإن رفضه لا يدخل الحزب.
إلا أنه إذا تبنى الخليفة ـ أي رئيس الدولة الإسلامية ـ أي رأي، كان الرأي الذي تبناه الخليفة هو وحده القانون،
ووجب على جميع الرعية حينئذ ترك العمل بآرائهم لا ترك آرائهم.
فيجب عليهم شرعاً أن يعملوا بالقانون أي بالرأي الذي تبناه الخليفة، وأن يخضعوا له وحده، ولكنهم لا يمنعون من تعليم آرائهم والدعوة إلى الإسلام بها.
ويطلق للناس التفكير في الإسلام على الأساس الذي قام عليه وهو العقيدة الإسلامية،