حق الزوجة ... كثيرا ما نتحدث عن حق الزوج .. وننس أو نتناسي حق الزوجة ، فمن منا يعطي الزوجة حقها ؟؟ !!
قال تعالى :
﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً﴾
عن عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ أَنَّهُ شَهِدَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَذَكَّرَ، وَوَعَظَ، فَقَالَ:
(( أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ ـ العوان: جمع عانية أي ضعيفة، المرأة في الأصل ضعيفة ـ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ، إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ، وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا... ))
ما دامت هذه الزوجة لم تقترِف الفاحشة، وهي تحفظ نفسها، وتُطيع زوجها، وتُصلّي خمسها، و صوم شهرها، هذه زوجةٌ يجب أن ترعى حقوقها.
قال بعضهم: إنَّ المرأة التي تحبس نفسها على راحة زوجها حتى تكون لديه كالأسير، خروجها بإذنه، كلُّ علاقاتها منضبطة بموافقته، إذًا: هي كالأسيرة، مُقابل أنها أسيرةٌ عنده ينبغي أن يغمرها بالعطف والمودّة، والُّلطف والإحسان، ما دامت عندك أسيرة فيجب أن تعاملها معاملةً تُنسيها أنها أسيرة.
معنى المعاشرة بالمعروف
هذا من معاني:
المعنى الأول:
من هذه التفسيرات: العفو والمُسامحة، هناك زوجٌ لا يعفو، استُرضيَ ولم يرضَ، اعتذَرَتْ له، توسَّلتْ إليه، رَجَتْهُ، هو حقود، إن كنتَ حقوداً، إن لم تُسامح، إن لم تعف، فأنت عاصٍ لله عزَّ و جلّ في نصِّ هذه الآية.
المعنى الثاني:
من معاني:
﴿وَ عَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ ﴾
نسيان الهفوات، وترك تتبّع العثرات، هذا من معاني:
المعنى الثالث:
من معاني:
﴿ وَ عَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ ﴾
العقوبة على قدرِ الذنب تماماً، تأديباً لا انتقاماً.
المعنى الرابع:
لكن أجمل تفسير لهذه الآية: ليست المُعاشرة بالمعروف كفُّ الأذى عنها، بل احتمال الأذى منها، لذلك تروي القصص أن رجلاً عنده زوجة سيئة جداً، فقيل له: طلِّقها يا أخي، قال: والله لا أُطلِّقها فأغُشَّ بها المسلمين، قد أُطلِّقها، ويأتي إنسان يتزوَّجها، إن فعلت هذا غششتُ بها المسلمين، فصبرُ الزوجة على زوجها أو صبر الزوج على زوجته بابٌ من أبواب الجنّة، هذه الدُّنيا دار ابتلاء لا دار استواء، منزِلُ تَرَحٍ لا منزل فرح، من عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عُقبى، فجعل بلاء الدُّنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدُّنيا عِوَضاً، فيأخُذُ ليُعطي، ويبتلي ليجزي.
إذاً: ليست المعاشرة بالمعروف كفَّ الأذى عنها، بل احتمال الأذى منها، والحِلم عند طيشها وغضبها، في بعض الأيام يختلُّ توازن الزوجة، فتتكلَّم بكلامٍ منه ما يُسمَع، ومنه ما لا يُسمَع.
النبي عليه الصلاة والسلام هو المثل الأعلى، فعَنْ أَنَسٍ قَالَ:
(( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتْ الَّتِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهَا يَدَ الْخَادِمِ، فَسَقَطَتْ الصَّحْفَةُ، فَانْفَلَقَتْ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ، وَيَقُولُ: غَارَتْ أُمُّكُمْ، ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ ))
هو قدوتُنا، لا تصدِّق أن إنساناً لا يوجد بينه وبين زوجته بعض المشكلات، هذه سُنَّة الله في الخلق، ليمتحِن عفوك وحِلمك، وحكمتك وصبرك، واتّزانك وضبط نفسك، النبي عليه الصلاة والسلام كان قدوةً لنا، فكان يقف موقِف الحليم الرحيم من زوجاته، لا تُصدِّق أن النبي الكريم عنده زوجات لم يسمع منهن كلمة، بل كانت زوجاته يُراجِعنه الكلام، ويهجُرنَهُ إلى الليل أحياناً، وكان يحلُم عليهم، هكذا ورد في السيرة.
وكان النبي عليه الصلاة والسلام ينزل إلى مستوى زوجاته، إلى مستوى عقولهنَّ، و قد ذكرت لكم من قبل كيف أن النبي عليه الصلاة والسلام تسابق مع زوجته عائشة فسبقته لأنها شابّة، بعد سنوات تسابق معها فسبقها فقال: هذه بتلك، تعادُل، هذه بتلك.
النبي عليه الصلاة و السلام إذا دخل بيته بسَّاماً ضحّاكاً، فإذا كنت مرحاً، وكنت لطيفاً، وكنت ليّن العريكة مبتسماً، والله هذا شيء جميل، هذه أخلاق النبي عليه الصلاة والسلام.
المعنى الخامس:
من حُسن المُعاشرة التي أمر الله بها أن تنظر إلى مزاياها إذا نظرت إلى مساوئها، لا يوجد إنسان كامل، وهناك أزواج يركِّزون على المساوئ فقط، بعض العيوب في شكلها، بعض العيوب في أخلاقها، في طباعها، لكنها حَصَان، عفيفة، شريفة، نظيفة، مِطواعة، يتجاهل ميِّزاتها، ويُبرز أخطاءها، ليس هذا من حُسن المُعاشرة.
المعنى السادس:
من حُسن المُعاشرة إذا نظرتَ إلى عيوبها، أو إلى بعض عيوبها، انظر إلى مزاياها أيضاً، هذا هو العدل والإنصاف، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ ))
قال تعالى:
﴿ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ﴾
قد لا يُعجبك شكلها، لكن قد تُنجب لك أولاد أذكياء، موفَّقين، قد تكون الزوجة طيِّعة، قد تكون صبورة، قد تكون متواضعة، طلباتها معقولة، لو أنَّك تزوَّجتها كما تريد لأتعبتْك تعباً لا حدود له، فالله عزَّ و جلّ هو الحكيم، هو اختارها لك، اختياره، ألا ترضى باختياره ؟.
المعنى السابع:
من حُسن مُعاشرة الزوجة - هذه كُلُّها معاني حُسن المُعاشرة - أن لا تُسيء الظنَّ بها، هناك أزواج عندهم سوء ظنّ، طبعاً سوء الظنِّ ضروري و غير ضروري، ضروري إذا شككت بشيء، إنسان نبَّهك: انتبه، في منزلك حركة غير طبيعية، لا أنا حَسَن الظنِّ بزوجتي، فأنت إذا أجدب، إذا كان هناك ملاحظات، دلائل، ريب، فيجب أن تُسيء الظنّ و أن تبحث، لكن عندما لا يوجد أي دليل على وجود خطأ، ولا يوجد لفت نظر، عندها نهانا النبي عليه الصلاة والسلام عن أن لا نُسيء الظنّ بالزوجة، لأنّ إساءة الظنِّ بالزوجة يُحطِّمها، يُفقدها معنويَّاتها، فنهى النبي عليه الصلاة والسلام عن سوء الظنِّ بها، وأن يتَّبَّع زوجها عوراتها.
النبي كان إذا قَدِمَ من سفر أعلم أهله قبل أن يدخُل البيت، هكذا علَّمنا النبي عليه الصلاة والسلام، الآن هناك هاتف، أخبرهم من المطار أنك وصلت، أمّا المُداهمة، والمُفاجأة فتعني أنَّك تشُكُّ بها، لذلك ورد في الحديث عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
(( نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَطْرُقَ أَهْلَهُ لَيْلًا ))
[ البخاري ]
أن يطرُق أهله ليلاً يتخوَّنهم - كأنّه يتخوَّنهم - أو يطلب عثراتهم، لأن هذا يوَفِّر الأمن للزوجة والسلام، ويوَفِّر لها كرامتها ومودَّتها معك.
كلُّ هذه المعاني مُستنبطة من آيةٍ واحدة:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
﴿ وَ عَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ ﴾
ربَّما كان هذا الحقّ أبلغ من حقِّ الطعام والشراب، لا يوجد بيت ليس فيه طعام وشراب، والزوجة تأكل طعاماً خشناً، ولا تحتمل أن تُسيء الظنَّ بها، تأكل طعاماً خشناً، ولا تحتمل أن تكون قاسياً معها، تأكل أخشن الطعام، ولا تحتمل أن تهجرها، لذلك حُسنُ العُشرة مع الزوجة ربّما كان مُقدَّماً على واجب الطعام و الشراب.
و هناك حقوق كثيرة للزوجة، لأنه كما قُلت في بداية الدرس: الأزواج يطرَبون طرباً لا حدود له لحقوق الزوج على زوجاتهم، يقول لك اللهم صلَّ عليه... هكذا قال...هكذا قال... اصبر، هناك أحاديث أخرى، كما أن لك عليها حقّ، لها عليك حقّ، والإنسان إذا عرف ما له و ما عليه و أعطى كلّ ذي حقٍّ حقَّه، ساد السلام في البيت.
بقي علينا نماذج من مواقف النبي عليه الصلاة والسلام، الآن ننتقل إلى السيرة المتعلِّقة بهذا الموضوع.
نماذج نبوية في معاملة الزوجة
الحديث الأول:
عَن عَائِشَةَ قَالَتْ:
(( لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا عَلَى بَابِ حُجْرَتِي، وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ بِحِرَابِهِمْ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ أَنْظُرُ إِلَى لَعِبِهِمْ ))
[ متفق عليه ]
تطييباً لخاطرها.
الحديث الثاني:
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:
(( كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ ـ يعني بالدُمى ـ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ مِنْهُ، فَيُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي ))
[ متفق عليه ]
هناك من يتزوَّج بنتاً صغيرة، فتقول له: أريد لعبة، فيسُبُّها، اجلب لها لعبة، وحُلَّ المشكلة، فالسيدة عائشة تقول:
(( كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ ـ أي بلعب الأطفال ـ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ مِنْهُ، فَيُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي ))
فالنبي يسمح لهُنَّ فيلعبنَ معي، بموافقته، هذا تطييبٌ لخاطرها، فإذا كانت زوجتك صغيرة، وطلبت منك شوكولا مثلاً فلماذا الانزعاج ؟ حنَّت إلى طفولتها، هكذا فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُريدها في سنٍ صغيرة و عقلٍ كبير.
الحديث الثالث:
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( إِنِّي لَأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى، قَالَتْ: فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ: أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً فَإِنَّكِ تَقُولِينَ: لَا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى قُلْتِ: لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ، قَالَتْ: قُلْتُ: أَجَلْ ـ أي هذا الأمر صحيحٌ ـ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ ))
[ متفق عليه ]
الحديث الرابع:
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إِلَى النِّسَاءِ، تَعْنِي فِي مَرَضِهِ فَاجْتَمَعْنَ فَقَالَ:
(( إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَدُورَ بَيْنَكُنَّ، فَإِنْ رَأَيْتُنَّ أَنْ تَأْذَنَّ لِي فَأَكُونَ عِنْدَ عَائِشَةَ فَعَلْتُنَّ، فَأَذِنَّ لَهُ ))
[ أبو داود ]
انظر إلى الأدب، ما رضي أن يبقى عند عائشة إلا بعد أن جمع نساءه كُلَّهُنّ، واستأذنهُنَّ في ذلك، لأنها لها حقّ.
الحديث الخامس:
كن بساما في منزلك
عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي الْبَيْتِ ؟ قَالَتْ:
(( كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ، فَإِذَا سَمِعَ الْأَذَانَ خَرَجَ ))
[ البخاري ]
كان إذا فَرَغَ كان في خِدمة أهله - أي يُساعدهم في أعمال البيت - من دون أن يشعُر أنه مُهان، كان في مَهنة أهله، فكان يحلِبُ شاته، ويكنُسُ أرضه، ويخصِف نعله، وكان في مَهنة أهله.
الحديث السادس:
فعَنْ أَنَسٍ قَالَ:
(( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتْ الَّتِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهَا يَدَ الْخَادِمِ، فَسَقَطَتْ الصَّحْفَةُ، فَانْفَلَقَتْ ـ أي انكسرت ـ فَجَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ، وَيَقُولُ: غَارَتْ أُمُّكُمْ، ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ ))
[ البخاري ]
كان عادلاً، تلك أرسلت صحناً جديداً فكُسر، فأرسل لها صحناً بدلاً عنه.
كان عليه الصلاة والسلام لا يسمح لزوجةٍ من أمّهات المؤمنين بأن تقول عن الأخرى من زوجاته كلمة نقص في مجلسه، لا يسمح أبداً، هناك شخص يسمح لزوجته الأولى أن تتكلّم عن الثانية، يقول لها: والله معك حقّ، ثُمَّ يذهب مساءً إلى البيت الثاني فتتكلم زوجته الثانية عن الأولى، فيُصغي لها، النبي عليه الصلاة والسلام لا يسمح لزوجةٍ من أمّهات المؤمنين بأن تقول عن الأخرى من زوجاته كلمة نقص في مجلسه،
الحديث السابع:
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: حَكَيْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا فَقَالَ:
(( مَا يَسُرُّنِي أَنِّي حَكَيْتُ رَجُلًا، وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ صَفِيَّةَ امْرَأَةٌ، وَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا، كَأَنَّهَا تَعْنِي قَصِيرَةً، فَقَالَ: لَقَدْ مَزَجْتِ بِكَلِمَةٍ لَوْ مَزَجْتِ بِهَا مَاءَ الْبَحْرِ لَمُزِجَ ))
[ الترمذي ]
الحديث الثامن:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ ))
[ البخاري ]
الحديث التاسع:
وفي رواية عن سَمُرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(( إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعٍ، وَإِنَّكَ إِنْ تُرِدْ إِقَامَةَ الضِّلْعِ تَكْسِرْهَا، فَدَارِهَا تَعِشْ بِهَا ))
العملية تحتاج إلى مُداراة.
الحديث العاشر:
وفي روايةٍ أُخرى في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( الْمَرْأَةُ كَالضِّلَعِ، إِنْ أَقَمْتَهَا كَسَرْتَهَا، وَإِنْ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَفِيهَا عِوَجٌ ))
الحديث الحادي عشر:
و في روايةٍ لمسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ، فَإِنْ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ، وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا ))
[ مسلم ]
الحديث الثاني عشر:
في خِتام هذا الدرس، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( خِيارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ ))
[ ابن ماجه ]
قصة وعبرة: أشكو مما منه تشكو
بقيت قصّةٌ قصيرة: كان أعرابيٌّ يُعاتِبُ زوجته، فعلا صوتُها صوتَه، فساءه ذلك منها، وأنكره عليها، ثُمَّ قال: و الله لأشكوَنَّكِ إلى أمير المؤمنين عُمَر، وما أن كان بباب أمير المؤمنين ينتظر خروجه حتى سمِع امرأة أمير المؤمنين تستطيل عليه، وتقول له: اتَّقِ الله يا عُمَر فيما ولاّك، و ساكتٌ لا يتكلَّم، فقال الرجل في نفسه و هو يهُمُّ بالانصراف: << إذا كان هذا هو حال أمير المؤمنين، فكيف حالي أنا ؟، و فيما هو كذلك خرج عمر، ولمّا رآه قال: ما حاجتك يا أخَا العرب ؟ فقال الأعرابي: يا أمير المؤمنين، جئتُ إليك أشكو خُلُق زوجتي، واستطالتها عليّ، فرأيت عندك ما زهّدني إذ كان ما عندك أكثر مما عندي، فهممتُ بالرجوع، وأنا أقول: إذا كان حال أمير المؤمنين مع زوجته، فكيف حالي ؟ قال، فتبسَّم عمر رضي الله عنه و قال: يا أخَا الإسلام، إنّي احتملتها لحقوقٍ لها عليّ ـ إنّي احتملتها، أنا قادر أن أكون لئيماً، وأن أحطِّمها، ما أكرمهُنَّ إلا كريم، ولا أهانهُنَّ إلا لئيم، يغلِبنَ كلَّ كريم ويغلبهُنَّ لئيم، وأنا أحبُّ أن أكون كريماً مغلوباً لا أن أكون لئيماً غالباً ـ قال له: يا أخا العرب، إنّني احتملتها لحقوقٍ لها عليّ، إنّها طبّاخةُ لطعامي، خبّازةٌ لخُبزي، مُرضعةُ لأولادي، غاسلةٌ لثيابي، وبقدر صبري عليها يكون ثوابي، ألا يكفي هذا الكلام من سيّدنا عمر ؟ وبقدر صبري عليها يكون ثوابي >>
قال تعالى :
﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً﴾
عن عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ أَنَّهُ شَهِدَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَذَكَّرَ، وَوَعَظَ، فَقَالَ:
(( أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ ـ العوان: جمع عانية أي ضعيفة، المرأة في الأصل ضعيفة ـ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ، إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ، وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا... ))
ما دامت هذه الزوجة لم تقترِف الفاحشة، وهي تحفظ نفسها، وتُطيع زوجها، وتُصلّي خمسها، و صوم شهرها، هذه زوجةٌ يجب أن ترعى حقوقها.
قال بعضهم: إنَّ المرأة التي تحبس نفسها على راحة زوجها حتى تكون لديه كالأسير، خروجها بإذنه، كلُّ علاقاتها منضبطة بموافقته، إذًا: هي كالأسيرة، مُقابل أنها أسيرةٌ عنده ينبغي أن يغمرها بالعطف والمودّة، والُّلطف والإحسان، ما دامت عندك أسيرة فيجب أن تعاملها معاملةً تُنسيها أنها أسيرة.
معنى المعاشرة بالمعروف
هذا من معاني:
المعنى الأول:
من هذه التفسيرات: العفو والمُسامحة، هناك زوجٌ لا يعفو، استُرضيَ ولم يرضَ، اعتذَرَتْ له، توسَّلتْ إليه، رَجَتْهُ، هو حقود، إن كنتَ حقوداً، إن لم تُسامح، إن لم تعف، فأنت عاصٍ لله عزَّ و جلّ في نصِّ هذه الآية.
المعنى الثاني:
من معاني:
﴿وَ عَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ ﴾
نسيان الهفوات، وترك تتبّع العثرات، هذا من معاني:
المعنى الثالث:
من معاني:
﴿ وَ عَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ ﴾
العقوبة على قدرِ الذنب تماماً، تأديباً لا انتقاماً.
المعنى الرابع:
لكن أجمل تفسير لهذه الآية: ليست المُعاشرة بالمعروف كفُّ الأذى عنها، بل احتمال الأذى منها، لذلك تروي القصص أن رجلاً عنده زوجة سيئة جداً، فقيل له: طلِّقها يا أخي، قال: والله لا أُطلِّقها فأغُشَّ بها المسلمين، قد أُطلِّقها، ويأتي إنسان يتزوَّجها، إن فعلت هذا غششتُ بها المسلمين، فصبرُ الزوجة على زوجها أو صبر الزوج على زوجته بابٌ من أبواب الجنّة، هذه الدُّنيا دار ابتلاء لا دار استواء، منزِلُ تَرَحٍ لا منزل فرح، من عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عُقبى، فجعل بلاء الدُّنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدُّنيا عِوَضاً، فيأخُذُ ليُعطي، ويبتلي ليجزي.
إذاً: ليست المعاشرة بالمعروف كفَّ الأذى عنها، بل احتمال الأذى منها، والحِلم عند طيشها وغضبها، في بعض الأيام يختلُّ توازن الزوجة، فتتكلَّم بكلامٍ منه ما يُسمَع، ومنه ما لا يُسمَع.
النبي عليه الصلاة والسلام هو المثل الأعلى، فعَنْ أَنَسٍ قَالَ:
(( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتْ الَّتِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهَا يَدَ الْخَادِمِ، فَسَقَطَتْ الصَّحْفَةُ، فَانْفَلَقَتْ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ، وَيَقُولُ: غَارَتْ أُمُّكُمْ، ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ ))
هو قدوتُنا، لا تصدِّق أن إنساناً لا يوجد بينه وبين زوجته بعض المشكلات، هذه سُنَّة الله في الخلق، ليمتحِن عفوك وحِلمك، وحكمتك وصبرك، واتّزانك وضبط نفسك، النبي عليه الصلاة والسلام كان قدوةً لنا، فكان يقف موقِف الحليم الرحيم من زوجاته، لا تُصدِّق أن النبي الكريم عنده زوجات لم يسمع منهن كلمة، بل كانت زوجاته يُراجِعنه الكلام، ويهجُرنَهُ إلى الليل أحياناً، وكان يحلُم عليهم، هكذا ورد في السيرة.
وكان النبي عليه الصلاة والسلام ينزل إلى مستوى زوجاته، إلى مستوى عقولهنَّ، و قد ذكرت لكم من قبل كيف أن النبي عليه الصلاة والسلام تسابق مع زوجته عائشة فسبقته لأنها شابّة، بعد سنوات تسابق معها فسبقها فقال: هذه بتلك، تعادُل، هذه بتلك.
النبي عليه الصلاة و السلام إذا دخل بيته بسَّاماً ضحّاكاً، فإذا كنت مرحاً، وكنت لطيفاً، وكنت ليّن العريكة مبتسماً، والله هذا شيء جميل، هذه أخلاق النبي عليه الصلاة والسلام.
المعنى الخامس:
من حُسن المُعاشرة التي أمر الله بها أن تنظر إلى مزاياها إذا نظرت إلى مساوئها، لا يوجد إنسان كامل، وهناك أزواج يركِّزون على المساوئ فقط، بعض العيوب في شكلها، بعض العيوب في أخلاقها، في طباعها، لكنها حَصَان، عفيفة، شريفة، نظيفة، مِطواعة، يتجاهل ميِّزاتها، ويُبرز أخطاءها، ليس هذا من حُسن المُعاشرة.
المعنى السادس:
من حُسن المُعاشرة إذا نظرتَ إلى عيوبها، أو إلى بعض عيوبها، انظر إلى مزاياها أيضاً، هذا هو العدل والإنصاف، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ ))
قال تعالى:
﴿ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ﴾
قد لا يُعجبك شكلها، لكن قد تُنجب لك أولاد أذكياء، موفَّقين، قد تكون الزوجة طيِّعة، قد تكون صبورة، قد تكون متواضعة، طلباتها معقولة، لو أنَّك تزوَّجتها كما تريد لأتعبتْك تعباً لا حدود له، فالله عزَّ و جلّ هو الحكيم، هو اختارها لك، اختياره، ألا ترضى باختياره ؟.
المعنى السابع:
من حُسن مُعاشرة الزوجة - هذه كُلُّها معاني حُسن المُعاشرة - أن لا تُسيء الظنَّ بها، هناك أزواج عندهم سوء ظنّ، طبعاً سوء الظنِّ ضروري و غير ضروري، ضروري إذا شككت بشيء، إنسان نبَّهك: انتبه، في منزلك حركة غير طبيعية، لا أنا حَسَن الظنِّ بزوجتي، فأنت إذا أجدب، إذا كان هناك ملاحظات، دلائل، ريب، فيجب أن تُسيء الظنّ و أن تبحث، لكن عندما لا يوجد أي دليل على وجود خطأ، ولا يوجد لفت نظر، عندها نهانا النبي عليه الصلاة والسلام عن أن لا نُسيء الظنّ بالزوجة، لأنّ إساءة الظنِّ بالزوجة يُحطِّمها، يُفقدها معنويَّاتها، فنهى النبي عليه الصلاة والسلام عن سوء الظنِّ بها، وأن يتَّبَّع زوجها عوراتها.
النبي كان إذا قَدِمَ من سفر أعلم أهله قبل أن يدخُل البيت، هكذا علَّمنا النبي عليه الصلاة والسلام، الآن هناك هاتف، أخبرهم من المطار أنك وصلت، أمّا المُداهمة، والمُفاجأة فتعني أنَّك تشُكُّ بها، لذلك ورد في الحديث عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
(( نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَطْرُقَ أَهْلَهُ لَيْلًا ))
[ البخاري ]
أن يطرُق أهله ليلاً يتخوَّنهم - كأنّه يتخوَّنهم - أو يطلب عثراتهم، لأن هذا يوَفِّر الأمن للزوجة والسلام، ويوَفِّر لها كرامتها ومودَّتها معك.
كلُّ هذه المعاني مُستنبطة من آيةٍ واحدة:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
﴿ وَ عَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ ﴾
ربَّما كان هذا الحقّ أبلغ من حقِّ الطعام والشراب، لا يوجد بيت ليس فيه طعام وشراب، والزوجة تأكل طعاماً خشناً، ولا تحتمل أن تُسيء الظنَّ بها، تأكل طعاماً خشناً، ولا تحتمل أن تكون قاسياً معها، تأكل أخشن الطعام، ولا تحتمل أن تهجرها، لذلك حُسنُ العُشرة مع الزوجة ربّما كان مُقدَّماً على واجب الطعام و الشراب.
و هناك حقوق كثيرة للزوجة، لأنه كما قُلت في بداية الدرس: الأزواج يطرَبون طرباً لا حدود له لحقوق الزوج على زوجاتهم، يقول لك اللهم صلَّ عليه... هكذا قال...هكذا قال... اصبر، هناك أحاديث أخرى، كما أن لك عليها حقّ، لها عليك حقّ، والإنسان إذا عرف ما له و ما عليه و أعطى كلّ ذي حقٍّ حقَّه، ساد السلام في البيت.
بقي علينا نماذج من مواقف النبي عليه الصلاة والسلام، الآن ننتقل إلى السيرة المتعلِّقة بهذا الموضوع.
نماذج نبوية في معاملة الزوجة
الحديث الأول:
عَن عَائِشَةَ قَالَتْ:
(( لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا عَلَى بَابِ حُجْرَتِي، وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ بِحِرَابِهِمْ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ أَنْظُرُ إِلَى لَعِبِهِمْ ))
[ متفق عليه ]
تطييباً لخاطرها.
الحديث الثاني:
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:
(( كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ ـ يعني بالدُمى ـ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ مِنْهُ، فَيُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي ))
[ متفق عليه ]
هناك من يتزوَّج بنتاً صغيرة، فتقول له: أريد لعبة، فيسُبُّها، اجلب لها لعبة، وحُلَّ المشكلة، فالسيدة عائشة تقول:
(( كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ ـ أي بلعب الأطفال ـ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ مِنْهُ، فَيُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي ))
فالنبي يسمح لهُنَّ فيلعبنَ معي، بموافقته، هذا تطييبٌ لخاطرها، فإذا كانت زوجتك صغيرة، وطلبت منك شوكولا مثلاً فلماذا الانزعاج ؟ حنَّت إلى طفولتها، هكذا فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُريدها في سنٍ صغيرة و عقلٍ كبير.
الحديث الثالث:
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( إِنِّي لَأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى، قَالَتْ: فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ: أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً فَإِنَّكِ تَقُولِينَ: لَا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى قُلْتِ: لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ، قَالَتْ: قُلْتُ: أَجَلْ ـ أي هذا الأمر صحيحٌ ـ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ ))
[ متفق عليه ]
الحديث الرابع:
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إِلَى النِّسَاءِ، تَعْنِي فِي مَرَضِهِ فَاجْتَمَعْنَ فَقَالَ:
(( إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَدُورَ بَيْنَكُنَّ، فَإِنْ رَأَيْتُنَّ أَنْ تَأْذَنَّ لِي فَأَكُونَ عِنْدَ عَائِشَةَ فَعَلْتُنَّ، فَأَذِنَّ لَهُ ))
[ أبو داود ]
انظر إلى الأدب، ما رضي أن يبقى عند عائشة إلا بعد أن جمع نساءه كُلَّهُنّ، واستأذنهُنَّ في ذلك، لأنها لها حقّ.
الحديث الخامس:
كن بساما في منزلك
عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي الْبَيْتِ ؟ قَالَتْ:
(( كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ، فَإِذَا سَمِعَ الْأَذَانَ خَرَجَ ))
[ البخاري ]
كان إذا فَرَغَ كان في خِدمة أهله - أي يُساعدهم في أعمال البيت - من دون أن يشعُر أنه مُهان، كان في مَهنة أهله، فكان يحلِبُ شاته، ويكنُسُ أرضه، ويخصِف نعله، وكان في مَهنة أهله.
الحديث السادس:
فعَنْ أَنَسٍ قَالَ:
(( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتْ الَّتِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهَا يَدَ الْخَادِمِ، فَسَقَطَتْ الصَّحْفَةُ، فَانْفَلَقَتْ ـ أي انكسرت ـ فَجَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ، وَيَقُولُ: غَارَتْ أُمُّكُمْ، ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ ))
[ البخاري ]
كان عادلاً، تلك أرسلت صحناً جديداً فكُسر، فأرسل لها صحناً بدلاً عنه.
كان عليه الصلاة والسلام لا يسمح لزوجةٍ من أمّهات المؤمنين بأن تقول عن الأخرى من زوجاته كلمة نقص في مجلسه، لا يسمح أبداً، هناك شخص يسمح لزوجته الأولى أن تتكلّم عن الثانية، يقول لها: والله معك حقّ، ثُمَّ يذهب مساءً إلى البيت الثاني فتتكلم زوجته الثانية عن الأولى، فيُصغي لها، النبي عليه الصلاة والسلام لا يسمح لزوجةٍ من أمّهات المؤمنين بأن تقول عن الأخرى من زوجاته كلمة نقص في مجلسه،
الحديث السابع:
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: حَكَيْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا فَقَالَ:
(( مَا يَسُرُّنِي أَنِّي حَكَيْتُ رَجُلًا، وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ صَفِيَّةَ امْرَأَةٌ، وَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا، كَأَنَّهَا تَعْنِي قَصِيرَةً، فَقَالَ: لَقَدْ مَزَجْتِ بِكَلِمَةٍ لَوْ مَزَجْتِ بِهَا مَاءَ الْبَحْرِ لَمُزِجَ ))
[ الترمذي ]
الحديث الثامن:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ ))
[ البخاري ]
الحديث التاسع:
وفي رواية عن سَمُرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(( إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعٍ، وَإِنَّكَ إِنْ تُرِدْ إِقَامَةَ الضِّلْعِ تَكْسِرْهَا، فَدَارِهَا تَعِشْ بِهَا ))
العملية تحتاج إلى مُداراة.
الحديث العاشر:
وفي روايةٍ أُخرى في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( الْمَرْأَةُ كَالضِّلَعِ، إِنْ أَقَمْتَهَا كَسَرْتَهَا، وَإِنْ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَفِيهَا عِوَجٌ ))
الحديث الحادي عشر:
و في روايةٍ لمسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ، فَإِنْ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ، وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا ))
[ مسلم ]
الحديث الثاني عشر:
في خِتام هذا الدرس، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( خِيارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ ))
[ ابن ماجه ]
قصة وعبرة: أشكو مما منه تشكو
بقيت قصّةٌ قصيرة: كان أعرابيٌّ يُعاتِبُ زوجته، فعلا صوتُها صوتَه، فساءه ذلك منها، وأنكره عليها، ثُمَّ قال: و الله لأشكوَنَّكِ إلى أمير المؤمنين عُمَر، وما أن كان بباب أمير المؤمنين ينتظر خروجه حتى سمِع امرأة أمير المؤمنين تستطيل عليه، وتقول له: اتَّقِ الله يا عُمَر فيما ولاّك، و ساكتٌ لا يتكلَّم، فقال الرجل في نفسه و هو يهُمُّ بالانصراف: << إذا كان هذا هو حال أمير المؤمنين، فكيف حالي أنا ؟، و فيما هو كذلك خرج عمر، ولمّا رآه قال: ما حاجتك يا أخَا العرب ؟ فقال الأعرابي: يا أمير المؤمنين، جئتُ إليك أشكو خُلُق زوجتي، واستطالتها عليّ، فرأيت عندك ما زهّدني إذ كان ما عندك أكثر مما عندي، فهممتُ بالرجوع، وأنا أقول: إذا كان حال أمير المؤمنين مع زوجته، فكيف حالي ؟ قال، فتبسَّم عمر رضي الله عنه و قال: يا أخَا الإسلام، إنّي احتملتها لحقوقٍ لها عليّ ـ إنّي احتملتها، أنا قادر أن أكون لئيماً، وأن أحطِّمها، ما أكرمهُنَّ إلا كريم، ولا أهانهُنَّ إلا لئيم، يغلِبنَ كلَّ كريم ويغلبهُنَّ لئيم، وأنا أحبُّ أن أكون كريماً مغلوباً لا أن أكون لئيماً غالباً ـ قال له: يا أخا العرب، إنّني احتملتها لحقوقٍ لها عليّ، إنّها طبّاخةُ لطعامي، خبّازةٌ لخُبزي، مُرضعةُ لأولادي، غاسلةٌ لثيابي، وبقدر صبري عليها يكون ثوابي، ألا يكفي هذا الكلام من سيّدنا عمر ؟ وبقدر صبري عليها يكون ثوابي >>