الجمعة: 29 ذو الحجة 1435هجري، الموافق لـ 24 أكتوبر 2014
في رحاب سورة سيّدنا يوسف عليه السلام
الحلقة الرابعة
معمر حبار
econo.pers@gmail.com
في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 35 ..
سيّدنا يعقوب عليه السّلام، رغم أنه لم يثق في أبناءه، واشترط عليهم موثقا، فيما يخص الإبن الثاني، إلا أن فطرة الأبوة تحركت فيه، وخشي عليهم، وهم كثر في أوج قوتهم، يلفتون الأنظار، فخاف عليهم من العين والحسد، فأوصاهم قائلا: " وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ "، يوسف - الآية 67.
إن الأب يغضب على الإبن، ليعيده لصوابه .. لكنه لايحقد أبدا .. ولا يمكنه أن يتحكم في فطرة الأبوة، حين تتحرك لصالح الإبن.
في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 36 ..
إمرأة العزيز، بقدر ماتفنّنت في إتّهام سيّدنا يوسف عليه السّلام .. وأصرّت على الرذيلة علانية، وأمام النسوة .. بل هددته بالسّجن ، إن هو أبى الالنصياع .. كانت في قمّة الأخلاق والقيم .. حين أعلنت توبتها علانية، وأمام الملأ والملك.
التوبة، تحتاج لمن يعلنها أمام الناس.. ويستصغر نفسه .. ويعطي الحق لأصحابه علانية ، وإقرأ قوله تعالى: " قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ ۚقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ"، يوسف - الآية 51
في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 37 ..
حين طلب الملك، سيّدنا يوسف عليه السّلام، بعدما تأكد من خبرته وصدقه، قال له: "وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ".
إن الملك، وفّر لمن يريد أن يعمل معه، عنصرين أساسيين، وهما .. التمكين و الأمن. وأيّ كان لايمكن أن يعمل في ظروف تفتقر للتمكين والأمن .. وحين وفّر الملك ، الأمن والتمكين، للوزير يوسف عليه السّلام .. أبدع في إيجاد الحلول .. وأبهر الجميع في إيجاد طرائق لمواجهة القحط .. وأنقذ أمم من الهلاك والاندثار .. وكان قدوة لغيره في حسن التسيير، ومواجهة الأزمات.
في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 38 ..
قال تعالى: "وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ"، يوسف - الآية 67.
يتّضح من الآية، أنه رغم مافعله أبناء سيّدنا يعقوب عليه السلام، بأخيهم وابنه، سيّدنا يوسف عليه السلام، إلا أن الأب خاف على أبناءه ، وطلب منهم أن يدخلوا من أبواب متفرقة.
فالأب يتجاوز طيش الإبن وجنونه.
في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 39 ..
قال سيّدنا يعقوب، حين إفتقد إبنه الأول يوسف عليه السّلام: " وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ"، يوسف - الآية 18
ثم قال حين افتقد إبنه الثاني: "قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ"، يوسف - الآية 83.
إذن هناك صبر، وهناك صبر جميل، يجعل الوالد يصبر على أذى الأبناء، وفراق الابن، فيكون صبره الجميل في لمّ شمل من كان سببا في الصبر، ومن كان لأجله الصبر.
وهو في السّجن، يقول سيّدنا يوسف عليه السّلام لساكنيه، ومن احتاجه، وطلب منه معروفا، يتمثّل في تفسير الرؤيا، فأجابه قائلا: "قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ"، يوسف - الآية 37
إن سيّدنا يوسف عليه السلام، كان كريما حين لم يستغل وضع السجناء، ولم يضع أيّ شرط لتفسير المنام الخاص بالطعام والحرية، وهو أحوج الناس إليهما.
ونفس العزّة والإباء، رافقته وهو يفسّر منام الملك، ولم يطلب شيئا لنفسه، مقابل تفسير منامه.
فالكبير لايستغل ضيق الناس وحاجاتهم إليهم، بل يجعلها مناسبة للتخفيف عنهم وخدمتهم.
في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 40 ..
حين أعطى الملك، صلاحياته لسيّدنا يوسف عليه السّلام، بأن يقوم بتسيير أزمة الغذاء، المتمثلة في القحط الذي عمّ المنطقة.. إنما أعجب بصدقه وطهارته وكفاءته.. ولم يكن يتسلمها لأنه مفسّر للأحلام، لأن ذلك عمل فردي، لايمكن أن يقيم دولا، ويتصدى لأزمات، ويحلّ مشاكل صعبة، كالقحط.
وسيّدنا يوسف عليه السّلام، لم يقدّم نفسه على أنّه مفسّر للأحلام، إنما إعتمد على خصائص نادرة ، تمكّنه من مواجهة الأزمات .. " قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ"، يوسف - الآية 55 .. فالحفظ والعلم، مقدّم على تفسير الأحلام . والأمة تحتاج لخصائص عامة ترفعها ..
في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 41 ..
الله سبحانه وتعالى، أمر سيّدنا الأب يعقوب عليه السلام، أن يسجد لابنه يوسف عليه السلام، حين قال: " وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ "، يوسف - الآية 100.
وهو الذي أمر الأب سيّدنا إبراهيم عليه السّلام، أن يذبح ابنه سيّدنا إسماعيل عليه السّلام، حين قال.. " فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ "، الصافات - الآية 102.
فسبحان من أمر الأب هنا في السجود للإبن .. وأمر الأب هناك بذبح الإبن.
في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 42 ..
حين قال الملك: " وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ "، يوسف - الآية 54 . فالملك قرّب إليه النقي الطاهر الصادق المتمكن المحترف في إدارة الأزمات، وإيجاد الحلول لها. وبعد أن تأكّد أن سيّدنا يوسف عليه السّلام ، لايريد دنياه، فقد رفضها وهو تحت الإغراء وتحت التهديد.
فمثل هؤلاء الأكفاء، هم الذين يجب أن يتقلّدوا المناصب، وتعطى لهم المسؤوليات، لمواجهتها، وإيجاد الحل الأنسب.
في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 43 ..
يوسف عليه السّلام، تقدم بما يملك من خصال الحفظ والعلم .." قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ "، يوسف - الآية 55 . فتقدّم للملك، بما أتاه الهْ من أمانة وصدق وعلم ودراية وخبرة، وهو أهل لهذه الخصال.
في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 44 ..
إمرأة العزيز، لم يكفها أن إتّهمت الطاهر يوسف عليه السّلام، بل اقترحت العقوبة في قولها: "قَالَتْ فَذَٰلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ"، يوسف - الآية 32.
في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 45 ..
ظهر حقد إخوة يوسف جليا في قولهم: " قَالُوا إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ"، يوسف - الآية 77.
رغم السّنوات التي مرّت على رمي أخيهم في البئر، وإبعاد الطفل عن أبيه، مازالوا يتّهمونه بما ليس فيه .. مايدل أن الحقد مازال يسكن نفوسهم.
في رحاب سورة سيّدنا يوسف عليه السلام
الحلقة الرابعة
معمر حبار
econo.pers@gmail.com
في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 35 ..
سيّدنا يعقوب عليه السّلام، رغم أنه لم يثق في أبناءه، واشترط عليهم موثقا، فيما يخص الإبن الثاني، إلا أن فطرة الأبوة تحركت فيه، وخشي عليهم، وهم كثر في أوج قوتهم، يلفتون الأنظار، فخاف عليهم من العين والحسد، فأوصاهم قائلا: " وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ "، يوسف - الآية 67.
إن الأب يغضب على الإبن، ليعيده لصوابه .. لكنه لايحقد أبدا .. ولا يمكنه أن يتحكم في فطرة الأبوة، حين تتحرك لصالح الإبن.
في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 36 ..
إمرأة العزيز، بقدر ماتفنّنت في إتّهام سيّدنا يوسف عليه السّلام .. وأصرّت على الرذيلة علانية، وأمام النسوة .. بل هددته بالسّجن ، إن هو أبى الالنصياع .. كانت في قمّة الأخلاق والقيم .. حين أعلنت توبتها علانية، وأمام الملأ والملك.
التوبة، تحتاج لمن يعلنها أمام الناس.. ويستصغر نفسه .. ويعطي الحق لأصحابه علانية ، وإقرأ قوله تعالى: " قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ ۚقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ"، يوسف - الآية 51
في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 37 ..
حين طلب الملك، سيّدنا يوسف عليه السّلام، بعدما تأكد من خبرته وصدقه، قال له: "وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ".
إن الملك، وفّر لمن يريد أن يعمل معه، عنصرين أساسيين، وهما .. التمكين و الأمن. وأيّ كان لايمكن أن يعمل في ظروف تفتقر للتمكين والأمن .. وحين وفّر الملك ، الأمن والتمكين، للوزير يوسف عليه السّلام .. أبدع في إيجاد الحلول .. وأبهر الجميع في إيجاد طرائق لمواجهة القحط .. وأنقذ أمم من الهلاك والاندثار .. وكان قدوة لغيره في حسن التسيير، ومواجهة الأزمات.
في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 38 ..
قال تعالى: "وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ"، يوسف - الآية 67.
يتّضح من الآية، أنه رغم مافعله أبناء سيّدنا يعقوب عليه السلام، بأخيهم وابنه، سيّدنا يوسف عليه السلام، إلا أن الأب خاف على أبناءه ، وطلب منهم أن يدخلوا من أبواب متفرقة.
فالأب يتجاوز طيش الإبن وجنونه.
في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 39 ..
قال سيّدنا يعقوب، حين إفتقد إبنه الأول يوسف عليه السّلام: " وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ"، يوسف - الآية 18
ثم قال حين افتقد إبنه الثاني: "قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ"، يوسف - الآية 83.
إذن هناك صبر، وهناك صبر جميل، يجعل الوالد يصبر على أذى الأبناء، وفراق الابن، فيكون صبره الجميل في لمّ شمل من كان سببا في الصبر، ومن كان لأجله الصبر.
وهو في السّجن، يقول سيّدنا يوسف عليه السّلام لساكنيه، ومن احتاجه، وطلب منه معروفا، يتمثّل في تفسير الرؤيا، فأجابه قائلا: "قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ"، يوسف - الآية 37
إن سيّدنا يوسف عليه السلام، كان كريما حين لم يستغل وضع السجناء، ولم يضع أيّ شرط لتفسير المنام الخاص بالطعام والحرية، وهو أحوج الناس إليهما.
ونفس العزّة والإباء، رافقته وهو يفسّر منام الملك، ولم يطلب شيئا لنفسه، مقابل تفسير منامه.
فالكبير لايستغل ضيق الناس وحاجاتهم إليهم، بل يجعلها مناسبة للتخفيف عنهم وخدمتهم.
في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 40 ..
حين أعطى الملك، صلاحياته لسيّدنا يوسف عليه السّلام، بأن يقوم بتسيير أزمة الغذاء، المتمثلة في القحط الذي عمّ المنطقة.. إنما أعجب بصدقه وطهارته وكفاءته.. ولم يكن يتسلمها لأنه مفسّر للأحلام، لأن ذلك عمل فردي، لايمكن أن يقيم دولا، ويتصدى لأزمات، ويحلّ مشاكل صعبة، كالقحط.
وسيّدنا يوسف عليه السّلام، لم يقدّم نفسه على أنّه مفسّر للأحلام، إنما إعتمد على خصائص نادرة ، تمكّنه من مواجهة الأزمات .. " قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ"، يوسف - الآية 55 .. فالحفظ والعلم، مقدّم على تفسير الأحلام . والأمة تحتاج لخصائص عامة ترفعها ..
في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 41 ..
الله سبحانه وتعالى، أمر سيّدنا الأب يعقوب عليه السلام، أن يسجد لابنه يوسف عليه السلام، حين قال: " وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ "، يوسف - الآية 100.
وهو الذي أمر الأب سيّدنا إبراهيم عليه السّلام، أن يذبح ابنه سيّدنا إسماعيل عليه السّلام، حين قال.. " فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ "، الصافات - الآية 102.
فسبحان من أمر الأب هنا في السجود للإبن .. وأمر الأب هناك بذبح الإبن.
في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 42 ..
حين قال الملك: " وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ "، يوسف - الآية 54 . فالملك قرّب إليه النقي الطاهر الصادق المتمكن المحترف في إدارة الأزمات، وإيجاد الحلول لها. وبعد أن تأكّد أن سيّدنا يوسف عليه السّلام ، لايريد دنياه، فقد رفضها وهو تحت الإغراء وتحت التهديد.
فمثل هؤلاء الأكفاء، هم الذين يجب أن يتقلّدوا المناصب، وتعطى لهم المسؤوليات، لمواجهتها، وإيجاد الحل الأنسب.
في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 43 ..
يوسف عليه السّلام، تقدم بما يملك من خصال الحفظ والعلم .." قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ "، يوسف - الآية 55 . فتقدّم للملك، بما أتاه الهْ من أمانة وصدق وعلم ودراية وخبرة، وهو أهل لهذه الخصال.
في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 44 ..
إمرأة العزيز، لم يكفها أن إتّهمت الطاهر يوسف عليه السّلام، بل اقترحت العقوبة في قولها: "قَالَتْ فَذَٰلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ"، يوسف - الآية 32.
في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 45 ..
ظهر حقد إخوة يوسف جليا في قولهم: " قَالُوا إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ"، يوسف - الآية 77.
رغم السّنوات التي مرّت على رمي أخيهم في البئر، وإبعاد الطفل عن أبيه، مازالوا يتّهمونه بما ليس فيه .. مايدل أن الحقد مازال يسكن نفوسهم.