لم يفكر أحد في قياس الرأي العام واستخدامه لصنع القرار قبل القرن العشرين. فلم يسبق أي اعتقاد بأن الرأي العام يحدد الحقيقة; لأنه يعوق التفكير العقلاني الفردي الذي لا يمكن إيجاد متوسط له. فكل إنسان يتمتع بعقل حباه الله بقبس إلهي من الفهم والإدراك.
والإنسان لحظة الإبداع الخلاق يكون هو الشخص الوحيد الذي يحمل هذا الرأي، في حين يخالفه الآخرون أو ليس لهم رأي. لقد استخدمت قياسات الرأي العام لتحقيق السيطرة والتحكم والتلاعب بالجماهير، وتحسين صورة السياسيين واتخاذ القرارات السياسية، استنادا لنتائجها. وأصبح قياس الرأي والتحليل النفسي هو الأصل في علوم الاجتماع، رغم أنه لا يمكن إثبات صحته علميا. ويعرف والتر ليبمان مصطلح الرأي العام علي أنه الصور التي داخل رؤوس البشر عن ذواتهم وعن الآخرين وعن حاجاتهم وأهدافهم وعلاقاتهم، والتي تشكل آراءهم العامة، وتتشكل بوسائل الإعلام.
وتم تخطيط وسائل الإعلام وتوجيهها لإيجاد وقولبة رأي عام موحد، وقياسه بواسطة الخبراء النفسيين لتحليل وضبط الأثر المطلوب علي الشرائح والشعوب المستهدفة. وهكذا وضعت نظرية كاملة لطرق غسيل المخ وتغيير القيم والقناعات والمسلمات في المجتمع. وهناك شبكة مركبة من ملايين العاملين في إنتاج وتوزيع الرسائل الإعلامية الذين يعيشون في نطاقها، وتشكل تفكيرهم بمحتوي منتجهم الإعلامي كأنما أجريت لهم أيضا عملية غسيل مخ. وبنهاية الحرب العالمية الثانية تم تكوين الآلاف من المحاربين الثقافيين( هم اليوم بضعة ملايين) حول العالم يصممون محتوي منتج وسائل الإعلام، ويديرون شبكات الإعلام ووكالات الإعلان ومنظمات قياس الرأي.
لقد عكف المحللون النفسيون من مدرسة فرويد علي تحليل الانهيار النفسي للعامة أثناء الحرب لصناعته عمدا في وقت السلم. وتوصلوا إلي أنه باستخدام القلق والفزع والإرهاب يمكن تحويل الإنسان لحالة إذعان طفولية تتعطل فيها قوي عقله، ويسهل التنبؤ بردود أفعاله تجاه المثيرات والمواقف المختلفة. ويمكن أيضا إيجاد حالة مشابهة في المجموعات الكبيرة تمكن من التحكم فيهم والتلاعب بهم، ويمكن استخدام وسائل الإعلام لإيجاد حالات عقلية تؤدي لتفكك الشخصية وتسهل توجيهها، وهو ما لقب لاحقـا بعمليات غسيل المخ. واستخدمت وسائل الإعلام لتوصيل رسائل مبرمجة لأعداد كبيرة لخلق بيئات موجهة لأغراض غسيل المخ. ولكي لايشعر العامة بأن البيئة التي يحيون فيها موجهة، تستخدم مصادر معلومات متعددة تعطي الرسالة نفسها مع اختلاف بسيط لإخفاء وجود نمط يجمعها جميعا. وتقدم الرسائل من خلال وسائل الترفيه والتسلية المتعددة التي يقبل عليها الناس دون إكراه.
ويشير والتر ليبمان إلي: رغبة الناس لتحويل المشاكل المعقدة إلي صيغ مبسطة، وتكوين آرائهم بناء علي ما يعتقده الناس حولهم، دون أن يكون للحقيقة اعتبار في العملية. فظهور التقارير في الإعلام يضفي عليها هالة من المصداقية. ويعتقد العامة أن نجوم الإعلام هم رواد الرأي، ولهذا فلديهم القدرة علي تشكيل الرأي العام مثل القادة السياسيين تماما. ولو فكر الناس في تلك العملية لأدركوا سرها وانهارت.
ولكن العامة جهلاء ضعفاء العقول ولا يفكرون، ويعانون سوء التغذية. ولهذا تنتشر الآراء التي يتم ترويجها سريعا بينهم لأن أفهامهم كالأطفال أو كالبدائيين، وحياتهم خليط متشابك ومعقد بلا حيوية وفاعلية ولا يدركون عناصر المشاكل التي يطرحونها للنقاش. والكلمات والصور في وسائل الإعلام تستدعي جهدا من الفرد لتشكيل صورة ذهنية. لكن الوضع يختلف مع الأفلام، حيث يتم إنجاز عملية الملاحظة والوصف والتخيل بلا أي جهد يذكر للمشاهد سوي أن يظل مستيقظـا ليري علي الشاشة الصورة التي كان خياله سيبذل مجهودا لنسجها. ولهذا يتعين تخطيط الرأي العام بواسطة أخصائيين نفسيين، يقومون نيابة عن النخب بضمان الصحة العقلية للعالم.
ويسمي تيودور أدورنو من مدرسة فرانكفورت التلفاز جليسة الأطفال ذات العين الواحدة. وأظهرت الدراسات أن المشاهدين يندمجون في حالة من النشوة وغياب الوعي الجزئي، تشتد كلما طالت مدة الجلوس. ويكونون علي استعداد لقبول الرسائل التي تصل إليهم من البرامج والإعلانات، ومنكشفون تماما لعملية غسيل المخ. ويقول هال بيكر: إننا نتجه لمجتمع يشبه مجتمع أورويل في رواية1984، ولكنه أخطأ عندما ظن أن علي الأخ الأكبر أن يراقبك، إنه لا يحتاج لهذا ما دمت أنت تشاهد التلفاز.
وهكذا أصبح العالم مدمنا للتلفاز وأصبح التاريخ المعاصر مجرد أصوات مصاحبة لمشاهد حية من العنف والشذوذ. وحتى التغطية الحية لحوادث السيارات والقتل والاغتصاب والحروب والكوارث الطبيعة والهجمات الإرهابية تقدم بناء علي دراسات متفحصة تجري في الأقسام العصبية والنفسية في كليات الطب. وهناك وكالات أنباء وهيئات علمية تتخذ القرارات يوميا فيما سيعرض علي الجمهور، وما لا يجب أن يري النور أبدا. ومن المهم أن نؤكد أن وسائل الإعلام ليست شريرة بطبعها، ولكن ما يجعلها خطيرة هو التحكم في استخدامها وفي محتواها بما يخدم أهدافـا شريرة ويؤدي لتحويل المستمعين والمشاهدين إلي متسمرين أمام ما يسمعونه ويشاهدونه وقد تعطلت قدراتهم النقدية والتحليلية تماما.
___________
والإنسان لحظة الإبداع الخلاق يكون هو الشخص الوحيد الذي يحمل هذا الرأي، في حين يخالفه الآخرون أو ليس لهم رأي. لقد استخدمت قياسات الرأي العام لتحقيق السيطرة والتحكم والتلاعب بالجماهير، وتحسين صورة السياسيين واتخاذ القرارات السياسية، استنادا لنتائجها. وأصبح قياس الرأي والتحليل النفسي هو الأصل في علوم الاجتماع، رغم أنه لا يمكن إثبات صحته علميا. ويعرف والتر ليبمان مصطلح الرأي العام علي أنه الصور التي داخل رؤوس البشر عن ذواتهم وعن الآخرين وعن حاجاتهم وأهدافهم وعلاقاتهم، والتي تشكل آراءهم العامة، وتتشكل بوسائل الإعلام.
وتم تخطيط وسائل الإعلام وتوجيهها لإيجاد وقولبة رأي عام موحد، وقياسه بواسطة الخبراء النفسيين لتحليل وضبط الأثر المطلوب علي الشرائح والشعوب المستهدفة. وهكذا وضعت نظرية كاملة لطرق غسيل المخ وتغيير القيم والقناعات والمسلمات في المجتمع. وهناك شبكة مركبة من ملايين العاملين في إنتاج وتوزيع الرسائل الإعلامية الذين يعيشون في نطاقها، وتشكل تفكيرهم بمحتوي منتجهم الإعلامي كأنما أجريت لهم أيضا عملية غسيل مخ. وبنهاية الحرب العالمية الثانية تم تكوين الآلاف من المحاربين الثقافيين( هم اليوم بضعة ملايين) حول العالم يصممون محتوي منتج وسائل الإعلام، ويديرون شبكات الإعلام ووكالات الإعلان ومنظمات قياس الرأي.
لقد عكف المحللون النفسيون من مدرسة فرويد علي تحليل الانهيار النفسي للعامة أثناء الحرب لصناعته عمدا في وقت السلم. وتوصلوا إلي أنه باستخدام القلق والفزع والإرهاب يمكن تحويل الإنسان لحالة إذعان طفولية تتعطل فيها قوي عقله، ويسهل التنبؤ بردود أفعاله تجاه المثيرات والمواقف المختلفة. ويمكن أيضا إيجاد حالة مشابهة في المجموعات الكبيرة تمكن من التحكم فيهم والتلاعب بهم، ويمكن استخدام وسائل الإعلام لإيجاد حالات عقلية تؤدي لتفكك الشخصية وتسهل توجيهها، وهو ما لقب لاحقـا بعمليات غسيل المخ. واستخدمت وسائل الإعلام لتوصيل رسائل مبرمجة لأعداد كبيرة لخلق بيئات موجهة لأغراض غسيل المخ. ولكي لايشعر العامة بأن البيئة التي يحيون فيها موجهة، تستخدم مصادر معلومات متعددة تعطي الرسالة نفسها مع اختلاف بسيط لإخفاء وجود نمط يجمعها جميعا. وتقدم الرسائل من خلال وسائل الترفيه والتسلية المتعددة التي يقبل عليها الناس دون إكراه.
ويشير والتر ليبمان إلي: رغبة الناس لتحويل المشاكل المعقدة إلي صيغ مبسطة، وتكوين آرائهم بناء علي ما يعتقده الناس حولهم، دون أن يكون للحقيقة اعتبار في العملية. فظهور التقارير في الإعلام يضفي عليها هالة من المصداقية. ويعتقد العامة أن نجوم الإعلام هم رواد الرأي، ولهذا فلديهم القدرة علي تشكيل الرأي العام مثل القادة السياسيين تماما. ولو فكر الناس في تلك العملية لأدركوا سرها وانهارت.
ولكن العامة جهلاء ضعفاء العقول ولا يفكرون، ويعانون سوء التغذية. ولهذا تنتشر الآراء التي يتم ترويجها سريعا بينهم لأن أفهامهم كالأطفال أو كالبدائيين، وحياتهم خليط متشابك ومعقد بلا حيوية وفاعلية ولا يدركون عناصر المشاكل التي يطرحونها للنقاش. والكلمات والصور في وسائل الإعلام تستدعي جهدا من الفرد لتشكيل صورة ذهنية. لكن الوضع يختلف مع الأفلام، حيث يتم إنجاز عملية الملاحظة والوصف والتخيل بلا أي جهد يذكر للمشاهد سوي أن يظل مستيقظـا ليري علي الشاشة الصورة التي كان خياله سيبذل مجهودا لنسجها. ولهذا يتعين تخطيط الرأي العام بواسطة أخصائيين نفسيين، يقومون نيابة عن النخب بضمان الصحة العقلية للعالم.
ويسمي تيودور أدورنو من مدرسة فرانكفورت التلفاز جليسة الأطفال ذات العين الواحدة. وأظهرت الدراسات أن المشاهدين يندمجون في حالة من النشوة وغياب الوعي الجزئي، تشتد كلما طالت مدة الجلوس. ويكونون علي استعداد لقبول الرسائل التي تصل إليهم من البرامج والإعلانات، ومنكشفون تماما لعملية غسيل المخ. ويقول هال بيكر: إننا نتجه لمجتمع يشبه مجتمع أورويل في رواية1984، ولكنه أخطأ عندما ظن أن علي الأخ الأكبر أن يراقبك، إنه لا يحتاج لهذا ما دمت أنت تشاهد التلفاز.
وهكذا أصبح العالم مدمنا للتلفاز وأصبح التاريخ المعاصر مجرد أصوات مصاحبة لمشاهد حية من العنف والشذوذ. وحتى التغطية الحية لحوادث السيارات والقتل والاغتصاب والحروب والكوارث الطبيعة والهجمات الإرهابية تقدم بناء علي دراسات متفحصة تجري في الأقسام العصبية والنفسية في كليات الطب. وهناك وكالات أنباء وهيئات علمية تتخذ القرارات يوميا فيما سيعرض علي الجمهور، وما لا يجب أن يري النور أبدا. ومن المهم أن نؤكد أن وسائل الإعلام ليست شريرة بطبعها، ولكن ما يجعلها خطيرة هو التحكم في استخدامها وفي محتواها بما يخدم أهدافـا شريرة ويؤدي لتحويل المستمعين والمشاهدين إلي متسمرين أمام ما يسمعونه ويشاهدونه وقد تعطلت قدراتهم النقدية والتحليلية تماما.
___________