إن للرأي العام قوة تأثير سحرية يحس بها الناس، ويدركها المفكرون، ويخافها السياسيون المتربعون على كراسي الحكم، ويستعملها السياسيون العاملون للوصول إلى سدة الحكم. فالسياسيون وهم الذين يرعون شؤون الناس سواء أكانوا من القسم الأول وهم المنفذون أم كانوا من القسم الثاني وهم الذين ينتظرون دورهم ليكونوا منفذين ويتحينون الفرص لذلك؛ كلاهما يعمل على إيجاد الرأي العام وعلى تغييره وعلى توجيهه؛ فكل يعمل لصالحه! أما المفكرون فهم الذين يدرسون تقلبات الرأي العام وتوجهاته، ويبحثون في الأفكار السائدة فيه وفي القوى التي أوجدته، وينتقدون ويشرحون ما يتعلق بها لأنهم سائرون مع التيار الجارف! إلا إذا كانوا مفكرين سياسيين فإنهم يعتبرون من السياسيين العاملين، ولا يعتبرون من المفكرين النظريين والمنظرين. فإنهم يقومون بتقديم أفكار جديدة ويدرسون كيفية إيجاد رأي عام لها، ويقومون بالعمل على ذلك فعليا، وبالتالي تنفيذها في المجتمع.
وأما السياسيون البرجماتيون فهم الذين يسايرون الرأي العام ويحاولون أن يستغلوه، ويحققوا بواسطته مصالحهم الآنية، فلا يعملون على الاصطدام مع الرأي العام، ويعتبرون ذلك واقعية يجب موافقتها والسير حسب الظروف المواتية، فهم ليسوا عقائديين ولا مبدئيين، وإن آمنوا بعقيدة أو بمبدأ فلا يتخذونهما أساسا لعملهم السياسي، وهم مستعدون للتراجع خطوة خطوة وللتغير الفجائي حتى يحافظوا على مكانتهم في العمل السياسي ويحافظوا على تحقيق مصالحهم، وهم مستعدون للنفاق والدجل والكذب والخداع، فلا يضيرهم ذلك، ولا يخدش حياءهم إن عرفوا معنى الحياء! فهم محترفون للسياسة كمهنة أو كتجارة، ويعتبرون ذلك حنكة وقمة الذكاء والدهاء!
وأما عامة الناس فإنهم يحسون بتأثير الرأي العام وينساقون معه؛ فهم متفاعلون ومتأثرون، وهم المستهدفون منه، وهم الذين يقعون تحت سيطرته.