الرأي العام ظاهرة من مظاهر السلوك الجمعي، التي نشأت مع نشوء دول المدن، وبدء تكون الحياة السياسية في أبسط صورها بين الحكام والمحكومين، فهي ظاهرة قديمة قدم الحضارة الإنسانية، وإن عرفت بمفهومها الحديث في القرن الثامن عشر.
ويرى بعض الباحثين أن القدرة على قياس الرأي العام تفوق القدرة على تحديد مفاهيمه المرتبطة بعدة علوم إنسانية، فعلى الرغم من أن مصطلح الرأي العام ظهر حديثاً مع قيام الثورة الفرنسية، فإنه ما يزال من المصطلحات التي يصعب على الباحثين تحديدها تحديداً دقيقاً، وذلك لارتباط هذه الظاهرة بالأفراد والجماعات والمجتمع وقضاياه المختلفة.
وأصبح تأثير الرأي العام قوة لا يمكن تجاهلها في أي مجتمع أو دولة من دول العالم في الوقت الحاضر، وقد أشار جيمس لوفيل صاحب صحيفة (اطلانتيك مانسلي) الأمريكية في القرن الثامن عشر إلى أهمية الرأي العام قائلاً: " إن ضغط الرأي العام شبيه بالضغط الجوي، إنه لا يُرى لكنه يضغط بقوة ستة عشر رطلاً على البوصة المربعة ". ولم يتمتع الرأي العام من قبل بمثل هذه القوة التي يتمتع بها في أيامنا هذه. فالرأي العام في عالمنا المعاصر الذي يشهد تقدماً هائلاً في تكنولوجيا الاتصال والمعلومات، جعل الجمهور يتابع كل ما يجري حوله في العالم لحظة بلحظة، أصبح أحد العوامل المهمة والمؤثرة في عملية صنع القرار، واستحوذ على اهتمام الزعماء والقادة والحكومات والمؤسسات الاقتصادية والباحثين، وصار علماً له نظرياته، وفلسفته، وتقنياته المختلفة، ورسمت له أساليب وطرق متعددة لقياسه واستطلاع اتجاهاته وتوظيفه من قبل النظم السياسية المختلفة، سواء كانت ديمقراطية أو غير ذلك، لخدمة أهدافها وتوجهاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية.
وانتشرت في الدول المتقدمة الجامعات والمعاهد العلمية المستقلة والمتخصصة في بحوث واستطلاعات الرأي العام، وهو ما يعكس اهتمام الحكومات بهذا العلم، والرغبة في تطويره علمياً لصلته المباشرة بالجمهور وقضاياه ورغباته وتطلعاته وتفضيلاته في مختلف مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وقد انعكس هذا الاهتمام أيضاً في اتجاه الدول النامية، في عصرنا الحاضر بالرأي العام، التي بدأت بإنشاء مراكز متخصصة تهتم في بحوث واستطلاعات الرأي العام، مع تزايد حاجة الحكومات والمنظمات والأحزاب والهيئات المتعددة، سياسية كانت أو اقتصادية، لقياس الرأي العام ومعرفة اتجاهاته لصياغة أهدافها وبرامجها بما يتوافق مع اتجاهات الرأي العام لكسبه أو تحييده أو التأثير عليه بما يحقق مصالحها.
وتكمن أسباب هذا الاهتمام المتزايد بالرأي العام، ليس في ارتباط هذه الظاهرة بالواقع السياسي للمجتمعات والدول على مختلف نظمها، بل في ارتباط الظاهرة بمجمل مناحي حياة الإنسان والمجتمع، ولأن التدفق الإعلامي الضخم، نتيجة التقدم العلمي والتكنولوجي وتزايد الفجوة بين دول الشمال والجنوب، أدى إلى احتكار سوق المعلوماتية في الجزء الشمالي من العالم واحتقانه في دول الجنوب ودول العالم الثالث،مما أضعف قدرة الرأي العام على التعبير عن أولوياته الوطنية، وكان له الأثر في اختلال النظام الكوني، الأمر الذي اضعف هذه الدول ولم تستطيع أن تدافع عن كيانها وأمنها الوطني.