11=وقفات مع الذكر=11=الوقفة الثانية مع خواتيم البقرة
جاء في سبب نزولها عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} -(284)البقرة) -قال: فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جثوا على الركب فقالوا: أي رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير)) فلما اقترأها القوم ذلت بها ألسنتهم فأنزل الله في إثرها: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى وأنزل الله عز وجل: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} قال: (نعم) {رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا} قال: (نعم) {رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ} قال: (نعم) {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} رواه الإمام أحمد (9344) ومسلم (125) واللفظ لأحمد.
الإنسانية المعذبة اليوم في حياتها، المضطربة في فكرها و أنظمتها ، المتداعية في أخلاقها وقيمها، لا عاصم لها من الهاوية التي تتردى فيها إلا القرآن الكريم.حبل الله تعالى المتين..قال تعالى : "فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى .(123)ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى(124)طه".
والعقل البشري حين يتجاوز مجال إدراكه الحسي يقع في المتاهات، وعندما يقصر عن إدراك الحقيقة وفهمها يتعطل تفكيره، فتنتابه حيرة، ويتيه في عالم الضلال، وحينئذ يشق الفسوق والعصيان سبيلهما إلى أعماق القلوب وأغوار النفوس الضعيفة الإيمان، فيسوقانها سوقا إلى ساحة الكفر والبهتان .. فكان لا بد للانسان ان يطلب العون والمساعدة من خالقه وموجده واجب الوجود ليعينه وينقذه من وهدة السقوط والضلال والانحراف عن جادة الحق والصواب ومعرفة مراده سبحانه من ايجاد خلقه فكان لا سبيل لذلك الا الوحي والتنزيل..من أجل هذا وذلك كانت ايات القرآن علاجا لكل صنف، ولأجل
هذا المقصد كذلك جاءت لتحض على الإيمان، وتفضح أرباب النفاق، وتحث على الإحسان، وتمثل بالكفر وذويه، وتندد بالظلم وأصحابه، وترشد إلى الحق، وتنير الطريق، وتلبس المعنوي ثوب المحسوس فحينما سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت بكل بساطة :-كان خلقه القران..اي انه كان مجسدا للقران في واقع الحياة، وتظهر المعقول في صورة مادية شاخصة فلذلك ضرب الله تعالى الامثال في القران ليقرب الصورة الى الاذهان، وتدحض مزاعم الجاحدين المنكرين بالدليل والبرهان حتى تتجلى الحقيقة خالصة، والغاية تامة كاملة، والحجة دامغة ثابتة .لذلك وجدنا الاية تبدأ بقوله تعالى ..آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ ... ذلك ان الايمان يعني التصديق الجازم المبني على القطع واليقين المنافي والنافي للشك والظن المطابق للواقع فيصدقه الواقع ولا يكذبه
لانه الحق والحقيقة وغيره الوهم والخيال.. ولا بد للايمان ان يكون متولدا عن قناعة بدليل دامغ يقنع العقل ويصنع عنده اليقين بحجة بينة وبرهان ساطع..ولما كان هذا ما وقع للنبي سلام الله عليه ولامته فكان ايمانهم قادهم لا تباع مراد الله تعالى منهم الذي لم يكن لهم ان يعلموه الا بالوحي والتنزيل استحقوا هذه الشهادة من رب العزة جل وعلا فسجلها لهم قرانا نتلوه ونقرأه الى قيام الساعة وانعم بها شهادة من اعظم الشهود سبحانه وتعالى الحميد الشهيد. .اذا امن الرسول اعتقد وصدق جازما على وجه القطع وايقين ..والرسول صفة لمن ارسل بحمل رسالة من والى وهنا من الله تعالى الى الخلق والناس كافة وامن معه اتباعه على هذا الايمان والرسلة المؤمنون بما انزل اليك اي بالوحي المنزل عليك فهو اول المؤمنين به ومن ثم من اتبعه على هذا الايمان ليكون هذا الوحي اساسا ومنطلقا ينطلقون به في حياتهم فيشكل قاعدتهم الفكرية و هويتهم الحضارية القائمة على الايمان الرابط لهم بخالق الوجود الدافع لهم بالعمل بمراد الله منهم في كل شانهم وفي كل حياتهم ووجودهم فيحتكمون في تصرفاتهم وافعالهم وانفعالاتهم الى ما اوحي اليهم من ربهم الذي امنوا به ربا خالقا والاها حاكما.. آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ ...ولنا معكم لقاء مع وقفات اخرى مع هذه الخواتيم المباركة لهذه السورة العظيمة نفعنا الله واياكم بالقران العظيم وانار قلوبنا وعقولنا بنوره الكريم .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.