بسم الله الرحمن الرحيم
14=وقفات مع الذكر=14=الوقفة الخامسة مع خواتيم البقرة
اكملنا الحديث فيما سبق حول الايمان الذي امنه الرسول والمؤمنون وبينا انه جزم ويقين قادهم الى الاستسلام والانقياذ باذعان لله تعالى وتنفيذ امره وحده في هذه الحياة بكل شؤونها واحوالها فلما علموا قوته وعظيم قدرته وان كل ما يحصل في الوجود من امر هو من قدره تعالى سواء كان خير او شر وان ارادة الانسان المكلف بالطاعة مقدرة فيه ليختار بين الخير والشر فلا يعصى في ملكه رغما عنه تعالى ولا يطاع الا بتوفيقه وهداه
فتوجهوا له بالاستغفار والاقرار بمصيرهم انه اليه وبيديه سبحانه فان الى ربك الرجعى. وبذلك الايمان وتلك الاركان تنحل العقدة الكبرى لذى الانسان فيعلم يقينا جازما ان للكون خالحياة والانسان خالقا موجدا من العدم مدبرا لامر من خلق تدبيرا وجوديا يقتضيه الوجود واستمراريته في وجوده وتدبيرا رعويا ربانيا يقتضيه حكمته في صلاح سير الموجود في منظومة الوجود فلا يكون نشازا في منظومة النظام المفروض منه على هذا الوجود بما فيه من مفردات لاتعد ولا تحصى وكل يوم لنا اكتشافات جديدة من مجاهيل هذا الكون التي نعجز وتعجز مداركنا وحواسنا الادراكية عن الاحاطة بها.وقضية الانسان
الكبرى هي كيف ينتظم سلوكه في هذه الحياة ومن يحكم سلوكه وافعاله وتصرفاته حسنا وقبحا ومنعا واذنا..لذلك جاءت الاية الثانية والخاتمة من الخواتيم مبتدأة بقاعدة مهمة للغاية من قواعد التشريع والتكليف تجعل الانسان لا يقبل بغير الله مشرعا له في الوجود لانه الخالق الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير وهو الغني عن العالمين فلا حاجة له لان يحابي احدا ممن يشرع لهم فكلهم عبيده وخلقه فلا ينفعوه ولا يضروه
فبالتالي يضمن العدل في التكليف ويؤمن الظلم وما الله بظلام للعبيد..فلذلك قال :-لايكلف الله نفسا الا وسعها..فالتكليف ليطاق ولينفذ لا بد وان يكون في وسع المكلف ان يطيقه لينفذه..ولا اعلم من الله تعالى احد بقدرات الانسان الا هو فلذلك شرع له من التكاليف ما لا يعذر بتركه وتنفيذه لانه اعلم بما تسعه قدراته وطاقاته الذهنية والبدنية والنفسية..فجائت تكاليفه تعالى بما تطيقه وتسعه النفوس والابدان والاذهان.. وجعل من تشريعه الرخص في بعض الاحوال التي ربما تشق التكاليف فيها على النفوس وبذلك يكون التشريع من حيث هو تكليف بالاوامر والنواهي بمقدور النفوس على الدوام في مختلف الظروف والاحوال فلا يقبل باتلتالي الله تعالى منا الا التزام شرعه وما اليه وبه هدى..لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت..ولما كانت قدرات الناس وهممهم وجهودهم متفاوتة فجعل الحساب بالثواب او العقاب على قدر الاكتساب والكسب وهذا منتهى العدل والاحسان. ولنا هنا وقفة مع كسبت واكتسبت والفروق اللغوية اللازم بيانها..فهناك فَرْق بين: فَعَل وافْتَعَل، (فَعَل) أي الفعل الطبيعي الذي ليس فيه مبالغة ولا تكلُّف، أما (افتعل) ففِعْل فيه تكلُّف ومبالغة، ومثاله : كسب واكتسب، كسب: أنْ تأخذ في الشيء فوق ما أعطيت، كما لو اشتريت بخمسة وبِعْتَ بسبعة مثلاً فهذا كسْب، أما اكتسب ففيها زيادة وافتعال اي زيادة وتعدي على الطبيعي.
لذلك تجد في العُرْف اللغوي العام أن كسب تأتي في الخير واكتسب تأتي في الشر، مثل قوله تعالى:{ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ... }[البقرة: 286] لها ما كسبتْ تفيد الملكية، وعليها تفيد الدَّيْن. ذلك لأن الأمر الحلال يأتي طبيعياً تلقائياً، أما الحرام فيحتاج إلى محاولة وافتعال واحتياط، فحين تنظر مثلاً إلى زوجتك تكون طبيعياً لا تتكلف شيئاً، أما حين تنظر إلى امرأة جميلة في الشارع، فإنك تتلصص لذلك وتسرق النظرات، خشية أن يطلع أحد على فِعْلتِك، هذا هو الفرق بين الحلال والحرام..والحرام ما تردد في صدرك وخشيت ان يطلع عليه الناس هكذا وصفه الحبيب سلام الله عليه. و آية واحدة في كتاب الله جاء فيها الفعل كسب في الشر، وذلك في قوله تعالى:{ بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـۤئَتُهُ فَأُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ... } [البقرة: 81]. فلماذا عبر هنا بكسب؟ قالوا: لأن الآية في مَنْ تعوَّد السيئات، وأحاطت به الخطايا حتى أصبحت عادة، وسَهُلَتْ عليه حتى صارت عنده كالحلال، يفعله بلا تكلُّف، بل ويجاهر به ويتباهى،و هذا هو المجَاهر الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل أمتي مُعَافَى إلا المجَاهرون " وفيه: " ستر الله عليه وأصبح يفضح نفسه ". وهذا الذي يُسَرُّ بالمعصية ويتباهى بها بلغ به الاحتراف أنه يستطيع أنْ يستر حركات انفعاله في الحرام، كأنها الحلال بعينه؛ لذلك جاء الفعل كسب هنا، وكأن السيئة أصبحت مَلكةً عنده يتصرفها وكانها طبيعته الاساس والعياذ بالله وانظر قوله واحاطت به خطيئته اي اصبحت حياته كلها خطايا واثام لا يتحرج من فعلها اعاذنا الله تعالى واياكم من ذلك واترككم في حفظ الله ورعايته الى ان يتجدد لقائنا بكم على محبة الله ورسوله مع وقفات اخرى فاستودعكم الله الذي لا يضيع ودائعه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
14=وقفات مع الذكر=14=الوقفة الخامسة مع خواتيم البقرة
اكملنا الحديث فيما سبق حول الايمان الذي امنه الرسول والمؤمنون وبينا انه جزم ويقين قادهم الى الاستسلام والانقياذ باذعان لله تعالى وتنفيذ امره وحده في هذه الحياة بكل شؤونها واحوالها فلما علموا قوته وعظيم قدرته وان كل ما يحصل في الوجود من امر هو من قدره تعالى سواء كان خير او شر وان ارادة الانسان المكلف بالطاعة مقدرة فيه ليختار بين الخير والشر فلا يعصى في ملكه رغما عنه تعالى ولا يطاع الا بتوفيقه وهداه
فتوجهوا له بالاستغفار والاقرار بمصيرهم انه اليه وبيديه سبحانه فان الى ربك الرجعى. وبذلك الايمان وتلك الاركان تنحل العقدة الكبرى لذى الانسان فيعلم يقينا جازما ان للكون خالحياة والانسان خالقا موجدا من العدم مدبرا لامر من خلق تدبيرا وجوديا يقتضيه الوجود واستمراريته في وجوده وتدبيرا رعويا ربانيا يقتضيه حكمته في صلاح سير الموجود في منظومة الوجود فلا يكون نشازا في منظومة النظام المفروض منه على هذا الوجود بما فيه من مفردات لاتعد ولا تحصى وكل يوم لنا اكتشافات جديدة من مجاهيل هذا الكون التي نعجز وتعجز مداركنا وحواسنا الادراكية عن الاحاطة بها.وقضية الانسان
الكبرى هي كيف ينتظم سلوكه في هذه الحياة ومن يحكم سلوكه وافعاله وتصرفاته حسنا وقبحا ومنعا واذنا..لذلك جاءت الاية الثانية والخاتمة من الخواتيم مبتدأة بقاعدة مهمة للغاية من قواعد التشريع والتكليف تجعل الانسان لا يقبل بغير الله مشرعا له في الوجود لانه الخالق الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير وهو الغني عن العالمين فلا حاجة له لان يحابي احدا ممن يشرع لهم فكلهم عبيده وخلقه فلا ينفعوه ولا يضروه
فبالتالي يضمن العدل في التكليف ويؤمن الظلم وما الله بظلام للعبيد..فلذلك قال :-لايكلف الله نفسا الا وسعها..فالتكليف ليطاق ولينفذ لا بد وان يكون في وسع المكلف ان يطيقه لينفذه..ولا اعلم من الله تعالى احد بقدرات الانسان الا هو فلذلك شرع له من التكاليف ما لا يعذر بتركه وتنفيذه لانه اعلم بما تسعه قدراته وطاقاته الذهنية والبدنية والنفسية..فجائت تكاليفه تعالى بما تطيقه وتسعه النفوس والابدان والاذهان.. وجعل من تشريعه الرخص في بعض الاحوال التي ربما تشق التكاليف فيها على النفوس وبذلك يكون التشريع من حيث هو تكليف بالاوامر والنواهي بمقدور النفوس على الدوام في مختلف الظروف والاحوال فلا يقبل باتلتالي الله تعالى منا الا التزام شرعه وما اليه وبه هدى..لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت..ولما كانت قدرات الناس وهممهم وجهودهم متفاوتة فجعل الحساب بالثواب او العقاب على قدر الاكتساب والكسب وهذا منتهى العدل والاحسان. ولنا هنا وقفة مع كسبت واكتسبت والفروق اللغوية اللازم بيانها..فهناك فَرْق بين: فَعَل وافْتَعَل، (فَعَل) أي الفعل الطبيعي الذي ليس فيه مبالغة ولا تكلُّف، أما (افتعل) ففِعْل فيه تكلُّف ومبالغة، ومثاله : كسب واكتسب، كسب: أنْ تأخذ في الشيء فوق ما أعطيت، كما لو اشتريت بخمسة وبِعْتَ بسبعة مثلاً فهذا كسْب، أما اكتسب ففيها زيادة وافتعال اي زيادة وتعدي على الطبيعي.
لذلك تجد في العُرْف اللغوي العام أن كسب تأتي في الخير واكتسب تأتي في الشر، مثل قوله تعالى:{ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ... }[البقرة: 286] لها ما كسبتْ تفيد الملكية، وعليها تفيد الدَّيْن. ذلك لأن الأمر الحلال يأتي طبيعياً تلقائياً، أما الحرام فيحتاج إلى محاولة وافتعال واحتياط، فحين تنظر مثلاً إلى زوجتك تكون طبيعياً لا تتكلف شيئاً، أما حين تنظر إلى امرأة جميلة في الشارع، فإنك تتلصص لذلك وتسرق النظرات، خشية أن يطلع أحد على فِعْلتِك، هذا هو الفرق بين الحلال والحرام..والحرام ما تردد في صدرك وخشيت ان يطلع عليه الناس هكذا وصفه الحبيب سلام الله عليه. و آية واحدة في كتاب الله جاء فيها الفعل كسب في الشر، وذلك في قوله تعالى:{ بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـۤئَتُهُ فَأُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ... } [البقرة: 81]. فلماذا عبر هنا بكسب؟ قالوا: لأن الآية في مَنْ تعوَّد السيئات، وأحاطت به الخطايا حتى أصبحت عادة، وسَهُلَتْ عليه حتى صارت عنده كالحلال، يفعله بلا تكلُّف، بل ويجاهر به ويتباهى،و هذا هو المجَاهر الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل أمتي مُعَافَى إلا المجَاهرون " وفيه: " ستر الله عليه وأصبح يفضح نفسه ". وهذا الذي يُسَرُّ بالمعصية ويتباهى بها بلغ به الاحتراف أنه يستطيع أنْ يستر حركات انفعاله في الحرام، كأنها الحلال بعينه؛ لذلك جاء الفعل كسب هنا، وكأن السيئة أصبحت مَلكةً عنده يتصرفها وكانها طبيعته الاساس والعياذ بالله وانظر قوله واحاطت به خطيئته اي اصبحت حياته كلها خطايا واثام لا يتحرج من فعلها اعاذنا الله تعالى واياكم من ذلك واترككم في حفظ الله ورعايته الى ان يتجدد لقائنا بكم على محبة الله ورسوله مع وقفات اخرى فاستودعكم الله الذي لا يضيع ودائعه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.