الأنانية الأخلاقية
الأنانية هي صفة خلقية لا يمكن للإنسان الفكاك منها. هل هي صفة ايجابية؟ هل هي صفة سلبية؟ كيف فهمت الفلسفة وعلم النفس موضوع الأنانية؟
مثلا تختلف الأنانية الأخلاقية عن الأثرة النفسية، التي تشير إلى أن الناس لا يمكنهم التصرف سوى بما يحقق مصلحتهم الشخصية. وتختلف كذلك عن الأثرة العقلانية، التي ترى أنه من العقلانية التصرف بما يتفق مع مصلحة المرء الشخصية.
الأنانية أو ألغرورية، هي الاعتقاد بأن المصلحة الشخصيّة الفردية هي الدافع الملائم لكلّ العمل الواعي، مما يجعل المصلحة الشخصيّة الفردية هي النهاية الصحيحة لكلّ الأعمال.
لا اعني بالأنانية سلبيات أخلاقية إطلاقا. هي ظاهرة أخلاقية لها جوانبها الايجابية الكبيرة، وتخلق دوافع للتقدم والرقي . ولها جوانب سلبية، يبدو ان التعبير يوحي بها تلقائيا.. لو عدنا للتعبير اللاتيني نجد أن الأصل جاء من ego والتي تعني "أنا" والمصطلح تحول الى egoism ، وتفسره الفلسفة الحديثة بأنه مبدأ في الحياة وخصلة خلقية يدلان على سلوك الانسان من زاوية موقفه من المجتمع والناس الآخرين، وان الانسان يؤثر في علاقاته مصلحته الخاصة على مصالح الآخرين، وهذا أمر طبيعي بحدود أخلاقية معينة.وتشكل الانانية إحدى أكثر تجليات الفردية صراحة وعلنية.
تناولت الفلسفة الإغريقية موضوع الأخلاق بتوسع وعالجت ما يعرف ب "الأنانية العقلانية" وهي أنانية تتميز بجعلها مصلحة الفرد الذاتية فوق أي اعتبار آخر.
طبعا هناك أشكال أخرى من الأنانية لا تختلف بجوهرها كثيرا مثل "الأنانية النفسية" التي تعالج الدافع النفسي، وهي أكثر في مجال الطب النفسي. وهناك "الأنانية الرشيدة" تتعلق بـالرشد من مفهوم إن الرشد قد يرتبط وقد لا يرتبط بالأخلاق. كما تختلف الأنانية الأخلاقية عن الأنانية اللا أخلاقية.
الأهم هنا ان نتناول الأنانية من حيث صفتها الاجتماعية، وارى ان كل التعريفات الأخرى تجتهد لتدور أخيرا بنفس المحور: الأنانية بصفتها ظاهرة أخلاقية!!
ناقش الفيلسوف الإنجليزي ديريك بارفيت (ولد عام 1942)، نظرية "الأنانية العقلانية" ، كتب: "نظرًا لأن العلاقات بين الحالة العقلية الحاضرة والحالة العقلية لمستقبل الشخص قد تقل، فمن غير المعقول الإدعاء أن على المرء التحلي بالحيادية بين حاضره ومستقبله".
الكاتبة والفيلسوفة آين راند (روسية مقيمة في أمريكا اسمها الأصلي أليسا زينوفيفنا ولدت عام 1982) أطلقت على "الأنانية العقلانية" تعبير "الاهتمام بالذات العقلاني"، شرحت في كتابها فضيلة الأنانية (1964) شرحًا وافيًا مفهوم الأنانية العقلانية، حيث أكدت ان الرجل العقلاني يؤمن أن حياته هي أغلى ما يملك وأن العقلانية هي الفضيلة العليا وسعادته هي أسمى أهداف حياته.
من المهم التمييز بين الأنانية والنرجسية التي هي اضطراب في الشخصية حيث تتميز بالغرور، التعالي، الشعور بالأهمية ومحاولة الكسب ولو على حساب الآخرين.
الفيلسوف الهولندي باروخ سبينوزا (القرن السابع عشر) يرى ان المبدأ الأساسي الذي يتحكم في الكائنات الإنسانية هو قانون الشهوة الذي يمثل الدافع الحيوي وإرادة الحياة وقال: "يجعل قانون الشهوة الإنسان كائنا أنانيا بامتياز".
كما ذكرت أعلاه اهتمت الفلسفة الاغريقية بكل ما يتعلق بطبائع الانسان، أي أن الفكر الانساني منذ الاغريق، كان متنبها للكثير من العوامل التي تبدو وكأنها بنت يومنا.
وقد جاءتني فكرة لقصة عن مفهوم الأنانية خلال قراءتي عن مفهوم الأنانية الفلسفي، وكيف فسره افلاطون وصحبه، فبدأت خيوط الحدث القصصي تتشكل ، حول قضية تعتبر في المجتمعات العربية والغربية ظاهرة سائدة، تقريبا بنفس العقلية ونفس الميول الأنانية.
من الخطأ تقييمها سلبا فقط ، لأننا بدون الأنانية نفتقد للكثير من الدوافع الايجابية التي تعود بالخير من "نشاطنا الأناني" على المجتمع والناس. النموذج الأقرب كتابة نصوص قصصية تشد القارئ وتثير اهتمامه ونشاطه الذهني.. الكاتب لولا انانيته ، لما امسك القلم.. الكتابة هي تعبير عن تجليات الأنانية ، التي يطمح اليها كل من حمل القلم وأبدع نصا ما.. فهل نقول عنها لا أخلاقية؟
اذن الأنانية تخضع للنسبية أيضا.. أي ان الحكم عليها غير مطلق.. انما قياسا لعدم تجاوزها حدود حق الآخرين بان لا يخضعوا لأنانية فرد ما لدرجة إلغاء أنانيهم .. والنظريات الجديدة واسعة للغاية، وبعضها يربط الأنانية بنوع النظام أيضا، وليس بالفرد فقط...وما جعلني أضيف أفلاطون وصحبه للقصة ، ينبع من قناعتي ان القصة ليست نصا للمتعة فقط، انما مادة فكرية للتوعية ايضا ، التوعية للواقع الاجتماعي والتوعية الذهنية بما ابدعه الفكر الانساني، وواضح أن الفلسفة تشكل قمة الابداع الذهني للبشرية.
************