إن الساسة والمفكرين الغربيين يعتبرون "الغنوشي" رمزا من رموز الفكر المعاصر، ومثالا للسياسي المحنك، وهذا صحيح؛ إذا علمنا أن الأساس الذي يستند إليه الغرب في تقييمه لهذه الشخصيات هو الأساس الذي يقوم عليه مبدؤهم الرأسمالي، أي عقيدة فصل الدين عن الحياة.
لأنه من غير المعقول أن يقيم الغرب أمثال هذا الرجل بمعايير غير معاييره. فالساسة والمفكرون الغربيون ليسوا حمقى وأغبياء ليتولوا بأنفسهم هدم عقيدتهم الرأسمالية وحضارتهم الصليبية نصرة للعقيدة الإسلامية وحضارتها بتكريم هؤلاء...
لكن الحمقى والأغبياء حقا هم الذين يفتخرون ويتباهون أمام العالم بهذا التكريم الذي يحظى به قادتهم وزعمائهم.
وما كنا لنقول عنهم حمقى وأغبياء لو اعترفوا وأقروا صراحة بعلمانية صاحبهم وتبرءوا منه ومن منهجه واتجاهه، لكن إصرارهم على الالتصاق به والسير على خطاه، باعتباره السياسي المحنك والمفكر العبقري والنموذج المثالي للإسلام المعتدل المناقض في كلياته وجزئياته لإسلامنا الصافي والنقي، هو الذي دعانا إلى استنتاج هذا الرأي بناءً على مفاهيمنا الإسلامية ومعاييرنا الشرعية في تمييز النباهة والذكاء عن الحماقة والغباء . وهذا هو الفاصل بيننا وبينهم.
فالغرب لا يزكي أحدا ولا ينفق عليه الأموال ويسند له الجوائز إلا بشرط. ألا وهو تغيير ما نزل به الوحي من كلام الله عز وجل، قال تعالى: ﴿وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَاتُنَا بَيِّنَـٰتٍ۬ۙ قَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا ٱئۡتِ بِقُرۡءَانٍ غَيۡرِ هَـٰذَآ أَوۡ بَدِّلۡهُۚ قُلۡ مَا يَكُونُ لِىٓ أَنۡ أُبَدِّلَهُ ۥ مِن تِلۡقَآىِٕ نَفۡسِىٓۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَىَّۖ إِنِّىٓ أَخَافُ إِنۡ عَصَيۡتُ رَبِّى عَذَابَ يَوۡمٍ عَظِيمٍ۬﴾(يونس / ١٥). فما جاء به القرآن الكريم يفند سياسة التوافق التي ينادي بها "الغنوشي" ويصفق لها أتباعه. فما يهواه الغرب وتلاميذه لا يتفق مع كتاب الله، فهم لا يرضون عنا حتى نغير هذا القرآن ونبدله بكتاب آخر يوافق أهواءهم، ومن بدله من تلقاء نفسه نزولا عند رغبتهم فهو منهم وليس منا، وهو عاص لربه ولا يخاف عذابه.
كما أنه من المحال أن يقدم الغرب على تكريم وإسناد الجوائز لمن يقارعه بآيات الله. لأن الله أخبرنا عن حالهم إذ قال جل من قائل: ﴿وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَـٰتُنَا بَيِّنَـٰتٍ۬ تَعۡرِفُ فِى وُجُوهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلۡمُنڪَرَۖ يَكَادُونَ يَسۡطُونَ بِٱلَّذِينَ يَتۡلُونَ عَلَيۡهِمۡ ءَايَـٰتِنَاۗ قُلۡ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ۬ مِّن ذَٲلِكُمُۗ ٱلنَّارُ وَعَدَهَا ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ﴾(الحج / ٧٢)، وهكذا ندرك أن الحفاوة التي يحظى بها "الغنوشي" من قبل الغرب، والجوائز التي تسند إليه، لا تدل إلا عن رضاهم عليه وعلى منهجه العلماني. إذ لو كان العكس لصنعوا به ما يصنعونه بالمخلصين من حملة الدعوة الإسلامية. لأن قوله تعالى: ﴿يَكَادُونَ يَسۡطُونَ بِٱلَّذِينَ يَتۡلُونَ عَلَيۡهِمۡ ءَايَـٰتِنَاۗ ﴾ يعني " البطش"، أي يقاربون أن يصولوا على الذين يتلون عليهم الآيات من شدّة الغضب والغيظ من سماع القرآن. وهذا كناية عن امتلاء نفوسهم من الإنكار والغيظ حتى تجاوز أثرُه بواطنهم فظهر على وجوههم. أي بمجرد سماعهم لكلام الله تراهم يفكرون في البطش بالمؤمنين، فما بالك حينما يرون أننا نعمل بالكتاب والسنة ونضحي بأنفسنا من أجلهما، فيا ترى هل سيثنون علينا ويكافئوننا بالجوائز؟.
الأستاذ: خالد العمراوي