حين تصنع واشنطن «عفريت» داعش.. ثم لا تعرف كيف «تصرفه»؟
د. رفعت سيد أحمد
ربما لم يعد سراً فى التقارير والوثائق الدولية ذلك الدور الأمريكى فى صناعة جماعات الإرهاب فى المنطقة وتوظيفها، ثم بعد أن تعجز عن ذلك تحاربها، فتفشل، فتستعين بالحلفاء الذين أغلبهم مارس نفس الدور صنع «العفريت» أو الوحش ثم عجز عن تحجيمه فانقلب عليه!!
■ فى أسبوع واحد قرأت دراستين أمريكيتين، غاية فى الأهمية الأولى للمفكر الأمريكى المعروف «نعوم تشومسكى» وتحمل عنوان «من يحكم العالم»، والثانية للخبير فى دراسات الحركات الإسلامية يعقوب أوليدورن «وهو يعمل فى معهد واشنطن» وتحمل عنوان «تغذية آلة تنظيم الدولة الإسلامية» فى كلتا الدراستين تتجه أصابع الاتهام إلى واشنطن «وبعض عواصم الغرب» أنهم هم من أنتج تنظيم الدولة الإسلامية، سواء بشكل مباشر أو عبر سياسات استعمارية فاضحة للبلاد التى ابتليت بهذا «الوحش» المسمى بتنظيم الدولة.
ولعل ما توصل إليه الباحثان، ليس جديداً، فلقد سبقهم فى هذا المضمار كثيرون من الساسة والخبراء فى الغرب والشرق إنما الجديد هو فى توقيت نشر هذه الدراسات وأحياناً فى بعض الحقائق المهمة التى وردت فيها والتى تؤكد ضلوع واشنطن الصريح فى الدعم بالمال والمخابرات، ونفط الخليج فى خلق هذا التنظيم فى العراق، ومساعدته فى تدمير سوريا وتفكيك ليبيا، وبالتواطؤ معه فى سيناء، ولنلاحظ أن القوات الأمريكية والإسرائيلية فى سيناء وحولها لم تمس بسوء من قبل هذا التنظيم خلال السنوات الثلاث الماضية !! «هكذا يلمح الخبراء الغربيون».
■ يحدثنا التاريخ أن واشنطن وتل أبيب صنعتا «عفريت» داعش وهى الآن عاجزة عن صرفه «وفقاً للمثل الشعبى المصرى الشائع»، فلقد كان الهدف الرئيسى من صناعة وحش الإرهاب فى سجون الاحتلال الأمريكى للعراق ابتداء من عام 2003 هو خلق بيئة اجتماعية متصارعة «سنة وشيعة» تسهل للمحتل بقاء أطول وامتصاصاً لثروات البلاد من النفط، أسهل وأسرع، مع تفكيك للجيش العراقى، خدمة للجيش الإسرائيلى كى يبقى هو الجيش الوحيد المتماسك فى المنطقة وهو ما حدث فعلاً، إلا أن التنظيم تمدد إلى سوريا عام 2011، وخرج عن السيطرة، سيطرة المخابرات الأمريكية التى صنعته فى داخل سجونها أو عبر سياساتها الاستعمارية الدامية فى العراق.
■ ولكى لا ننسى وللتأكيد على حقيقة الدور الأمريكى فى صناعة داعش، فإن وقائع تلك الأيام تؤكد بالوثائق أن تنظيم داعش انبثق من تنظيم القاعدة «قاعدة الجهاد فى بلاد الرافدين» والمعروفة آنئذ باسم تنظيم القاعدة فى العراق وهى التى شكلها أبومصعب الزرقاوى فى عام 2004، وهو تنظيم سهل الاحتلال إنشائه لتوظيفه فى المعارك ضد الشيعة.
بدأ بتكوين الدولة الإسلامية فى العراق فى 15 أكتوبر 2006 إثر اجتماع مجموعة من الفصائل المسلحة ضمن معاهدة بين المجموعات المسلحة ومندوبين عراقيين عن المحتل واسمه «حلف المطيبين» وتم اختيار « أبى عمر البغدادى» زعيماً له وبعدها تبنى العديد من العمليات النوعية الإرهابية الدامية داخل العراق آنذاك، وبعد مقتل أبى عمر البغدادى فى يوم الاثنين 19/4/2010 أصبح أبوبكر البغدادى زعيماً لهذا التنظيم، وشهد عهد أبى بكر توسعاً فى العمليات النوعية المتزامنة «كعملية البنك المركزى، ووزارة العدل، واقتحام سجنى أبوغريب والحوت»، وخلال الأحداث الجارية فى سوريا واقتتال الجماعات المسلحة مع القوات الحكومية السورية؛ تم وبرعاية أمريكية وقطرية وتركية؛ تشكيل تنظيم جبهة النصرة لأهل الشام أواخر سنة 2011، وسرعان ما نمت قدراتها لتصبح فى غضون أشهر من أبرز القوى الإجرامية فى سوريا، وفى 9/4/2013 وبرسالة صوتية بُثت عن طريق شبكة «شموخ الإسلام» التابعة لتنظيم داعش، أعلن من خلالها أبوبكر البغدادى دمج فرع تنظيم القاعدة فى سوريا «جبهة النصرة» مع دولة العراق الإسلامية تحت مسمى الدولة الإسلامية فى العراق والشام الذى يرمز لحروفها الأولى باسم «داعش»، وكان الراعى لهذا الدمج مخابرات تركيا وبعض دول الخليج بأوامر أمريكية لتفكيك سوريا، وما زالت هذه الجماعات الإرهابية تقاتل الدولة فى سوريا والعراق والآن فى ليبيا حتى اليوم «2016». وقتلت من الشعب السورى ما يزيد على الـ200 ألف شهيد، واستلمت من الممولين النفطيين والأوروبيين ما يقدر بـ150 مليار دولار تسليحاً وتدريباً !! ثم بدأت تنتقل إلى سيناء تحت اسم تنظيم داعش ولاية سيناء والذى يتلقى أسلحته المتطورة بما فيها أجهزة الاتصالات والقنابل الفراغية بل والقنابل المضادة للطائرات، كل ذلك يتلقاه من «إسرائيل» والتقارير والتحقيقات السرية تؤكد ذلك !!
إذاً.. قصة الإرهاب فى منطقتنا خلال السنوات الخمس الماضية، تؤكد فصولها أن ثمة دوراً أمريكياً و«نفطياً» وتركياً واضحاً، فى صناعته، لتفكيك دول وجيوش المنطقة لإعادة تركيبها على الهوى والمصلحة الأمريكية والإسرائيلية «لاحظ أن كثيرا من قادة وكوادر داعش والنصرة والجيش السورى الحر يعالجون الآن فى مستشفيات إسرائيل، والمعارض السلمى «!!» كمال اللبوانى أحد رموز المعارضة السياسية زار الكنيست الإسرائيلى والتقى قادة المخابرات الإسرائيلية عدة مرات».
إن الهدف المشترك بين صناع وممولى هذا الإرهاب وبين الإرهابيين واضح، وهو تفكيك دول وجيوش المنطقة، ولكن هل يستمر الهدف؟ إن تاريخ التفجيرات فى أوروبا وأحدث فصولها جرت فى «باريس – بروكسل» تؤكد أن هؤلاء الإرهابيين حلفاء واشنطن وتل أبيب وبعض عواصم الغرب والخليج «!!»، لا صديق لهم، ولا سقف لإرهابهم وأن أول يد سيقطعونها هى اليد التى دربتهم وعلمتهم حمل السلاح تجاه أوطانهم. لكن هل يفهم الغرب ذلك؟! لا أظن، لذلك.. ستطول فصول قصة الإرهاب الدامى، فى منطقتنا، طالما لم نمتلك نحن أصحاب الأرض، استراتيجية عربية مستقلة لمواجهته!! والله أعلم.
حين تصنع واشنطن «عفريت» داعش.. ثم لا تعرف كيف «تصرفه»؟
د. رفعت سيد أحمد
ربما لم يعد سراً فى التقارير والوثائق الدولية ذلك الدور الأمريكى فى صناعة جماعات الإرهاب فى المنطقة وتوظيفها، ثم بعد أن تعجز عن ذلك تحاربها، فتفشل، فتستعين بالحلفاء الذين أغلبهم مارس نفس الدور صنع «العفريت» أو الوحش ثم عجز عن تحجيمه فانقلب عليه!!
■ فى أسبوع واحد قرأت دراستين أمريكيتين، غاية فى الأهمية الأولى للمفكر الأمريكى المعروف «نعوم تشومسكى» وتحمل عنوان «من يحكم العالم»، والثانية للخبير فى دراسات الحركات الإسلامية يعقوب أوليدورن «وهو يعمل فى معهد واشنطن» وتحمل عنوان «تغذية آلة تنظيم الدولة الإسلامية» فى كلتا الدراستين تتجه أصابع الاتهام إلى واشنطن «وبعض عواصم الغرب» أنهم هم من أنتج تنظيم الدولة الإسلامية، سواء بشكل مباشر أو عبر سياسات استعمارية فاضحة للبلاد التى ابتليت بهذا «الوحش» المسمى بتنظيم الدولة.
ولعل ما توصل إليه الباحثان، ليس جديداً، فلقد سبقهم فى هذا المضمار كثيرون من الساسة والخبراء فى الغرب والشرق إنما الجديد هو فى توقيت نشر هذه الدراسات وأحياناً فى بعض الحقائق المهمة التى وردت فيها والتى تؤكد ضلوع واشنطن الصريح فى الدعم بالمال والمخابرات، ونفط الخليج فى خلق هذا التنظيم فى العراق، ومساعدته فى تدمير سوريا وتفكيك ليبيا، وبالتواطؤ معه فى سيناء، ولنلاحظ أن القوات الأمريكية والإسرائيلية فى سيناء وحولها لم تمس بسوء من قبل هذا التنظيم خلال السنوات الثلاث الماضية !! «هكذا يلمح الخبراء الغربيون».
■ يحدثنا التاريخ أن واشنطن وتل أبيب صنعتا «عفريت» داعش وهى الآن عاجزة عن صرفه «وفقاً للمثل الشعبى المصرى الشائع»، فلقد كان الهدف الرئيسى من صناعة وحش الإرهاب فى سجون الاحتلال الأمريكى للعراق ابتداء من عام 2003 هو خلق بيئة اجتماعية متصارعة «سنة وشيعة» تسهل للمحتل بقاء أطول وامتصاصاً لثروات البلاد من النفط، أسهل وأسرع، مع تفكيك للجيش العراقى، خدمة للجيش الإسرائيلى كى يبقى هو الجيش الوحيد المتماسك فى المنطقة وهو ما حدث فعلاً، إلا أن التنظيم تمدد إلى سوريا عام 2011، وخرج عن السيطرة، سيطرة المخابرات الأمريكية التى صنعته فى داخل سجونها أو عبر سياساتها الاستعمارية الدامية فى العراق.
■ ولكى لا ننسى وللتأكيد على حقيقة الدور الأمريكى فى صناعة داعش، فإن وقائع تلك الأيام تؤكد بالوثائق أن تنظيم داعش انبثق من تنظيم القاعدة «قاعدة الجهاد فى بلاد الرافدين» والمعروفة آنئذ باسم تنظيم القاعدة فى العراق وهى التى شكلها أبومصعب الزرقاوى فى عام 2004، وهو تنظيم سهل الاحتلال إنشائه لتوظيفه فى المعارك ضد الشيعة.
بدأ بتكوين الدولة الإسلامية فى العراق فى 15 أكتوبر 2006 إثر اجتماع مجموعة من الفصائل المسلحة ضمن معاهدة بين المجموعات المسلحة ومندوبين عراقيين عن المحتل واسمه «حلف المطيبين» وتم اختيار « أبى عمر البغدادى» زعيماً له وبعدها تبنى العديد من العمليات النوعية الإرهابية الدامية داخل العراق آنذاك، وبعد مقتل أبى عمر البغدادى فى يوم الاثنين 19/4/2010 أصبح أبوبكر البغدادى زعيماً لهذا التنظيم، وشهد عهد أبى بكر توسعاً فى العمليات النوعية المتزامنة «كعملية البنك المركزى، ووزارة العدل، واقتحام سجنى أبوغريب والحوت»، وخلال الأحداث الجارية فى سوريا واقتتال الجماعات المسلحة مع القوات الحكومية السورية؛ تم وبرعاية أمريكية وقطرية وتركية؛ تشكيل تنظيم جبهة النصرة لأهل الشام أواخر سنة 2011، وسرعان ما نمت قدراتها لتصبح فى غضون أشهر من أبرز القوى الإجرامية فى سوريا، وفى 9/4/2013 وبرسالة صوتية بُثت عن طريق شبكة «شموخ الإسلام» التابعة لتنظيم داعش، أعلن من خلالها أبوبكر البغدادى دمج فرع تنظيم القاعدة فى سوريا «جبهة النصرة» مع دولة العراق الإسلامية تحت مسمى الدولة الإسلامية فى العراق والشام الذى يرمز لحروفها الأولى باسم «داعش»، وكان الراعى لهذا الدمج مخابرات تركيا وبعض دول الخليج بأوامر أمريكية لتفكيك سوريا، وما زالت هذه الجماعات الإرهابية تقاتل الدولة فى سوريا والعراق والآن فى ليبيا حتى اليوم «2016». وقتلت من الشعب السورى ما يزيد على الـ200 ألف شهيد، واستلمت من الممولين النفطيين والأوروبيين ما يقدر بـ150 مليار دولار تسليحاً وتدريباً !! ثم بدأت تنتقل إلى سيناء تحت اسم تنظيم داعش ولاية سيناء والذى يتلقى أسلحته المتطورة بما فيها أجهزة الاتصالات والقنابل الفراغية بل والقنابل المضادة للطائرات، كل ذلك يتلقاه من «إسرائيل» والتقارير والتحقيقات السرية تؤكد ذلك !!
إذاً.. قصة الإرهاب فى منطقتنا خلال السنوات الخمس الماضية، تؤكد فصولها أن ثمة دوراً أمريكياً و«نفطياً» وتركياً واضحاً، فى صناعته، لتفكيك دول وجيوش المنطقة لإعادة تركيبها على الهوى والمصلحة الأمريكية والإسرائيلية «لاحظ أن كثيرا من قادة وكوادر داعش والنصرة والجيش السورى الحر يعالجون الآن فى مستشفيات إسرائيل، والمعارض السلمى «!!» كمال اللبوانى أحد رموز المعارضة السياسية زار الكنيست الإسرائيلى والتقى قادة المخابرات الإسرائيلية عدة مرات».
إن الهدف المشترك بين صناع وممولى هذا الإرهاب وبين الإرهابيين واضح، وهو تفكيك دول وجيوش المنطقة، ولكن هل يستمر الهدف؟ إن تاريخ التفجيرات فى أوروبا وأحدث فصولها جرت فى «باريس – بروكسل» تؤكد أن هؤلاء الإرهابيين حلفاء واشنطن وتل أبيب وبعض عواصم الغرب والخليج «!!»، لا صديق لهم، ولا سقف لإرهابهم وأن أول يد سيقطعونها هى اليد التى دربتهم وعلمتهم حمل السلاح تجاه أوطانهم. لكن هل يفهم الغرب ذلك؟! لا أظن، لذلك.. ستطول فصول قصة الإرهاب الدامى، فى منطقتنا، طالما لم نمتلك نحن أصحاب الأرض، استراتيجية عربية مستقلة لمواجهته!! والله أعلم.