اضواء الحكمة على مصطلح الحكمة
تعددت تعريفات هذا المصطلح واستعمالات هذا اللفظ واطلاقاته عند اهل العلوم وعند اهل المذاهب والفكر وعند اهل النطق والالسنة من بني البشر. الا ان القاسم المشترك بين تلك الاستعمالات هو العلم مع العمل، اي العلم بالحقيقة المؤدي للعمل بمقتضاها بموجب سلوك الطريق الصحيح للوصول اليها ثم سلوك الطريق الصحيح المؤدي للعمل بمقتضاها فاذا سلمت المعرفة، وجب سلامة الطريق في السلوك لحفظ سلامة الحقيقة، وعدم تشوهها بحفظ سلامة الطريق الذي تقتضيه الحقيقة قبل معرفتها وبعد الوصول اليها.
وكون الانسان ناقص لا يصح عند العقلاء ان يكون مصدرا للحكمة بل هو يبقى دوما باحثا عنها وطالبا و كاشفا لها لان منبع الحكمة ومصدرها هو من اوجد الوجود الحكيم العليم الخبير، فلذلك فرقوا بين الحكمة الالاهية والحكمة الانسانية .
فأمّا الحكمة الإلهية كما قال صاحب التعريفات:- فهي علم يبحث في أحوال ما هو خارج عن قدرتنا واختيارنا، وهي تنقسم إلى حكمة منطوقة وأخرى غير منطوقة، فالمنطوقة تدل على علوم وأحكام الشريعة، وأما غير المنطوقة تسمى أيضاً ب"الحكمة المسكوت عنها"، والحكمة المسكوت عنها هي أسرار الحقيقة التي لا يطلع عليها علماء الرّسوم أي علماء ما هو ظاهر من الشريعة، ولا يطلع عليها العوام من النّاس، فهو علم قد يهلكهم أو يضرّهم وهو فوق طاقتهم، لذلك اختصّت تلك الحكمة بالله وحده فهي حكمة إلهيّة، وهي بيد الله، يؤتي منها مَن يشاء مِن عباده الصالحين.
واما الحكمة في اللّغة ايضا كما قال صاحب التعريفات :- فتعني العلم والعمل، حيث تنقسم إلى شقّين: شق علمي أو معرفي وشق عملي أو تطبيقي، فلا يكفي أن تعلم لتكون حكيماً، بل يجب أن تعمل بما عرفت من علم، لذلك قيل عن الحكمة أنها: العلم بحقائق الأمور أو الأشياء، على ما هي عليه، والعمل بمُقتضا هذا العلم، فالحكمة ليست مجرد معرفة الحق أو الحقيقة، بل تشمل كلاً من العلم والعمل بهذا العلم. فيكون بذلك لفظ "حكيم" دالاً على من يكون قوله وعمله حقاً. والحكيم لا يخرج عن كونه إنساناً، والإنسان ناقص بطبيعته، لذلك قيل أيضاً عن الحكمة أنها يستفاد منها ما هو حق في نفس الشيء وذلك بحسب طاقة الإنسان. ونقل المفسرون عن مجاهد قال: الحكمة: الفقه والعقل.
فالحكمة الالهية اسرار يكشفها الله تعالى لمن يشاء من خلقه ونور يقذفه في قلوبهم بتفكرهم في خلق السموات والارض مع صفاء اذهانهم وسمو ارواحهم ونقاء سرائرهم وتزداد وضوحا واشراقا لمن ارتكز عقله على حقائق الايمان وانطلق من قواعد الوحي وعقيدة التوحيد بانية لعقله الصحيح منيرة لفكره المستنير. ومن اطلاقات ومداخيل معنى الحكمة ان تطلق ويراد بها الفوائد المرتجاة من وجود الشيء او عدمه او القيام بالفعل او عدمه. كقولنا حكمة وجود الامام حفظ الدين واستقامة الدنيا باحكامه.وعند الفلاسفة الوصول لحقائق الاشياء لمعرفة الطريق القويم للتعامل بها او معها وعرفها بعضهم بانها معرفة طريق السعادة والتزام نهجها وسيرها.
فالحكمة الانسانية: تتلخص في معرفة الانسان مراد ربه تعالى، وهي الإصابة في القول، والسَّداد في الرأي، والنطق بما يوافق الحق والعمل بمقتضاه.
ونلاحظ وكما اشرنا انفا ان الحكمة تتطلب خبرة وتجربة ودقة معرفة وحصول علم قطعي يقيني ملزم للسلوك والعمل دافع به وله وفق نهج مستنير واضح، ولما كان الانسان بعقله ومدركاته العقلية ناقصا، فليس له من سبيل للوصول، الا ان يتخذ من سبيل الوحي و الايمان سبيلا، ليبني عقله بالايمان ونور الرحمن المشتمل على طريق الرشد والهداية والمحقق للانسان الوصول الى غاية الاستقامة وتحقيق السعادة، ولما كانت السنة النبوية هي التطبيق العملي لمفاهيم ومضامين الوحي الالهي، اطلقت كلمة الحكمة على السنة النبوية في تراث فكرنا الاسلامي، كون النبي سلام ربي وصلاته عليه واله لا ينطق عن الهوى، ولا يعمل عملا بالهوى، ان هو الا متبع لما يوحى اليه، وبذلك يوافق عمله و قوله واقراره مراد الله تعالى من خلقه، وهذه خلاصة ونهاية الحكمة. واسعدكم ربي بطاعته وحسن عبادته ونيل رضوانه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عدل سابقا من قبل محمد بن يوسف الزيادي في 2020-11-12, 5:26 am عدل 2 مرات