تزاوج السيادة بالعدالة الأساس المفقود للربيع العربي
Posted on 23-4-1438 هـ
Topic: خالد حجار
تزاوج السيادة بالعدالة الأساس المفقود للربيع العربي
تتشدق الألسن السياسية في الأوساط العربية بالحرية، ويقصدون بها طبعا حرية التعبير والتعددية الحزبية وتنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية يستطيع الشعب فيها اختيار ممثليه ، ويجري هذا تحت عنوان كبير هو الوصول إلى الديمقراطية .
وما دامت الحرية التي ينشدها المواطن العربي تتقزم في هذه المفاهيم ذات الأصول الغربية المبتدعة من قبل النظام الرأسمالي الاستعماري، فإن هذه الأفكار لا تتجاوز حلبة تقليد الضعيف لمن هو أقوى منه، وهو بحد ذاته استسلام ثقافي وفكري يقر به هذا العقل بأنه ضعيف وغير قادر على الابتكار والتطور إلا بالاعتماد على من هو أقوى منه.
يزاد الحال تشوها بدخول الإسلام السياسي للحلبة بل ووصوله إلى سدة الحكم في العديد من الدول العربية، فهو يحمل أفكارا مخالفة نوعا ما لمفهوم الحرية الذي تنادي فيه العديد من الأحزاب الليبرالية العربية، فالحرية محدودة بما يتلاءم مع مبادئ الشريعة الإسلامية التي يعتقدها الحزب السياسي وفقا لمراجعه وأعلامه من فقهاء ورجال دين يمثلون طائفة محددة.
إذن نحن أمام ثلاثة اتجاهات متنافرة في رؤيتها لمعنى الحرية وحصيلة التنافر بينهما تنتهي بالصفر فلا مجال للالتقاء والحل بنفي الآخر، وهذه الاتجاهات هي :
1- الاتجاه الممثل بالإسلام السياسي وله مفهومه الخاص للحرية ويعتمد مرجعية الشريعة الإسلامية حسب تفسيره لها وكل من هو خارجها كافر أو أنه لا يستحق أن يحكم .
2- اتجاه ليبرالي يقزم الحرية بالمفاهيم الغربية ويعني بها الحرية الشخصية وحرية التعبير والانتقاد وحرية الصحافة والتعددية وهذا الاتجاه يتمثل بالعلمانيين العرب .
3- اتجاه يجمع ما بين اليساريين والقوميين ويدعو لما يدعو له الاتجاه الثاني ويختلف معه في مفاهيمه الاقتصادية ورفضه للسياسة الغربية الاستعمارية في المنطقة.
والناظر لهذه الخارطة ذات الأبعاد الثلاثية يجدها بعيدة كل البعد عن مطالب واحتياجات المواطن العربي، فماذا يعني للمواطن العربي أن تكون هناك صحافة تكتب دون رقابة طالما أنه لا يملك ثمن جريدة أو لا يرى مشاريع من قبل الحكومة تحمي مستقبله وتسد جوعه؟؟؟
وماذا يعني للمواطن العربي عندما يسمع انتقادات للموقف الأمريكي وللدول الغربية ورفض هيمنتها خطابيا وهو يرى عصا المارينز الأمريكي تتحكم في المنطقة وتهاجم وتقتل وتحتل وتسيطر على معظم البقاع العربية الاستراتيجية التي تحتوي على مقدراته وثرواته وخاصة النفطية؟؟
بل وماذا يستفيد المواطن العربي من مسؤول يؤدي فريضة الصلاة بين الجموع ولا يملك قرارا بوقف تصدير النفط أو إغلاق السوق والاعتماد على الصناعة والزراعة العربية؟؟؟
إذا كانت أمريكا استطاعت هزيمة الاتحاد السوفيتي وحدَّت من تأثير الشيوعية على العالم فكريا وفرضت مفاهيمها للحرية بقوة السلاح وخاصة على المنطقة العربية؛ فهي التي تقرر من هو الزعيم الديكتاتوري الذي يجب الإطاحة به حسب مصالحها ومن هو الزعيم الذي يجب أن يجلس على أي عرش حكم عربي وفقا لسياستها الاستعمارية‘ فإن الاتجاهات الثلاثة المذكورة سابقا لا تخرج عن كونها أدوات تستخدمها القوى الاستعمارية وعلى رأسها أمريكا لتمرير مخططاتها الرامية لالتهام المنطقة والحفاظ على الكيان الصهيوني كقوة كبرى ؛ فمبارك طيلة سنوات حكمه لم يكن ديكتاتوريا برأي الإدارة الأمريكية فهو حليفها الاستراتيجي في المنطقة بينما الرئيس صدام حسين كان ديكتاتوريا ويجب إسقاطه بالدبابة الأمريكية، وطبعا هذه الاتجاهات الثلاثة يجب أن تكون ضمن الحلبة الأمريكية وإلا وصمتها الإدارة الأمريكية بأنها ديكتاتورية ومنعت الدعم عنها لتشل عملها ومن ثم إضعافها والانتهاء بقادتها في السجون لحين وجود مخطط أمريكي جديد يعتمد الاتجاه الذي يرى فيه ما يخدم مصلحته .
والعجلة تدور فالسيد مرسي بالأمس كان متطرفا واليوم هو الزعيم المنتخب الذي يحظى بموافقة الإدارة الأمريكية ويدعم من قبلها تماما كما كان مبارك، فالمعونات الأمريكية لمصر مستمرة وكذلك القروض من البنك الدولي، ولن ينزعج البنتاغون من أداء مرسي لصلاة الفجر جماعة أو إطلاق الذقن فهذه حرية تمنحها الإدارة الأمريكية لمن تشاء .
إن الأمة العربية لن تستطيع التخلص من هذه الحالة إلا بوصولها إلى مفهوم تقديس السيادة بمفهومها الشمولي، والمقصود هنا السيادة على مقدراتها الاقتصادية وأسواقها وخارطتها الجغرافية ، سيادة كاملة غير منقوصة ولا مقيدة باتفاقيات؛ سيادة كاملة في القرار منذ بدء صياغته وحتى صدوره، وهنا وبكل صراحة لا توجد دولة عربية تمتلك أي نوع من أنواع السيادة ، فالنظام السياسي العربي مرتبط ارتباطا عضويا مع القوى الغربية الاستعمارية ومعظم الدول العربية تنتظر المساعدات الخارجية ، أو أنها فاقدة للسيادة على مقدراتها وأسواقها ولا تستطيع هذه الدول الخروج عن دائرة الهيمنة الأمريكية وإلا سيتم إسقاطها من قبل معارضة داخلية مدعومة خارجيا.
فكيف للمواطن العربي أن يحصل على حريته أو أن يفهم معنى الحرية؟؟ لنأخذ هذه المقارنة مثلا :
الصين الشعبية الشيوعية ، دولة من الدول دائمة العضوية لا تسمح بتعدد الأحزاب ولا يوجد بها صحافة معارضة والمواطن الصيني مجبر على الالتزام بقرارات الدولة وإذا رفض فليس اقل من السجن وهي دولة عملاقة اقتصاديا، بينما لبنان دولة فيها تعددية حزبية وفيها احترام لحقوق الإنسان وفق المفهوم الغربي ويستطيع المواطن اللبناني الحديث بحرية في نقد حكومته، فهل هذا يعني أن الشعب اللبناني حر والشعب الصيني غير حر؟؟؟
هل السلطة الفلسطينية التي تعتمد التعددية الحزبية في نظامها لديها شعب حر والشعب الكوبي الشيوعي مستعبد؟
إننا عندما نقارن بين مفاهيمنا للحرية حسب اتجاهاتنا السياسية ومفاهيم الشعوب الحرة التي تتمثل الحرية فيها بالسيادة الشمولية غير المنقوصة نصبح أضحوكة العالم، وهناك فرق واسع بين مفهوم الحرية والعدالة والرابط الوحيد بينهما هي السيادة ، فلا حرية دون عدالة ولا ولا عدالة دون سيادة.
إذن نحن أمام مثلث قائم الزاوية تتمثل السيادة الشاملة والعدالة في زاويتي القاعدة بينما تعلو الحرية بخطها الأفقي لتصبح على رأس عامود المثلث.
ومن هنا من المفترض أن نعرج على الربيع العربي ونُسائل تلك الجموع المطالبه بالحرية وعن مدى انسجامها مع المفهوم الحقيقي للحرية طالما أنها غير ملتفتة لمفهوم السيادة الشمولية، بل تعدت ذلك لتقبل بدويلة مقسمة إلى مناطق نفوذ غربي في ليبيا مقابل إسقاط القذافي تحت شعارات الحرية التي يبتعدون عنها أكثر كلما اقتربوا من يد الهيمنة الأمريكية والدول الرجعية التي تدور في فلكها.
وأخيراً إن ما تطالب به جموع المتظاهرين في البلدان العربية لا يتجاوز كونه مطالبة بعدالة جزئية لا يمكن الحصول عليها إلا بموافقة القوى الاستعمارية الكبرى طالما أنه لا توجد سيادة حقيقية شاملة لأي نظام عربي أو شعب عربي على مقدراته أو ما تحتويه خارطته الجغرافية بكل مكوناتها.
خالد حجار
فلسطين