الخليل تتدفأ على الحطب
حياة وسوق - وسام فوزي الشويكي - "تأكل ولا تشبع، لكن يمكن أن تُشبعك بالدفء والحرارة" هي باختصار النار، أو قلْ "صوبة الحطب".
البرد القارس الذي يجتاح البلاد، خاصة خلال السنتين الأخيرتين، دفع الكثيرين من أهالي الخليل الى اقتناء صوبة الحطب، بلا منازع.
الجو في الخليل الجبلية المرتفعة، في فصل الشتاء، لا سيما وقت "المربعانية" أو "الاربعينية" (ذروة الشتاء وتمتد إلى 40 يوما).. شديد البرودة، حيث تتسلل وتسكن البيوت، خاصة في المناطق الغربية والجبلية المرتفعة من المدينة ومدن المحافظة المختلفة، وتجعل منها أقرب إلى "الثلاجة"، على حد وصف العديدين. ومن الصعب، بل والصعب جدا على صوبة الغاز وأمام سعر اسطوانة الغاز المرتفعة من دب الدفء على نفس القدر الذي تحدثه صوبة الحطب في أركان البيت و"داخل عظم الجسم".
ويؤكد هذا الحديث المواطن مجدي البدوي، من مدينة حلحول (المنطقة الأكثر ارتفاعا في المحافظة)، الذي يختصر سبب استخدامه صوبة الحطب في التدفئة منذ أكثر من خمس سنوات بالقول: "شتاء حلحول لا ينفع معه سوى صوبة الحطب"، في إشارة منه الى البرودة الشديدة ومقدرة صوبة الحطب على مواجهة قساوة الشتاء الملتهب بارتفاع الأسعار.
ولم يجد تيسير الشويكي، القاطن بالقرب من المستشفى الأهلي غربي المدينة، بداً من تركيب صوبة الحطب، قبل عامين بعد أكثر من 10 سنوات من البرد القارس "الذي أكل عظامنا.. ولم تستطع صوبة الغاز تعويضنا الدفء المفقود بين ردهات منزلي المواجه للهواء والأمطار".
فيما يفكر شكري القواسمي، جديا العام المقبل بصوبة الحطب، متوسطة السعر، محاولا الاستفادة من درس برد هذا العام والسنة الماضية والثلوج التي هطلت بكثرة والأكثر برودة فيهما، بالإضافة إلى متعة النظر إلى الحطب وهو يشتعل ليكون جمرا.
ولجأ المواطن محمد البربراوي، في ظل الارتفاع المتزايد بأسعار الغاز واالكهرباء إلى صوبة الحطب، وقال: "صوبة الحطب أرحم من الغاز والكهرباء، رغم أن الحطب هو الآخر ليس رخيص الثمن، إلا أنه على الأقل يدفئ كل البيت ويمكن الاستفادة منها في تسخين الماء والطهي وشواء الكستنا".
صانع "صوبات الحطب" في الخليل أشرف الزرو، أكد لـ "حياة وسوق" الإقبال الكبير هذه السنة على شراء واقتناء صوبة الحطب عند الناس، نظرا للحالة الجوية الباردة والقارسة التي تشهدها الخليل، وشكلت ثلوج العام الماضي الدافع الأكبر نحو التحوط بصوبة الحطب هذا العام.
وأشار الزرو، بينما كان منشغلا في تركيب الزجاج على باب صوبة حطب في محله بمنطقة حلحول، شمال الخليل، إلى أن الإقبال يزداد من سنة لأخرى، خاصة في السنوات الثلاث الماضية، ويتراوح هذا الإقبال بين 10 - 20%، كزيادة من سنة عن أخرى.
ويعتقد الزرو، في تفسيره لهذا الإقبال، ان صوبات الحطب هي الوحيدة المجدية والفعالة لجو فلسطين والخليل خاصة، والتكلفة المقبولة والمناسبة لجميع المستويات، إضافة الى الاستهلاك المعقول للحطب بالمقارنة مع مدفأة الكهرباء أو مدفأة الغاز، في تدفئة أجواء المنزل.
ولصوبة الحطب أشكال عدة وأنواع مختلفة، يبين الزرو انها تتراوح بين الصوبة العادية والأخرى "التجارية" بالإضافة الى "الفيربلاس". والصوبة "ذات الشغل التجاري" يقصد بها قليلة الثمن كي تناسب أوضاع الناس الاقتصادية. وكلها مصنوعة من الحديد الخالص لكن الفارق بين صوبة وأخرى هو سماكة الحديد المستخدم في صناعتها بالإضافة الى شكلها وديكورها الخارجي، والإضافات، ونوعية الزجاج المستخدم لباب الصوبة؛ إذ منه "السكوريت" و"الروبك"، ويعتبر الثاني أفضل؛ حيث يتحمل حرارة عالية جدا بالإضافة إلى أنه مضاد للماء ولا ينكسر أثناء اشتعالها، ويصل سعره إلى أضعاف الأول، وفق ما يشرح الزرو.
ويوضح الزور أنه يمكن لصوبة الحطب أن تقوم بدور التدفئة المركزية للبيت، وتسخين ماء الحمام الشمسي خلال أقل من 15 دقيقة، عبر "الروديتر" الموجود على الصوبة.
وداخل الصوبة، ضمن تشكيلتها، يوجد فرن يستخدم لطهي الطعام، ويمكن هنا الاستعاضة بها عن فرن الغاز، خاصة خلال فترة البرد الشديد التي لا تنطفئ فيها الصوبة طوال اليوم، وأسفل الموقد هناك "درج" لازالة مخلفات الحطب المحترق "السكن".
وتتراوح أسعار الصوبات، من 150 شيقلا (أقلها جودة) إلى 15 ألف شيقلا (مثل الفيربلاس)، والأخرى كبيرة الحجم وتستخدم للبيوت ذات المسطحات الكبيرة، ووفق الإضافات والأشكال، مرورا بتلك التي أسعارها في حدود الـ 1000 شيقل.
وتصنّع الصوبة وفق مقاسات هندسية مختلفة، ويرتبط مقاس فتحة "البوري" (المدخنة)، ارتباطا هندسيا، مع مقاس باب الصوبة نفسه، للمساعدة في خروج الدخان بشكل آمن ولمنع عودته أو رجوعه إلى الصوبة.
وهناك صوبات حطب مستوردة، بيد أن أشرف الزرو، يؤكد أن هناك من المحلية ما تضاهي المستوردة وتمتاز بكفاءة وتقنية عالية.
وعن أفضل موقع لوضعها داخل البيت، يشير الزرو، الى مكان الصالة لتوزيع الحرارة الى الغرف، منوها إلى ضرورة ابتعاد الصوبة عن الحائط مسافة 40 سنتمترا على الأقل، وذلك للاستفادة من الحرارة المطلوبة، علاوة على المحافظة على ديكور البيت وعدم إحداث أضرار في الحائط بفعل القُرب.
ويبلغ متوسط عمر الصوبة الزمني 10 سنوات، لكن بالاستطاعة صيانتها واعادة تشغيلها من جديد.
ومن بين الأسباب التي جعلت مواطني الخليل العودة الى استعمال الحطب في مواجهة البرد القارس، إلى جانب الحصول على الحظ الوفير من الدفء، هو الاستمرار في الارتفاع الكبير على أسعار المحروقات والمواد والسلع الأخرى.
وهذا ما يفسره الحاج ياسر شديد قائلا: ان ارتفاع أسعار الوقود خاصة الغاز، دفعه إلى الاعتماد على الحطب والخشب، منذ سنوات، للتوفير والترشيد، مشيرا إلى أن له استعمالات متعددة كتسخين الماء والطبخ والتدفئة.
وأكد سائد الدويك، بائع حطب، لـ "حياة وسوق" الذي التقاه أمام متجره شمال الخليل، ان هناك استهلاكا ملحوظا للحطب خلال السنوات الماضية وفي السنتين الأخيرتين على الأخص، ويعود ذلك الى الإقبال الكبير على استخدام صوبات الحطب في التدفئة داخل البيوت في ظل الارتفاع في أسعار مواد التدفئة واشتداد البرد.
وأشار الى أن أفضل أنواع الحطب المستخدم في التدفئة هو الليمون أو الزيتون حيث يتراوح سعر الطن الواحد منهما نحو 800 شيقل، لإطالتهما في الاحتراق، في حين سعر طن حطب شجر الصنوبر أو الكينا نحو 500 شيقل، موضحا أن الإقبال على شراء الحطب يزداد أكثر في فترة الصيف لميول الناس الى التخزين سلفا.
وبين الدويك أن معدل الاستهلاك للحطب (مصدره "إسرائيل") للصوبة الواحدة يتراوح بين طنين إثنين إلى ثلاثة أطنان في الموسم الواحد، وذلك بعد تقطيع قرمية "ساق" الشجرة المتحطبة إلى أحجام مختلفة ليسهل استخدامها للصوبة.. فسبحان "الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا انتم منه توقدون".