كان القصر كبيرًا جدًّا، عاليا جدًّا في الأدوار.. حولَ القصر حدائقُ غُلْبٌ تجري بداخلها الأنهار..
كانت جنَّة هذا القصر تطرح حُلمًا ليلَ نهار.
في الداخل عمَّالٌ تسعى تبغي تحسين المعمار، هذا يقلِّم كلَّ نشاز ظهر من حول الأشجار،
وذاك يحكي بالألوان قصة عشقه للجدران، هذا يزرع، هذا يصنع، هذا ينسج أردية كُثرًا وإزار،
أما الخشب، فكان لا تأكله النار؛ بل يصنعه أثاثَ العرس حين يُمسكه النجَّار.
كان لكل عامل بيتٌ ينصبه حيث يختار، ناس تعشق ضوء الشمس، وناس تقبع تحت ظلال،
وناس يعجبها أن تسكن عند الماء في الأنهار.
أهل القصر ناسٌ طهرٌ قد عُرِف عنهم أحرار، لا يبغون إلا الخير للساكن فيه والجار.
خلفَ سور القصر منارًا وقف حُرَّاس نظَّار، قالوا: إنا نَحمي القصرَ، قد كَثُرَ الناسُ الأشرار،
وتسلَّم الحارس منهم نبُّوتًا أو شعلة نار،
فعلى الحدِّ عدوٌّ طاغٍ أخذ غصبًا أرض الجار.
نام أهل القصر وقالوا: نحن نشعر باستقرار، ما أحلى طمَأْنةَ القلبِ في ظلِّ أمن جبَّار!
قد أقسم بالله سيبقى يرعى العهد ويحمي الدار.
مرَّت أيامٌ وليالٍ لم يَرمِ الحرسُ الأشرار، بل عقدوا صلحًا وسلامًا مع مغتصِبي حقِّ الجار،
النبُّوت لم يضرَب أحدًا، ولم تُستعمل كرة النار،
قالوا: كيف نبيت بطلٍّ، وأهل القصر في الأنوار، قال كبيرٌ: هيَّا نقلب وجهتنا من غير هزار؛
نحن أولى بتلك الدار، وبالأنوار، والكرسي العالي الدوَّار.
كم كنت الحامي المغوار، نحن نملك كل قرار، قد فزنا بسطة في الجسم، وملكنا كل الأسرار،
نحن من يضع الأخبار، وإن كان يكبِّلنا القَسَم، فخلاصنا منه استغفار..
هيَّا انتشروا بالبستان، والتفُّوا من حول الدار، كضفادع تعرف وجهتها تتلوَّن مثل المكَّار،
ونقيق الضفدع معروفٌ يُحدث في الرأس استنفار.
لما امتلأ القصر ضفادع، غضب السيد ثم احتار، قال: خيانة فيها العار، من علَّمكم هذا السحر قلبٌ ملعون غدَّار.
وجد السادة كرة النار تُلقى عليهم باستمرار، والنبُّوت ارتفع يحطِّم كل من قال: غدَّار،
وانتشر في الجو نسور وجوارحُ جوعى المنقار،
نظر السيد يبحث عن حامي المنزل والأسوار، ألفاه في الصف ينادي: خذوا السيد نحوَ الغار،
مع ديدنه لا تأخذكم بهم الشفقة هذا قرار.
أخذوا السيد من منزله للمنفى، وفي يده سوار، وانتشروا بأرجاء القصر مثل البوم على الأطلال، أولوه خَسارًا ودمار،
أخذوا أموالَ خزانته ورموها من خلف ستار، على الأعوان وعلى الشطار، وباعوها قطعًا وغيارا،
خلعوا الشجر الطارح عنبًا زرعوا مكانه شوك صبَّار، باعوا وقود الحقل الرائق وتكالب دونه التجَّار،
وأطاحوا بالثمر الناضج صار يبسًا بعد نضار، لا يشجيهم أي خضار..
قالوا: لا تلزمنا آبار، جفَّ النبع وجفَّ الضرع في الأبقار.
ثم بيوت الناس انهدمت فوق رؤوس الخلق حجار، أيُّ ساكن بيت يصحو على تخريبٍ كالإعصار،
أسكتوا صوت البلبل، ناح على الأفراخ من الفجَّار، ندم أنه كان يغنِّي تسلم تسلم ابنًا بار.