من القلب الى كل القلوب...
إلى كلّ أنثى تنازلت عن ثوب الغنج والدلال بكلّ طيب خاطر... وارتدت ثوبا آخر من أثواب الجهاد بكلّ شجاعة وإقدام..
إلى الأنثى التي ما تفتأ تلبس قبّعة وتخلع أخرى... لا بل تلبس كلّ القبعات في آن واحد:
قبّعة للزوجة وأخرى للأمومة وواحدة للعلم وأخرى للعمل.. وأخرى للتطوير المهنيّ.. وواحدة للواجب الاجتماعيّ... وأخرى للواجب الدينيّ وواحدة للواجب الوطنيّ... وهناك دائمًا قبّعة رديفة للحالات الطارئة...
اعلمي سيّدتي أنّك امرأة عظيمة .. إذ ترتقين سلم المجد والعلا.... اسمعي احدى معزوفات قلبي المحبّ التي سأتلوها على مسامع قلبك الرقيق الحنون... وكلّي أمل أن تنالي أعلى أوسمة التقدير... بكلّ فخر واستحقاق :
لا تنسي سيّدتي .. أنت انطلقت إلى العمل وفي رصيدك وسام عظيم :
"أنثى برتبة مجاهد " !
سيّدتي : أنت انطلقتِ إلى العمل وفي رصيدك كنز ثمين.. رأسمال لا يبدّل بكل كنوز الأرض.. انطلقت برتبة مجاهد.. أليس جهادك حسن التبعّل؟؟ فإذا كان هذا هو رأسمالك، فأنت أذكى من أن تخسريه في ميدان العمل... فاحرصي ألا يكون خروجك إلى ميدان العمل صفقة خاسرة...
سيّدتي... أنت تعلمين مفاتيح الرجال العامة...
فاحرصي على أن تضيفي إليها اكتشاف مفتاح زوجك الخاصّ.. فإنّ ملكته، انتهت المسألة.. لن تبحر بعد ذلك سفينتك عكس التيّار.. بل سيساعدك ربّان السفينة في نصب الأشرعة... إنّه فنّ التعامل ليس فقط بحبّ.. بل بذكاء.
لا تنسي حين توجّك زوجك ملكة على عرش قلبه.. فلا تخسري عرشك... هو العرش الذي لا يجب أن تزهدي به ابدا .
لا تنسي.. أنّ المنّ يمحق الأجر.. فلا تمنّي عليه بمساعدتك..
ولا تنسي.. أنّ العجب يفسد العمل.. فلا تفسدي عملك بالعجب والتعالي عليه او على سواه.. فتكونين كمن يصبّ الخلّ في العسل.
ولا تنسي أنّ الجنّة لا يدخلها من كان في قلبه مثقال حبّة خردل من كبر.. فإياك أن تتكبّري..
تذكّري أنّك انطلقت إلى ساحة العمل وفي رصيدك الجنّة تحت قدميك.. فلن تدعي العمل يخسّرك المكاسب الأوليّة.. لن تدعي أولادك يشتاقون لأمّ حاضنة حنونة محبّة ..فإذا كانت الجنّة رأسمالك.. إذن فليكن عملك مرقاة تعرجين به إلى درجاتها العليا..
ألم يكن هذا حلمك الجميل البريء منذ الصغر؟؟ حين كنت تلعبين بدميتك وتغدقين عليها ألوان الحبّ والحنان؟؟ ها وقد تحقّق حلمك الطفوليّ الآن، أبدعي بالتربية بحبّ وذكاء...
سيّدتي... أنت لست ضعيفة.. بل قادرة على صنع المعجزات... أنت تلك الأمّ التي تهزّ السرير باليمين والعالم باليسار.. أنت تلك الأمّ التي إن أُعِدّت جيدا أُعدّ شعب طيّب الأعراق.. أنت كالقرآن، كلاكما أوكل إليه صنع الرجال.. أنت التي تقفين وراء الرجل فيصبح عظيما.. أنت التي تنجبين العظماء.. وتصنعين العظماء.. فلا تدعي غبار الجاهلية يعلوك مجدّدا..
أنت... إذ نفض عنك الإسلام غبار الوأد الأرعن.. وأخرجك من ذلّ الجهل الأحمق.. لا يجب ان تقعي فريسة المعتقدات الزائفة الباطلة مجدّدا.. فلا يأسرنّك أحد بقول كاذب، ولا يغرّنك أحد بشعار مزيّف.. . أنت لستِ في حلبة تنافس مع زوجك: من يأخذ القرار ومن يتحمّل المسؤوليّة...
لا يخدعنّك حبّ القيادة.. يكفيك ما تحملين عناءه.. فلا تقحمي نفسك في كلّ شيء... فأنت تتحملين الكثير.. ابقي أنثى ناعمة.. تحتاج الى حضن دافئ، وملاذ آمن تحتمي به... وليس هذا ضعفا... بل آمني بفطرة الله... ما عندك ليس عنده .. وما عنده ليس عندك.. فأنتما تكملان بعضكما.. أنتما طينة انشطرت نصفين ...والآن تلتئم من جديد .. ولستما في سباق وتحدٍّ...
لاحظي المجتمعات التي آمنت بدورك ..آمنت أن الأمّ مدرسة.. إن أعددتها أعددت شعبًا طيّب الأعراق.. لاحظي الفرق بينها وبين المجتمعات التي رفضت انتشال المرأة من ذلّ الوأد والجهل.. لاحظي ذلك على المستويات كافّة: الفكريّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والتربويّة والعلميّة، وعلى مستوى إنتاج الرجال العظماء... واعلمي أنّ لك شأنًا عظيمًا ودورًا عظيمًا... فقط قومي بدورك..
سيّدتي... هناك من يظنّ أنّ تعليم المرأة لزوم ما لا يلزم... لا تصدّقي ذلك...فهو فريضة.. كالصلاة والصيام والحجاب والحجّ... والعلم يشمل كلّ العلوم.. فالعلم الذي يوصلك بالله هو من علوم الآخرة ...
أنت سيّدتي إمّا نصف المجتمع، وإمّا صانعة النّصف الآخر... لذا وجبت عليكِ العناية بكلّ ما يتعلّق بشؤونك بدءًا من الأسرة والزوج .. مرورًا بالتعلًم، وانتهاءً بالعمل.
سيّدتي.. أيتها الكادحة بلا ملل.. إن عرفتِ كيف تكسبين رضا زوجك.. فإنّه لن يكون حجر عثرة أمامك ..ولن يرفض معونتك ولن يطالبك بأكثر ممّا ينبغي عليها ولن يتحداك..
احرصي أن تحوّلي عملك خارج المنزل إلى فرصة لتقدير ما يبذله زوجك من جهود.. فإن شعرتِ بتعبه في الخارج.. وإن قدّرتِ تعبه لأنّك تتعبين مثله.. فسوف يشعر بتعبك في الخارج والداخل أيضًا وسوف يكون لك خير معين ... وسوف يثمّن لك جهودك عاليًا، على ما تنازلت به من حقّ الراحة والدلال من أجل متطلبات الأسرة أو من أجل بناء مجتمع صالح.
سيّدتي... أنت تعلمين - والمجتمع يعلم - أنّ الإسلام يوصي بالضعيفين... والمرأ ة أحدهما. لكن إن مددتِ يد العون للمجتمع، والمجتمع مدّ اليد ليضربك عليها، فاصبري.. وكوني قويّة وادحضي دعواهم بعزيمتك ونجاح تجربتك... أنت لم تخرجي لتخريب المجتمع... بل لإصلاحه ... كوني رائدة..
سيّدتي... أنت امرأة عاملة مجاهدة إذ تصدت لبناء المجتمع بمختلف أسلحتها وطاقاتها... فإن أنكر أحد هذا عليك ولم يشكرك.. بل ربّما انتقدك، فضلا عن شنّ جميع أنواع الحروب عليك، فلا تجزعي.. فهل الدنيا دار جزاء؟؟ بل هي دار ابتلاء ..
سيّدتي.. لك كلّ التحايا .. أنت التي يرق قلبك لزوجك وتأبين إلا مساعدته في هذا الظرف الاقتصاديّ الصعب... وأنت التي تساهمين بالنهضة الفكريّة وبالتنمية الاقتصاديّة لبلدك ... لك ألف شكر. فهل جزاء الاحسان إلا الإحسان؟
لكن اسمعي جيّدا.. لن يكون عملك موجبًا لفساد المجتمع... ولا لتخريب خليّته الأولى ولا لهدمها.. حافظي عليها.. خرجت لتساهمي في بناء الأسرة..
فلا تنسي خارطة الطريق .. فهي الهدف.
وحجابك هو المناعة والحصن الحصين.. فإن كان حجابا حقيقيا.. فهذا يعني أنّه يحجب عنك كلّ المشاكسات.. ويجعلك في درع حصينة.. انتبهي للضوابط وإلا ساءت مقدمات عملك وشرّعت البنيان على رمال متحركة آيلة للسقوط. فاحذري ثم احذري ثم احذري.. فإذا كانت الضوابط الشرعية موجودة، تنتفي الذريعة لمن يعارض عملك. فاجمعي بين كياسة وفطنة خديجة رضي الله عنها وعفّتها.
سيّدتي... أنت تعلمين حقّ اليقين أنّ الخروج للعمل ليس خروجًا لنزهة.. أنت تعلمين أنّك سوف تتعبين كثيرا .. وتصرفين طاقة جسديّة وفكريّة ونفسيّة ... وأنّك سوف تعودين للمنزل، ولشؤون تدبيره، وتدخلين في دوّامة أخرى من السباق مع الوقت.. فاعلمي أنّه إن لم تشعري بالألم فلن يحلو لك لذّة اللقاء بالمعشوق ..فهل تعملين لكسب الأجر الماديّ الزهيد؟؟ لا بل أنت أذكى من ذلك.. ضعي عملك بعين الله.. فكلّما زاد الألم، اطلبي من معشوقك الأوحد المزيد من الطاقة، للمزيد من القرب منه.. فيحلو لك اللقاء مع الذي يعطي بغير حساب...
سيّدتي.. الله الله في نظم أمرك.. هذه وصية الأمير فلا تفرطي بها، فهي معيار النجاح في ترتيب الكمّ الهائل من المهام الملقاة على عاتقك.. هناك مَن إذا اجتمعت عليها مهمّتان وقعت فريسة الضياع.. لكن انظري.. هنا المفتاح: التنظيم وحسن التدبير وترتيب الأولويّات.
في جعبتي لك سيّدتي الكثير... لكن إن رأيتِ أنّه بمقدورك أن تحافظي على هذا التوازن فاعملي.. وإلا لا تخرجي للعمل.. ولا تخسري المكتسبات الأوّلية: وسام أنثى برتبة مجاهد، والجنّة التي تحت قدميك ..
هؤلاء منّة من ربّ العالمين إن أجدتِ مقدّماتهما، فإن لم يكن عملك مرقاة
فالأَوْلى أن تلزمي بيتك وألا تتنازلي عنهما.
فيهما ، فالأَوْلى لكِ أن تلزمي بيتك وألاّ تتنازلي عنهما.
-----
منى صايغ