السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
غول الفساد والنجاة منه
حين تجد المنصب وسيلة كسب وفرصة نهب وسلب واحتيال ونصب وغصب، وحين تجد الفساد في المجتمع اصبح ثقافة ممدوحة مستساغة،
وحين تجد ان الحرام فقط هو ما لا تطاله اليد وتقدر على كسبه ، وحين تجد ان القانون وتشريعاته تعجز عن تمييز الفاسد من الصالح، بل وتحمي الفاسد،
فاعلم ان المنظومة الفكرية والثقافية والتشريعية في المجتمع فاسدة و مختلة مهترئة، ولن ينفع معها ترقيع ولا ترميم، و لن تنتج الا الفساد والافساد والفاسدين المفسدين الذين يهلكون الحرث والنسل، و الذين سياخذون بايدي من دونهم من اتباعهم وغيرهم الى الهلاك بغضب الرب تعالى، والجالب للدمار والكوارث والماسي ، قال الله تعالى:- {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ} [الأنعام:6]. وقال عز وجل: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا . فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا} [الطلاق:8-9].
ان الردة عن مفاهيم الخير والصلاح والاصلاح سبب رئيس في وجود الفساد وخلق اجواء ترعرعه، وبالتالي دمار البلاد والعباد، فقال عز من قائل سبحانه:- ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ ( سورة الأنفال : 53).
و قال النبي صلى الله عليه واله وسلم :- «ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي وهم يقدرون أن يغيّروا فلا يغيروا إلا عمّهم الله بعقاب» (صحيح أبي داوود)، وقال صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة «والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا ثم تدعونه فلا يُستجاب لكم» (سنن الترمذي).
وجاء في حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها يومًا فزعًا يقول: «لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلّق بأصبعيه الإبهام والتي تليها، قالت زينب، فقلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث» (رواه البخاري ومسلم) . الشاهد من الحديث: "أنهلك وفينا الصالحون"؟ قال: "نعم، إذا كثر الخبث".
إن هز الرءوس ونفضها لا ينجّي المجتمع من الهلاك، ولن ينجي السفينة من الغرق. يقول عليه الصلاة والسلام: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا؟ فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا» (صحيح البخاري).
فلا نجاة من الهلاك والدمار والاندثار الا باتباع سنة الله تعالى ومنهجه في الحياة، وقاعدة التغيير في الوجود الانساني التي قررها لنا ربنا قاعدة منهجية ولا نفلح في امورنا الا باتباعها فقال سبحانه :- ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾( سورة الرعد : 11). .. والنفس لا بد لها ان تستقيم مع مفاهيم وقيم شرع الله تعالى واحكامه ، فيكون هواها تبعا لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من هدي بوصفه عليه السلام المبلغ للبشر عن ربه بمراد ربه تعالى منهم., قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يُؤمنُ أحدُكُم حتى يكونَ هَوَاهُ تبعًا لما جِئتُ بِهِ». ورحم الله الامام الحَسَنِ البَصْرِيِّ حَيْثُ قَالَ: لَيْسَ الإِيمَانَ بالتَّمَنِّي ولا بالتَّحَلِّي، وَلَكِنْ هُوَ مَا وَقَرَ في القَلْبِ، وَصَدَّقَهُ العَمَلُ، وَإِنَّ قَوْمَاً خَرَجُوا من الدُّنْيَا وَلَا عَمَلَ لَهُم؛ وَقَالُوا: نَحْنُ نُحْسِنُ الظَّنَّ باللهِ؛ وَكَذَبُوا، لَو أَحْسَنُوا الظَّنَّ لَأَحْسَنُوا العَمَلَ.
وعليه فان التغيير انما هو عملية تفاعل في اعماق النفس البشرية مع مفاهيم الخير والصلاح والاصلاح وزرعها فيها ، ونزع كل قيم المصالح الانانية النفعية المصلحيةالبائسة منها، والتي منها تنطلق قيم ومفاهيم الفساد .
فلا بد من تفهم الانسان لدوره الرسالي الاستخلافي في الوجود ، والذي اعطاه قيمته بين المخلوقات والا كان اهون على الله تعالى من الجعل... اللهم ان حالنا يغنيك عن سؤالنا وانت مولانا ونعم النصير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عدل سابقا من قبل محمد بن يوسف الزيادي في 2020-11-13, 2:52 am عدل 1 مرات