تونس، شُرُوط صندوق النقد الدّولي ضد صحة المواطنين: سجلت وفاة 12 رضيعًا "بمركز التوليد وطب الرضيع" في مستشفى "الرّابِطَة"، أحد أكبر مستشفيات البلاد، خلال أربع وعشرين ساعة، بين يومي 7 و8 آذار/مارس 2019، بسبب "عدوى ناجمة عن تعفّن" مادّة السِّيرُوم المحقونة للأطفال عبر الدّم، ونظرًا لِضُعْفِ مناعة هؤلاء الرُّضّع، تسبب "السيروم" المتعفن في هبوط سريع في الدورة الدموية، واستقال وزير الصحة، الذي عُيِّنَ قبل بضعة أشهر، وهو وزير الصحة رقم 12 تقريبًا، خلال ثماني سنوات، وتركت الدولة إدارة المستشفى والأطباء والعاملين، لوحدهم في مواجهة غضب أُسَر الضحايا، الذين تسلّموا جثث أبنائهم في صناديق كرتونية، دون إذن بالدّفن، وأدانت هيئة الدفاع عن أسر ضحايا مركز التوليد وطب الرضيع تنصُّلَ مُمثِّلِي أجهزة الدولة من مسؤولياتهم، واستخفافَهم بمشاعر عائلات الضحايا، ورفضت وزارة الصحة نَشْرَ قائمة الرضّع المتوفين...
حاولتْ بعض وسائل الإعلام اتِّهام العاملين في القطاع الصّحّي بالإهمال، غير أن الأمر يتجاوز الأطباء والمُمرضين وغيرهم من العاملين، الذين لا ناقة لهم ولا جمل في خفض ميزانية الصحة العمومية، ولا علاقة لهم بمسار مراقبة صفقات شراء الدم أو السيروم أو التجهيزات الطبية، فهي ليست من مشمولاتهم، إضافة إلى اضطرارهم لاستقبال حوالي 85 حالة حرجة لأطفال رُضّع، في قِسْم لا يستطيع إيواء أكثر من أربعين حالة، ونَبَّهَ الأطباء والعاملون، وأضربوا منذ أكثر من عقد، ونبّهوا إلى خطورة الوضع، وظروف العمل وغياب وسائل الوقاية والعلاج، وأثاروا نقاشًا حول فساد المنظومة الصحية ككل، ونتائج تطبيق تعليمات وشروط البنك العالمي وصندوق النقد الدّولي، ومن بينها خفض ميزانية وزارة الصحة العمومية، منذ عُقُود عديدة...
إن وضع قطاع الصحة وانهيار منظومة الصحة العمومية، هو نتيجة تخريب مُمَنْهَج، ضمن مُخطّط القضاء على كافة القطاعات الحكومية (باستثناء المهام القَمْعِيّة)، ومنها التعليم والنقل والصحة، لإفساح المجال للقطاع الخاص، في التعليم كما في النقل، والصحة، ليضطر المواطنون (بمن فيهم الفُقراء) إلى تبجيل العلاج في القطاع الخاص، رغم الغلاء، ولكن اهتمام الطب الخاص يقتصر على المجالات الصحية المُرْبِحَة، وعدم الإهتمام بالوقاية أو بعلاج بعض الأمراض، لأنها لا تُحقِّقُ الرِّبْح الأقْصى، ودعمت الحكومة القطاع الخاص، عبر إعلان رئيس الحكومة التزامه بتسريح آلاف الأطباء والعاملين، وبعدم انتداب موظفين في قطاع الصحة العمومية، لغاية سنة 2022، وربما أبعد من ذلك، في نطاق تطبيق شُرُوط الدّائِنِين، وأدّت هذه السياسات إلى هجرة آلاف الأطباء (من تونس كما من الجزائر ومن غيرها)، بعد تَخَرّجهم، أو بعد بضع سنوات من عملهم في تونس، وخسرت البلاد كفاءات عديدة في اختصاصات عديدة، بعد أن تحمل الشعب الإنفاق على تعليمهم وتأهيلهم...
سبق وأن نَشَر أطباء وصيادلة القطاع العام في تونس سنة 2015، نتائج بحث علمي في المستشفيات الجامعية التونسية، بين سنتَيْ 2013 و 2015، وورد ضمن هذا البحث إن اختبارات التعقيم، وإشراف الصيدلي على عملية إعداد الأمصال المُغذية للرّضع، حديثي الولادة، في فضاء مُعقّم، لا تتم سوى في حوالي 25% من الحالات، وذلك لعدم توفر العدد الكافي من الصيدليِّين، ومن الفَنِّيِّين، ومن المُعدّات... كما أصدرت دائرة الرقابة المالية تقريرًا أَظْهَرَ عُمق الأزمة الهيكلية (البُنْيَوِيّة) في قطاع الصّحّة، وانتشار الفساد بشأن صفقات الدواء (مما أدى إلى صعوبة وجود بعض الأدوية سنة 2018)، والدّم والتجهيزات الطبية، مع ضُعْفِ ميزانية وزارة الصحة العمومية، ولا يتبقى منها سوى 269 مليون دينارا (حوالي 85 مليون دولارا)، بعد احتساب ميزانية الرواتب، ولذلك فإن وزارة الصحة العمومية التونسية غير قادرة على دعم البحث العلمي وعلى توفير الأدوية والتجهيزات البسيطة بمثل هذه الميزانية، مما يصيب الأطباء الشُّبَّان بالإحباط، بسبب افتقاد مستشفيات القطاع العام لأدنى مُقومات ممارسة مهنة الطب، مع انخفاض الرواتب، مما يؤدّي إلى هجرتهم إلى أوروبا (فرنسا وألمانيا...)، وكتبت وسائل إعلام ألمانية عن ارتفاع عدد الأطباء التونسيين الذين يتعلمون اللغة الألمانية في فرع تونس ل"معهد غوته"، ليتعلموا اللغة، قبل مغادرة البلاد، نحو المانيا، ربما نهائيًّا...
يُحدّدُ الدأئنون، منذ عُقود، أولويات الدّولة، ويُقرِّرُون سياساتها، ويشترط صندوق النقد الدّولي تطبيق برنامج خفض الإنفاق والتقشف، والقضاء على القطاع العام، وخصخصة المؤسسات العمومية والمرافق والخدمات، ولذلك فإن السلطة السياسية (الإخوان المسلمون وحلفاؤهم، منذ 2012)، وقبلهم سُلْطة حزب "الدّستور" (المُشارك حاليا في السلطة) مسؤولة عن تخريب وخصخصة الخدمات العمومية كالنقل والتعليم والصحة، وهي قطاعات يعتبرها صندوق النقد الدولي هامشية، أو وجب التّفْريط فيها لصالح القطاع الخاص، لتصبح سِلْعَةً مُرْبِحَة، وخاضعة لقانون العَرْض والطّلَب، وفُرْصَةً للرّبح المادّي، عبر استغلال المريض، دون الإهتمام بالبحث العلمي وتدريب الأطباء والوقاية، وغيرها... مُلخّص الصحف التونسية وبيانات نقابة الصحة العمومية ومنظمة الأطباء الشُّبّان، من 08 إلى 12/03/2019
حاولتْ بعض وسائل الإعلام اتِّهام العاملين في القطاع الصّحّي بالإهمال، غير أن الأمر يتجاوز الأطباء والمُمرضين وغيرهم من العاملين، الذين لا ناقة لهم ولا جمل في خفض ميزانية الصحة العمومية، ولا علاقة لهم بمسار مراقبة صفقات شراء الدم أو السيروم أو التجهيزات الطبية، فهي ليست من مشمولاتهم، إضافة إلى اضطرارهم لاستقبال حوالي 85 حالة حرجة لأطفال رُضّع، في قِسْم لا يستطيع إيواء أكثر من أربعين حالة، ونَبَّهَ الأطباء والعاملون، وأضربوا منذ أكثر من عقد، ونبّهوا إلى خطورة الوضع، وظروف العمل وغياب وسائل الوقاية والعلاج، وأثاروا نقاشًا حول فساد المنظومة الصحية ككل، ونتائج تطبيق تعليمات وشروط البنك العالمي وصندوق النقد الدّولي، ومن بينها خفض ميزانية وزارة الصحة العمومية، منذ عُقُود عديدة...
إن وضع قطاع الصحة وانهيار منظومة الصحة العمومية، هو نتيجة تخريب مُمَنْهَج، ضمن مُخطّط القضاء على كافة القطاعات الحكومية (باستثناء المهام القَمْعِيّة)، ومنها التعليم والنقل والصحة، لإفساح المجال للقطاع الخاص، في التعليم كما في النقل، والصحة، ليضطر المواطنون (بمن فيهم الفُقراء) إلى تبجيل العلاج في القطاع الخاص، رغم الغلاء، ولكن اهتمام الطب الخاص يقتصر على المجالات الصحية المُرْبِحَة، وعدم الإهتمام بالوقاية أو بعلاج بعض الأمراض، لأنها لا تُحقِّقُ الرِّبْح الأقْصى، ودعمت الحكومة القطاع الخاص، عبر إعلان رئيس الحكومة التزامه بتسريح آلاف الأطباء والعاملين، وبعدم انتداب موظفين في قطاع الصحة العمومية، لغاية سنة 2022، وربما أبعد من ذلك، في نطاق تطبيق شُرُوط الدّائِنِين، وأدّت هذه السياسات إلى هجرة آلاف الأطباء (من تونس كما من الجزائر ومن غيرها)، بعد تَخَرّجهم، أو بعد بضع سنوات من عملهم في تونس، وخسرت البلاد كفاءات عديدة في اختصاصات عديدة، بعد أن تحمل الشعب الإنفاق على تعليمهم وتأهيلهم...
سبق وأن نَشَر أطباء وصيادلة القطاع العام في تونس سنة 2015، نتائج بحث علمي في المستشفيات الجامعية التونسية، بين سنتَيْ 2013 و 2015، وورد ضمن هذا البحث إن اختبارات التعقيم، وإشراف الصيدلي على عملية إعداد الأمصال المُغذية للرّضع، حديثي الولادة، في فضاء مُعقّم، لا تتم سوى في حوالي 25% من الحالات، وذلك لعدم توفر العدد الكافي من الصيدليِّين، ومن الفَنِّيِّين، ومن المُعدّات... كما أصدرت دائرة الرقابة المالية تقريرًا أَظْهَرَ عُمق الأزمة الهيكلية (البُنْيَوِيّة) في قطاع الصّحّة، وانتشار الفساد بشأن صفقات الدواء (مما أدى إلى صعوبة وجود بعض الأدوية سنة 2018)، والدّم والتجهيزات الطبية، مع ضُعْفِ ميزانية وزارة الصحة العمومية، ولا يتبقى منها سوى 269 مليون دينارا (حوالي 85 مليون دولارا)، بعد احتساب ميزانية الرواتب، ولذلك فإن وزارة الصحة العمومية التونسية غير قادرة على دعم البحث العلمي وعلى توفير الأدوية والتجهيزات البسيطة بمثل هذه الميزانية، مما يصيب الأطباء الشُّبَّان بالإحباط، بسبب افتقاد مستشفيات القطاع العام لأدنى مُقومات ممارسة مهنة الطب، مع انخفاض الرواتب، مما يؤدّي إلى هجرتهم إلى أوروبا (فرنسا وألمانيا...)، وكتبت وسائل إعلام ألمانية عن ارتفاع عدد الأطباء التونسيين الذين يتعلمون اللغة الألمانية في فرع تونس ل"معهد غوته"، ليتعلموا اللغة، قبل مغادرة البلاد، نحو المانيا، ربما نهائيًّا...
يُحدّدُ الدأئنون، منذ عُقود، أولويات الدّولة، ويُقرِّرُون سياساتها، ويشترط صندوق النقد الدّولي تطبيق برنامج خفض الإنفاق والتقشف، والقضاء على القطاع العام، وخصخصة المؤسسات العمومية والمرافق والخدمات، ولذلك فإن السلطة السياسية (الإخوان المسلمون وحلفاؤهم، منذ 2012)، وقبلهم سُلْطة حزب "الدّستور" (المُشارك حاليا في السلطة) مسؤولة عن تخريب وخصخصة الخدمات العمومية كالنقل والتعليم والصحة، وهي قطاعات يعتبرها صندوق النقد الدولي هامشية، أو وجب التّفْريط فيها لصالح القطاع الخاص، لتصبح سِلْعَةً مُرْبِحَة، وخاضعة لقانون العَرْض والطّلَب، وفُرْصَةً للرّبح المادّي، عبر استغلال المريض، دون الإهتمام بالبحث العلمي وتدريب الأطباء والوقاية، وغيرها... مُلخّص الصحف التونسية وبيانات نقابة الصحة العمومية ومنظمة الأطباء الشُّبّان، من 08 إلى 12/03/2019