حلقة (٢)
الحراكات الاجتماعية الجارية في العالم، في المركز الرأسمالي وفي دول المحيط، هي نتيجة طبيعية وتعبير حقيقي عن أزمة المنظومة الرأسمالية العالمية ألتي انفجرت بشكلٍ صاخب عام 2008 بما عرف بأزمة "الرهن العقاري" حيث تم تحميل الطبقات الكادحة والشرائح الفقيرة والمعدمة والمهمشة و الشرائح متوسطة الدخل وزر الأزمة، في الوقت الذي منحت الحوافز للطغمة المالية العالمية، المسبب الحقيقي للأزمة.
أنها أزمة بنيوية للنظام الرأسمالي ذاته، حيث لم يستطع هذا النظام حتى الآن تجاوزها، ولن يتمكن من تجاوزها بالحلول المطروحة، والسبب الحلول والإجراءات المتبعة للحل هي علة وسبب الأزمة، حيث يتم التركيز على معالجة السياسة المالية بدلاً عن المعالجة الاقتصادية، أي الاستمرار في محاولة فرض تخطي منظومة الرأسمالية المنتجة والانتقال إلى منظومة الرأسمالية المضاربة.
ما يجري في السودان والجزائر يأتي في سياق الأزمة العالمية والمحلية، دول يحتوي باطن الأرض فيهما ثروات طبيعية هائلة وإمكانات بشرية عظيمة، ورغم ذلك تفاقم معدلات الفقر والبطالة والجوع والمرض، وخاصة في صفوف الشبيبة، التي تشكل غالبية المجتمع، وانحدرت الخدمات الصحية والتعليمية، وتنامت الآفات والأمراض الاجتماعية، تسبب ذلك كله في تفتيت المجتمع وتفكيك الدولة، أنفصل جنوب السودان، وارتفعت أصوات في المحافظات المهمشة تطالب بالانفصال، هذا النهج هو الذي أنتج الحراك المجتمعي، فإما أن تفتك الأزمة في الدولة والمجتمع وينهارا وإما أن تنهض قوى مجتمعية لإنقاذ الدولة والمجتمع من الانهيار، وهذا ما يجري على أرض الواقع في كلٍ من السودان والجزائر.
الوصف أعلاه ينطبق على الحالة في الجزائر، التي كانت، بحسب تقرير الأمم المتحدة للتنمية عام 1973 مهيأة للانتقال من صفوف دول "العالم الثالث" إلى صفوف دول "العالم الثاني" في سبعينات القرن الماضي، وحيث عبر كيسنجر في حينه عن موقف المركز: لن نسمح "لا للجزائر ولا العراق" بهذا الانتقال، فتم إدخال العراق في حرب مدمرة مع إيران تحت عنوان " سياسة الاحتواء المزدوج" وأدخلت الجزائر في "العشرية السوداء" والتي تم إنهائها ليس بفعل تغيير موازين القوى على الأرض ومعالجة أسباب الأزمة، بل بقرار أمريكي وتنفيذ سعودي، حيث كانت السعودية هي الداعم الرئيس لقوى الإرهاب، ولا يمكن فهم حالة "العشرية السوداء" بمعزل عن دور قوى التبعية المحلية وكلاء المركز في الحكم وفي السوق وفي صفوف النخب، قوى أنتجت العشرية السوداء بسبب نهجها، وهي ذاتها ألتي استمرت في الحكم بعد إنهاء العشرية السوداء، ونهجها هو المولد الحقيقي للأزمة وتبعاً للحراك.
حراك من الطبيعي أن يكون ضد النهج الذي دمر الجزائر على المستوى الاجتماعي – الاقتصادي والمستوى السياسي، يجب أن لا ننخدع بظواهر الأمور، القيادة السياسية والاقتصادية الحالية ليست امتداد للقيادة الوطنية السابقة، بل نهجها من أوصل الجزائر إلى هذه الحالة البائسة، نهج التراجع عن تعميق الاستقلال الوطني، لا بل الارتماء في أحضان المركز الرأسمالي ثانية، والسماح بتحويل الجزائر إلى ساحة صراع بين دول المركز الرأسمالي العالمي.
التراجع عن مشروع بناء الاقتصاد الوطني المنتج المستقل، وعن دور الدولة في حماية الشرائح الكادحة والمنتجة، وحماية السوق الوطنية، والنكوص عن دور فاعل في القضايا العربية والأفريقية والعالمية، عوامل مجتمعة أنتجت الحالة البائسة ألتي يعيشها المجتمع الجزائري اليوم، نتاج نهج العقود الثلاث الماضية.
العلة والسبب للحالة الجزائرية الراهنة تكمن في عدم تبني القيادة الجزائرية الوطنية آنذاك " متلازمة التحرر الوطني والتحرر الاجتماعي".
الحراك الجاري على الساحتين الجزائرية والسودانية، يحمل كل الاحتمالات والمائلات، ففي الحالتين يمكن رصد حالة تشكل قوى اجتماعية قد تحمل متلازمة التحرر الوطني والتحرر الاجتماعي، وتسير بالنضال إلى خواتم الانتصار النهائي، ففي الجزائر يمكن رصد حراك يجري داخل النقابات العمالية وحراك داخل الحزب الحاكم وحلفاءه ضد النهج السائد.
في السودان الحراك القائم يرفض إعادة إنتاج الدولة القائمة ومؤسساتها، بالمقابل لن تستسلم قوى السلطة الحاكمة عن التخلي عن موقعها في السلطة وعن مصالحها في السوق، وسوف تقاوم بعنف.
على وعي وجذرية الحراك وقياداته ألتي ولدت في معمعان النضال، والقدرة على الحسم وعدم التردد في بناء الحامل الاجتماعي لتأمين الانتصار وحماية منجزاته لاحقاً، يتحدد مصير الحراك.
شعار تسليم السلطة للمدنيين شعار موهوم وبلا مضمون، ولا يحمل في طياته مهمة حسم الصراع لصالح الشرائح الكادحة والمنتجة ولا مهمة تحقيق الاستقلال الناجز، ولا إنجاز مهمات التحرر الوطني والتحرر الاجتماعي الذي يعني القضاء على الظلم الاجتماعي والاضطهاد والاستغلال والتمييز بين أبناء المجتمع، ويفسح هذا الشعار المجال أمام إعادة إنتاج حكم يعيد إنتاج قوى التبعية الفاسدة ألتي أنتجت الأزمة القائمة.
يتبع...
" كلكم للوطن والوطن لكم
الحراكات الاجتماعية الجارية في العالم، في المركز الرأسمالي وفي دول المحيط، هي نتيجة طبيعية وتعبير حقيقي عن أزمة المنظومة الرأسمالية العالمية ألتي انفجرت بشكلٍ صاخب عام 2008 بما عرف بأزمة "الرهن العقاري" حيث تم تحميل الطبقات الكادحة والشرائح الفقيرة والمعدمة والمهمشة و الشرائح متوسطة الدخل وزر الأزمة، في الوقت الذي منحت الحوافز للطغمة المالية العالمية، المسبب الحقيقي للأزمة.
أنها أزمة بنيوية للنظام الرأسمالي ذاته، حيث لم يستطع هذا النظام حتى الآن تجاوزها، ولن يتمكن من تجاوزها بالحلول المطروحة، والسبب الحلول والإجراءات المتبعة للحل هي علة وسبب الأزمة، حيث يتم التركيز على معالجة السياسة المالية بدلاً عن المعالجة الاقتصادية، أي الاستمرار في محاولة فرض تخطي منظومة الرأسمالية المنتجة والانتقال إلى منظومة الرأسمالية المضاربة.
ما يجري في السودان والجزائر يأتي في سياق الأزمة العالمية والمحلية، دول يحتوي باطن الأرض فيهما ثروات طبيعية هائلة وإمكانات بشرية عظيمة، ورغم ذلك تفاقم معدلات الفقر والبطالة والجوع والمرض، وخاصة في صفوف الشبيبة، التي تشكل غالبية المجتمع، وانحدرت الخدمات الصحية والتعليمية، وتنامت الآفات والأمراض الاجتماعية، تسبب ذلك كله في تفتيت المجتمع وتفكيك الدولة، أنفصل جنوب السودان، وارتفعت أصوات في المحافظات المهمشة تطالب بالانفصال، هذا النهج هو الذي أنتج الحراك المجتمعي، فإما أن تفتك الأزمة في الدولة والمجتمع وينهارا وإما أن تنهض قوى مجتمعية لإنقاذ الدولة والمجتمع من الانهيار، وهذا ما يجري على أرض الواقع في كلٍ من السودان والجزائر.
الوصف أعلاه ينطبق على الحالة في الجزائر، التي كانت، بحسب تقرير الأمم المتحدة للتنمية عام 1973 مهيأة للانتقال من صفوف دول "العالم الثالث" إلى صفوف دول "العالم الثاني" في سبعينات القرن الماضي، وحيث عبر كيسنجر في حينه عن موقف المركز: لن نسمح "لا للجزائر ولا العراق" بهذا الانتقال، فتم إدخال العراق في حرب مدمرة مع إيران تحت عنوان " سياسة الاحتواء المزدوج" وأدخلت الجزائر في "العشرية السوداء" والتي تم إنهائها ليس بفعل تغيير موازين القوى على الأرض ومعالجة أسباب الأزمة، بل بقرار أمريكي وتنفيذ سعودي، حيث كانت السعودية هي الداعم الرئيس لقوى الإرهاب، ولا يمكن فهم حالة "العشرية السوداء" بمعزل عن دور قوى التبعية المحلية وكلاء المركز في الحكم وفي السوق وفي صفوف النخب، قوى أنتجت العشرية السوداء بسبب نهجها، وهي ذاتها ألتي استمرت في الحكم بعد إنهاء العشرية السوداء، ونهجها هو المولد الحقيقي للأزمة وتبعاً للحراك.
حراك من الطبيعي أن يكون ضد النهج الذي دمر الجزائر على المستوى الاجتماعي – الاقتصادي والمستوى السياسي، يجب أن لا ننخدع بظواهر الأمور، القيادة السياسية والاقتصادية الحالية ليست امتداد للقيادة الوطنية السابقة، بل نهجها من أوصل الجزائر إلى هذه الحالة البائسة، نهج التراجع عن تعميق الاستقلال الوطني، لا بل الارتماء في أحضان المركز الرأسمالي ثانية، والسماح بتحويل الجزائر إلى ساحة صراع بين دول المركز الرأسمالي العالمي.
التراجع عن مشروع بناء الاقتصاد الوطني المنتج المستقل، وعن دور الدولة في حماية الشرائح الكادحة والمنتجة، وحماية السوق الوطنية، والنكوص عن دور فاعل في القضايا العربية والأفريقية والعالمية، عوامل مجتمعة أنتجت الحالة البائسة ألتي يعيشها المجتمع الجزائري اليوم، نتاج نهج العقود الثلاث الماضية.
العلة والسبب للحالة الجزائرية الراهنة تكمن في عدم تبني القيادة الجزائرية الوطنية آنذاك " متلازمة التحرر الوطني والتحرر الاجتماعي".
الحراك الجاري على الساحتين الجزائرية والسودانية، يحمل كل الاحتمالات والمائلات، ففي الحالتين يمكن رصد حالة تشكل قوى اجتماعية قد تحمل متلازمة التحرر الوطني والتحرر الاجتماعي، وتسير بالنضال إلى خواتم الانتصار النهائي، ففي الجزائر يمكن رصد حراك يجري داخل النقابات العمالية وحراك داخل الحزب الحاكم وحلفاءه ضد النهج السائد.
في السودان الحراك القائم يرفض إعادة إنتاج الدولة القائمة ومؤسساتها، بالمقابل لن تستسلم قوى السلطة الحاكمة عن التخلي عن موقعها في السلطة وعن مصالحها في السوق، وسوف تقاوم بعنف.
على وعي وجذرية الحراك وقياداته ألتي ولدت في معمعان النضال، والقدرة على الحسم وعدم التردد في بناء الحامل الاجتماعي لتأمين الانتصار وحماية منجزاته لاحقاً، يتحدد مصير الحراك.
شعار تسليم السلطة للمدنيين شعار موهوم وبلا مضمون، ولا يحمل في طياته مهمة حسم الصراع لصالح الشرائح الكادحة والمنتجة ولا مهمة تحقيق الاستقلال الناجز، ولا إنجاز مهمات التحرر الوطني والتحرر الاجتماعي الذي يعني القضاء على الظلم الاجتماعي والاضطهاد والاستغلال والتمييز بين أبناء المجتمع، ويفسح هذا الشعار المجال أمام إعادة إنتاج حكم يعيد إنتاج قوى التبعية الفاسدة ألتي أنتجت الأزمة القائمة.
يتبع...
" كلكم للوطن والوطن لكم