من مباحث الالاهيات والكليات في عقيدتنا
عند البحث في الالهيات فان البحث في الذات العلية من خوارم العقل، لان ادراك الذات من المستحيلات، والعقل بطبعه لا يدرك الا ما يقع عليه الحس من المحدودات المقيدة بالجسم والشكل والصورة في الماديات، او ما يتعلق بها من المعنويات، وهو عاجز عن ادراك ما فوق المحدود ، قال تعالى:-( يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110طه) وقال سبحانه: ﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾[ سورة البقرة: 256].
فلذلك قيل العجز عن الادراك ادراك ، وقالوا :الله لا تبلغه الأوهام ولا تدركه الأفهام .
ولان الله تعالى مغاير للمخلوقات فلذلك قال سبحانه: (ليس كمثله شيء) فلا صورة تشابهه ، ولانه لا يقاس على شيء قال (قل هو الله احد) والاحد هو المتفرد في وجوده بلا نوع ولا جنس، فامتنع عليه القياس لامتناع المثيل والشبيه، وانما يكون القياس بين المتامثلات والمتشابهات، ولانه لا يشابهه شيء او يعادله او يماثله في الوجود قال تعالى (ولم يكن له كفوا احد)، ولانه لا يستند في وجوده الى وجود ،ويستند الوجود في وجوده الى وجوده سبحانه، قال (الله لا اله الا هو الحي القيوم)، ولانه لاتعتريه عوامل التغيير والتبديل والزمن قال (الله الصمد) ...
اما صفات الله تعالى واسماءه الحسنى، فان الله تعالى يوصف بما وصف به نفسه، ويسمى بما سمى به نفسه، فهو العليم بذاته وصفاته، والعليم بخلقه واعلم بالخلق من انفسهم التي يعجزون عن ادراك كنهها وما ينفعها او يضرها، فهم عن ادراك ذاته وما يجب له اعجز من باب اولى، فلا بد من التوقف في ذلك على النص المقطوع بثبوته عنه، و المفيد لقطعية الدلالة في معناه. فلا يمكن أن نعرف الله تعالى إلا من طريقين: الأوَّل: من اثاره في خَلْقِهِ التي نحن جزء منها ، والثاني: من كلامه عن نفسه في كتابه المبين وما انزله مع الروح الامين على النبي الصادق الامين.
وكذلك افعال الله تعالى لا يبحث لها عن كيفية فهو (فعال لما يريد)، ويحدث الفعل بامره له ان يكون فيكون كما اراد ان يكون، (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ)(البقرة 117) وقال (قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ)(ال عمران 47)
وتكرر الامر في سورة ال عمران اية 59: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) وفي سورة مريم اية 35 (مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ) ، وجاء في سورة الأنعام 73:
(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)، وانظر سورة النحل اية 40:(إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) وكذلك قوله تعالىإِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)يس82 ، و(هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ)(سورة غافر 68) .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عدل سابقا من قبل محمد بن يوسف الزيادي في 2023-01-04, 6:05 am عدل 1 مرات