21.04.2020
عبدالله عيسى السلامة
الخير والشرّ، في علم الله ، وعلم البشر: قال تعالى : (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى ان تحبّوا شيئاً وهو شرٌّ لكم والله يَعلم وانتم لاتعلمون).
وقال تعالى فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً).
حصرت الآيات القرآنية ، معرفة الخير والشرّ، بشكل يقيني ، في علم الله تعالى ، وحده ! أمّا البشر، فقد يعلمون بعض الخير، وبعض الشرّ! وقد يظنون ماهو خير شرّاً ، وماهو شرّ خيراً ؛ لعجزهم ، عن إدراك علم الله المطلق ، وحكمته المطلقة !
وفي المثل الدارج ، في بعض البيئات : (إذا كان جارُك بخير، فأنت بخير) ! وسنقف عند هذا المثل ؛ لما نراه ، من حاجة الناس ، بعضهم إلى بعض ، في مناطق شتّى ، من أوطاننا ، المبتلاة ببعض أبنائها ، من حكّام ومحكومين !
والخير المعروف لدى البشر، هو ما تعارف البشر، على أنه خير! ومن أهمّ أنواع الخير، المعروفة بين الناس : الوضع المادّي بأنواعه ! وقد يكون المرء- الجارُ،هنا- في بعض نعم الله ، المادّية والمعنوية ؛ فيكون لديه متّسع ، من الوقت والفكر، يسمح له ، بالاهتمام بجيرانه ، ويرا عي فيهم الحقوق ، التي رتّبها الإسلام للجار، وهي كثيرة معروفة ! ومن أهمّ أنواع الخير، التي ينعم بها الله ، على عباده : النفس الطيّبة السمحة ، التي تُولي جيرانَها اهتماماً كبيراً ، من حيث تفقّد حاجاتهم ، ومساعدتهم فيما يحتاجون !
وممّن عُرف بالتعامل الحسن ، مع جيرانه ، الإمام أبو حنيفة النعمان ! وممّا يروى عنه : أن جاراً له ، أراد بيع بيته ، فطلب فيه ضعف سعره ، فقيل له: بيتك يساوي نصف السعر، الذي طلبته ، فلمَ تضاعف سعره ؟ فقال : صحيح ، إن نصف ماطلبت، هو: ثمن البيت .. والنصف الثاني : هو: ثمن جوار أبي حنيفة ! فلمّا سمع أبو حنيفة بالأمر، دفع له المال الذي يحتاجه ، وأبقاه في البيت !
أمّا قصّة الإمام ، مع جاره الشابّ السكّير، فمعروفة ، ومختصرها : أن الشابّ كان يسكر، كلّ ليلة ، ويغنّي : أضاعوني ، وأيَّ فتىً أضاعوا = ليوم كريهة، وسَداد ثغر!
وفي إحدى الليالي ، لم يسمع الإمام غناء جاره ، فسأل عنه ، فقيل له :هو في الحبس، فقد أمسك به عسَس الوالي ، وسجنوه ! فذهب الإمام إلى الوالي ، وطلب منه إطلاق سراح جاره ، فأطلقه ! ثمّ سأل الإمامُ الشابَّ : هل أضعناك ، يافتى ؟ فأثنى الشابّ على الإمام ، ووعدَه بالكفّ عن سكره وغنائه ، فأمره الإمام ، بالبقاء على غنائه ، لأنه - أيْ الإمام - يطرب له !
فهل يعي أبناء الأمّة ، الذين يتظالمون ، فيما بينهم ، من جيران وأقارب .. معنى هذا، كلّه ؟ نرجو ذلك ؛ لاسيّما في ظروف البؤس ، التي تمرّ بها الأمّة ، اليوم ! فمن المعروف ، أن روح العلاقات الإنسانية ، في المجتمع المسلم – اجتماعياً وسياسياً..- تكمن ، في حفظ الحقوق لأصحابها ، ومن أهمّها حقوق الجوار!