· 18-05-2020
الانتخابات الأميركية في زمن الكورونا: اقتصاد يتداعى وانقسام حاد يصعب جسره
واشنطن- "القدس" دوت كوم-سعيد عريقات-
في شهر أيار من كل عام انتخابي في الولايات المتحدة، يعلو ضجيج المنافسة، خاصة وأنه مع حلول النصف الثاني من أيار كل أربع سنوات، يكون الحزبان قد اختارا مرشحيهما، ولم يبق إلا التثبيت التقليدي للمرشح في مؤتمري الحزبين الذي عادة ما يتم في شهر تموز أو آب، وذلك بغض النظر عما إذا كان المرشح المفترض يشغل منصب الرئيس ويصبو لدورة ثانية، أو منافساً يحاول خلعه والحلول مكانه، أو متنافسين من الحزبيين.
ولكن الحال يختلف في انتخابات هذا العام ، فلم تقتصر آثار وباء كورونا على شل الإقتصاد الأميركي وحصد أرواح حوالي 90 ألف شخص حتى الآن، وإصابة مليون ونصف المليون أميركي، بل امتدت آثار كورونا لتهز الحياة السياسية أيضا، وتخلط الأوراق وتبدد قبل ستة شهور من الانتخابات الكثير من الثوابت.
واتخذت المواجهة بين الرئيس دونالد ترامب (73 عاما) والمرشح الديموقراطي جو بايدن (77 عاما) في السباق إلى البيت الأبيض منحاً غير مسبوق في أي انتخابات ماضية، حيث أصبح الأمر الوحيد المؤكد هو أن فيروس كورونا المستجد الذي جمد الحملة الانتخابية، وكاد أن يطفئ صوت نائب الرئيس السابق بشكل كامل، وأن يعزز ما كان مرسوماً بأن انتخابات 3 تشرين الثاني 2020 ستكون استفتاء على الرئيس الأميركي ترامب، قد أعاد خلط الامور مجدداً.
ومع اقتراب الاستحقاق الانتخابي، فان استطلاعات الرأي، والتفوق الذي يحظى به الرئيس المنتهية ولايته تقليديا على منافسه، والعبر الكبرى حول أهمية الاقتصاد مع اقتراب الاستحقاق، كثوابت كانت تحكم الانتخابات، سقطت هذه المرة.
ويقف الخبراء مذهولين أمام تبخر المعايير السابقة لقياس فرص المرشحين، والمعطيات التي عادة ما تمثل بوصلة تحدد اتجاه الناخبين، حيث لم تعد أساليب التحليل التقليدية قابلة للتطبيق في انتخابات هذا العام.
وأمام الإنتقادات الشديدة الموجهة لإدارته للأزمة الصحية، وفي ظل عاصفة اقتصادية لم تتضح عواقبها بعد، اختار ترامب الأسبوع الماضي هدفاً جديداً لهجماته، وهو سلفه باراك أوباما، وهي الورقة الرابحة الأكبر بيد خصمه بايدن، الذي كان نائباً له على مدى ثمانية أعوام.
واتهم ترامب، سلفه أوباما، بأنه اقترف جرائم جنائية جمة، أسماها فضيحة "أوباما غيت"، وأنه سيقوم بكشفها في الوقت المناسب .
ووعد ترامب بكشف معلومات حول ما أطلق عليه "أوباما غيت"، بحسب تعبير مستوحى من فضيحة "ووترغيت"، دون أن يعطي أي أدلة أو تلميحات ملموسة على طبيعة هذه "الجرائم" التي يدعي أن أوباما ارتكبها، مكتفيا بالقول، "أنتم تعرفون جرائمه (أوباما)".
ما أثار حفيظة ترامب، هو أن الرئيس السابق أوباما، الذي التزم الصمت في الأعوام الثلاثة الماضية، وكرس وقته لتأليف الكتب وإلقاء الخطابات الخاصة أمام القوى النخبوية، ما أكسبه عشرات الملايين من الدولارات، خرج عن صمته فجأة يوم السبت 9 أيار، ووجه انتقادات لاذعة للرئيس ترامب وإدارته، في لقاءات عبر الفيديو مع قيادات الحزب الديمقراطي (سربت لاحقا)، متهما البيت الأبيض بالفوضى والارتباك، وواصفاً ترامب بأنه عديم الكفاءة، ولا يعرف ماذا يفعل أو يقول.
ويسجل بايدن منذ أشهر تقدماً على ترامب في استطلاعات الرأي، في ظل التفاف الحزب الديمقراطي حوله، خاصة بعد أن انسحب منافسه القوي، السيناتور الاشتراكي بيرني ساندرز من السباق، معلناً تأييده له. لكن الاستطلاعات سرعان ما تظهر ارتباكها في الساعات الأولى من اليوم الانتخابي.
وما يزيد الأمور تعقيدا هذه المرة، هو أن المراقبين الذين فوجئوا عام 2016 بفوز ترامب على هيلاري كلينتون، يتفادون الوثوق باستطلاعات الرأي الوطنية في بلد تحسم الانتخابات الرئاسية فيه على مستوى الولايات، ويعتمد نظام انتخابات غير مباشرة، أتاح لترامب الفوز بالرئاسة، رغم خسارته التصويت الشعبي أمام كلينتون بأكثر من ثلاثة ملايين صوت.
وأمضى جو بايدن، وهو سياسي مخضرم ، خمسين عاماً كسياسي محترف، وهو معروف بافتقاره الكريزما، والقدرة على إلهاب الجماهير ودب الحماس فيهم (كما كان أوباما، أو ساندرز يفعلان على سبيل المثال)، وتميز بقدرته على التفاعل المباشر مع الناخبين أثناء تنقله بينهم والشد على أياديهم، خاصة الأميركيين الأفارقة، الذين يشكلون العمود الفقري للحزب الديمقراطي، الا انه يجد نفسه الآن وبسبب كوفيد-19 محروما من هذه الميزة، مما يبعده عن ناخبيه وعن المشهد السياسي برمته، خاصة وأنه لا يتقن التقنيات الجديدة التي تمكنه من التواصل مع مؤيديه عبر الإنترنت، الأمر الذي يعطي وصف ترامب له بـ "جو النعسان" وبأنه "متعب ومصاب بالخرف" نوعاً من الصدقية لدى أنصار ترامب والمستقلين.
إلا أن فريق بايدن يصر على أن المرشح الديمقراطي المفترض، يتصدر المعركة في المواقع التي ستحسم الانتخابات، وحقيقة، فإن الاستطلاعات تظهر تفوقه بحفنة من النقاط على ترامب، ولكن الحقيقة أيضاً، هي أن بايدن يجد صعوبة في إيصال صوته، مهما أجرى من مقابلات وعقد طاولات مستديرة عبر الفيديو.
ويدرك ترامب أنه في مأزق، فالبلاد مغلقة والاقتصاد يهوي بقوة من طبقاته العليا التي كان يتمتع بها حتى منتصف شهر آذار الماضي، بينما انضم 35 مليون أميركي لطوابير العاطلين عن العمل، فيما يبدو مرتبكا في كل مرة يواجه فيها الصحافة بسبب سوء قيادته في مواجهة كوفيد-19 (الذي قتل 90 ألف أميركي حتى الآن) ، ولا شك أنه سيفعل كل ما بوسعه ليحول الانتباه عن واقع هذا الوباء العالمي، والانهيار الاقتصادي، وسيحاول التمويه عما يجري، وتحميل المسؤولية لآخرين.
تقليديا، يعتبر التراجع الاقتصادي عنصراً سلبياً جداً لأي رئيس تنتهي ولايته الأولى، فيما يخوض حملة انتخابية للفوز بدورة ثانية، إلا أن قاعدة ترامب الانتخابية ، التي قادته الى البيت الأبيض، وقطاع آخر من الأميركيين، لا يلقون باللوم بذلك على ترامب بل على الصين، تجاوباً مع خط هجومي كثيراً ما يردده ترامب (وفريقه) من البيت الأبيض. هذا المنبر الذي لا يضاهى في التأثير على المزاج العام، وقدرته على التنقل بين الولايات على متن "إيرفورس ون"، الأمر الذي استأنفه في مطلع أيار الحالي.
وبالإضافة الى ذلك، فان ترامب، الذي يعمل بمثابرة كبيرة على حملته الانتخابية منذ دخوله إلى البيت الأبيض، يمتلك تفوقا كبيراً على خصمه، على صعيد التنظيم واستهداف الناخبين بشكل فائق الدقة على الإنترنت، وميدانيا، إضافة الى مئات الملايين من الدولارات التي جمعها من المتبرعين، مخلفا منافسه بايدن يلهث في الوراء.
ويعي فريق بايدن هذا الخطر، ويضاعف الرسائل، مؤكداً أن ترامب قد لا يكون مسؤولا عن ظهور الفيروس، لكن إدارته السيئة للأزمة هي التي وضعت الولايات المتحدة في عين الإعصار. كما يعي بايدن وفريقه، أن ترامب، منافساً شرساً لا يرحم ولا يتردد، ولا تكبح جماحه أي موانع أو حدود أو قيم الأخلاق السياسية التقليدية.
كل ذلك ، يشير إلى أن المعركة الانتخابية الطاحنة باتت على وشك الانفجار.