نظرة في مسألة العدل الالهي..
المرادُ بالعدل الالهي هو تنزيه الباري تعالى عن فعل القبيح ، بمعنى أنَّ إعتقادكَ بعدل الله تعالى هو أن لاتتهمه في أفعاله بظنِّكَ عدم الحكمة فيها، أو بما لايليق به من نسبة القبح والظلم المنفيين عنه سبحانه.. فقد سئل سيدنا علي رضي الله عنه عن عدل الله تعالى فقال: (العدل أن لاتتهمه).علما بان المفهوم العام للعدل هو اعطاء كل ذي حق حقه الذي يستحق..اي هو أن لايصدر الظلم والتعدّي والتجاوز من الفاعل القادر ، فوجود القدرة الكاملة لايتنافى مع الظلم بأن لايبالي حقوق الآخرين .
لقد كان بحث موضوع العدل الالهي موضوعا شائكا بين المعتزلة الذين اوجبوا العدل على الله تعالى وتبع مذهبهم هذا الشيعة الاثني عشرية وما زالوا.. وبين السادة الاشاعرة الذين اوجبوه لله تعالى، وتبناه تقريبا معظم اهل طوائف السنة ما عدا المعتزلة.. وفرق بين من اوجبه على ربه ومن اوجبه لربه تعالى..
والعدل ضده الظلم وهو منقصة يجب ان ننزه الله تعالى عنها ، بل ان الظلم مناف للحكمة والعلم ؛ فإنّ الحكمة تقتضي أن يضع الحكيم كلّ شيء في موضعه المناسب ، ولا يفعل ماهو قبيح في نظر العقل ، فمهما كان للشخص من قدرة لا تفوقه قدرة ، فحكمته تقتضي أن لا يصدر منه الظلم ؛ لأنّ الظلم من قبيل وضع الشيء في غير محلّه، وهو مناف للقدرة والعلم والحكمة.
وللعلم فان اصل البحث كله برمته جاء من النظرة الى من هو الحاكم على الافعال؟
هل هو الله تعالى بوحيه و بشرعه ام هو العقل؟ وبالتالي مسألة التحسين والتقبيح،هل الحكم بالقبح او الحسن عمل مصدره العقل ام الوحي؟؟
وبالتالي نشات مسالة العدل الالهي من خلال طرح سؤال دور العقل وقدرته على الادراك الذاتي لأنَّ أصل العدل هو من مُدركات العقل العملي عند الإنسان ؟ ام ان العقل لوحده دون الوحي عاجز عن ذلك؟؟!
ذلك العقل الذي يُعبّرُ عنه عند علماء الأديان والعقيدة بالحسن والقبح
ويُعبّرُ عنه عند الفلاسفة بالخير والشر
وعند علماء الأخلاق بالفضيلة والرذيلة.
والمراد من العقل العملي هنا هوالمُدرِكُ لما ينبغي فعله وإيقاعه، أو تركه وما لاينبغي فعله .
فكان راي المعتزلة اعتماد العقل انه هو القوة المدركة للخير والشر، وهو القادر على التحسين والتقبيح، وبالتالي الحكم على الاشياء..على اعتبار ان القبح في الاشياء امر متعلق بذاتها، ويدركه العقل، وان الحسن امر ذاتي في طبيعة الشيء، ويدركه العقل.
وهنا وقع الخطأ في الادراك الذاتي للعقل، فالملاحظ ان ادراكات العقول ومعقولاتها متفاوته،وبالتالي تتباين احكام العقول، ولكن العقل يستطيع ان يميز القبح من الحسن اذا نبه ووجه، فلذلك كان لا بد للعقل من الوحي ليكون هاديا ومرشدا وملهما.
فالإنسان باعتبار ضعفه وجهله قد يتوهم ما غايته خير شراً وما نهايته شر خيراً، فينظر إلى ظواهر الأمور وبداياتها ولا ينظر إلى عمقها ونهاياتها، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُون).
فما يراه الإنسان أو ما يشعر به ليس هو دائماً المعيار الحقيقي لفهم المصلحة الحقيقية للفرد والمجتمع، فرب شيء نحبه وفيه شر كثير على صعيد الفرد أو المجتمع أو الأمة، وكذلك رب شيء نكرهه وفيه المصلحة الكبرى للفرد أو الأمة، واللَّه تعالى هو المحيط بخفايا الأمور، ولا يستطيع البشر مهما بلغ وعيهم وفطنتهم إلا أن يفهموا جانباً من تلك الخفايا والمصالح البعيدة في الأحكام، فعلى المؤمن أن يعتقد أن كل الأحكام الصادرة من اللَّه تعالى هي لصالحه، تشريعية كانت كالصلاة والصوم والجهاد والزكاة، أم تكوينية كالموت والبلاءات والاختلاف في الخلقة والألوان، ويجب أن يصل إلى مرحلة التسليم للَّه تعالى حيث يقول: ﴿ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾. لأن ما توصل إليه الإنسان من العلوم والاكتشافات لأسرار هذا الكون إنما هو النزر اليسير، يقول تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً﴾.
ويؤكد القرآن الكريم هذه المسألة في قوله تعالى: ﴿وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾.
فإن الكثير من الآلام هي في واقعها خير، والإنسان أخطأ عندما اعتبرها شراً، فملاك وحقيقة الخيرية وعدمها ليس بموافقتها للرغبات التي دائما في العادة ما يخضع لها العقل، وتوظف عمله لخدمتها وهو المعبر عنه بالهوى.
وذكر القرآن الكريم صورة أخرى معاكسة وهي أن الشيء قد يكون بالنظر السطحي خيراً ولكنه في الواقع شر وبلاء وفتنة وسبب لسوء العاقبة، يقول تعالى: ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُم﴾.
ويقول تعالى: ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾.
ان مسألة الشرور والآفات، لماذا وجدت؟، وهل هي موافقة لعدالة اللَّه تعالى؟، مسألة قد طرحت منذ القدم طرحها الفلاسفة على مر العصور والانسان يقف عاجزا امام تفسير ابسط الظواهر الطبيعية، فكيف بحكمة ومراد رب الوجود الخالق المدبر، الذي لا يمكننا ان نحيط بعلمه وحكمته.
والمؤمن يثق بربه، وانه الحكيم الذي لم يوجد ولم يحدث امرا عبثا فسبحانه.
وفي الختام نقول بأنَّ الحسن من الأشياء والافعال ماحسنه الشرع، والقبيح منها ماقبَّحه الشرع، ووظيفة العقل الاهتداء بالشرع وفقه وفهم ما نزل. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المرادُ بالعدل الالهي هو تنزيه الباري تعالى عن فعل القبيح ، بمعنى أنَّ إعتقادكَ بعدل الله تعالى هو أن لاتتهمه في أفعاله بظنِّكَ عدم الحكمة فيها، أو بما لايليق به من نسبة القبح والظلم المنفيين عنه سبحانه.. فقد سئل سيدنا علي رضي الله عنه عن عدل الله تعالى فقال: (العدل أن لاتتهمه).علما بان المفهوم العام للعدل هو اعطاء كل ذي حق حقه الذي يستحق..اي هو أن لايصدر الظلم والتعدّي والتجاوز من الفاعل القادر ، فوجود القدرة الكاملة لايتنافى مع الظلم بأن لايبالي حقوق الآخرين .
لقد كان بحث موضوع العدل الالهي موضوعا شائكا بين المعتزلة الذين اوجبوا العدل على الله تعالى وتبع مذهبهم هذا الشيعة الاثني عشرية وما زالوا.. وبين السادة الاشاعرة الذين اوجبوه لله تعالى، وتبناه تقريبا معظم اهل طوائف السنة ما عدا المعتزلة.. وفرق بين من اوجبه على ربه ومن اوجبه لربه تعالى..
والعدل ضده الظلم وهو منقصة يجب ان ننزه الله تعالى عنها ، بل ان الظلم مناف للحكمة والعلم ؛ فإنّ الحكمة تقتضي أن يضع الحكيم كلّ شيء في موضعه المناسب ، ولا يفعل ماهو قبيح في نظر العقل ، فمهما كان للشخص من قدرة لا تفوقه قدرة ، فحكمته تقتضي أن لا يصدر منه الظلم ؛ لأنّ الظلم من قبيل وضع الشيء في غير محلّه، وهو مناف للقدرة والعلم والحكمة.
وللعلم فان اصل البحث كله برمته جاء من النظرة الى من هو الحاكم على الافعال؟
هل هو الله تعالى بوحيه و بشرعه ام هو العقل؟ وبالتالي مسألة التحسين والتقبيح،هل الحكم بالقبح او الحسن عمل مصدره العقل ام الوحي؟؟
وبالتالي نشات مسالة العدل الالهي من خلال طرح سؤال دور العقل وقدرته على الادراك الذاتي لأنَّ أصل العدل هو من مُدركات العقل العملي عند الإنسان ؟ ام ان العقل لوحده دون الوحي عاجز عن ذلك؟؟!
ذلك العقل الذي يُعبّرُ عنه عند علماء الأديان والعقيدة بالحسن والقبح
ويُعبّرُ عنه عند الفلاسفة بالخير والشر
وعند علماء الأخلاق بالفضيلة والرذيلة.
والمراد من العقل العملي هنا هوالمُدرِكُ لما ينبغي فعله وإيقاعه، أو تركه وما لاينبغي فعله .
فكان راي المعتزلة اعتماد العقل انه هو القوة المدركة للخير والشر، وهو القادر على التحسين والتقبيح، وبالتالي الحكم على الاشياء..على اعتبار ان القبح في الاشياء امر متعلق بذاتها، ويدركه العقل، وان الحسن امر ذاتي في طبيعة الشيء، ويدركه العقل.
وهنا وقع الخطأ في الادراك الذاتي للعقل، فالملاحظ ان ادراكات العقول ومعقولاتها متفاوته،وبالتالي تتباين احكام العقول، ولكن العقل يستطيع ان يميز القبح من الحسن اذا نبه ووجه، فلذلك كان لا بد للعقل من الوحي ليكون هاديا ومرشدا وملهما.
فالإنسان باعتبار ضعفه وجهله قد يتوهم ما غايته خير شراً وما نهايته شر خيراً، فينظر إلى ظواهر الأمور وبداياتها ولا ينظر إلى عمقها ونهاياتها، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُون).
فما يراه الإنسان أو ما يشعر به ليس هو دائماً المعيار الحقيقي لفهم المصلحة الحقيقية للفرد والمجتمع، فرب شيء نحبه وفيه شر كثير على صعيد الفرد أو المجتمع أو الأمة، وكذلك رب شيء نكرهه وفيه المصلحة الكبرى للفرد أو الأمة، واللَّه تعالى هو المحيط بخفايا الأمور، ولا يستطيع البشر مهما بلغ وعيهم وفطنتهم إلا أن يفهموا جانباً من تلك الخفايا والمصالح البعيدة في الأحكام، فعلى المؤمن أن يعتقد أن كل الأحكام الصادرة من اللَّه تعالى هي لصالحه، تشريعية كانت كالصلاة والصوم والجهاد والزكاة، أم تكوينية كالموت والبلاءات والاختلاف في الخلقة والألوان، ويجب أن يصل إلى مرحلة التسليم للَّه تعالى حيث يقول: ﴿ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾. لأن ما توصل إليه الإنسان من العلوم والاكتشافات لأسرار هذا الكون إنما هو النزر اليسير، يقول تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً﴾.
ويؤكد القرآن الكريم هذه المسألة في قوله تعالى: ﴿وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾.
فإن الكثير من الآلام هي في واقعها خير، والإنسان أخطأ عندما اعتبرها شراً، فملاك وحقيقة الخيرية وعدمها ليس بموافقتها للرغبات التي دائما في العادة ما يخضع لها العقل، وتوظف عمله لخدمتها وهو المعبر عنه بالهوى.
وذكر القرآن الكريم صورة أخرى معاكسة وهي أن الشيء قد يكون بالنظر السطحي خيراً ولكنه في الواقع شر وبلاء وفتنة وسبب لسوء العاقبة، يقول تعالى: ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُم﴾.
ويقول تعالى: ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾.
ان مسألة الشرور والآفات، لماذا وجدت؟، وهل هي موافقة لعدالة اللَّه تعالى؟، مسألة قد طرحت منذ القدم طرحها الفلاسفة على مر العصور والانسان يقف عاجزا امام تفسير ابسط الظواهر الطبيعية، فكيف بحكمة ومراد رب الوجود الخالق المدبر، الذي لا يمكننا ان نحيط بعلمه وحكمته.
والمؤمن يثق بربه، وانه الحكيم الذي لم يوجد ولم يحدث امرا عبثا فسبحانه.
وفي الختام نقول بأنَّ الحسن من الأشياء والافعال ماحسنه الشرع، والقبيح منها ماقبَّحه الشرع، ووظيفة العقل الاهتداء بالشرع وفقه وفهم ما نزل. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.