هل سمعتم بحكاية خليج امير المؤمنين ؟؟
اسمعوها مما رواه كل من ابن عبد الحكم في كتابة فتوح مصر والمغرب وكذا من ابن سعد في الطبقات الكبرى المعروفة بطبقات ابن سعد قالا : ( أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن عمر عن نافع, عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: -
أن عمر بن الخطاب كتب إلى عمرو بن العاص عام الرمادة:
"بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى العاصي بن العاصي، سلام عليك، أما بعد أفتراني هالكاً ومن قِبَلي وتعيش أنت ومن قِبَلَك؟ فيا غوثاه، يا غوثاه, يا غوثاه".
قال: فكتب إليه عمرو بن العاص:
" بسم الله الرحمن الرحيم، لعبد الله عمر أمير المؤمنين من عمرو بن العاص، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد أتاك الغوث فلَبِّث لَبِّث، لأبعثن إليك بعير أولها عندك وآخرها عندي".
فبعث في البر بألف بعير تحمل الدقيق، وبعث في البحر بعشرين سفينة تحمل الدقيق والدهن، وبعث إليه بخمسة آلاف كساء.
فكانت عيرا عظيمة أولها بالمدينة وآخرها بمصر يتبع بعضها بعضا فلما قدمت على عمر وسع بها على الناس ودفع إلى أهل كل بيت بالمدينة وما حولها بعيرا بما عليه من الطعام وبعث عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص يقسمونها على الناس فدفعوا إلى كل بيت بعيرا بما عليه من الطعام أن يأكلوا الطعام وينحروا البعير فيأكلوا لحمه ويأتدموا شحمه ويحتذوا جلده وينتفعوا بالوعاء الذي كان فيه الطعام لما أرادوا من لحاف أو غيره فوسع الله بذلك على الناس فلما رأى ذلك عمر بن الخطاب حمد الله وكتب إلى عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن يقدم عليه هو وجماعة من أهل مصر، فقدموا عليه، فقال عمر: "يا عمرو، إن الله قد فتح على المسلمين مصر، وهي كثيرة الخير والطعام، وقد ألقى في رُوعي؛ لما أحببت من الرفق بأهل الحرمين، والتوسعة عليهم حين فتح الله عليهم مصر وجعلها قوة لهم ولجميع المسلمين، أن أحفر خليجًا من نيلها حتى يسيل في البحر، فهو أسهل لما نريد من حمل الطعام إلى المدينة ومكة، فإن حمله على الظهر يبعد، ولا نبلغ منه ما نريد، فانطلق أنت وأصحابك فتشاوروا في ذلك حتى يعتدل فيه رأيكم."
فانطلق عمرو فأخبر بذلك من كان معه من أهل مصر، فثَقُلَ ذلك عليهم، وقالوا: نتخوف أن يدخل في هذا ضرر على مصر، فنرى أن تعظم ذلك على أمير المؤمنين، وتقول له: إن هذا أمر لا يعتدل ولا يكون، ولا نجد إليه سبيلاً.
فرجع عمرو بذلك إلى عمر، فضحك عمر حين رآه، وقال: "والذي نفسي بيده، لكأني أنظر إليك يا عمرو وإلى أصحابك حين أخبرتهم بما أمرنا به من حفر الخليج فثقل ذلك عليهم، وقالوا: يدخل في هذا ضرر على أهل مصر، فنرى أن تعظم ذلك على أمير المؤمنين، وتقول له: إن هذا الأمر لا يعتدل، ولا يكون ولا نجد إليه سبيلاً".
فعجب عمرو من قول عمر، وقال: صدقت والله يا أمير المؤمنين، لقد كان الأمر على ما ذكرت.
فقال له عُمر: انطلق يا عمرو بعزيمة مني حتى تجِدَّ في ذلك، ولا يأتي عليك الحول حتى تفرغ منه إن شاء الله. فانصرف عمرو، وجمع لذلك من الفَعَلَةِ ما بلغ منه ما أراد، ثم احتفر الخليج الذي في حاشية الفسطاط الذي يقال له: خليج أمير المؤمنين، فساقه من النيل إلى القلزم، فلم يأتِ الحول حتى جرت فيه السفن، فحمل فيه ما أراد من الطعام إلى المدينة ومكة، فنفع الله بذلك أهل الحرمين، وسمي خليج أمير المؤمنين. ثم لم يزل يحمل فيه الطعام حتى حُمل فيه بعد عمر بن عبد العزيز ثم ضيعته الولاة بعد ذلك فترك وغلب عليه الرمل فانقطع ) اه . كما واقاض في ذكره صاحب معجم البلدان وروى شعرا فيه للساعاتي يقول:
قف بالخليج فإنه ................. أشهر بقاع الأرض ربعا
رقصت له الأغصان ....... إذ أثنى الحمام عليه سجعا
وإذا تمر به الصـبا ............. فاطرب بسـيف صار درعا
متساويات سننه ...................... خفضا براكبها ورفعا
مثل العقارب أقبلت ........... فوق الأراقم وهي تسـعى
وجاء في كنز العمال/ مسند عمر رواية متوافقة مع هذه الرواية : "عن الليث بن سعد أن الناس بالمدينة أصابهم جَهْدٌ شديد في خلافة عمر بن الخطاب في سنة الرمادة فكتب إلى عمرو بن العاص وهو بمصر:
من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى العاص بن العاص: سلام، أما بعد: فلعمري يا عمرو ما تبالي إذا شبعت أنت ومن معك أن أهلك أنا ومن معي فيا غوثاه ثم يا غوثاه...؛ فكتب إليه عمرو بن العاص:
لعبد الله عمر أمير المؤمنين من عمرو بن العاص: أما بعد، فيا لبيك ثم يا لبيك، وقد بعثت إليك بعير (قافلة) أولها عندك وآخرها عندي والسلام عليك ورحمة الله وبركاته ...، فلما قدمت على عمر وسَّع بها على الناس ودفع إلى أهل كل بيت بالمدينة وما حولها بعيراً بما عليه من الطعام.
وكتب إلى عمرو بن العاص (أنْ) يقدم عليه هو وجماعة من أهل مصر؛ فقدموا عليه
فقال عمر:
يا عمرو إن الله قد فتح على المسلمين مصر ... وقد ألقي في روعي ... أن أحفر خليجاً من نيلها حتى يسيل في البحر فهو أسهل لما نريد من حمل الطعام إلى المدينة ومكة فإن حمله على الظهر يبعد ولا نبلغ منه ما نريد فانطلِقْ أنت وأصحابك فتشاوروا على ذلك حتى يعتدل فيه رأيكم.
فانطلق عمرو فأخبر بذلك من كان معه من أهل مصر (فثقل) ثقل ذلك عليهم وقالوا: نتخوف أن يدخل في هذا ضرر على أهل مصر فنرى أن تُعظِّم ذلك على أمير المؤمنين وتقول له: إن هذا الأمر لا يعتدل، ولا يكون، ولا نجد إليه سبيلاً.
فرجع عمرو إلى عمر فضحك عمر حين رآه وقال:
والذي نفسي بيده لكأني أنظر إليك يا عمرو وإلى أصحابك حين أخبرتهم بما أمرتك به من حفر الخليج فثقل ذلك عليهم (وقص عليه مقالتهم) ... فعجب عمرو ... وقال: صدقت والله يا أمير المؤمنين لقد كان الأمر على ما ذكرت (كنز العمال، 12/ 275)
فقال له عمر:
انطلق يا عمرو بعزيمة مني حتى تجِدَّ في ذلك، ولا يأتي عليك الحول حتى تفرغ منه إن شاء الله. فانصرف عمرو وجمع لذلك من الفَعَلة (العمال) ما بلغ منه ما أراد (أتم المهمة).
وحفر الخليج الذي في جانب الفسطاط الذي يقال له (خليج أمير المؤمنين) فساقه من النيل إلى القلزم (البحر الأحمر) فلم يأت الحول حتى جرت فيه السفن فحمل فيه ما أراد من الطعام إلى المدينة ومكة فنفع الله بذلك أهل الحرمين ... ثم لم يزل يُحمَل فيه الطعام حتى حمل فيه بعد عمر بن عبد العزيز، ثم ضيعه الولاة بعد ذلك فتُرك وغلب عليه الرمل فانقطع فصار منتهاه إلى ذنب التمساح من ناحية بطحاء القلزم (كنز العمال، 12/ 276).
هكذا كان الامراء وهكذا كان الولاة همهم رعاية من استرعاهم الله واستأمنهم اياهم، وهاهم من صنعتهم عقيدة الاسلام وفكره ومفاهيمه فبهداهم فليقتدي المقتدون والمصلحون .....رضي الله عنهم وارضاهم وعوضنا ربنا بهم امثالهم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.