عقيد التوحيد تقتضي فهم الاحدية ... (ج1)
بُعث النبي محمد صلى الله عليه واله ويلم وليس على وجه الارض موحدا خالص التوحيد، وقد قرض الموحدين فكر التجسيم والتجسيد لكل فكرة متخيلة او متصورة،بحيث لم يستطع العقل البشري استيعاب وجود مطلق عن حدود وقيود المادة المتمثلة في الماهية والصورة والجسم او الجسد، وكان للفلسفات السابقة الاثر الاكبر على اهل الاديان السابقة ومنهم اهل الكتاب الذين تاثروا بفلسفات الاغريق التي اعتبرت الواقع المادي المحسوس مقياسا لواقع عالم الغيب، او ما يعرف بما وراء الطبيعة مما لا يقع تحت مدارك الحس.
فلما اثبتوا بالعقل وجوب وجود خالق الوجود وان الوجود شاهدهم على وجوب وجوده وانه مدرك وجوده من اثاره في الوجود ، ولولا وجوب وجوده لما كان هناك وجود ، واختلفوا في ماهية هذا الخالق الموجد وتصوره وذهبوا في ذلك مذاهب شتى ، ولما كانت ذاته جل وعلا غائبة عن مدارك حواسهم وبالتالي ادراك عقولهم فذهبوا للقول بقياس الغائب على الحاضر، متناسين ان المماثلة والمقايسة والمابهة لا تكون الا بين متماثلين او متابهين او متجانسين ،ومن هنا دخل عليهم فكر التجسيد والتجسيم والتمثيل والمشابهة، وفسحوا المجال لمخيلاتهم لتتخيل صورا متعددة لللاله، بل عددوا الالهة واعتبروا ان الاله الاول هوجوهر وان الالهة الاخرى عرض لذلك الجوهر. بل ان بعصهم قال بوحدة الوجود مستندا الى ان الجوهر القائم بذاته افاض عنه الوجود فالموجودات اعراض لذلك الجوهر. ومن هنا كانت بداية الشرك المفلسف والذي اخذ مذاهب ومدارس شتى طال اثرها اهل رسالات التوحيد الذين حرفوا كتب رسالاتهم لتتوائم مع هذه الفلسفات الضالة المضلة. والى مثل ذلك التاثر اشار القران الكريم بقوله تعالى: ( {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ (30)التوبة }. والمضاهاة المشابهة زالمتابعة والمماثلة.
والعرب كغيرهم من الامم جزء من العالم يتاثرون يثقافاته وافكار اهله، لاختلاطهم بالامم الاخرى، فقد نقلوا عبادة الاصنام عن اهل الام وكانت عندهم رموزا مجسمة ومجسدة للالهة التي يعبدونها لتقربهم الى الله زلفى .
في هذا الوسط وفي هذا العالم المشحون بعقلية التجسيد والتجسيم والتصور المادي لكل وجود ، بحيث لا يتصور احد من بشىه وجودا بلا شكل متخيل او صورة متوهمة ، نشأ محمد صلى الله عليه وسلم ومكث بين ظهراني قومه اربعين سنة محاطا بالعناية والرعاية الالهية التي اختارته للنبوة و الرسالة. فرفض كل مظاهر الشرك من تجسيد وتجسيم وتصور وتصاوير للاه وتوجه بقلبه ةفكره لمن خلق السموات والارض وما فيهن ليهديه سبيل الهداية والرشاد، فاعتزل قومه وصعد يختلي بنفسه ويتعبد في قمة جبل النور ، واقام في غار ثور لا يذهب الى اهله الا ليتزود الزاد والماء فترة من الزمن، ليفاجئه الوحي بانه النبي المرسل للعالمين خاتما للانبياء والمرسلين .
وكان اول ما بدأ به النزول القراني هو حل مشكلة البشرية العقائدية في تصورها المادي الالهي فقال سبحانه وتعالى : [size=32]اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)[/size][size=32] .[/size]
وهذا من اسرار واشارات وايحاءات: (اقرأ باسم ربك) ومن اسرار (سبح اسم ربك الاعلى) ومن اسرار (فسبح باسم ربك العظيم) ومن اسرار ( بسم الله الرحمن الرحيم) التي التقطها صلى الله عليه وسلم ويجب ان يلتقطها ويعيها كل مخاطب بها ، والتي تعني انك لن تستطيع ادراك الا اسمه من خلال ادراك وجوب وجوده من اثاره المبثوثة في الوجود وانت ايها الانسان واحد منها. فتعاملك سيكون مع الاسم تبركا وتنزيها للذات العلية عن التجسيد والتجسيم وتصور الصورة و تخيل الماهية والكيفية والمماثلة والمشابهة ، فشتان بين الخالق والمخلوق.
فلما بلغ قومه بذلك وادركوا انه فارق عقيدتهم ومنهجهم وقلب تصورهم الموروث في الاعتقاد سخروا منه واتخذوه هزوا : ([size=40]وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ( التوبة 65)[/size]
فلما حار امرهم واستعجم فهمهم عن ادراك هذه الحقيقة المطلقة عن حدود المادة والمدركة الوجود عقلا ، واقروا بذلك كما سجل القران اعترافهم: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ (العنكبوت - 61) وفي قوله تعالىوَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ(87الزخرف) و كذلك في قوله تعالى وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۚ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ ۚ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ ۖ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38 الزمر) .
ولما لم يبق لهم حجة وبرهان يعجزونه به ارادوا ان يحرجوه في هذا الامر ، فتوحه اليه نفر منهم وقالوا يا محمد : صف لنا ربك الذي تدعونا لعبادته، اهو من ذهب ام من فضة ام من زبرجد ؟! وجاء نفر اخر منهم فسالوه يا محمد انسب لنا ربك؟؟!
الناظر في هذه الاسئلة يجد ان مدارها خول نسب الاله حيث السؤال محرج لتعطيم العرب للانساب واجلالها لقدرها وحيث ان العرب لا تذعن ولا تنقاد لمجهول النسب، ويجد ان سؤالهم الاول عن المعدن المكون للذات وهذ تاثر كما اشرنا انفا بالثقافات السائدة بين الامم ان ذاك.
وهنا يتولى الله تعالى الاجابة فاوحى لنبيه بالسورة التي سميت سورة الاخلاص لان من ادرك معانيها حقق الاخلاص في التوحيد والايمان، وسميت نسب الله تعالى، ولتلك المعاني التي حوتها عدلت ثلت القران، فقال سبحانه: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4).
قل يا محمد مجيبا لهم : هو اي الذي تتساءلون عنه، احدٌ ، وكلمة احد صفة عدد وليست عدد، وعادة تاتي في كلام العرب في مقام السلب اي النفي، فتقول ما رايت احد وما وجدت احد وما جائني احد وهكذا ، ولكنها هنا جاءت في مقام الايجاب والاثبات لتفيد السلب والنفي للجنس والنوع عن الله تعالى، فالاحد الذي لا ثاني له ولا جنس ولا نوع، قهو فريد متفرد في وجوده، ولا ينسب ولا ينتسب لامتناع النوع فامتنع بذلك التعدد. قال ابن كثير رحمه الله معنى الاحد :يعني : هو الواحد الأحد ، الذي لا نظير له ولا وزير ، ولا نديد ولا شبيه ولا عديل ، ولا يطلق هذا اللفظ على أحد في الإثبات إلا على الله عز وجل ; لأنه الكامل في جميع صفاته وأفعاله . , اللهُ الصمد: الذي لا يموت والذي لا يعتريه التبديل ولا التغير لعدم جريان الدهر واحوله عليه، والذي لا يستند في وجوده الى وجود وكل موجود يستند في وجوده الى وجوده. فلذلك: لم يلد ولم يولد، لان الولد حاجة الكبر والسن وهو صمد مستغن و قائم بذاته وكمال صفاته غني لا يحتاج، والولد يكون من تزاوج بين الجنس وهو لا جنس له ولا نوع، فامتنع القياس وامتنع التمثيل والتشبيه فلذلك : ولم يكن له كفوا احد، لان المكافأة تقتضي المماثلة والشبه والمقايسة، والتي امتنعت باحديته سبحانه وتفرده في الوجود فكان سبحانه كما وصف نفسه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) [الشورى:11].
اللهم علمنا القران وفقهنا اياته واحكامه واجعلنا من عبادك الموحدين المخلصين الصادقين اهل الحق واليقين وارزقنا تقواك في سرنا وعلننا
ولنا لقاء اخر ان شاء الله تعالى في نفس السياق ان بقينا من الاحياء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عدل سابقا من قبل محمد بن يوسف الزيادي في 2021-09-02, 1:33 pm عدل 1 مرات