{17-} الحلقة السابعة عشرة من اثر العبادات التربوي على النفس والسلوك :
الاقامة - اقامة الصلاة :-
في اللغة قام المرء اذا نهض من قعود ووقف منصبا ، وقام للشيء اذا تصدى له ووقف لتتميمه ، و الشيء القائم هو الدائم الثابت ومنه اسم الله تعالى القيوم ، اي الذي به تقوم الخلائق وتستند في وجودها الى وجوب وجوده، في حين لا يستند في وجوده الى وجود، فهو الغني القائم بذاته سبحانه ، و قام الشيء، أي: دام وثبت وظهر؛ و منه قولك: قام الحق، أي: ظهر وثبت.
و(إقامة) الصلاة شرعاً: هو الحث على النهوض لأدائها بأركانها، وسننها، وهيئاتها في أوقاتها تعبدا لله تعالى.
قال ابن عاشور رحمه الله: (إقامة) الصلاة استعارة تبعية، شُبهت المواظبة على الصلوات والعناية بها بجعل الشيء قائماً.
و(إقامة الصلاة) بمعنى النداء الذي بين الأذان والصلاة ليحث الناس للنهوض للصلاة التي امر الامام باقامتها لأدائها متوجها الى القبلة بوجهه والى ربه بقلبه وفكره ، والاقامة للصلاة تتم بكلمات الاذان مختصرا تكرارها ويزيد فيها المقيم قد قامت الصلاة ويكررها ، فيسن لمن يسمع الإقامة سواء كان إماما أو مأموما أن يقول عند قول المقيم (قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة)، أن يقول أقامها الله وأدامها وجعلني من أهلها.
ونلاحظ ان الله تعالى امرنا باقامة الصلاة في كل الايات التي امرت بالصلاة، وباقامة الصلاة وصف عباده المؤمنين قال الله تعالى:- (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَـٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴿١٨ التوبة﴾
فقرن اقامة الصلاة بعمارة المساجد والايمان بالله واليوم الاخر، فالعمل الحسي هنا هو عمارة المساجد ..
وقال سبحانه :- ( وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ ۚ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴿٧٢ الأنعام﴾
فربط هنا اقامة الصلاة بتقواه والايمان بيوم الحشر ..
وربط سبحانه ولاية البشرالتي تصح شرعا بالايمان، ووصف من يستحق الولاية من الخلق بمواظبته ودوامه على اقامة الصلاة في الحياة فقال : - ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴿٥٥ المائدة﴾
وقال سبحانه :- واصفا احوال امؤمنين : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴿٣ البقرة﴾
فربط هنا اقامة الصلاة بالايمان بالغيب الذي امرهم الله تعالى بالايمان به ، وربط الاقامة هنا بعمل حسي، الا وهو الانفاق من رزق الله والمكاسب التي يكتسبها الناس وقد مكنهم الله من الوصول اليها وحيازتها ...
ومن خلال هذه الايات وغيرها كثير نعلم ان اقامة الصلاة انما هي اقامتها في الحياة ، بمعنى ان تدرك الصلة بالله في كل عمل ومعاملة وسلوك تتصرفه ، فتأتي به بحسب شرعه طلبا لمرضاته ...
فلذلك كان من اهم صفات المؤمنين الذين ينصرهم ربهم على اعدائهم ويمكنهم في البلاد وحكم العباد انهم يقيمون الصلاة وما تأمرهم به من اعمال البر
قال تعالى :- ﴿ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾[ سورة الحج: 41]. فلذلك قال بعضهم اقاموا الصلاة اي اقاموا الاسلام واحكامه وشعائره ..قال ابن كثير :"وقال الصباح بن سوادة الكندي : سمعت عمر بن عبد العزيز يخطب وهو يقول : { الذين إن مكناهم في الأرض } الآية ، ثم قال : إلا أنها ليست على الوالي وحده ، ولكنها على الوالي والمولى عليه ، ألا أنبئكم بما لكم على الوالي من ذلكم ، وبما للوالي عليكم منه؟ إن لكم على الوالي من ذلكم أن يؤاخذكم بحقوق الله عليكم ، وأن يأخذ لبعضكم من بعض ، وأن يهديكم للتي هي أقوم ما استطاع ، وإن عليكم من ذلك الطاعة غير المبزوزة ولا المستكرهة ، ولا المخالف سرها علانيتها ".
فاذا اقمت الصلاة لأدائها ايها المسلم المؤمن فتذكر ان تقيمها في كل امرك وفي كل شأنك ، قال تعالى :-
( قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ (31 ابراهيم).
عدل سابقا من قبل محمد بن يوسف الزيادي في 2024-03-24, 2:40 am عدل 1 مرات