( من رحم النزوح )
( ثقافة لص )
لفتت انتباهي ابتسامة عريضة ترقص على ثغره و فرحة عامرة تغمر وجهه في وقت اندثرت تلك المشاعر على الساحة الغزيّة ، حسبته كائنا غريبا من عالم آخر تبدو عليه علامات الاحترام و الاتزان الاجتماعي فاستوقفته على الطرف الشمالي لمدينتي و سألته :
- أنا : كيف حالك أخي العزيز يعطيك ألف عافية هل يمكنني سؤالك من أين أنت آتٍ ؟ و كيف تبتسم و كل هذا القصف من حولنا ؟
هو : أنا عائد من صيد ثمين اشتريت بعض الأشياء من بعض الشقق و ازدادت ابتسامته ، و بالنسبة للمدافع و الصواريخ هي تصيب من له نصيب أن يكون جريحا أو شهيدا ، ثم ضحك و قال : الحياة حلوة .
و سكت هنيهة و أكمل حديثه : بالنسبة لابتسامتي فأنا لص محترم أبحث عن رزقي من أوسع الأبواب أُُخرج منها ما تبقى بعد قصف البيوت من طناجر و فراش و أنابيب غاز و غيرها و أطلب في السعر عشرة أضعاف لأن المعابر مقفلة و البضاعة نادرة .
- انا : هل أنت راضٍ عن نفسك ؟
- هو : و لِمَ لا ، مهنة السرقة فيها شقاء و كد و خوف و حركة و الحركة بركة .
- أنا : هل يعلمون أهلك أنك لص ؟
- هو : لا يجب عليّ إخبارهم بذلك ، المهم عندي يأكلون و يشربون و لا يحتاجون أحدا .
نظرت إلى وجهه و رأيت فجأة تغير حالته حيث ارتسمت تعابير الأسى و الحزن و التعب على جبينه و كأنه رجع من عالمه إلى عالمنا الغزّيّ المعاصر و تنهد تنهيدة ممتزجة بشقاء الروح و ذل الحاجة و تعاسة الحظ و أردف قائلا : أنا الابن الوحيد لأمي و أبي و أخواتي سبع بنات لذلك أنا مسؤول عنهم لا يهمني مصدر الطعام بل تواجد الطعام نفسه في دارنا .
يا أختي العزيزة بالنسبة للحلال و الحرام فالله رب العباد و هو يغفر لي ما دمتُ قائما على إطعام أهلي و التضحية من أجلهم .
- أنا : و ماذا أيضا ؟ شعرت برغبته في الاسترسال تبعا للحكمة التي مفادها ( الغريب مؤتمن على أسرار الأسرار اكثر من القريب ) تركته ينظر إلى السماء مليّا ثم عاد أدراجه للحديث .
- هو : أنا متعلم حصلت على بكالوريس في علم الاجتماع تقدير - جيد جدا - و لم تسنح لي الفرصة بالوظيفة لغياب السند الوظيفي و تعرضت لمواقف عديدة أثناء بحثي عن رزقي لذلك اقتنعت أن السرقة مكسب مادي مشروع و شرعي طالما لا أؤذي أحدا .
- انا : و كيف ذلك و أنت تسرق تعب و شقاء الناس بدون وجه حق ؟
- هو : نحن نسرق لنعيش و لا نعيش كي نسرق فهذا المبدأ الذي أحيا به ، ما زالت بداخلي بقايا المدينة الفاضلة ، و تراجع إلى الوراء قليلا كأنه يريد شرح كينونة تضاريس الحياة لي و أردف يجسد رأيه ( اللّصوصيّة منهج محترم له قوانينه المهم ألا أقتل أو أؤذي أحدا ) .
- أنا : ألا تحلم أن تكون موظفا محترما ؟
- هو : السرقة أيضا وظيفة محترمة ، كل الذين تعلمت على ايديهم السرقة هم موظفين ، و هم كبار في المنطقة فلان و فلان و فلان و كله تحت راية الدّين و التّين ، و يعيشون من أجل السرقة و انا اسرق لأعيش و شتان بيننا في المعنى و التاثير .
نظرت إليه نظرة حائرة غريبة و نظر إليُ قائلا : يا أختي العزيزة أنا لص مثقف محترم متعلم متزن و أعتز بنفسي كما يعتزون بأنفسهم .
- انا : بإذن الله نلتقي في ظروف أحسن من هذه الأيام .
و غادرنا المكان و لم يسأل أيّ منا عن اسم الآخر او عنوانه .
# ملاحظة : هذه قصة حقيقية حدثت بيني و بين السارق .
د . رغدة محمود حمد
شمال غزة مدينة الشيخ زايد
( ثقافة لص )
لفتت انتباهي ابتسامة عريضة ترقص على ثغره و فرحة عامرة تغمر وجهه في وقت اندثرت تلك المشاعر على الساحة الغزيّة ، حسبته كائنا غريبا من عالم آخر تبدو عليه علامات الاحترام و الاتزان الاجتماعي فاستوقفته على الطرف الشمالي لمدينتي و سألته :
- أنا : كيف حالك أخي العزيز يعطيك ألف عافية هل يمكنني سؤالك من أين أنت آتٍ ؟ و كيف تبتسم و كل هذا القصف من حولنا ؟
هو : أنا عائد من صيد ثمين اشتريت بعض الأشياء من بعض الشقق و ازدادت ابتسامته ، و بالنسبة للمدافع و الصواريخ هي تصيب من له نصيب أن يكون جريحا أو شهيدا ، ثم ضحك و قال : الحياة حلوة .
و سكت هنيهة و أكمل حديثه : بالنسبة لابتسامتي فأنا لص محترم أبحث عن رزقي من أوسع الأبواب أُُخرج منها ما تبقى بعد قصف البيوت من طناجر و فراش و أنابيب غاز و غيرها و أطلب في السعر عشرة أضعاف لأن المعابر مقفلة و البضاعة نادرة .
- انا : هل أنت راضٍ عن نفسك ؟
- هو : و لِمَ لا ، مهنة السرقة فيها شقاء و كد و خوف و حركة و الحركة بركة .
- أنا : هل يعلمون أهلك أنك لص ؟
- هو : لا يجب عليّ إخبارهم بذلك ، المهم عندي يأكلون و يشربون و لا يحتاجون أحدا .
نظرت إلى وجهه و رأيت فجأة تغير حالته حيث ارتسمت تعابير الأسى و الحزن و التعب على جبينه و كأنه رجع من عالمه إلى عالمنا الغزّيّ المعاصر و تنهد تنهيدة ممتزجة بشقاء الروح و ذل الحاجة و تعاسة الحظ و أردف قائلا : أنا الابن الوحيد لأمي و أبي و أخواتي سبع بنات لذلك أنا مسؤول عنهم لا يهمني مصدر الطعام بل تواجد الطعام نفسه في دارنا .
يا أختي العزيزة بالنسبة للحلال و الحرام فالله رب العباد و هو يغفر لي ما دمتُ قائما على إطعام أهلي و التضحية من أجلهم .
- أنا : و ماذا أيضا ؟ شعرت برغبته في الاسترسال تبعا للحكمة التي مفادها ( الغريب مؤتمن على أسرار الأسرار اكثر من القريب ) تركته ينظر إلى السماء مليّا ثم عاد أدراجه للحديث .
- هو : أنا متعلم حصلت على بكالوريس في علم الاجتماع تقدير - جيد جدا - و لم تسنح لي الفرصة بالوظيفة لغياب السند الوظيفي و تعرضت لمواقف عديدة أثناء بحثي عن رزقي لذلك اقتنعت أن السرقة مكسب مادي مشروع و شرعي طالما لا أؤذي أحدا .
- انا : و كيف ذلك و أنت تسرق تعب و شقاء الناس بدون وجه حق ؟
- هو : نحن نسرق لنعيش و لا نعيش كي نسرق فهذا المبدأ الذي أحيا به ، ما زالت بداخلي بقايا المدينة الفاضلة ، و تراجع إلى الوراء قليلا كأنه يريد شرح كينونة تضاريس الحياة لي و أردف يجسد رأيه ( اللّصوصيّة منهج محترم له قوانينه المهم ألا أقتل أو أؤذي أحدا ) .
- أنا : ألا تحلم أن تكون موظفا محترما ؟
- هو : السرقة أيضا وظيفة محترمة ، كل الذين تعلمت على ايديهم السرقة هم موظفين ، و هم كبار في المنطقة فلان و فلان و فلان و كله تحت راية الدّين و التّين ، و يعيشون من أجل السرقة و انا اسرق لأعيش و شتان بيننا في المعنى و التاثير .
نظرت إليه نظرة حائرة غريبة و نظر إليُ قائلا : يا أختي العزيزة أنا لص مثقف محترم متعلم متزن و أعتز بنفسي كما يعتزون بأنفسهم .
- انا : بإذن الله نلتقي في ظروف أحسن من هذه الأيام .
و غادرنا المكان و لم يسأل أيّ منا عن اسم الآخر او عنوانه .
# ملاحظة : هذه قصة حقيقية حدثت بيني و بين السارق .
د . رغدة محمود حمد
شمال غزة مدينة الشيخ زايد